ايصال الطالب إلى المكاسب المجلد 8

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: الحسيني الشيرازي، محمد، 1380 - 1305، شارح

عنوان واسم المؤلف: ايصال الطالب الي المكاسب: شرح واف بغرض الكتاب، تيعرض لحل مشكلاته و ابداآ مقاصد في ايجاز و توضيح/ محمد الحسيني الشيرازي

تفاصيل المنشور: تهران : موسسة كتابسراي اعلمي ، 1385.

خصائص المظهر: ج 16

شابك : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):

لسان : العربية

ملحوظة : الفهرسة على أساس المعلومات فيپا

ملحوظة : هذا الكتاب هو وصف"المكاسب مرتضي بن محمد امين انصاري" يكون

عنوان آخر: المكاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1281 - 1214ق. المكاسب -- نقد و تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

المعرف المضاف: انصاري، مرتضي بن محمدامين ، 1281 - 1214ق. المكاسب. شرح

ترتيب الكونجرس: BP190/1/الف8م702133 1385

تصنيف ديوي: 297/372

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 85-16816

ص: 1

اشارة

ص: 2

الجزء الثامن

[ مقدمة المؤلف ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحمد للّه رب العالمين وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين وبعد فهذا هو القسم الرابع من البيع من كتابنا ( ايصال الطالب ) في شرح الكتاب المعظم ( المكاسب ) للشيخ الفذّ آية اللّه الشيخ مرتضى الأنصاري قدس سره .

كتبته عسى ان يستفيد به المبتدى .

وجعله اللّه ذخرا ليوم فاقتي .

كربلاء المقدسة محمد بن المهدى الحسيني الشيرازي

ص: 3

[ تتمة كتاب البيع ]

[ تتمة الكلام في شروط المتعاقدين ]

[ تتمة مسألة ومن شروط المتعاقدين أن يكونا مالكين أو مأذونين من المالك أو الشارع ]

[ مسائل متفرقة ]

مسئلة : لو لم يجز المالك ، فإن كان المبيع في يده فهو ، والا فله انتزاعه

ممن وجده في يده ، مع بقائه ويرجع بمنافعه المستوفاة وغيرها على الخلاف المتقدم في البيع الفاسد ، ومع التلف يرجع إلى من تلف عنده ، بقيمته يوم التلف ، أو بأعلى القيم ، من زمان وقع في يده

_________________________

( مسئلة ) من توابع الإجازة والرد ( لو لم يجز المالك ) عقد الفضول ( فإن كان المبيع في يده ) اى يد المالك ( فهو ، والا فله ) اى للمالك ( انتزاعه ) اى المبيع ( ممن وجده في يده ) سواء البائع ، أو المشترى الأول ، أو غيره ! ( مع بقائه ) اى المبيع موجودا بذاته ( ويرجع ) المالك أيضا ( بمنافعه المستوفاة ) كثمرة البستان ، ولبن الانعام ، وما أشبه ( وغيرها ) اى المنافع غير المستوفاة ، كما لو كانت دارا ، وكان إيجارها مائة ولم يستوف الغاصب ، أو المشترى الايجار ، فان للمالك اخذ الايجار من الغاصب ( على الخلاف المتقدم في ) باب ( البيع الفاسد ) في انه هل للمالك استيفاء المنافع غير المستوفاة ، أم لا ؟ ( ومع التلف ) للمبيع ، كما لو ماتت الدابة عند المشترى الفضولي ( يرجع ) المالك ( إلى من تلف عنده ) اى ان قرار الضمان عليه ، وإن كان يحق للمالك الرجوع إلى كل من وضع يده على الملك ، سواء كان عالما بأنه مال المالك ، أم جاهلا ، ( بقيمته يوم التلف ) سواء كانت أزيد ، أو أقل ، أو مساوية لقيمته السابقة على المتلف . ( أو بأعلى القيم ، من زمان وقع في يده ) اى في يد من تلف

ص: 4

ولو كان قبل ذلك في ضمان آخر ، وفرض زيادة القيمة عنده ثم نقصت عند الأخير اختص السابق بالرجوع بالزيادة عليه ، كما صرح به جماعة في الا يدي المتعاقبة هذا كله حكم المالك مع المشترى .

واما حكم المشترى مع الفضولي ، فيقع الكلام فيه تارة في الثمن وأخرى فيما يغرمه للمالك زائدا على الثمن ،

_________________________

عنده ، فمثلا : غصبه الغاصب وقيمته مائة ، وباعه ، فتراوحت قيمته عند المشترى من التسعين إلى عشرين ، فان للمالك ان يأخذ تسعين من المشترى الّذي تلف المال عنده ( ولو كان ) المال ( قبل ذلك ) التلف في يد المشترى - مثلا - ( في ضمان ) انسان ( آخر ) كما لو كان في ضمان الغاصب البائع ( وفرض زيادة القيمة عنده ) كما مثلنا بان قيمته كانت مائة حين كان في يد البائع ( ثم نقصت ) القيمة ( عند الأخير ) كما لو صارت تسعين - كما في المثال - ( اختص السابق ) كالغاصب - في المثال - ( بالرجوع بالزيادة عليه ) اى على ذلك السابق ، فيأخذ المالك العشرة منه ، والتسعين من المشترى ( كما صرح به جماعة في الا يدي المتعاقبة ) على مال ( هذا كله حكم المالك مع المشترى ) الّذي يأخذ منه أعلى القيم ويأخذ الزائد من البائع .

( واما حكم المشترى مع الفضولي ، فيقع الكلام فيه تارة في الثمن ) الّذي دفعه المشترى إلى الفضول ، وقد اخذه المالك من المشترى أو اخذ منه عين المال ( وأخرى فيما يغرمه ) المشترى ( للمالك زائدا على الثمن ) كما لو دفع إلى الفضول عشرة ثمنا للكتاب ، ثم ترقى الكتاب

ص: 5

فهنا مسئلتان

الأولى : انه يرجع عليه بالثمن ان كان جاهلا بكونه فضوليا ،

سواء كان باقيا ، أو تالفا .

ولا يقدح في ذلك اعترافه بكون البائع مالكا ، لان اعترافه مبنى على ظاهر يده .

_________________________

تلف ، فاخذ المالك منه عشرين ، فان العشرة الزائدة هل تذهب من كيس المشترى ، أو كيس الفضول ؟

( فهنا مسئلتان ) .

المسألة ( الأولى : انه ) اى المشترى ( يرجع عليه ) اى على الفضول ( بالثمن ) الّذي دفعه المشترى إلى الفضول ( ان كان ) المشترى ( جاهلا بكونه ) اى البائع ( فضوليا ، سواء كان ) المال ( باقيا ، أو تالفا ) فإن كان المال باقيا اخذ المالك عين المال ، وان كان تالفا اخذ بدله .

وعلى كل فقد خسر المشترى الثمن والمثمن ، فهو يرجع إلى الفضول بالثمن .

( ولا يقدح في ذلك ) اى في رجوع المشترى بالثمن إلى الفضول ( اعترافه ) اى المشترى ( بكون البائع مالكا ) .

وجه القدح : انه حيث اعترف بذلك حال العقد ، يكون يرى المالك غاصبا ، ومن المعلوم : انه لو سلب الغاصب من المشترى شيئا لم يكن للمشترى الرجوع به إلى البائع ( لان اعترافه مبنى على ظاهر يده ) ومثل هذا الاعتراف لا يوجب ذهاب احترام مال المعترف ، لو تبين بطلان اعترافه ، بان ظهران المثمن لم يكن للبائع .

ص: 6

نعم : لو اعترف به على وجه يعلم عدم استناده إلى اليد ، كأن يكون اعترافه بذلك بعد قيام البينة ، لم يرجع بشيء .

ولو لم يعلم استناد الاعتراف إلى اليد ، أو إلى غيره ، ففي الاخذ بظاهر الحال ، من استناده إلى اليد ، أو بظاهر لفظ الاقرار من دلالته

_________________________

( نعم لو اعترف ) المشترى ( به ) اى بكون المثمن للبائع ( على وجه يعلم عدم استناده إلى اليد ، كان يكون اعترافه بذلك ) اى بكون المال للبائع ( بعد قيام البينة ) بان المال للبائع ( لم يرجع بشيء ) لان المشترى حينذاك معترف بان من ادعى الملك لاحق له في ذلك ، فليس له ان يأخذ بدل المال من البائع ، لان حال المشترى حينئذ حال من اخذ الغاصب المال منه ، واىّ ربط للبائع فيما لو غصب غاصب مال المشترى .

ثم الفرق بين البيّنة واليد : ان البيّنة - وان علم خطائه - لا يحق رفع اليد عنها ، الا بدليل ، بخلاف : اليد ، فإنه يحق رفع اليد عنها إذا علم بخطئها .

نعم : لا فرق في مرحلة الواقع بين الامرين ، فيحق للمشترى التّقاص واقعا ، فتأمل .

( ولو لم يعلم استناد الاعتراف ) من المشترى بان المال للبائع ( إلى اليد ، أو إلى غيره ) كالبيّنة ( ففي الاخذ بظاهر الحال ، من استناده إلى اليد ) فللمشتري الحق في الرجوع إلى البائع ( أو بظاهر لفظ الاقرار ) اى اقرار المشترى ، لأنه مقربان المال للبائع ( من دلالته ) اى اقرار المشترى

ص: 7

على الواقع ، وجهان وان كان عالما بالفضولية ، فإن كان الثمن باقيا استرده ، وفاقا للعلامة ، وولده ، والشهيدين والمحقق الثاني ره إذ :

لم يحصل منه ما يوجب انتقاله عنه شرعا .

ومجرد تسليطه عليه لو كان موجبا لانتقاله لزم الانتقال في البيع الفاسد ، لتسليط كل من المتبايعين صاحبه على ماله

_________________________

( على الواقع ، وجهان ) لتعارض الظاهرين ، ولا مرجّح لأحدهما على الآخر .

ولا يخفى : ان الكلام يحتاج إلى تفصيل ان المراد بالاخذ فيما لو علم المشترى بان المال لم يكن للبائع .

أو ان ورثة المشترى - مثلا - أرادوا الرجوع ، لان المشترى اعترف لديهم بالعلم ( وان كان ) المشترى - حين الاشتراء من البائع - ( عالما بالفضولية ، فإن كان الثمن باقيا ) لدى البائع الفضول ( استردّه ، وفاقا للعلامة ، وولده ، والشهيدين ، والمحقق الثاني ره إذ : لم يحصل منه ) اى من المشترى ( ما يوجب انتقاله ) اى الثمن ( عنه شرعا ) .

ولا يخفى : ان استرداده ليس خاصّا بصورة رجوع المالك إلى المشترى ، إذ : الثمن للمشترى ، سواء رجع البائع إليه ، أم لا

( و ) ان قلت : قد سلط المشترى البائع على مال نفسه ، فكيف يرجع إليه .

قلت : ( مجرد تسليطه ) اى المشترى ، البائع ( عليه ) اى على ماله ( لو كان موجبا لانتقاله ) اى انتقال المال إلى البائع ( لزم الانتقال في البيع الفاسد ) أيضا ( لتسليط كل من المتبايعين صاحبه على ماله ) مع أنهم

ص: 8

ولان الحكم بصحة البيع لو أجاز المالك هو المشهور يستلزم تملك المالك للثمن ، فان تملكه البائع قبله يلزم قوات محل الإجازة ، لان الثمن انما ملكه الغير ، فيمتنع تحقق الإجازة ، فتأمل .

وهل يجوز للبائع التصرف فيه ؟

_________________________

لا يقولون بذلك .

ووجهه : ان التسليط على قسمين .

الأول : التسليط المجاني ، وهذا إذا وجد فيه شروط الهبة ، أو كان اعراضا لم يكن للمسلط الرجوع فيه - فيما إذا كانت هبة لازمة - .

الثاني : التسليط بمقابل ، فإذا لم يكن في مقابل التسليط شيء واقعا لم يكن تسليط حتى لا يجوز للمسلط الرجوع انى ماله ( ولان الحكم ) اى حكمنا ( بصحة البيع ) الفضولي ( لو أجاز المالك ) كما ( هو المشهور ) حيث يقولون : بصحة الفضولي مع إجازة المالك ( يستلزم تملك المالك للثمن ) لان معنى الصحة ، هو تملك المالك للثمن ، وتملك المشترى للمثمن ( فان تملكه ) اى الثمن ( البائع ) الغاصب ( قبله ) اى قبل المالك ( يلزم فوات محل الإجازة ، لان الثمن انما ملكه الغير ) الّذي هو الغاصب ( فيمتنع تحقق الإجازة ) إذ : يكون المعوض حينئذ بدون عوض ( فتأمل ) إذ : يمكن ان يقال إن لزوم فوت محل الإجازة انما هو فيما إذا ملكه قبلها مطلقا ، واما إذا كان التمليك مراعى بعدم الإجازة فلا يفوت محل الإجازة .

( وهل يجوز للبائع التصرف فيه ) اى في الثمن فيما إذا كان

ص: 9

وجهان ، بل قولان أقواهما العدم ، لأنه اكل مال بالباطل ، هذا كله :

إذا كان باقيا ، واما لو كان تالفا فالمعروف عدم رجوع المشترى ، بل المحكى عن العلامة ، وولده ، والمحقق ، والشهيد الثانيين ، وغيرهم الاتفاق عليه .

ووجهه كما صرح به بعضهم كالحلى ، والعلامة ، وغيرهما ، ويظهر من آخر ، أيضا انه سلّطه على ماله بلا عوض .

_________________________

المشترى عالما بالفضولية وان البائع غاصب ( وجهان ، بل قولان ) .

الأول : الجواز ، لان المشترى هو الّذي أباح ماله للغاصب ، ولكن ( أقواهما العدم ، لأنه اكل مال بالباطل ) والمشترى لم يبح ماله مطلقا ، بل إباحة معاملية .

فحاله حال إباحة المقامر ماله لمن غلبه ، ومعطى الربا ماله للمرابى حيث إن الإباحة ليست مطلقة فيدخل في اكل مال الغير بلا سبب شرعي ( هذا كله : إذا كان ) المال ( باقيا ، واما لو كان تالفا ) في يد البائع ( فالمعروف ) بين الفقهاء ( عدم رجوع المشترى ) على البائع في اخذ ماله منه ( بل المحكى عن العلامة ، وولده ، والمحقق ، والشهيد الثانيين ، وغيرهم الاتفاق عليه ) .

( ووجهه ) اى وجه عدم الرجوع ( كما صرح به بعضهم كالحلى ، والعلامة ، وغيرهما ، ويظهر من آخر ، أيضا انه ) اى المشترى ( سلّطه ) اى البائع ( على ماله بلا عوض ) فلا مجال لرجوعه إليه .

ص: 10

توضيح ذلك : ان الضمان اما لعموم : على اليد ما اخذت ، واما لقاعدة : الاقدام على الضمان الّذي استدل به الشيخ ، وغيره ، على الضمان ، في فاسد ما يضمن بصحيحه .

والأول مخصص بفحوى ما دل على عدم ضمان من استأمنه المالك ودفعه إليه لحفظه ، كما في الوديعة ، أو الانتفاع به كما في العارية ، أو استيفاء المنفعة منه ، كما في العين المستأجرة ،

_________________________

( توضيح ذلك ) الوجه ( ان الضمان ) اى ضمان اىّ شخص ( امّا لعموم : على اليد ما اخذت ) حتى تؤدّى ( وامّا لقاعدة : الاقدام على الضمان ) فان كل من اقدم على ضمان شيء ، يكون ضامنا له ، ولذا لو قال :

القه في البحر ، وعليّ بدله يكون ضامنا لبدله ( الّذي استدل به الشيخ وغيره ، على الضمان ، في فاسد ما يضمن بصحيحه ) اى ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده .

اما الضمان بالصحيح ، فللأدلة .

واما الضمان بالفاسد ، فلان الضامن اقدم هو بنفسه على الضمان فيكون ضامنا .

( والأول ) اى عموم : على اليد ( مخصّص بفحوى ما دل على عدم ضمان من استأمنه المالك ) اى جعله أمينا ( ودفعه ) اى المال ( إليه ) اى إلى المستأمن ( لحفظه ) اى حفظ المال ( كما في الوديعة ، أو الانتفاع به كما في العارية ، أو استيفاء المنفعة ) المستحقة ( منه ، كما في العين المستأجرة ) فإنه إذا تلف العين في هذه الموارد بدون تقصير لم يكن :

ص: 11

فان الدفع على هذا الوجه ، إذا لم يوجب الضمان ، فالتسليط على التصرف فيه ، واتلافه مما لا يوجب ذلك بطريق أولى .

ودعوى : انه انما سلطه في مقابل العوض - لا مجانا - حتى يشبه الهبة الفاسدة التي تقدم على الضمان فيها .

مندفعة : بأنه انما سلطه في مقابل ملك غيره ، فلم يضمنه - في الحقيقة شيئا من كيسه ، فهو يشبه الهبة الفاسدة ، والبيع بلا ثمن ، والإجارة بلا اجرة

_________________________

من تلف عنده ضامنا .

( فان الدفع ) اى دفع المالك ماله ( على هذا الوجه ) اى وديعة وعارية ، وإجارة ( إذا لم يوجب الضمان ، فالتسليط ) اى تسليط المالك ( على التصرف فيه ، واتلافه ) كما في ما نحن فيه ( مما لا يوجب ذلك ) الضمان ( بطريق أولى ) إذ : هناك التسليط ليس بمجانى ، وللاتلاف ، وهنا :

التسليط مجانى وللاتلاف .

( ودعوى : انه ) اى المالك ( انما سلّطه ) اى سلّط الغاصب ( في مقابل العوض ) الّذي هو مال الغير ( - لا مجانا - حتى يشبه الهبة الفاسدة ) في عدم الضمان ( التي تقدم على الضمان فيها ) اى في الهبة الفاسدة .

( مندفعة : بأنه انما سلطه في مقابل ملك غيره ) لان العوض لم يكن مال البائع ( فلم يضمنه ) اى لم يضمن المشترى البائع ( - في الحقيقة - ) والواقع ( شيئا من كيسه ) اى كيس البائع ( فهو ) اى التسليط للغاصب ( يشبه الهبة الفاسدة ، والبيع بلا ثمن والإجارة بلا اجرة

ص: 12

التي قد حكم الشهيد وغير واحد ، بعدم الضمان فيها .

ومن ذلك يعلم : عدم جريان الوجه الثاني للضمان ، وهو الاقدام على الضمان ، هنا ، لان البائع لم يقدم على ضمان الثمن ، الا بما علم المشترى انه ليس ملكا له .

فان قلت : تسلّطه على الثمن بإزاء مال الغير لبنائه - ولو عدوانا - على كونه

_________________________

التي قد حكم الشهيد وغير واحد ) اى متعدد من الفقهاء ( بعدم الضمان فيها ) اى في المذكورات ، إذا تلفت العين في الهبة ، والبيع ، والإجارة .

( ومن ذلك ) اى وجه عدم جريان الوجه الأول للضمان ، وهو :

عموم على اليد ( يعلم : عدم جريان الوجه الثاني للضمان ، وهو الاقدام على الضمان هنا ) اى في من سلّط الغاصب على ماله - وهو المشترى - ( لان البائع ) الغاصب ( لم يقدم على ضمان الثمن ، الا بما ) اى في مقابل المثمن الّذي ( علم المشترى ) ب ( انه ليس ملكا له ) وهذا ليس اقداما على الضمان حتى يوجب الضمان .

( فان قلت ) كلّا ، فلقد اقدم البائع الغاصب على الضمان ، لأنه قال للمشترى : انا ضامن لثمنك في مقابل مالي الّذي هو المثمن - وانما كان المثمن ماله الا دعائي لا الواقعي - .

فقولكم : ان البائع لم يقدم على الضمان ، ليس بتام ، فان ( تسلطه ) اى تسلط البائع ( على الثمن ) ليس مجانا ، وانما هو ( بإزاء مال الغير لبنائه ) اى الغاصب ( - ولو عدوانا - ) فيما يعلم أنه مال الغير ( على كونه )

ص: 13

ملكا له ، ولولا هذا البناء ، لم يتحقق مفهوم المعاوضة ، كما تقدم في تصحيح بيع الغاصب لنفسه ، فهو انما سلطه على وجه يضمنه بماله ، الا ان كلا منهما لما قطع النظر عن حكم الشارع بعدم ملكية البائع للمثمن ، وتعاقدا معرضين عن ذلك ، كما هو الشأن في المعاوضات الواردة على أموال الناس بين السراق والظلمة ، بل بنى المشترى على كون المثمن ملكا للبائع ، فالتسليط ليس مجانا .

_________________________

اى مال الغير ( ملكا له ) اى لنفسه ( ولولا هذا البناء ، لم يتحقق مفهوم المعاوضة ) إذ : لا معنى لان يخرج المثمن من ملك المالك ، ويدخل الثمن في ملك الغاصب ( كما تقدم ) كون البائع يبنى بان المال له ( في تصحيح بيع الغاصب لنفسه ) والا لم يكن وجه للصحة ( فهو ) اى المشترى لم يسلط الغاصب مجانا ، على الثمن ، بل ( انما سلطه على وجه يضمنه ) الغاصب ( بماله ) .

منتهى الامر : ان كونه مالا للغاصب ادعائى ، لا حقيقي ( الا ان كلا منهما ) البائع والمشترى ( لما قطع النظر عن حكم الشارع بعدم ملكية البائع للمثمن ) إذ : الشارع لا يعترف بان المثمن ملك للغاصب ( و ) عليه ( تعاقدا ) حالكونهما ( معرضين عن ذلك ، كما هو الشأن في المعاوضات الواردة على أموال الناس بين السراق والظلمة ، بل بنى المشترى على كون المثمن ملكا للبائع ، فالتسليط ) من المشترى للبائع على الثمن ( ليس مجانا ) وبلا عوض .

ص: 14

وتضمينه البائع بمقابل الثمن من ماله حقيقي ، الا ان كون المثمن مالا له ادعائى ، فهو كما لو ظهر المثمن المعين ملكا للغير ، فان المشترى يرجع إلى البائع بالثمن مع التلف اتفاقا .

مع أنه انما ضمنه الثمن بإزاء هذا الشيء الّذي هو مال الغير .

فكما ان التضمين هنا حقيقي ، وكون

_________________________

( وتضمينه ) مبتدأ ، خبره : حقيقي ، اى تضمين المشترى ( البائع ) الغاصب ( بمقابل الثمن ) في حال كون ذلك المقابل ( من ماله ) اى مال البائع ( حقيقي ) فالتسليط ليس مجانيا ( الا ان كون المثمن مالا له ) اى للبائع ( ادعائى ) لان الغاصب يدعى - ادعاء - كونه مالكا للمثمن ( فهو ) اى حال ما نحن فيه من رجوع المشترى إلى البائع الغاصب بثمنه ( كما لو ظهر المثمن المعين ملكا للغير ) بان لم يكن المثمن كليا ، حتى يلزم تبديله على صاحب المثمن ، فإنه إذا ظهر المثمن ملكا للغير ( فان المشترى يرجع إلى البائع بالثمن مع التلف ) للثمن ( اتفاقا ) بين العلماء ، إذ :

البائع قد اتلف الثمن ، ولم يعط شيئا بإزائه للمشترى ، إذ : المعوض قد ظهر كونه للغير ، فيكون يد البائع على الثمن يد ضمان .

( مع أنه ) اى المشترى ( انما ضمنه ) اى جعل البائع ضامنا ( الثمن بإزاء هذا الشيء ) المثمن المعين ( الّذي هو مال الغير ) لكن لما رجع ذلك الغير إلى المشترى ، لاخذ ماله أو بدله ، كان للمشترى الرجوع إلى البائع لاخذ ماله إذا كان موجودا ، أو بدله إذا كان تالفا .

( فكما ان التضمين هنا ) - فيما لو ظهر العين ملكا للغير - ( حقيقي ، وكون

ص: 15

المثمن مالا له اعتقادي ، لا يقدح تخلفه في التضمين ، فكذلك بناء المشترى فيما نحن فيه على ملك المثمن عدوانا لا يقدح في التضمين الحقيقي بماله .

قلت : الضمان كون الشيء في عهدة الضامن ، وخسارته عليه ، وإذا كان المضمون به ملكا لغير الضامن واقعا فلا يتحقق الضمان

_________________________

المثمن مالا له ) اى للبائع ( اعتقادي ) لاعتقاد البائع ان المثمن ماله ( لا يقدح ) خبر : ان التضمين ( تخلّفه ) اى ظهور خلافه - اى خلاف كون المثمن المعين مالا للبائع - و : تخلّفه ، فاعل : لا يقدح ، ( في التضمين ) اى في تضمين المشترى للبائع ( فكذلك بناء المشترى فيما نحن فيه ) اى بيع الغاصب مع علم المشترى انه غاصب ( على ملك ) البائع ( المثمن عدوانا ) اى بناء عدوانيا ، إذ : مع علم المشترى بان البائع غاصب يكون بنائه عدوانيا ( لا يقدح ) هذا البناء من المشترى ( في التضمين الحقيقي ) للبائع ( بماله ) اى بمال المشترى .

والحاصل : ان حال علم المشترى بكون المثمن ليس مالا للبائع ، مثل حاله بكون المثمن مالا له - والحال انه ليس ماله في الواقع - ففي كلتا الصورتين يعطى المشترى المثمن للبائع مضمنا له ، فإذا اخذ المثمن مالكه ، كان للمشترى الرجوع إلى الثمن .

( قلت : الضمان كون الشيء في عهدة الضامن ، وخسارته عليه ) اى على الضامن ( وإذا كان المضمون به ) اى المثمن الّذي هو مضمون بمقابل الثمن ( ملكا لغير الضامن واقعا ) كما في ما نحن فيه فان المثمن ليس ملكا للغاصب الضامن ، وانما لمالكه المغصوب منه ( فلا يتحقق الضمان

ص: 16

الحقيقي مع علمهما بذلك .

وما ذكر من بناء المتعاقدين في هذا العقد على كون المثمن ملكا للبائع الغاصب - مع كونه مال الغير - فهو انما يصحح وقوع عقد التمليك والتملك منهما ادعاء ، مع عدم كون البائع اهلا لذلك في الواقع ، والا فاصل المعاوضة حقيقة بين المالكين والضمان والتضمين الحقيقي بالنسبة إليهما .

_________________________

الحقيقي مع علمهما ) اى علم البائع والمشترى ( بذلك ) اى بان المضمون به ملكا لغير الضامن ، فإذا اخذ المالك المال من المشترى ، لم يكن للمشترى الرجوع إلى البائع بثمنه ، لعدم تحقق الضمان الحقيقي .

( وما ذكر ) المستدل ، لاثبات الضمان على الغاصب ( من بناء المتعاقدين في هذا العقد ) اى العقد الواقع بين المشترى العالم والغاصب ، فيما إذا تلف الثمن ، واخذ المالك المال ( على كون المثمن ملكا للبائع الغاصب - مع كونه مال الغير - ) واقعا ( فهو ) لا يصحح ضمان الغاصب لما اخذه من الثمن بعد تسليط المشترى للبائع على ثمنه مجانا ، بل ( انما يصحح وقوع عقد التمليك والتملك منهما ادعاء ، مع عدم كون البائع اهلا لذلك ) التمليك والتملك ( في الواقع ) لأنه لا شيء له حتى يكون طرفا ( وإلا فأصل المعاوضة حقيقة بين المالكين ) مالك المثمن ومالك الثمن ( والضمان والتضمين الحقيقي بالنسبة إليهما ) فالمشترى يضمن المالك الحقيقي ، بأنه ان عطب المثمن يرجع إليه في استرداد ثمنه ، كما يضمن المشترى على نفسه ، ان عطب الثمن يرجع عليه مالك المثمن

ص: 17

ولذا ينتقل الثمن إلى مالك المبيع ، ويدخل في ضمانه بمجرد الإجازة .

والحاصل : انه لا تضمين حقيقة في تسليط المشترى البائع على الثمن .

واما رجوع المشترى مع اعتقاد المتبايعين لمالكية البائع للمثمن عند انكشاف الخطاء مع أنه انما ضمنه بمال

_________________________

باخذ بدل الثمن .

( ولذا ) الّذي يكون الضمان والتضمين حقيقة بالنسبة إلى المالكين ( ينتقل الثمن إلى مالك المبيع ، ويدخل في ضمانه بمجرد الإجازة ) للعقد الفضولي ، ولو كان التضمين بالنسبة إلى الغاصب لم يكن وجه لضمان المالك .

( والحاصل : انه لا تضمين ) من قبل المشترى ( حقيقة ) - وإن كان تضمينا صورة - ( في تسليط المشترى البائع على الثمن ) بل انما سلط المشترى البائع الغاصب على الثمن مجانا .

( و ) ان قلت : اى فرق بين صورة علم المشترى بان المثمن ليس ملكا للبائع ، وبين جهله ، وكما تقولون بضمان البائع في صورة الجهل قولوا بالضمان في صورة العلم أيضا .

قلت : ( اما رجوع المشترى ) إلى البائع غير المالك ( مع اعتقاد المتبايعين لمالكية البائع للمثمن عند انكشاف الخطاء ) بان علم المشترى ان البائع ليس مالكا ( مع أنه انما ضمنه ) اى ضمن المشترى البائع ( بمال

ص: 18

الغير فلعدم طيب نفسه على تصرف البائع فيه من دون ضمان ، وان كان ما ضمنه ، به غير ملك له ، ولا يتحقق به التضمين ، لأنه انما طاب نفسه بتصرف البائع ، لاعتقاد كون المثمن ملكا له ، وصيرورته مباحا له بتسليطه عليه ، وهذا مفقود فيما نحن فيه ، لان طيب النفس بالتصرف والاتلاف من دون ضمان له بماله حاصل .

_________________________

الغير ) الّذي هو المالك الحقيقي ، وعلى فرض ان المشترى لا يرجع في صورة علمه من الأول ، يلزم عدم رجوعه أيضا ، في صورة علمه المتأخر عن المعاملة ( فلعدم طيب نفسه ) اى المشترى ( على تصرف البائع فيه ) اى في الثمن ، بل انما طابت نفسه بتصرف المالك ، وانما له طيب نفس خيالي ، بالنسبة إلى البائع ( من دون ضمان ، وان كان ما ضمنه به غير ملك له ، ولا يتحقق به التضمين ، لأنه انما طاب نفسه بتصرف البائع ، لاعتقاد كون المثمن ملكا له ) اى للبائع ( و ) اعتقاده ( صيرورته ) اى المثمن ( مباحا له ) اى للمشترى ( بتسليطه ) اى تسليط البائع المشترى ( عليه ) اى على المثمن ، فطيب نفس المشترى في صورة الجهل خيالي ، وليس بواقعى ( وهذا مفقود فيما نحن فيه ) اى ليس الطيب خياليا ، في صورة علم المشترى بان البائع غاصب ، بل طيب النفس واقعي ( لان طيب النفس ) من المشترى ( بالتصرف ) اى تصرف البائع الغاصب ، في مال المشترى ( والاتلاف ) للثمن مجانا ( من دون ضمان له ) اى للثمن ( بماله ) اى بمال البائع ( حاصل ) فإذا اتلفه البائع ، ورجع المالك إلى المشترى بالمثمن ، لم يكن حق للمشترى في ان يرجع إلى البائع ، ليأخذ منه بدل

ص: 19

ومما ذكرنا : يظهر أيضا فساد نقض ما ذكرنا بالبيع مع علم المشترى بالفساد حيث إنه ضمن البائع بما يعلم أنه لا يضمن الثمن به ، وكذا البائع مع علمه بالفساد - ضمن المشترى بما يعلم أن المشترى لا يضمن به ، فكأنه لم يضمنه بشيء .

_________________________

المثمن .

( ومما ذكرنا ) في وجه عدم ضمان البائع للثمن - في صورة علم المشترى بان البائع غاصب - ( يظهر أيضا فساد نقض ما ذكرنا ) من عدم الضمان ( بالبيع مع علم المشترى بالفساد ) .

وجه النقض : انه كيف تقولون بان البائع الغاصب ليس ضامنا للمشترى ؟ مع أنكم تقولون ان البائع بالبيع الفاسد ، ضامن للمشترى ، فإذا كان ضامنا في البيع الفاسد - مع علم المشترى بالفساد - يلزم ان يكون ضامنا - مع علم المشترى بالغصب - .

ووجه الشبه بين المسألتين ما ذكره بقوله : ( حيث إنه ) اى المشترى ( ضمن البائع ) اى جعله ضامنا ( بما يعلم أنه ) اى البائع ( لا يضمن الثمن به ) الضمير عائد إلى : ما ، ومصداق : ما ، هو العقد الفاسد ( وكذا البائع ) بالبيع الفاسد ( - مع علمه بالفساد - ) للبيع ( ضمن المشترى بما يعلم أن المشترى لا يضمن به ، فكأنه ) اى كان كل واحد من البائع والمشترى ( لم يضمنه ) اى لم يضمنه الآخر ( بشيء ) أصلا .

والحاصل : ان العلم بعدم تحقق الضمان ، ان كان موجبا لعدم الضمان - كما تقولون أنتم في مسئلة عدم ضمان الغاصب في صورة علم

ص: 20

وجه الفساد : ان التضمين الحقيقي حاصل هنا لان المضمون به مال الضامن .

غاية الأمر ان فساد العقد مانع عن مضى هذا الضمان والتضمين في نظر الشارع لأن المفروض فساده ، فإذا لم

_________________________

المشترى بأنه غاصب - لزم ان تقولوا بعدم الضمان في صورة علم المشترى بفساد البيع ، من جهة من الجهات .

إذ : الملاك في المسألتين واحد ، فإذا قلتم بالضمان في العقد الفاسد لزم ان تقولوا بالضمان في العقد مع الغاصب أيضا .

( وجه الفساد ) لهذا النقض ، انما يظهر ببيان التفاوت بين المسألتين ، ف ( ان التضمين الحقيقي ) اى جعل المشترى البائع ضامنا ( حاصل هنا ) في باب البيع الفاسد ( لان المضمون به ) اى المثمن ( مال الضامن ) الّذي هو البائع .

( غاية الأمر ) المترتب على فساد العقد ( ان فساد العقد مانع عن مضى هذا الضمان ) في البائع ( والتضمين ) من المشترى للبائع ( في نظر الشارع ) إذ : الشارع لم يضمن البائع بالمثمن في مقابل الثمن ، بان يكون الثمن بدلا عن المثمن ، وانما ضمن البائع بعين الثمن أو قيمته - لفرض فساد المعاملة - فان المعاملة إذا صحت كان الثمن مضمونا بمقابل المثمن .

اما إذا كانت المعاملة فاسدة ، فالثمن مضمون بنفسه ، عينا أو قيمة ( لأن المفروض فساده ) اى فساد الضمان ، والتضمين المعامليين ( فإذا لم

ص: 21

يمض الشارع الضمان الخاص صار أصل اقدام الشخص على الضمان الحقيقي ، أو قاعدة اثبات اليد على مال من دون تسليط مجانى ، أو استيمان عن مالكه موجبا لضمانه على الخلاف في مدرك الضمان ، في فاسد ما يضمن بصحيحه .

وشيء منهما غير موجود فيما نحن فيه

_________________________

يمض الشارع الضمان الخاص ) اى كون كل من الثمن والمثمن مضمونا في مقابل الآخر ( صار أصل اقدام الشخص ) كالبائع مثلا ( على الضمان الحقيقي ) - لا الاقدام على الضمان الخيالي ، كما في بيع الغاصب مع علم المشترى - ( أو ) صار ( قاعدة اثبات اليد ) من البائع - فيما نحن فيه - ( على مال ) كالثمن ( من دون تسليط ) من صاحب المال تسليط ( مجانى أو ) من دون ( استيمان عن مالكه موجبا لضمانه ) اى ضمان ذلك المال الّذي وضع عليه اليد .

وانما قلنا : اقدام الشخص . . أو قاعدة . . ، ( على الخلاف ) بين الفقهاء ( في مدرك الضمان ، في ) مسئلة ( فاسد ما يضمن بصحيحه ) اى قاعدة : ما يضمن بصحيحه ، يضمن بفاسده ، هل مدركها : الاقدام . . كما قاله الشيخ - وقد تقدم - ؟ أو مدركها : قاعدة اثبات اليد . . ؟

( وشيء منهما ) اى من الاقدام والقاعدة ( غير موجود فيما نحن فيه ) اى في بيع الغاصب - مع علم المشترى بأنه غاصب - .

إذ : الغاصب لم يقدم على الضمان ، وانما اخذ الثمن في مقابل ما أعطاه من المثمن الّذي لم يكن ماله فحسب .

ص: 22

كما أوضحناه بما لا مزيد عليه .

وحاصله : ان دفع المال إلى الغاصب ، ليس الا كدفعه - إلى ثالث يعلم عدم كونه مالكا للمبيع ، وتسليطه على اتلافه في ان ردا لمالك لا يوجب الرجوع إلى هذا الثالث .

نعم : لو كان فساد العقد لعدم قبول العوض للملك ، كالخمر ، والخنزير ، والحر قوى اطراد ما ذكرنا فيه من عدم ضمان عوضها المملوك مع علم المالك بالحال .

_________________________

وكذا اثبات يده ليس الا مجانيا ، إذ : المشترى سلط الغاصب على الثمن تسليطا مجانيا ، بعد ان علم أن المثمن ليس مال الغاصب ( كما أوضحناه بما لا مزيد عليه ) .

( وحاصله ) اى حاصل وجه عدم ضمان الغاصب مع علم المشترى بالغصب : ( ان دفع ) المشترى ( المال إلى ) البائع ( الغاصب ، ليس الا كدفعه - إلى ثالث يعلم عدم كونه مالكا للمبيع ، و ) ك ( تسليطه ) اى تسليط المشترى الثالث ( على اتلافه ) اى اتلاف المال - اى الثمن - ( في ان رد المالك ) الحقيقي للمثمن باخذه المثمن من المشترى ( لا يوجب الرجوع إلى هذا الثالث ) فيما لو كان اتلف الثمن .

( نعم : لو كان فساد العقد لعدم قبول العوض للملك ، كالخمر ، والخنزير ، والحر ) فيما لو اشترى أحد الثلاثة ( قوى اطراد ) وجريان ( ما ذكرنا فيه ) اى في بيع الغاصب مع علم المشترى ( من عدم ضمان عوضها ) اى عوض الثلاثة ( المملوك ) للمشترى ( مع علم المالك ) للثمن ( بالحال )

ص: 23

كما صرح به شيخ مشايخنا في شرحه على القواعد ، هذا .

ولكن اطلاق قولهم : ان كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، يقتضي الضمان فيما نحن فيه ، وشبهه

_________________________

بان الثلاثة لا تملك ، فإذا اتلف البائع للخمر أو الخنزير أو الحر ، الثمن لم يكن للمشترى ان يأخذ بدل الثمن منه ، فيما إذا علم من اوّل الامر ان الثلاثة لا تملك .

وانما لا يحق للمشترى اخذ بدل الثمن ، لأنه بنفسه سلط البائع على ثمنه مجانا .

وقوله : نعم ، استثناء من ما تقدم حيث قال : بضمان البائع لما اخذه بالعقد الفاسد .

والحاصل : ان العقد الفاسد - ان كان فساده من جهة عدم تملك المثمن - كان حاله حال بيع الغاصب مع علم المشترى بالغصب ، في عدم ضمان البائع للثمن ، فيما إذا تلف ( كما صرح به ) اى بعدم الضمان ( شيخ مشايخنا ) الشيخ جعفر كاشف الغطاء رحمه اللّه ( في شرحه على القواعد ، هذا ) كله تقرير لعدم ضمان الغاصب البائع ، إذا علم المشترى بالحال ، وقد تلف الثمن .

( ولكن ) مع ذلك يمكن القول بضمانه فان ( اطلاق قولهم : ان كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، يقتضي الضمان فيما نحن فيه ) اى ضمان البائع الغاصب للثمن بالنسبة إلى المشترى العالم بالغصب ( وشبهه ) من كل مكان كان الطرف عالما بفساد المعاملة ، ومع ذلك اقدم عليه

ص: 24

نظرا إلى أن البيع الصحيح يقتضي الضمان ، ففاسده كذلك الا ان يفسر بما أبطلناه سابقا من : ان كل عقد يضمن على فرض صحته ، يضمن على فرض فساده ، ولا ريب ان العقد - فيما نحن فيه - وفي : مثل البيع بلا ثمن ، و : الإجارة بلا اجرة ، إذا فرض صحيحا لا يكون فيه ضمان ، فكذلك مع الحكم بالفساد .

لكنك عرفت ضعف هذا المعنى فيما ذكرناه سابقا في توضيح هذه القضية ، فان معناه : ان كل عقد تحقق الضمان في الفرد الصحيح منه ،

_________________________

كما في بيع الخمر والخنزير والحر ( نظرا إلى أن البيع الصحيح يقتضي الضمان ، ففاسده كذلك ) يقتضي الضمان .

اللهم ( الا ان يفسر ) قولهم كل عقد الخ ( بما أبطلناه سابقا ) وقلنا :

انه ليس عليه دليل ( من : ان كل عقد يضمن على فرض صحته ، يضمن على فرض فساده ، و ) انما يكون على هذا المعنى موجبا للضمان - فيما نحن فيه - لأنه ( لا ريب ان العقد - فيما نحن فيه - ) من بيع الغاصب مع علم المشترى ( وفي : مثل البيع بلا ثمن ، و : الإجارة بلا اجرة ، إذا فرض صحيحا لا يكون فيه ضمان ) لان المالك اقدم على هدر ماله بلا عوض ( فكذلك مع الحكم بالفساد ) لهذه العقود .

( لكنك عرفت ضعف هذا المعنى ) لقاعدة ما لا يضمن ( فيما ذكرناه سابقا في توضيح هذه القضية ) إذ : الدليل قائم على المعنى الأول لا على هذا المعنى ( فان معناه ) اى معنى قولهم : ما لا يضمن ( ان كل عقد تحقق الضمان في الفرد الصحيح منه ،

ص: 25

يثبت الضمان في الفرد الفاسد منه .

فيختص موردها بما إذا كان للعقد فردان فعليان ، لا الفرد الواحد المفروض تارة صحيحا ، وأخرى فاسدا .

نعم يمكن تطبيق المعنى المختار فيما نحن فيه وشبهه ، بان لا يكون المراد من العقد في موضوع القضية خصوص النوع المتعارف من أنواع العقود ، كالبيع ، والصلح ، بل يراد مطلق المعاملة المالية التي يوجد لها فردان ، صحيح وفاسد .

_________________________

يثبت الضمان في الفرد الفاسد منه ) أيضا .

( فيختص موردها ) اى مورد القاعدة ( بما إذا كان للعقد فردان فعليان ) فرد صحيح ، وفرد فاسد ( لا ) فيما إذا كان للعقد ( الفرد الواحد ) فقط ( المفروض تارة صحيحا ، وأخرى فاسدا ) حتى تقولون ان بيع الغاصب لو كان صحيحا كان المشترى ضامنا ، فكذلك إذا كان فاسدا .

( نعم ) يمكن القول بالضمان هنا ، حتى على فرض اخذ فردين للعقد ، ف ( يمكن تطبيق المعنى المختار ) لقاعدة : ما لا يضمن ( فيما نحن فيه ) من بيع الغاصب - مع علم المشترى - ( وشبهه ) كالإجارة بدون اجرة ( بان لا يكون المراد من العقد في موضوع القضية ) كل عقد لا يضمن بصحيحه ( خصوص النوع المتعارف من أنواع العقود ، كالبيع ، والصلح ) والرهن ، والإجارة ، مما تعارف عند الناس ( بل يراد مطلق المعاملة المالية التي يوجد لها فردان ، صحيح وفاسد ) وإن كان الفاسد غير متعارف أصلا .

ص: 26

فيقال ان ما نحن فيه ، والبيع بلا ثمن ، والإجارة بلا اجرة ، تمليك بلا عوض من مال الآخر .

والفرد الصحيح من هذه المعاملة ، وهي الهبة غير المعوضة ، لا ضمان فيها ، ففاسدها كذلك فتأمل .

وبالجملة ، فمستند المشهور في مسئلتنا لا يخلو من غموض .

ولذا

_________________________

( فيقال ) في تقريب الاستدلال لعدم الضمان في مسئلتنا ، وهي :

ما لو اشترى وهو يعلم أن البائع غاصب ( ان ما نحن فيه ، و ) كذلك ( البيع بلا ثمن ، والإجارة بلا اجرة ، تمليك بلا عوض من مال الآخر ) « من » متعلق ب : عوض .

( والفرد الصحيح من هذه المعاملة ، وهي الهبة غير المعوضة ، لا ضمان فيها ، ففاسدها ) اى فاسد هذه المعاملة - المراد بها الجنس اى الاعطاء بلا عوض ، هبة كان أو إجارة أو بيعا - ( كذلك ) لا ضمان فيها ( فتأمل ) حيث إن معنى القاعدة ليس هكذا ، ولا دليل على هذا المعنى ، فهو قول بلا دليل ، ان أريد من القاعدة هذا المعنى .

( وبالجملة ، فمستند المشهور ) القائلين بعدم الضمان للغاصب ( في مسئلتنا ) وهي : ما لو اشترى المشترى من الغاصب ، وهو يعلم أن المثمن ليس له ( لا يخلو من غموض ) لما عرفت من أن مقتضى القاعدة الضمان .

( ولذا ) اى وجود الغموض في المسألة ، التي هي ، ومسئلة البيع

ص: 27

لم يصرح أحد بعدم الضمان في : بعتك بلا ثمن مع اتفاقهم عليه هنا .

وصرح بعضهم بضمان المرتشى مع تلف الرشوة التي هي من قبيل الثمن ، فيما نحن فيه .

نعم ذكر الشهيد ره وغيره عدم الضمان في الإجارة بلا اجرة .

ويؤيد ما ذكرنا : ما دل من الاخبار على كون ثمن الكلب ، والخمر سحتا .

_________________________

بلا ثمن ، من واد واحد ( لم يصرح أحد بعدم الضمان في : بعتك بلا ثمن ) مع أن البائع سلط المشترى على ماله ، بدون ثمن ، بل قالوا : بضمان المشترى ، لأنه اكل للمال بالباطل ( مع اتفاقهم عليه هنا ) اى على عدم الضمان في المسألة .

( وصرح بعضهم بضمان المرتشى مع تلف الرشوة التي هي من قبيل الثمن فيما نحن فيه ) لان الراشي سلّط المرتشى على ماله بدون عوض ، فإذا كان المرتشى ضامنا كان اللازم ان يكون الغاصب في مسئلتنا أيضا ضامنا .

( نعم ذكر الشهيد ره وغيره عدم الضمان في الإجارة بلا اجرة ) فلو استفاد المستأجر من العين لم يكن عليه ان يعطى الأجرة للمؤجر .

( ويؤيّد ما ذكرنا ) من الضمان في مسئلة بيع الغاصب ( ما دلّ من الاخبار على كون ثمن الكلب ، والخمر سحتا ) مع أن مقتضى ما تقدم - من عدم الضمان على الغاصب - ان لا يكون ثمنهما كذلك ، إذ : معطى الثمن هو الّذي سلط بائع الكلب والخمر ، على ماله .

ص: 28

وان أمكن الذب عنه بان المراد التشبيه في التحريم ، فلا ينافي عدم الضمان مع التلف كأصل السحت .

ثم إن مقتضى ما ذكرناه في وجه عدم الرجوع بالثمن ، ثبوت الرجوع إذا باع البائع الفضولي غير بائع لنفسه ، بل باع عن المالك ، ودفع المشترى الثمن إليه لكونه واسطة في ايصاله إلى المالك فتلف في يده ، إذ لم يسلطه عليه ولا اذن له في

_________________________

( وان أمكن الذب عنه ) بما يوجب عدم دلالة الاخبار على الضمان فلا تأييد في هذه الأخبار للضمان ، في مسئلتنا ( بان المراد ) من كلمة :

السحت في هذه الأخبار ( التشبيه في التحريم ) وانه من اشدّ أنواع المحرّمات ( فلا ينافي ) كونه سحتا ( عدم الضمان ) من بائعهما ( مع التلف ) للثمن في يده ( كأصل السحت ) الّذي لا ضمان فيه مع التلف .

( ثم إن مقتضى ما ذكرناه في وجه عدم الرجوع بالثمن ) اى عدم رجوع المشترى إلى الغاصب بما أعطاه إياه ثمنا للمبيع المغصوب ( ثبوت الرجوع ) من المشترى على الغاصب إذا اتلف الثمن ، وقد اخذ المالك المال من المشترى ( إذا باع البائع الفضولي ) المتاع في حال كونه ( غير بائع لنفسه ، بل باع ) الفضول المتاع ( عن ) طرف ( المالك ، ودفع المشترى الثمن إليه ) اى إلى البائع الفضول ( لكونه ) اى الفضول ( واسطة في ايصاله إلى المالك ، فتلف ) الثمن ( في يده ) اى يد الفضول .

وانما قلنا : مقتضى ما ذكرناه ، ( إذ ) حينئذ المشترى ( لم يسلّطه ) اى الفضول ( عليه ) على الثمن ( ولا اذن ) المشترى ( له ) اى للفضول ( في

ص: 29

التصرف فيه فضلا عن اتلافه .

ولعل كلماتهم ومعاقد اتفاقهم تختص بالغاصب البائع لنفسه وان كان ظاهر بعضهم ثبوت الحكم في مطلق الفضولي - مع علم المشترى بالفضولية - .

وكذا يقوى الرجوع لو اخذ البائع الثمن من دون اذن المشترى بل اخذه ، بناء على العقد الواقع بينهما فإنه لم يحصل هنا من المشترى

_________________________

التصرف فيه ) اى في الثمن ( فضلا عن ) اذنه ب ( اتلافه ) .

( و ) ان قلت : كلماتهم في عدم ضمان الغاصب مطلقة ، تشمل صورتي بيع الغاصب لنفسه ، وبيعه للمالك .

قلت : ( لعل كلماتهم ومعاقد اتفاقهم ) بعدم ضمان الغاصب مع علم المشترى ( تختص بالغاصب البائع لنفسه ) لأنهم يقولون بان المشترى سلّطه على ماله مجّانا

ومن المعلوم : ان ذلك انما ينطبق على البائع لنفسه ( وان كان ظاهر بعضهم ثبوت الحكم ) بعدم الضمان ( في مطلق الفضولي - مع علم المشترى بالفضولية - ) لان المشترى هو الّذي سلب احترام مال نفسه .

( وكذا يقوى الرجوع ) اى رجوع المشترى على البائع بالثمن ( لو اخذ البائع الثمن من دون اذن المشترى ) كما لو عقدا ، فاخذ البائع الثمن من محلّ كان فيه الثمن ( بل اخذه ، بناء على العقد الواقع بينهما ) فضولة منه واصالة من المشترى .

وانما يقوى الرجوع ( فإنه لم يحصل هنا ) في صورة اخذ البائع الثمن بنفسه ( من المشترى

ص: 30

تسليط الا بالعقد .

والتسليط العقدي - مع فساده - غير مؤثر في رفع الضمان .

ويكشف عن ذلك تصريح غير واحد منهم بإباحة تصرف البائع الغاصب فيه مع اتفاقهم ظاهرا على عدم تأثير العقد الفاسد في الإباحة .

وكذا يقوى الضمان لو اشترط على البائع الرجوع بالثمن ، لو اخذ العين صاحبها .

_________________________

تسليط ) للبائع على الثمن ، حتى يكون المشترى هو الّذي سلب احترام مال نفسه ( الا بالعقد ) .

( والتسليط العقدي ) مقابل التسليط الخارجي باعطاء المشترى المال إلى البائع ( - مع فساده - ) اى فساد العقد ( غير مؤثر في رفع الضمان ) إذ : قاعدة اليد ، شاملة له .

( ويكشف عن ذلك ) اى كون التسليط العقدي غير رافع للضمان ( تصريح غير واحد منهم بإباحة تصرف البائع الغاصب فيه ) اى في الثمن ( مع اتفاقهم ظاهرا على عدم تأثير العقد الفاسد في الإباحة ) فالعقد ليس موجبا للإباحة ، وانما الموجب ، التسليط الخارجي ، فإذا لم يكن تسليط خارجي من المشترى ، لم تكن إباحة ، وإذا لم يبح المشترى يكون البائع الآخذ للثمن ضامنا له .

( وكذا يقوى الضمان لو اشترط ) المشترى ( على البائع الرجوع ) من المشترى إلى البائع ( بالثمن ، لو اخذ العين صاحبها ) فإنه لم يبح المشترى - حين هذا الشرط - الثمن للغاصب مطلقا ، بل اباحه له في

ص: 31

ولو كان الثمن كليا فدفع إليه المشترى بعض افراده ، فالظاهر عدم الرجوع ، لأنه كالثمن المعين في تسليطه عليه مجانا .

المسألة الثانية : ان المشترى إذا اغترم للمالك غير الثمن .

فاما ان يكون من مقابل العين كزيادة القيمة على الثمن إذا رجع المالك بها على المشترى ، كأن كانت القيمة المأخوذة منه عشرين ،

_________________________

صورة عدم رجوع المالك ، فإذا رجع المالك ، كان للمشترى الرجوع إلى البائع حسب الشرط .

( ولو كان الثمن كلّيا ) - هذا اوّل الكلام - وذلك بان اشترى المشترى المال المغصوب بدينار كلّى - لا شخصي ، مثلا - ( فدفع إليه ) اى إلى البائع ( المشترى بعض افراده ) اى بعض افراد الكلّى ( فالظاهر عدم الرجوع ) من المشترى إلى البائع في الثمن ، إذا رجع المالك إلى المشترى بالمثمن ( لأنه ) اى الفرد الكلّى ( كالثمن المعيّن في تسليطه ) اى تسليط المشترى البائع ( عليه ) اى على الثمن ( مجّانا ) فلا حق له في الرجوع عليه بعد ان اذهب هو بنفسه احترام ماله .

( المسألة الثانية ) في حكم المشترى مع الفضولي ( ان المشترى ) من الغاصب ( إذا اغترم للمالك ) الّذي رجع على المشترى بماله ( غير الثمن ) مما يستحقّه المالك .

( فاما ان يكون ) غير الثمن ( من مقابل العين ) المشتراة ( كزيادة القيمة على الثمن إذا رجع المالك بها ) اى بتلك الزيادة ( على المشترى كأن كانت القيمة المأخوذة منه ) اى التي اخذها المالك من المشترى ( عشرين

ص: 32

والثمن عشرة .

واما ان يكون في مقابل ما استوفاه المشترى كسكنى الدار ، ووطى الجارية ، واللبن ، والصوف ، والثمرة .

واما ان يكون غرامة لم يحصل له في مقابلها نفع ، كالنفقة وما صرفه في العمارة ، وما تلف منه ، أوضاع من الغرس ، والحفر ،

_________________________

والثمن عشرة ) فان المشترى حينئذ دفع ثلاثين ، عشرة للغاصب ، وعشرين للمالك ، وقد اتلف العين .

فان قلنا : بأخذه الزيادة يلزم ان يأخذ من الغاصب عشرين ، حتى تكون العين التي اتلفها عليه عشرة .

وان قلنا : بعدم اخذه الزيادة ، يلزم ان يأخذ من الغاصب عشرة حتى تكون العين التي اتلفها عليه عشرين .

( واما ان يكون ) غير الثمن ( في مقابل ما استوفاه المشترى ) من المبيع ( كسكنى الدار ، ووطى الجارية ، واللبن ، والصوف ، والثمرة ) بان حسبها المالك ، وأضاف قيمتها على قيمة العين ، واخذ الجميع من المشترى .

( واما ان يكون ) غير الثمن - الّذي يأخذه المالك من المشترى - ( غرامة لم يحصل له ) اى للمشترى ( في مقابلها نفع ، كالنفقة ) التي صرفها على الحيوان ، والعبد ، والنبات ( وما صرفه في العمارة ) للدار المشتراة - مثلا - ( وما تلف منه ) اى من المبيع ( أوضاع من الغرس ، والحفر ) بان صار المحل محفورا بفعل الماء أو المطر أو ما أشبه مما سبب

ص: 33

أو اعطائه قيمة للولد المنعقد حرا ، ونحو ذلك ، أو نقص من الصفات ، والاجزاء .

ثم المشترى ان كان عالما فلا رجوع في شيء من هذه الموارد ، لعدم الدليل عليه .

وان كان جاهلا فاما الثالث فالمعروف من مذهب الأصحاب - كما في « ض » وعن الكفاية رجوع المشترى الجاهل بها على البائع ، بل في

_________________________

ضياعا على ربّ الأرض ( أو اعطائه قيمة للولد المنعقد حرّا ) فإنه إذا استولد الأمة ، فالولد حرّ ، لكنه مكلف بان يدفع قيمة الولد - إذا كان عبدا - إلى صاحب الأمة ( ونحو ذلك ) من الغرامات كاعطائه حصة السلطان أو خمس المال المرتفع قيمته ( أو نقص من الصفات ) كان بلى الثوب فاعطى المشترى للمالك قيمة هذا النقص ( والاجزاء ) كما لو تلف بعض اجزاء المبيع .

( ثم المشترى إن كان عالما ) بان البائع غاصب ( فلا رجوع ) له إلى البائع ( في شيء من هذه الموارد ) لان المشترى هو الّذي اقدم على ضرر نفسه ، فلا يشمله دليل : لا ضرر ( لعدم الدليل عليه ) اى على الرجوع فالأصل براءة ذمة البائع .

( وان كان ) المشترى ( جاهلا ) بان البائع غاصب ( فاما الثالث ) اى الغرامة التي لم يحصل في مقابلها نفع ( فالمعروف من مذهب الأصحاب كما في « ض » وعن الكفاية ) للسبزواري ( رجوع المشترى الجاهل ) بكون البائع غاصبا ( بها ) اى بهذه الغرامات ( على البائع ، بل في

ص: 34

كلام بعض تبعا للمحكى عن فخر الاسلام في شرح الارشاد ، دعوى الاجماع على الرجوع بما لم يحصل في مقابله نفع وفي التحرير : انه يرجع قولا واحدا ، وفي كلام المحقق ، والشهيد الثانيين في كتاب الضمان : نفى الاشكال عن ضمان البائع لدرك ما يحدثه المشترى إذا قلعه المالك .

وبالجملة : فالظاهر عدم الخلاف في المسألة للغرور ، فان البائع مغرر للمشترى ، وموقع إياه في خطرات الضمان ، ومتلف عليه

_________________________

كلام بعض تبعا للمحكى عن فخر الاسلام في شرح الارشاد ، دعوى الاجماع على الرجوع بما لم يحصل في مقابله نفع ) للمشترى ( وفي التحرير : انه يرجع قولا واحدا ) اى لا خلاف في رجوعه ( وفي كلام المحقق والشهيد الثانيين في كتاب الضمان : نفى الاشكال عن ضمان البائع لدرك ما يحدثه المشترى إذا قلعه المالك ) .

المراد بالدرك الخسارة وذلك كما إذا غرس المشترى في الأرض ، أو عمر فيها بالبناء ، وحفر البئر وما أشبه ، ثم اتلف المالك الغرس بقلعه ، والعمارة بهدمها ، والبئر بطمّها - مثلا - .

( وبالجملة : فالظاهر عدم الخلاف في المسألة ) اى مسئلة رجوع المشترى الجاهل إلى البائع الغاصب بما اغترمه المشترى ، وذلك ( للغرور ) فان المشترى مغرور والمغرور يرجع إلى من غرّه ( فان البائع مغرّر للمشترى ، وموقع إياه في خطرات الضمان ) اى في خطر ان يكون ضامنا للمالك بما يفعله في ماله ( ومتلف ) اى البائع ( عليه ) اى على

ص: 35

ما يغرمه ، فهو كشاهد الزور الّذي يرجع إليه إذا رجع من شهادته ولقاعدة : نفى الضرر مضافا إلى ظاهر رواية جميل ، أو فحواها عن الرجل يشترى الجارية من السوق ، فيولدها ، ثم يجئ مستحق الجارية ، قال :

يأخذ الجارية المستحق ، ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد ، ويرجع على من باعه بثمن الجارية ، وقيمة الولد التي اخذت منه فان حرية ولد المشترى ، اما ان يعد نفعا عائدا إليه ،

_________________________

المشترى ( ما يغرمه ) المشترى للمالك ( فهو ) اى البائع ( كشاهد الزور الّذي يرجع إليه ) : يرجع ، بصيغة المجهول ( إذا رجع من شهادته ) فإنه إذا شهد شاهدان على انسان بأنه سرق مال زيد ، فاخذ المال من المشهود عليه ، ثم رجع الشاهدان ، يجب عليهما تحمل غرامة المشهود عليه ( ولقاعدة : نفى الضرر ) فإنه لا ضرر على المشترى ، لكن لا يخفى ان هذا بناء على إفادة قاعدة : لا ضرر للحكم الايجابي ( مضافا إلى ظاهر رواية جميل ، أو فحواها ) اى المناط المستفاد منها ( عن الرجل يشترى الجارية من السوق ، فيولدها ، ثم يجئ مستحق الجارية ) اى المالك لها واقعا ( قال : يأخذ الجارية المستحق ، ويدفع إليه ) اى إلى المستحق ( المبتاع ) اى المشترى ( قيمة الولد ) لان الولد انعقد حرا فتلف على مالك الجارية ( ويرجع ) المشترى ( على من باعه ) الجارية ( بثمن الجارية ، وقيمة الولد التي اخذت منه ) .

وجه الاستدلال بهذه الرواية لتحمل البائع غرامة المشترى بما ذكره بقوله : ( فان حرية ولد المشترى ، اما ان يعد نفعا عائدا إليه ) اى إلى

ص: 36

أو لا ؟

وعلى التقديرين يثبت المطلوب .

مع أن في توصيف قيمة الولد بأنها اخذت منه ، نوع اشعار لعلية الحكم فيطرد في سائر ما اخذت منه ، واما السكوت عن رجوع المشترى إلى البائع

_________________________

المشترى ( أو لا ) بل هدرا محضا لمال المالك .

( وعلى التقديرين يثبت المطلوب ) الّذي هو غرامة البائع للمشترى بما اغترمه المشترى .

اما على التقدير الأول ، اى كون الولد نفعا عائدا إلى المشترى ، فإنه إذا اغترم البائع قيمة النفع العائد إلى المشترى ، فبطريق أولى يغترم ما غرمه المشترى بدون نفع عائد إليه ، وهذا ما أشار إليه بقوله : أو فحواها .

واما على التقدير الثاني ، اى كون حرية الولد هدرا ، بدون ان يكون نفعا عائدا إلى المشترى ، فالرواية تدل على المطلوب مطابقة ، وإليه أشار بقوله : مضافا إلى رواية جميل .

( مع أن في توصيف قيمة الولد ) في الرواية ( بأنها اخذت منه ، نوع اشعار ) عرفى ( لعلية الحكم ) وان العلة في رجوع المشترى إلى البائع انما هي اخذ المالك من المشترى ( فيطرد ) الحكم بأخذ المشترى من البائع ( في سائر ما اخذت منه ) من قبل المالك .

فكل شيء حكم الشارع بان المالك يأخذه من المشترى ، كان للمشترى ان يأخذه من البائع ( واما السكوت ) التي نجدها ( عن رجوع المشترى إلى البائع

ص: 37

- في بعض الأخبار - فهو لعدم كونه مسوقا لذلك ، كرواية زرارة في رجل اشترى من سوق المسلمين جارية ، فخرج بها إلى ارضة ، فولدت منه أولادا ، ثم اتاها من يزعم أنها له ، وأقام على ذلك البينة ، قال يقبض ولده ، ويدفع إليه الجارية ، ويعوضه من قيمة ما أصاب من لبنها ، وخدمتها .

ورواية زريق ، قال : كنت عند أبى عبد اللّه عليه السلام يوما ، إذ دخل عليه رجلان ، فقال أحدهما : انه كان على مال لرجل من بنى عمار ، وله

_________________________

- في بعض الأخبار - ) كالرواية الآتية ( فهو لعدم كونه ) اى ذلك البعض ( مسوقا لذلك ) اى لبيان رجوع المشترى ، فلا يدل السكوت على عدم الرجوع .

فما استدل به صاحب الحدائق من السكوت في رواية زرارة غير تام ( كرواية زرارة في رجل اشترى من سوق المسلمين جارية ، فخرج بها إلى ارضه ، فولدت ) الجارية ( منه أولادا ، ثم اتاها ) اى الجارية ( من يزعم أنها له ) وان البائع باعها اعتباطا ( وأقام على ذلك البينة قال ) عليه السلام ( يقبض ) المشترى ( ولده ) المراد به جنس الولد ( ويدفع إليه الجارية ويعوضه ) اى يعطى المشترى لصاحب الجارية ( من قيمة ما أصاب ) وانتفع ( من لبنها ، وخدمتها ) فإنها كما ترى لم تذكر قيمة الولد .

( ورواية زريق ، قال : كنت عند أبى عبد اللّه عليه السلام يوما ، إذ دخل عليه رجلان ، فقال أحدهما : انه كان على مال لرجل من بنى عمار ، وله ) اى للدائن

ص: 38

بذلك ذكر حق وشهود ، فاخذ المال ، ولم استرجع عنه الذكر بالحق ولا كتبت عليه كتابا ، ولا اخذت منه براءة بذلك ، وذلك لانى وثقت به ، وقلت له : مزق الذكر الحق الّذي عندك ، فمات وتهاون بذلك ، ولم يمزقه ، وعقيب هذا طالبنى بالمال ورّاثه وحاكمونى واخرجوا بذلك ذكر الحق ، وأقاموا العدول ، فشهدوا عند الحاكم فأخذت بالمال وكان المال كثيرا ، فتواريت عن الحاكم ، فباع على قاضى الكوفة معيشة لي ، وقبض القوم المال ، وهذا رجل من اخواننا ابتلى بشراء معيشتى من القاضي ثم إن ورثة الميت أقروا ان أباهم قد

_________________________

( بذلك ) بمقابل الدّين ( ذكر حق ) اى كتابة ( وشهود ، فاخذ ) الدائن ( المال ، ولم استرجع عنه الذكر ) الكتابة ( بالحق ) الّذي كان له عليّ ( ولا كتبت عليه كتابا ) يدل على أنه استوفى منى دينه ( ولا اخذت منه براءة بذلك ) هذا عطف بيان لقوله : ولا كتبت ، ( وذلك ) اى انى انما تركت اخذ البراءة ( لانى وثقت به ، وقلت له : مزّق الذكر الحق الّذي عندك ، فمات وتهاون بذلك ) قبل موته ( ولم يمزّقه ، وعقيب هذا ) الموت له ( طالبنى بالمال ورّاثه ، وحاكمونى ) جلبونى إلى الحاكم ( واخرجوا بذلك ) بطلبهم للمال منى ( ذكر الحق ، وأقاموا ) الشهود ( العدول ، فشهدوا عند الحاكم ، فأخذت ) بصيغة المجهول ( بالمال ، وكان المال كثيرا ، فتواريت عن الحاكم ، فباع على قاضى الكوفة معيشة لي ) محلا كنت استعيش به ( وقبض القوم المال ، وهذا رجل من اخواننا ابتلى بشراء معيشتى من القاضي ، ثم ) بعد ذلك ( ان ورثة الميت أقروا ان أباهم قد

ص: 39

قبض المال وقد سألوه ان يرد على معيشتى ، ويعطونه الثمن في أنجم معلومة ، فقال : انى أحب ان اسئل أبا عبد اللّه عليه السلام ، عن هذا فقال الرجل - يعنى المشترى - كيف اصنع ؟ جعلت فداك ، قال :

تصنع ان ترجع بمالك على الورثة ، وترد المعيشة إلى صاحبها ، وتخرج يدك عنها ، قال : فإذا فعلت ذلك ، له ان يطالبنى بغير هذا ، قال نعم له ان يأخذ منك ما اخذت من الغلة من ثمن الثمار ، وكل ما كان مرسوما في المعيشة يوم اشتريتها ، يجب ان تردّ ذلك ،

_________________________

قبض المال ، وقد سألوه ان يرد على معيشتى ، ويعطونه ) اى بمقابل رده لمعيشتى ( الثمن ) الّذي اخذوه منه ( في أنجم ) اى في أوقات معينة لقبضه الثمن ( معلومة ) أقساطا ( فقال ) الرجل المشترى ( انى أحب ان اسئل أبا عبد اللّه عليه السلام ، عن هذا ) وانه ما هو تكليفي بالنسبة إلى المعيشة المردودة ؟ ( فقال الرجل - يعنى المشترى - ) وهو الّذي قال : انى أحب ان اسئل أبا عبد الله ( ع ) ( كيف اصنع ؟ جعلت فداك قال : تصنع ان ترجع ) بصيغة المعلوم ( بمالك على الورثة ) بان تأخذ الثمن من الورثة ( وتردّ المعيشة إلى صاحبها ، وتخرج يدك عنها ، قال ) المشترى ( فإذا فعلت ذلك ) بان أرجعت المعيشة إلى صاحبها ، هل ( له ) اى لصاحب المعيشة ( ان يطالبنى بغير هذا ) من سائر منافع المعيشة ؟ ( قال ) عليه السلام ( نعم له ان يأخذ منك ما اخذت من الغلّة من ثمن الثمار ) التي كانت للمعيشة ( وكل ما كان مرسوما في المعيشة ) اى موجودا فيها ( يوم اشتريتها ، يجب ان تردّ ذلك ) بردّ قيمتها - مثلا -

ص: 40

الا ما كان من زرع زرعته أنت ، فان للزارع اما قيمة الزرع ، واما ان يصبر عليك إلى وقت حصاد الزرع ، فإن لم يفعل ذلك كان ذلك له ، ورد عليك القيمة وكان الزرع له ، قلت : جعلت فداك فإن كان هذا قد احدث فيها بناء ، أو غرسا قال له قيمة ذلك ، أو يكون ذلك المحدث بعينه يقلعه ويأخذه ، قلت : أرأيت أن كان فيها غرس ، أو بناء ، فقلع الغرس ، وهدم البناء ، فقال يرد ذلك إلى ما كان ، أو يغرم القيمة

_________________________

( الا ما كان من ) المرسوم من ( زرع زرعته أنت ) - والاستثناء منقطع كما لا يخفى - ( فان للزارع ) اى أنت ( اما قيمة الزرع ) بان يعطيك القيمة ويكون الزرع له ( واما ان يصبر عليك إلى وقت حصاد الزرع ) ثم تأخذ أنت الزرع ( فإن لم يفعل ) مالك المعيشة ( ذلك ) اى الصبر حتى وقت الحصاد ( كان ذلك ) اى عدم الصبر ( له ) اى لمالك المعيشة ( وردّ عليك القيمة ) للزرع ( وكان الزرع له ) لأنه اشتراه بماله ( قلت : جعلت فداك فإن كان هذا ) المشترى ( قد احدث فيها ) اى في المعيشة ( بناء ، أو غرسا ) فما ذا يكون مصير ما أحدثه ؟ ( قال ) عليه السلام ( له قيمة ذلك ) ان أراد المالك اشترائه منه ( أو يكون ذلك المحدث ) بصيغة المفعول ( بعينه يقلعه ويأخذه ) إذا لم يرد مالك المعيشة اشترائه ( قلت : أرأيت ) اى اخبرني ( ان كان فيها ) اى في المعيشة قبل ان يأخذها المشترى ( غرس ، أو بناء ، فقلع ) المشترى ( الغرس ، وهدم البناء ) فما ذا على المشترى بالنسبة إلى المالك ؟ ( فقال ) عليه السلام ( يردّ ذلك ) الّذي قلعه أو هدمه ( إلى ما كان ، أو يغرم القيمة )

ص: 41

لصاحب الأرض ، فإذا رد جميع ما اخذ من غلاتها على صاحبها ، ورد البناء والغرس وكل محدث إلى ما كان ، أو رد القيمة كذلك ، يجب على صاحب الأرض ان يرد عليه كلما خرج منه في اصلاح المعيشة ، من :

قيمة غرس ، أو بناء أو نفقه في مصلحة المعيشة ، ودفع النوائب كل ذلك مردود إليه اه .

وفيه : مع - انا نمنع ورودها الا في مقام حكم المشترى مع المالك - ان السكوت

_________________________

اى قيمة ذلك الغرس والبناء ( لصاحب الأرض ، فإذا ردّ ) المشترى ( جميع ما اخذ من غلّاتها على صاحبها ، وردّ البناء والغرس وكل محدث ) كل ما احدث من : هدم أو قلع ( إلى ما كان ، أو ردّ القيمة ) للغرس المقلوع ، والبناء المهدوم ( كذلك ) اى قيمة مثل ما كان ( يجب على صاحب الأرض ان يرد عليه ) اى على المشترى ( كلما خرج منه ) اى من كيس المشترى ( في اصلاح المعيشة ، من : قيمة غرس ، أو بناء ، أو نفقة في مصلحة المعيشة ، ودفع النوائب ) عنها كما صرفه في دفع الجراد ، أو منع السيل من الوصول إليها ، وما أشبه ( كل ذلك ) الّذي صرفه المشترى ، فهو ( مردود إليه اه ) .

فهذه الروايات مما استدل بها لعدم رجوع المشترى إلى البائع ، لأنها سكتت في مقام البيان .

( وفيه : مع - انا نمنع ورودها ) اى ورود هذه الأخبار ( الا في مقام حكم المشترى مع المالك - ) لا مع البائع ، إذ ليس مقام الكلام في هذه الروايات حكم المشترى مع البائع ، فلا تدل الروايات على النفي ( ان السكوت )

ص: 42

في مقام البيان لا يعارض الدليل ، مع أن رواية زرارة ظاهرها عدم التمكن من الرجوع إلى البائع ، مع أن البائع في قضية زريق هو القاضي ، فإن كان قضائه صحيحا لم يتوجه إليه غرم ، لان الحاكم من قبل الشارع ليس غارما من جهة حكمه على طبق البينة المأمور بالعمل بها ، وان كان قضائه باطلا ، كما هو الظاهر ، فالظاهر علم المشترى ببطلان قضاء المخالف ، وتصرفه في أمور المسلمين ، فهو عالم بفساد البيع ، فلا رجوع له .

_________________________

لو سلمناه في هذه الروايات ( في مقام البيان لا يعارض الدليل ) وقد تقدم وجود الدليل ، فاللازم حمل السكوت على وجه اقتضى ذلك .

هذا ( مع أن رواية زرارة ظاهرها عدم التمكن من الرجوع إلى البائع ) لان المتعارف ان الغريب الّذي يشترى شيئا من السوق لا يعرف البائع بعد ذلك إذا أراد الرجوع ، خصوصا بعد سنين متطاولة حتى يولد الجارية أولادا ( مع أن البائع في قضية زريق هو القاضي ، فإن كان قضائه صحيحا لم يتوجه إليه غرم ) اى غرامة ( لان الحاكم من قبل الشارع ليس غارما من جهة حكمه على طبق البينة المأمور بالعمل بها ) اى بالبينة فلا رجوع للمشترى عليه ( وان كان قضائه باطلا كما هو الظاهر ، فالظاهر علم المشترى ) في مورد الرواية ( ببطلان قضاء المخالف ) للحق ( و ) بطلان ( تصرفه في أمور المسلمين ، فهو ) اى المشترى ( عالم بفساد البيع ) .

وحيث كان عالما ( فلا رجوع له ) اى للمشترى العالم بالفساد ، لأنه هو الّذي اهدر احترام مال نفسه .

هذا ولا يخفى ورود بعض الاشكالات على الشيخ ، ذكرها الطباطبائي

ص: 43

واما الثاني : وهو ما غرمه في مقابل النفع الواصل إليه من المنافع والنماء ، ففي الرجوع بها خلاف ، أقواها الرجوع ، وفاقا للمحكى عن المبسوط ، والمحقق والعلامة ، في التجارة ، والشهيدين ، والمحقق الثاني ، وغيرهم ، وعن التنقيح ان عليه الفتوى ، لقاعدة الغرور المتفق عليها ظاهرا في من قدم مال الغير إلى غيره الجاهل

_________________________

وغيره اعرضنا عنها ، لأنها لا تلائم الشرح الّذي نحن بصدده .

( واما الثاني : وهو ما غرمه ) اى المشترى للمالك ( في مقابل النفع الواصل إليه من المنافع ) كاللبن والثمر ( والنماء ) الّذي حصل للشيء عند المشترى ، كان سمنت الدّابّة ، حيث إن قيمتها صارت عشرين بعد ان كانت في زمن هزالها عشرة ( ففي الرجوع ) اى رجوع المشترى ( بها ) إلى البائع ( خلاف ، أقواها ) اى أقوى الأقوال من الرجوع مطلقا ، وعدم الرجوع مطلقا ، والتفصيل ( الرجوع ، وفاقا للمحكى عن المبسوط ، والمحقق ، والعلامة ، في ) كتاب ( التجارة ، والشهيدين ، والمحقق الثاني ، وغيرهم ، وعن التنقيح ان عليه ) اى الرجوع ( الفتوى ) مما ظاهره الاتفاق ( لقاعدة الغرور ) اى قوله عليه السلام : المغرور يرجع إلى من غرّ ، فان الظاهر من البائع ، قوله للمشترى : انك ان اشتريت هذا المتاع كانت المنافع لك ، من دون عوض ، فهو غرّه بهذا الظاهر فله ان يرجع عليه ( المتفق عليها ظاهرا ) حسب ما نستظهره من أن كل من تعرض للمسألة لم يشر إلى خلاف فيها ، فإنهم تعرضوا إلى هذه القاعدة ( في من قدم مال الغير إلى غيره الجاهل ) بكون هذا المال

ص: 44

فاكله .

ويؤيده : قاعدة نفى الضرر ، فان تغريم من اقدم على اتلاف شيء من دون عوض مغرورا من آخر بان له ذلك مجانا من دون الحكم برجوعه إلى من غره في ذلك ضرر عظيم .

ومجرد رجوع عوضه إليه لا يدفع

_________________________

ليس للمقدم ( فاكله ) بعنوان انه مجانى ، ثم ظهر صاحبه ، فان لصاحبه الحق في الرجوع إلى كل من المقدم والآكل .

وإذا رجع إلى الآكل ، كان له الحق في ان يرجع إلى المقدم ، مع أن الآكل استوفى الشيء بنفسه ، لكنه حيث اقدم على المجانية ، بتغرير المقدم كان له الرجوع إلى من غرّه .

ولا فرق بين هذه المسألة ، وبين ما نحن فيه من المشترى الجاهل المستوفي لمنافع المبيع .

نعم : هذا يتم بالنسبة إلى المنافع التي استوفاها اما النماء الموجود فلا .

( ويؤيده ) اى يؤيد حق المشترى في الرجوع إلى البائع ( قاعدة نفى الضرر ، فان تغريم ) الشارع ( من اقدم على اتلاف شيء من دون عوض ) في حال كون من اقدم ( مغرورا من آخر ) حيث غرّه ( بان له ) اى للمتلف ( ذلك ) الاتلاف ( مجانا ) وبلا عوض ( من دون الحكم ) من الشارع ( برجوعه ) اى المتلف ( إلى من غره في ذلك ) الاتلاف ( ضرر عظيم ) فمقتضى : لا ضرر ، انه يحق له الرجوع إلى من غرّه .

( ومجرد رجوع عوضه ) اى المتلف ( إليه ) اى إلى المتلف ( لا يدفع

ص: 45

الضرر .

وكيف كان ، فصدق الضرر ، واضرار الغارّ به مما لا يخفى خصوصا في بعض الموارد ، فما في الرياض من أنه : لا دليل على قاعدة : الغرور إذا لم تنطبق مع قاعدة نفى

_________________________

الضرر ) اللاحق به من جراء لزوم اعطاء عوض النماء ، مثلا : ان من اشترى بستانا بألف وتصرف في خيراته الموازية لخمسة آلاف ، إذا كلف باعطاء ستة آلاف إلى مالك البستان الواقعي ، من دون ان يحق له ان يأخذ الا بمقدار الف فقط ، يكون قد تضرر بخمسة آلاف ، وهو ضرر عظيم عرفا .

فدليل : لا ضرر ، يرفع قول انه لا يحق له الرجوع إلى الغارّ .

ونتيجته : ان له حقا في ان يرجع إلى الغارّ بكل الستة آلاف .

( وكيف كان ، فصدق الضرر ) بالنسبة إلى الخمسة الآلاف - مثلا - ( و ) صدق ( اضرار الغارّ به ) اى ان الغار هو الّذي أضر بهذا الانسان ( مما لا يخفى ) فهو الضارّ .

والمتضرر يرجع إلى من ضرّه ( خصوصا في بعض الموارد ) الّذي صدق الضرر .

واضرار الغارّ بالمتضرر ، واضح جدا كما لو كان المغرور يصرف ما لو كان مكلفا بقيمة لم يصرفه كما لو كان يركب الدابة كل يوم للتنزه المجرد ، وما أشبه ذلك ( فما في الرياض من أنه : لا دليل على قاعدة : الغرور ) اى قاعدة : المغرور يرجع إلى من غرّ ( إذا لم تنطبق مع قاعدة نفى

ص: 46

الضرر المفقود في المقام لوصول العوض إلى المشترى ، لا يخلو عن شيء مضافا إلى ما قيل عليه من منع مدخلية الضرر في قاعدة : الغرور ، بل هي مبنية على قوة السبب على المباشر

_________________________

الضرر ) إذ : إذا كان هناك ضرر ، كان البائع هو الّذي غره ، واما إذا لم يكن ضرر ، فلم يكون البائع غارا ؟ فلا يحتمل البائع الضرر ( المفقود ) ذلك الضرر ( في المقام ) فإنه لم يتضرر المشترى إذ : لو كان الضرر من حيث أصل القيمة فقد وصلت القيمة إلى المشترى ، ولو كان الضرر من حيث لزوم اعطائه قيمة ما صرفه من النماء ، فإنه ليس ضررا ، إذ : قد صرف النماء بنفسه ، فلا ضرر في دفع قيمته .

وإذا لم يكن هناك ضرر ، لم تصدق قاعدة الغرور .

والحاصل : ان ما في مقابل العين يأخذه المشترى من البائع ، وما في مقابل النماء الّذي صرفه ، لا ضرر على المشترى في دفعه إلى المالك ( لوصول العوض ) الّذي هو النماء ( إلى المشترى ) .

وقوله : ( لا يخلو عن شيء ) خبر قوله : فما في الرياض .

وجه الاشكال : ان الضرر هنا موجود كما عرفت ( مضافا إلى ما قيل عليه ) اى ما أشكل على الرياض - والمستشكل هو صاحب الجواهر - ( من منع مدخلية الضرر في قاعدة : الغرور ) فالضمان موجود لقاعدة : الغرر سواء كان هناك ضرر ، أم لا ؟ ( بل هي ) اى قاعدة الغرور ( مبنية على قوة السبب على المباشر ) بمعنى ان السبب لو كان أقوى كان الضمان عليه ، فهو مثل ان يعطى زيد لعمرو طعاما باعتبار انه لزيد ، فاكله زيد ، فان

ص: 47

لكنه لا يخلو من نظر ، لأنه انما يدعى اختصاص دليل الغرور من النصوص الخاصة ، والاجماع بصورة الضرر .

واما قوة السبب على المباشر ليست - بنفسها - دليلا على رجوع المغرور ، الا إذا كان السبب بحيث استند التلف عرفا إليه ، كما في المكره وكما في الريح العاصف الموجب للاحراق ، والشمس الموجبة لا ذابة الدهن

_________________________

عمروا ليس ضامنا لما لك الطعام ، وانما الضامن هو زيد ، لان السبب أقوى من المباشر ، فإنه لا ضرر هنا ، وانما غرر ، والغرر يوجب الضمان للغار ، لا المغرور ( لكنه ) اى كون قاعدة : الغرور من باب قوة السبب على المباشر ، لا من باب قاعدة : الضرر ( لا يخلو من نظر ) بل الغرور من باب الضرر ( لأنه ) اى صاحب الرياض ( انما يدعى اختصاص دليل الغرور من النصوص الخاصة ، والاجماع ) على أن المغرور يرجع إلى من غر ( بصورة الضرر ) بان يكون المغرور متضررا ، فإذا لم يكن المغرور متضررا لم يكن وجه لرجوع المغرور إلى من غره .

( واما قوة السبب على المباشر ) التي استدل بها صاحب الجواهر وجها لرجوع المغرور إلى الغار - وان لم يكن ضرر في البين - ف ( ليست - بنفسها - دليلا على رجوع المغرور ) مطلقا ( الا إذا كان السبب بحيث استند التلف عرفا إليه ) اى إلى السبب ، كما في مثال الضيافة بمال مغصوب ( كما في المكره ) الّذي أو جر في حلقه ، أو امر بالاكل ، والا ضرب عنقه ( وكما في الريح العاصف الموجب للاحراق ، والشمس الموجبة لا ذابة الدهن

ص: 48

واراقتها ، والمتجه في مثل ذلك عدم الرجوع إلى المباشر أصلا ، كما نسب إلى ظاهر الأصحاب ، في المكره ، لكون المباشر بمنزلة الآلة .

واما في غير ذلك ، فالضمان أو قرار الضمان فيه يحتاج إلى دليل مفقود ، فلا بد من الرجوع

_________________________

واراقتها ) فان الانسان إذا جعل النار في الريح العاصف فأوجبت الاحراق ، والدهن في مقابل الشمس يكون هو الضامن لهما ، لان الانسان سبب أقوى ، من النار والشمس المباشرتين للاحراق والا ذابة ( والمتجه في مثل ذلك ) الّذي كان السبب أقوى من المباشر ( عدم الرجوع إلى المباشر ) كالمكره - بالفتح - ( أصلا ، كما نسب إلى ظاهر الأصحاب ، في ) باب ( المكره ، لكون المباشر ) للاتلاف ( بمنزلة الآلة ) ولا تكون ضامنة ،

ولو قلنا : ان دليل الرفع يشمل الاحكام الوصفية يكون رفع الاكراه دليلا آخر لعدم ضمان المكره .

( واما في غير ذلك ) اى ما لم يكن المباشر بمنزلة الآلة ( فالضمان ، أو قرار الضمان فيه ) على من صار سببا للاتلاف ، كالذي باع الضيعة للمشترى ، في حال كون الضيعة مغصوبة ، فاستفاد المشترى من نمائها ( يحتاج إلى دليل مفقود ) في المقام .

إذ : لا دليل على أن المتلف لو لم يكن كالآلة ، يكون غيره الغار للمتلف ضامنا ، فيشمل المتلف دليل : ضمان من اتلف مال الغير ، ودليل على اليد ( فلا بد من الرجوع ) في ضمان الغار - في حال ان المتلف لم

ص: 49

بالآخرة إلى : قاعدة الضرر .

أو الاجماع المدعى في الايضاح على تقديم السبب ، إذا كان أقوى .

أو بالأخبار الواردة في الموارد المتفرقة .

أو كون الغار سببا في تغريم المغرور ، فكان كشاهد الزور في ضمان ما يؤخذ لشهادته ، ولا ريب في ثبوت هذه الوجوه فيما نحن فيه اما الأخير فواضح .

_________________________

يكن آلة محضة - ( بالآخرة إلى : قاعدة الضرر ) كما تقدم ، فان جعل الضمان على المتلف ، ضرر عليه ، فهو منفى ، فالضمان على الغار .

( أو ) إلى ( الاجماع المدعى في الايضاح على تقديم ) ضمان ( السبب ) على ضمان المباشر ( إذا كان ) السبب ( أقوى ) وان لم يكن المباشر كالآلة .

( أو بالأخبار الواردة في الموارد المتفرقة ) الدالة على ضمان الغار .

( أو ) إلى ( كون الغار سببا ) عرفيا ، فلا ينافي ما تقدم من عدم كون الدليل ، هو كونه سببا ( في تغريم ) المالك ( المغرور ، فكان ) الغار ( كشاهد الزور في ضمان ما يؤخذ لشهادته ) كرواية جميل ، عن أحدهما عليهما السلام ، في الشهود إذا شهدوا على رجل ، ثم رجعوا عن شهادتهم وقد قضى على الرجل ، فقد ضمنوا ما شهدوا به وغرموه ، ومثلها غيرها من سائر الأخبار ( ولا ريب في ثبوت هذه الوجوه ) قاعدة الضرر ، والاجماع والاخبار ، وكونه كشاهد الزور ( فيما نحن فيه ) اى ما غرمه المشترى في مقابل . . . الواصل إليه ، فإنه يرجع بكل ما غرم إلى من باعه ( اما ) الوجه ( الأخير ) كونه كشاهد الزور ( فواضح ) لما عرفت من أنه سبب عرفى

ص: 50

واما الأول فقد عرفته .

واما الاجماع ، والاخبار فهما وان لم يردا في خصوص المسألة الا ان تحققهما في نظائر المسألة ، كاف ، فان رجوع اكل طعام الغير إلى من غره ، بدعوى تملكه ، واباحته له مورد الاجماع ، ظاهرا ورجوع المحكوم عليه إلى شاهدي الزور مورد الاخبار ولا يوجد فرق بينهما وبين ما نحن فيه أصلا .

_________________________

فيكون حاله حال شاهد الزور .

( واما الأول ) اى قاعدة الضرر ( فقد عرفته ) وانه عرفا قد أضر البائع بالمشترى ، خصوصا في بعض الموارد .

( واما الاجماع ) الّذي ادعاه الايضاح ( والاخبار ) الواردة في الموارد المتفرقة ( فهما وان لم يردا في خصوص المسألة ) اى مسئلة النماء المستوفى من قبل المشترى ( الا ان تحققهما ) اى الاجماع والاخبار ( في نظائر المسألة ، كاف ) لسحبهما إلى هذه المسألة لوحدة المناط ( فان رجوع اكل طعام الغير إلى من غره ، بدعوى ) الغار ( تملكه ) اى الطعام ( واباحته ) اى الغار ( له ) للطعام لهذا الاكل ( مورد الاجماع ، ظاهرا ) في ان قرار الضمان على الغار ، وما نحن فيه مثله ( و ) كذلك ( رجوع المحكوم عليه إلى شاهدي الزور مورد الاخبار ) التي تقدم أحدها ( ولا يوجد فرق بينهما ) اى بين رجوع اكل الطعام ، ورجوع المحكوم عليه ( وبين ما نحن فيه ) من : من استوفى المنافع من البستان المبيوع له مثلا - من قبل الغاصب ( أصلا ) فاللازم القول بضمان البائع هنا أيضا .

ص: 51

وقد ظهر مما ذكرنا فساد منع الغرور فيما نحن فيه ، كما في كلام بعض حيث عدل في رد مستند المشهور عما في الرياض من منع الكبرى إلى منع

_________________________

( وقد ظهر مما ذكرنا ) من وجود الغرور فيما نحن فيه ( فساد ) ما ذكره الجواهر في رد الرياض ، حيث إن صاحب الرياض قال ما حاصله : ضمان البائع يتوقف على صغرى هي : ان المسألة من باب الغرور ، وكبرى هي ان كل غرور ضرر ، فإذا انضم إلى ذلك دليل : لا ضرر ، انتج وجوب تحمل البائع لضرر المشترى ، لكن انا : اى الرياض ، نمنع الكبرى فلا نسلم : ان كل غرور ضرر ، بل المسألة غرور وليس ضررا ،

وصاحب الجواهر أشكل على الرياض بان الممنوع هو الصغرى ، لا الكبرى ، فالمسألة ليست من الغرور ، والشيخ لم يرتض كلام الجواهر كما تقدم - .

ومنه تبين فساد ( منع الغرور فيما نحن فيه ) بل اللازم ان نلتزم بأنه غرور ، ولكنه ليس بضرر ( كما في كلام بعض ) : كما ، متعلق ب : منع والمراد بالبعض الجواهر ( حيث عدل ) الجواهر ( في رد مستند المشهور ) القائلين بتحمل البائع ضرر المشترى مطلقا حتى بالنسبة إلى النماء الّذي استوفاه المشترى ، فان المشهور استندوا في هذا الكلام إلى أن : هذا غرر ، وكل غرر يرجع فيه إلى الغار ، لأنه ضرر ، وردهم الرياض بمنع كونه ضررا ، وردهم الجواهر : بأنه ليس بغرر ( عما في الرياض من منع الكبرى ) وهي كل غرور ضرر ( إلى منع

ص: 52

الصغرى ، فان الانصاف : ان مفهوم الغرور الموجب للرجوع في باب الاتلاف - وان كان غير منقح - الا ان المتيقن منه ما كان اتلاف المغرور لمال الغير ، واثبات يده عليه ، لا بعنوان انه مال الغير ، بل قصده إلى اتلافه مال نفسه ، أو مال من أباح له الا تلاف فيكون غير قاصد لا تلاف مال الغير ، فيشبه المكره في عدم القصد .

_________________________

الصغرى ) « إلى » متعلق ب : عدل ، والمراد بالصغرى ان : المسألة من باب الغرر .

وانما قلنا بظهور فساد كلام الجواهر ( فان الانصاف : ان مفهوم الغرور الموجب للرجوع ) إلى الغار ( في باب الاتلاف ) اى من اتلف مال الغير ، بتغرير الآخر له ( - وإن كان غير منقح - ) ليعرف حدود الغرور ( الا ان المتيقن منه ) اى من الغرور ( ما كان اتلاف المغرور لمال الغير ، و ) ذلك ب ( اثبات يده ) اى المتلف ( عليه ) اى على مال الغير ( لا بعنوان انه مال الغير ، بل قصده ) اى المتلف ( إلى اتلافه مال نفسه ، أو مال من أباح له الاتلاف ف ) من قدم إلى غيره طعاما مغصوبا ، فاكله الضيف ، انما قصد الضيف اتلاف مال من أباح له الاتلاف - اى المضيف - .

وكذلك اتلاف ثمن البستان الّذي اشتراه من الغاصب انما قصد المتلف اتلاف مال نفسه .

وهاتان الصورتان من المصاديق الظاهرة من الغرور ، إذ : ( يكون ) المتلف ( غير قاصد لاتلاف مال الغير ، فيشبه المكره ) - بالفتح - ( في عدم القصد ) فكما تقولون بان المكره يرجع إلى من أكرهه ، كذلك اللازم

ص: 53

هذا كله مضافا إلى ما قد يقال من دلالة رواية جميل المتقدمة بناء على أن حرية الولد ، منفعة راجعة إلى المشترى ، وهو الّذي ذكره المحقق احتمالا في الشرائع في باب الغصب بناء على تفسير المسالك .

_________________________

القول هنا بان المتلف يرجع إلى من غره .

( هذا كله ) تقريب لتحقق الغرور في المقام ( مضافا إلى ما قد يقال من دلالة رواية جميل المتقدمة ) التي دلت بلزوم اعطاء قيمة الولد ، التي استولده المشترى من الجارية المغصوبة ، للمالك الحقيقي للجارية ، فإنها تدل على أن المنافع المستوفاة يجب دفع بدلها إلى المالك ، والمشترى يرجع بذلك إلى البائع الّذي غره .

لكن هذا الاستدلال بهذه الرواية انما هو ( بناء على أن حرية الولد ، منفعة راجعة إلى المشترى ، وهو ) اى كون الحرية منفعة راجعة إلى المشترى ( الّذي ذكره المحقق احتمالا في الشرائع في باب الغصب ) فان المحقق ذكر في الشرائع : أولا ، ان قيمة الولد ، انما هي شيء لم يحصل المشترى بإزائها نفع .

ثم قال : وفيه احتمال آخر ، وقال المسالك في تفسير : هذا الاحتمال ، ان مراده من هذا الاحتمال الحاق عوض الولد بما حصل له نفع في مقابلته ، لان حرية الولد منفعة عائدة إليه عرفا .

ف ( بناء على تفسير المسالك ) تكون حرية الولد منفعة عائدة إلى المشترى ، حسب احتمال الشرائع .

وعليه : فرواية جميل ، تكون دليلا على أن كل منفعة عائدة إلى

ص: 54

وفيه تأمل .

ثم إن مما ذكرنا في حكم هذا القسم يظهر حكم ما يغرمه في مقابل العين من زيادة القيمة على الثمن الحاصلة وقت العقد ، كما لو باع ما يسوى عشرين بعشرة ، فتلف فاخذ منه المالك عشرين فإنه لا يرجع بعشرة الثمن ، وإلا لزم تلفه من كيس البائع من دون ان يغره في ذلك

_________________________

المشترى ، يكون المشترى ضامنا لها امام المالك ، كما أن البائع ضامن لها امام المشترى .

( و ) لكن ( فيه تأمل ) إذ ليست حرية الولد منفعة عائدة إلى المشترى عرفا ، فاحتمال المحقق ، محل اشكال .

( ثم إن مما ذكرنا في حكم هذا القسم ) وهو ما غرمه المشترى في مقابل النفع الواصل إليه ( يظهر حكم ما يغرمه ) المشترى للمالك ( في مقابل العين من زيادة القيمة على الثمن ) الّذي أعطاه المشترى للبائع ( الحاصلة ) تلك الزيادة ( وقت العقد ، كما لو باع ) الغاصب ( ما يسوى عشرين بعشرة ) دنانير ( فتلف ) المتاع في يد المشترى ( فاخذ منه ) اى من المشترى ( المالك عشرين ) القيمة الواقعية للمتاع ( فإنه ) اى المشترى ( لا يرجع ) إلى البائع ( بعشرة الثمن ) اى العشرة التي هي الثمن ، وقد دفعها إلى البائع ( والا ) فلو رجع المشترى إلى البائع بعشرة الثمن ( لزم تلفه ) اى المتاع ( من كيس البائع من دون ان يغره ) اى يغر البائع المشترى ( في ذلك ) اى في عشرة الثمن .

والحاصل : ان المشترى دفع عشرة إلى البائع ، بما قيمته الواقعية

ص: 55

لأنه لو فرض صدق البائع في دعوى الملكية ، لم يزل غرامة المشترى للثمن بإزاء المبيع التالف فهذه الغرامة للثمن لم تنشأ عن كذب البائع .

واما العشرة الزائدة

_________________________

عشرون ، وقد تلف المتاع عند المشترى ، فإذا جاء المالك اخذ من المشترى عشرين قيمة متاعه ، فيكون المشترى قد دفع ثلاثين ، عشرة إلى البائع ، وعشرين إلى المالك ، وقد اتلف المشترى المتاع وهو يسوى بنظره - عشرة ، فلا حق له في ان يرجع إلى البائع بثلاثين ، بل يرجع إلى البائع بعشرين فقط ، المقدار الّذي دفعه إلى المالك ، لان المشترى إذا رجع إلى البائع بعشرة الثمن : اى العشرة ، فوق عشرين ، بان رجع إلى البائع بثلاثين ، لزم ان يكون المشترى اتلف المتاع ، ويكون تلفه من كيس البائع ، وهذا لا وجه له فان من اتلف مالا ، خرج المال من كيس نفسه ، لا من كيس انسان آخر .

ولتوضيح ذلك قال المصنف : ( لأنه لو فرض صدق البائع في دعوى الملكية ) للمتاع ( لم يزل ) ولم يذهب ( غرامة المشترى للثمن بإزاء المبيع التالف ) فان المشترى حيث اتلف المتاع فهو يغرم قيمته : عشرة سواء كان البائع مالكا ، أو غاصبا ؟ فالعشرة تخرج من كيس المشترى قطعا ، فلا حق له في ان يراجع في هذه العشرة إلى البائع ( فهذه الغرامة للثمن ) اى غرامة المشترى بعشرة - التي دفعها للبائع - ( لم تنشأ عن كذب البائع ) حتى يكون البائع غارا للمشترى .

( واما العشرة الزائدة ) التفاوت بين أصل القيمة : عشرين ، وبين

ص: 56

فإنما جاء غرامتها من كذب البائع في دعواه ، فحصل الغرور فوجب الرجوع .

ومما ذكرنا يظهر اندفاع ما ذكر في وجه عدم الرجوع من : ان

_________________________

قيمة البيع : عشرة ، ( فإنما جاء غرامتها ) على المشترى - فان المالك اخذها منه - ( من ) جهة ( كذب البائع في دعواه ) حيث إن المشترى اقدم على أن يشترى المتاع بعشرة ، ولم يقدم على اشترائه بعشرين ( فحصل الغرور ) من البائع للمشترى ( فوجب الرجوع ) من المشترى على البائع .

فيحصل : ان البائع يخسر : عشرة ، بسبب انه غر المشترى ، حيث باعه ما لا يملك ، واخذ قيمة عشرة ، مما قيمته الواقعية عشرون .

وان المشترى : لا يخسر شيئا ، لأنه اعطى عشرة للبائع ، واتلف في مقابلها المتاع ، واعطى عشرين للمالك ، وقد اخذ العشرين من البائع .

وان المالك : لا يخسر شيئا لأنه يأخذ قيمة متاعه : التي هي عشرون ، من المشترى .

اما البائع : فإنما يدفع عشرين للمشترى ، عشرة هي التي اخذها من المشترى ، وعشرة ثانية حسب أن البائع غرر المشترى ، وبالنتيجة فقد خسر البائع عشرة فقط .

( ومما ذكرنا ) في وجه خسارة البائع عشرة ( يظهر اندفاع ما ذكر في وجه عدم الرجوع ) اى ان المشترى لا يرجع إلى البائع في العشرة الزائدة - وانما يرجع إليه في عشرة القيمة فقط - ( من : ان

ص: 57

المشترى انما اقدم على ضمان العين ، وكون تلفها منه كما هو شأن فاسد كل عقد يضمن بصحيحه ومع الاقدام لا غرور ، ولذا لم يقل به في العشرة المقابلة للثمن .

توضيح الاندفاع : ان الاقدام انما كان على ضمانه بالثمن الا ان

_________________________

المشترى ) هو الّذي يجب ان يخسر العشرة الزائدة - التي يعطيها للمالك - فهو يعطى للمالك عشرين ، ويأخذ من البائع عشرة فقط .

وذلك لان المشترى ( انما اقدم على ضمان العين ، وكون تلفها منه ) اى من المشترى ( كما هو شأن فاسد كل عقد يضمن بصحيحه ) فلو كان هذا العقد صحيحا كان اللازم ان يدفع المشترى إلى المالك عشرين : قيمة المتاع ، والآن حيث فسد ، يلزم ان يدفع إلى المالك عشرين « عشرة يأخذها من البائع ، وعشرة يخسرها من كيسه » وبالنتيجة الخسارة للعشرة الزائدة من كيس المشترى ، لا من كيس البائع ( ومع الاقدام ) من المشترى على ضمان العين وكون تلفها منه ( لا غرور ، ولذا ) الّذي لا غرور ( لم يقل به ) اى بالغرور ( في العشرة المقابلة للثمن ) إذ : من اللازم دفع المشترى عشرة ، وانما الكلام في العشرة الثانية - فان المشترى دفع عشرة للبائع ، والآن يدفع عشرين للمالك ، ولا اشكال في انه لا يسترجع العشرة الأولى من البائع ، وانما الكلام في انه هل يأخذ عشرة من البائع ، أو عشرين .

( توضيح الاندفاع : ان الاقدام ) من المشترى ( انما كان على ضمانه ) اى على أن يضمن المشترى ( بالثمن ) الّذي يعطيه فقط ( الا ان

ص: 58

الشارع جعل القبض على هذا النحو من الاقدام ، - مع فساد العقد وعدم امضاء الشارع له - سببا لضمان المبيع بقيمته الواقعية .

فالمانع من تحقق الغرور - وهو الاقدام - لم يكن الا في مقابل الثمن ، والضمان المسبب عن هذا الاقدام - لما كان لأجل فساد العقد المسبب عن تغرير البائع - كان المترتب عليه من ضمان العشرة الزائدة مستقرا على الغار ، فغرامة العشرة الزائدة

_________________________

الشارع جعل القبض على هذا النحو من الاقدام ) « من » متعلق ب : النحو ( - مع فساد العقد ، وعدم امضاء الشارع له - ) « وعدم » عطف بيان لفساد العقد ( سببا لضمان المبيع بقيمته الواقعية ) التي هي عشرون في المثال .

( فالمانع من تحقق الغرور ) بالنسبة إلى المشترى ( - وهو ) اى المانع ( الاقدام - ) من نفس المشترى ( لم يكن الا في مقابل الثمن ) يعنى : ان المشترى مغرور بالنسبة إلى كل الثمن ، لكن حيث اقدم هو بنفسه لاشتراء المتاع بعشرة لم يكن مغرورا بالنسبة إلى العشرة ( والضمان ) على المشترى ، بإزاء المالك ( المسبب عن هذا الاقدام ) على الاشتراء بعشرة ( - لما كان لأجل فساد العقد المسبب ) ذلك الضمان على المشترى ، بإزاء البائع ( عن تغرير البائع - ) للمشترى ( كان المترتب عليه ) اى على المشترى ( من ضمان العشرة ) اى ضمانه عشرة بإزاء المالك ( الزائدة ) على أصل الثمن - اى العشرة الثانية - ( مستقرا على الغار ) اى البائع ، فإنه غره ، إذ باع مال غيره - الّذي يسوى بعشرين - للمشترى بعشرة ( فغرامة ) المشترى إزاء المالك ب ( العشرة الزائدة ) على

ص: 59

- وان كانت مسببة عن الاقدام - الا انها ليست مقدما عليها .

هذا كله مع أن التحقيق - على ما تقدم سابقا - ان سبب الضمان في العقد الفاسد ، هو القبض الواقع ، لا على وجه الايتمان ، وان ليس الاقدام على الضمان علة له ، مع عدم امضاء الشارع لذلك الضمان

_________________________

القيمة المشترى بها ( - وان كانت ) تلك الغرامة الزائدة ( مسببة عن الاقدام ، - الا انها ) اى العشرة الزائدة ( ليست مقدما عليها ) إذ :

الاقدام كان على عشرة فقط ، لا على عشرين .

( هذا كله ) وجه عدم خسارة المشترى العشرة الزائدة ، وانما الخسارة تقع على البائع ( مع أن التحقيق - على ما تقدم سابقا - ان سبب الضمان في العقد الفاسد ، هو القبض الواقع ، لا على وجه الايتمان ) اما القبض الايتمانى فلا يوجب الضمان ( وان ليس الاقدام على الضمان علة له ) اى للضمان ( مع عدم امضاء الشارع لذلك الضمان ) .

فتحصل من الاشكال الّذي بينه بقوله : ومما ذكرنا يظهر ، - اى بيان وجه ضمان المشترى للعشرة الزائدة - : ان المشترى اقدم على الضمان ، وكل من اقدم على الضمان فهو ضامن .

اما ان المشترى اقدم على الضمان ، فلان الاشتراء معناه الاقدام على الضمان بالقيمة .

واما ان كل من اقدم على الضمان فهو ضامن ، فلانه هو الّذي تبنى الضمان .

وتحصل في الجواب عن الاشكال جوابان .

ص: 60

وان استدل به الشيخ ، وأكثر من تأخر عنه .

وقد ذكرنا في محله توجيه ذلك بما يرجع إلى الاستدلال باليد فراجع .

وكيف كان فجريان قاعدة الغرور في ما نحن فيه أولى منه فيما حصل في مقابلته نفع .

_________________________

الأول : ان الاقدام وان كان سببا للضمان الا ان الغرور أوجب كون قرار الضمان - بالنسبة إلى الزائد من الثمن - على البائع .

الثاني : - وهو ما أشار إليه بقوله : مع أن التحقيق - ان الاقدام ليس سببا وانما القبض سبب ، لكن القبض هنا لا يسبب ضمان الزائد لان الزائد على البائع الغار لا على المشترى المغرور ( وان استدل به ) اى بكون الاقدام سببا للضمان ( الشيخ ، وأكثر من تأخر عنه ) لكنا لم نظفر له على دليل .

( وقد ذكرنا في محله ) في مسئلة المقبوض بالعقد الفاسد ( توجيه ذلك ) الكلام من الشيخ ( بما يرجع إلى الاستدلال باليد ) وانه يشمله :

على اليد ما اخذت ، فيما إذا اخذ المقدم المال ووضع اليد عليه ( فراجع ) .

( وكيف كان ) سواء كان وجه الضمان الاقدام ، أو القبض ؟ ( فجريان قاعدة الغرور في ما نحن فيه ) بالنسبة إلى الزائد من الثمن - وذلك حيث تسقط الزائد عن المشترى - ( أولى منه ) اى من جريان القاعدة ( فيما حصل في مقابلته نفع ) للمشترى ، كما لو اكل الثمرة ، فان في الأصل والثمر إذا جرت قاعدة الغرور ، كان جريانها في الأصل وحده - وان

ص: 61

هذا إذا كانت الزيادة موجودة وقت العقد .

ولو تجددت بعده فالحكم بالرجوع فيه أولى هذا كله فيما يغرمه المشترى بإزاء نفس العين التالفة .

واما ما يغرمه بإزاء اجزائه التالفة فالظاهر : ان حكمه حكم المجموع في انه يرجع في الزائد على ما يقابل ذلك الجزء

_________________________

كانت قيمته أكثر من الثمن الجعلى - بطريق أولى .

( هذا ) كله وجه عدم خسارة المشترى للزيادة القيمية في ما ( إذا كانت الزيادة موجودة وقت العقد ) كما لو كان المتاع يسوى عشرة ، فباعه الغاصب بعشرة .

( ولو تجددت ) الزيادة ( بعده ) اى بعد العقد ، كما لو كانت القيمة حال العقد عشرة ، ثم ارتفعت بعد العقد فصارت عشرين ( فالحكم بالرجوع ) من المشترى ( فيه ) اى في المقدار الزائد على البائع ( أولى ) لان المشترى لم يقدم الا على ما قيمته عشرة فقط ، فلا وجه لضمانه أكثر من العشرة ( هذا كله فيما يغرمه المشترى ) للمالك ( بإزاء نفس العين التالفة ) .

( واما ما يغرمه ) المشترى للمالك ( بإزاء اجزائه التالفة ) كما لو اشترى بستانا فيه الف نخله بألف دينار ، وقيمته الواقعية الف وخمسمائة ، ثم تلف نخل من نخيله ، فاخذ منه المالك البستان ، واخذ منه أيضا دينارا ونصفا قيمة التالف ( فالظاهر : ان حكمه ) اى حكم هذا الجزء التالف ( حكم المجموع ، في انه يرجع في الزائد على ما يقابل ذلك الجزء ) إلى البائع فيأخذ من البائع نصف دينار فقط ، إذ بمقدار الدينار اتلفه المشترى ،

ص: 62

لا فيما يقابله ، على ما اخترناه ، ويجئ على القول الآخر عدم الرجوع في تمام ما يغرمه .

واما ما يغرمه بإزاء أوصافه فإن كان مما لا يقسط عليه الثمن ، كما عدا وصف الصحة من الأوصاف التي يتفاوت بها القيمة ، كما لو كان عبدا كاتبا فنسى الكتابة عند المشترى ، فرجع المالك عليه بالتفاوت ، فالظاهر رجوع

_________________________

فلا حق له في مقدار الدينار ( لا فيما يقابله ) اى الدينار والنصف ( على ما اخترناه ) لما عرفت من أن المشترى اتلف بمقدار دينار ( ويجئ على القول الآخر ) الّذي يجعل تمام الغرامة على المشترى ( عدم الرجوع ) من المشترى إلى البائع ( في تمام ما يغرمه ) اى في شيء مما يغرمه ، بل يجب على المشترى ان يدفع الدينار والنصف بنفسه .

( واما ما يغرمه ) المشترى ( بإزاء أوصافه ) اى أوصاف المتاع ، المفقودة ، فان الوصف على قسمين .

الأول : ما يتقسط بسببه الثمن .

والثاني : ما لا يتقسط بسببه الثمن ( فإن كان ) الوصف ( مما لا يقسط عليه الثمن ، كما عدا وصف الصحة ) اى مثل غير وصف الصحة ككتابة العبد ( من الأوصاف التي يتفاوت بها ) اى بسببها ( القيمة ، كما لو كان عبدا كاتبا ، فنسى الكتابة عند المشترى ، فرجع المالك عليه ) اى على المشترى ( بالتفاوت ) مثلا اشترى العبد من الغاصب بألف ، فنسى الكتابة فصارت قيمته تسعمائة ، فاخذه المالك واخذ من المشترى مائة ، قيمة للكتابة ( فالظاهر ) من مقتضى : قاعدة الغرر ( رجوع

ص: 63

المشترى على البائع لأنه لم يقدم على ضمان ذلك .

ثم إن ما ذكرنا كله من رجوع المشترى على البائع بما يغرمه ، انما هو إذا كان البيع المذكور صحيحا من غير جهة كون البائع غير مالك ، اما لو كان فاسدا من جهة أخرى ، فلا رجوع على البائع ، لان الغرامة لم تجئ

_________________________

المشترى على البائع ) بالمائة ( لأنه لم يقدم على ضمان ذلك ) التفاوت كالمائة ، في المثال - فهو مغرور بالنسبة إلى ذلك ، والمغرور يرجع إلى من غر .

واما إذا كان مما يسقط عليه الثمن كالصحة ، كما لو مرض العبد فصارت قيمته تسعمائة ، فأخذ المالك المائة من المشترى ، فاللازم عدم الرجوع إلى البائع ، لأنه مثل نقص الجزء .

فكما لو اشترى من البائع حقة من الأرز تصرف نصفه ثم رجع المالك إليه بما بقي من الأرز ، ونصف القيمة لم يحق له الرجوع إلى البائع الا بمقدار نصف القيمة فقط ، كذلك في الوصف المفقود الّذي يسقط عليه الثمن ، واللّه العالم .

( ثم إن ما ذكرنا كله من رجوع المشترى على البائع بما يغرمه ، انما هو إذا كان البيع المذكور ) الّذي باعه الغاصب للمشترى ، وكان المشترى جاهلا ، بان البائع ليس مالكا ( صحيحا ) من جهة الاجزاء والشرائط ( من غير جهة كون البائع غير مالك ) اى ليس بمالك ( اما لو كان ) البيع ( فاسدا من جهة أخرى ) كما لو كان المثمن مجهولا - مثلا - ( فلا رجوع ) للمشترى ( على البائع ) فيما يغرمه ( لان الغرامة لم تجئ

ص: 64

من تغرير البائع في دعوى الملكية ، وانما جاءت من جهة فساد البيع .

فلو فرضنا البائع صادقا في دعواه ، لم تزل الغرامة .

غاية الأمر كون المغروم له هو البائع على تقدير الصدق والمالك على تقدير كذبه فحكمه حكم نفس الثمن في التزام

_________________________

من تغرير البائع ) للمشترى ( في دعوى الملكية ) للمثمن ، والحال انه ليس له ( وانما جاءت ) الغرامة ( من جهة فساد البيع ) فلو باع الغاصب الشيء المجهول للمشترى بعشرة ، والحال ان قيمته خمسة عشرة ، ثم اخذ المالك من المشترى خمسة عشرة ، لم يكن للمشترى ان يرجع إلى البائع ، الا بعشرته ، اما الخمسة فالمشترى هو الّذي يغرمها .

( فلو فرضنا البائع صادقا في دعواه ) الملكية ، بان باع المالك ما قيمته خمسة عشرة للمشترى بعشرة ، وكان البيع فاسدا من جهة مجهولية المثمن - مثلا - ( لم تزل الغرامة ) فان اللازم ان يدفع المشترى إلى المالك خمسة عشرة ، لكن هذا فيما إذا كان البائع جاهلا بالفساد .

اما إذا كان عالما فقد اقدم بنفسه على سلب احترام مال نفسه بالنسبة إلى الخمسة ، فتأمل .

( غاية الأمر ) في الفرق بين كون البائع مالكا ، وبين كونه غاصبا ( كون المغروم له ) الّذي يجب على المشترى اعطاء الخمسة الزائدة له ( هو البائع على تقدير الصدق ) بان كان البائع مالكا ( والمالك على تقدير كذبه ) اى كذب البائع ، بان لم يكن مالكا بل كان غاصبا ( فحكمه ) اى حكم الزائد - كالخمسة في المثال - ( حكم نفس الثمن في التزام

ص: 65

المشترى به على تقديرى صدق البائع وكذبه .

ثم إنه قد ظهر مما ذكرنا ان كلما يرجع المشترى به على البائع ، إذا رجع إليه فلا يرجع البائع به على المشترى ، إذا رجع عليه لأن المفروض قرار الضمان على البائع .

واما ما لا يرجع المشترى به على البائع ، كمساوى الثمن من القيمة

_________________________

المشترى به ) لان المشترى لما اقدم على اخذ المال الّذي يسوى بخمسة عشرة ، بمقدار عشرة فقط ، من المالك الجاهل بالقيمة ، وكان البيع فاسدا ، كان دليل : على اليد ، يلزم المشترى على اعطاء الخمسة أيضا ( على تقديرى صدق البائع ) بان كان مالكا ( وكذبه ) على تقدير كونه لم يكن مالكا .

( ثم إنه قد ظهر مما ذكرنا ) في غرامة البائع والمشترى ، تجاه المالك ( ان كلما يرجع المشترى به ) - الضمير عائد إلى : ما ، - ( على البائع ، إذا رجع ) المالك ( إليه ) اى إلى المشترى - كالعشرة الزائدة في المثال السابق - ( فلا يرجع البائع به على المشترى ، إذا رجع ) المالك ( عليه ) اى على البائع ( لأن المفروض ) ان ( قرار الضمان على البائع ) لأنه الغار للمشترى .

( واما ما لا يرجع المشترى به على البائع كمساوى الثمن من القيمة ) كالعشرة الأولى في المثال السابق - فان المشترى لو اتلف المتاع فرجع البائع إلى المشترى ، واخذ منه العشرين ، العشرة الزائدة يرجع بها إلى البائع ، اما العشرة المساوية لقيمة العقد ، فان المشترى

ص: 66

فيرجع البائع به على المشترى ، إذا غرمه للمالك .

والوجه في ذلك : حصول التلف في يده .

فان قلت : ان كلا من البائع والمشترى يتساويان في حصول العين في يدهما العادية

_________________________

لا يرجع بها إلى البائع - إذا لم يسلمها بعد القيمة - ( فيرجع البائع به ) الضمير عائد إلى : ما لا يرجع ، ( على المشترى ، إذا غرمه للمالك ) فإنه إذا لم يعط المشترى للبائع العشرة : القيمة ، ثم اخذ المالك من البائع العشرين ، القيمة الواقعية للمتاع ، رجع البائع إلى المشترى - الّذي اتلف المتاع - بعشرة فقط ، وهي ما جعلاه قيمة للمتاع عند العقد ، بين البائع والمشترى ،

اما العشرة الزائدة فالبائع يخسرها من كيسه ، لأنه سبب غرور المشترى ، فلا يحق له ان يرجع بهذه العشرة الزائدة إلى البائع .

( والوجه في ذلك ) اى في رجوع البائع إلى المشترى بما يساوى القيمة المجعولة - اى العشرة الأولى - فيما اخذها المالك من البائع ( حصول التلف في يده ) اى يد المشترى ، فقرار الضمان على المشترى .

( فان قلت : ) هنا اشكالان .

الأول : انه كيف يمكن ان يكون مال واحد في ذمتين ؟

الثاني : انه لم يرجع البائع إلى المشترى إذا تلف العين في يده ؟

مع أن كلا منهما ضامن حسب الفرض - ف ( ان كلا من البائع والمشترى يتساويان في حصول العين ) التي هي للمالك ( في يدهما العادية ) التي

ص: 67

التي هي سبب للضمان ، وحصول التلف في يد المشترى ولا دليل على كونه سببا لرجوع البائع عليه .

نعم : لو اتلف بفعله ، رجع لكونه سببا لتنجز الضمان على السابق .

قلت : توضيح ذلك يحتاج إلى الكشف عن كيفية اشتغال ذمة كل من

_________________________

ليست بامينة ( التي ) اى اليد العادية ( هي سبب للضمان ، وحصول التلف في يد المشترى ولا دليل على كونه سببا لرجوع البائع عليه ) إذا رجع المالك إلى البائع ، إذ : البائع ضامن حسب الفرض حيث وضع يده على مال المالك ، فهو ضامن بنفسه فكيف يرجع إلى المشترى ؟

( نعم : لو اتلف ) المشترى المال ( بفعله ) اى بان فعل الاتلاف لا ان يتلف المتاع بنفسه بدون سببية المشترى - ( رجع ) البائع إلى المشترى ، فيما إذا رجع المالك إلى البائع ( لكونه ) اى المشترى اللاحق ( سببا لتنجز الضمان على ) البائع ( السابق ) لقاعدة : التسبيب ، حيث إن المشترى صار سببا لضمان البائع ، بسبب اتلافه المتاع .

والحاصل : ان ما ذكره المشهور ، من : ان كل سابق يرجع إلى اللاحق ، اما اللاحق فلا يرجع إلى السابق ، لا وجه له - اطلاقا - بل له وجه فيما لو كان المال اتلفه اللاحق باختياره ، اما لو تلف المال بنفسه فاللازم ان لا يرجع السابق إلى اللاحق ، لان يد السابق أيضا ضمانية .

( قلت : توضيح ذلك ) اى وجه اشتغال ذمتين أولا ، ووجه رجوع السابق إلى اللاحق ثانيا ( يحتاج إلى الكشف عن كيفية اشتغال ذمة كل من

ص: 68

اليدين ببدل التالف وصيرورته في عهدة كل منهما مع أن الشيء الواحد لا يقبل الاستقرار الا في ذمة واحدة ، وان الموصول في قوله : على اليد ما اخذت ، شيء واحد ، كيف يكون على كل واحدة من الايادي المتعددة

فنقول : معنى كون العين المأخوذة ، على اليد كون عهدتها ودركها بعد التلف عليه ، فإذا فرض أيدي متعددة تكون العين الواحدة في عهدة كل من الايادي لكن ثبوت الشيء الواحد في العهدات ، المتعددة ، معناه لزوم خروج كل

_________________________

اليدين ) يد البائع ويد المشترى ( ببدل التالف ) الّذي كان ملكا للمالك ( وصيرورته ) اى التالف ( في عهدة كل منهما مع أن الشيء الواحد لا يقبل الاستقرار الا في ذمة واحدة ) إذ : المستفاد من الأدلة الشرعية والعقلائية ان الشيء مضمون بمقابله فقط ، لا بضعف مقابله ( وان الموصول ) اى لفظة : ما ، ( في قوله ) عليه السلام ( على اليد ما اخذت ، شيء واحد ، كيف يكون ) ذلك الشيء الواحد ( على كل واحدة من الايادي المتعددة )

فإذا وضحت هذه الأمور ظهر الجواب عن الاشكالين .

( فنقول : معنى كون العين المأخوذة ، على اليد ) وهو مضمون :

على اليد ما اخذت ، ( كون عهدتها ) وضمانها ، فان الشيء في ذمة الانسان ، باعتبار العقلاء ، وهذا معنى العهدة ( ودركها ) اى خسارتها ( بعد التلف عليه ، فإذا فرض أيدي متعددة ) تعاقبت على عين واحدة ( تكون العين الواحدة في عهدة كل من الايادي ) المتعاقبة ( لكن ثبوت الشيء الواحد في العهدات المتعددة ، معناه لزوم خروج كل

ص: 69

منها عن العهدة عند تلفه .

وحيث إن الواجب هو تدارك التالف الّذي يحصل ببدل واحد لا أزيد كان معناه تسلط المالك على مطالبة كل منهم الخروج عن العهدة عند تلفه فهو يملك ما في ذمه كل منهم على البدل ، بمعنى : انه إذا استوفى أحدها سقط الباقي لخروج الباقي عن كونها تداركا ، لان المتدارك لا يتدارك .

_________________________

منها ) اى من تلك العهدات ( عن العهدة عند تلفه ) اى تلف ذلك الشيء ، هذا فيما إذا كانت العين فقط في العهدة ، إذ العهدة تنتفى عند انتفاء العين .

( و ) لكن ( حيث إن الواجب هو تدارك التالف الّذي يحصل ) ذلك التدارك ( ببدل واحد ) مثلا ، أو قيمة ( لا أزيد ) من البدل الواحد ( كان معناه ) اى معنى ثبوت البدل الواحد في الذمم المتعددة ( تسلط المالك على مطالبة كل منهم ) اى من تلك الايادي ( الخروج عن العهدة عند تلفه ) قوله : الخروج ، مفعول ثان ل : مطالبة ، اى يطالبهم المالك ان يخرجوا عن عهدة المال ( فهو ) اى المالك ( يملك ما في ذمة كل منهم على البدل ) وكونه على البدل ( بمعنى : انه إذا استوفى أحدها سقط الباقي لخروج الباقي ) بعد أداء أحدهم ( عن كونها تداركا ، لان المتدارك لا يتدارك ) إذ ادراك امر واحد مرتين محال ، فإنه من تحصيل الحاصل .

ولعل إلى هذا نظر صاحب الجواهر ، حيث ادعى الاستحالة .

ص: 70

والوجه في سقوط حقه بدفع بعضهم عن الباقي ان مطالبته ما دام لم يصل إليه المبدل ، ولا بدله فأيهما حصل في يده لم يبق له استحقاق بدله ، فلو بقي شيء له في ذمة واحدة لم يكن بعنوان البدلية ، - والمفروض عدم ثبوته بعنوان آخر - .

ويتحقق مما ذكرنا : ان المالك انما يملك البدل على سبيل البدلية ويستحيل اتصاف شيء منها بالبدلية بعد صيرورة أحدها بدلا عن التالف

_________________________

( والوجه في سقوط حقه ) اى المالك ( بدفع بعضهم ) اى بسبب دفع بعضهم البدل ( عن الباقي ) متعلق ب : سقوط ( ان مطالبته ) اى المالك ( ما دام لم يصل إليه المبدل ، ولا بدله ) وقوله : ما دام ، خبر :

ان ، ( فأيهما ) من البدل والمبدل ( حصل في يده لم يبق له استحقاق بدله ) اى بدل المال ( فلو ) فرضنا انه ( بقي شيء له في ذمة واحدة لم يكن بعنوان البدلية ) إذ البدل قد سقط ( - والمفروض عدم ثبوته بعنوان آخر - ) .

وان شئت قلت : ان الجمع بين دليل : ضمان بدل واحد ، وبين دليل : على اليد ، هو كون البدل في احدى الذمم على سبيل البدل ونحو الواجب الكفائي ، فإذا حصل المالك على بدل واحد من أحدهم أو مجموعهم ، لم يكن له بعد شيء في ذمة أحد فقد وصل إليه حقه .

( ويتحقق مما ذكرنا : ان المالك انما يملك البدل على سبيل البدلية ) اى البدل الّذي يسمى بدلا ( ويستحيل اتصاف شيء منها بالبدلية بعد صيرورة أحدها بدلا عن التالف )

ص: 71

وأصلا إلى المالك .

ويمكن ان يكون نظير ذلك ضمان المال على طريقة الجمهور حيث إنه ضم ذمة إلى ذمة أخرى .

وضمان عهدة العوضين لكل من البائع والمشترى عندنا كما في الايضاح .

_________________________

( وأصلا إلى المالك ) عطف على : بدلا ، .

( ويمكن ان يكون نظير ذلك ) نظير البدل الواحد في ذمم متعددة ( ضمان المال على طريقة الجمهور ) العامة ، فان الشيعة يقولون : إذا ضمن انسان مالا ينتقل المال من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن .

اما العامة فالضمان عندهم ليس هكذا ( حيث إنه ) اى الضمان عندهم عبارة عن ( ضم ذمة إلى ذمة أخرى ) اى ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه ، فلعلهم أرادوا : الضم ، على سبيل البدل ، وان أيا من الضامن والمضمون عنه دفع المال ، فقد سقط المال عن ذمة الآخر .

( و ) كذلك يمكن ان يكون نظير ذلك ( ضمان عهدة العوضين لكل من البائع والمشترى عندنا ) بان يضمن شخص ثالث : غير المتبايعين ، الثمن على المشترى - بان يلتزم للبائع ، ان يدفع الثمن إلى البائع إذا لم يدفعه المشترى - وكذلك يضمن المثمن على البائع - بان يلتزم للمشترى ان يدفع المثمن للمشترى ، إذا لم يدفعه البائع - فإنه عبارة عن ضمان شيء واحد في ذمتين ، ذمة البائع والمشترى من جهة وذمة الضامن من جهة أخرى ( كما في الايضاح ) .

ص: 72

وضمان الأعيان المضمونة على ما استقر به في التذكرة ، وقواه في الايضاح .

وضمان الاثنين لواحد كما اختاره ابن حمزة ، وقد حكى فخر الدين ، والشهيد عن العلامة في دروسه : انه نفى المنع من ضمان الاثنين على وجه الاستقلال .

_________________________

( و ) كذلك نظيره ( ضمان الأعيان المضمونة ) كضمان الشخص باستنقاذ المال من الغاصب - مثلا - فان المال حينئذ يكون في ضمان الغاصب وضمان الضامن .

وانما قال : الأعيان المضمونة ، لان الأعيان الأمانية لا تكون مضمونة كما لو أودع انسان عند الأمين المال ، فإنه لا يصح ضمان ثالث للأمين ، إذ : ليس على الأمين الا اليمين ( على ما استقر به في التذكرة ، وقواه في الايضاح ) بأنه يكون من قبيل الضمان على البدل .

( و ) كذلك نظيره ( ضمان الاثنين لواحد ) كما لو ضمن المديون نفران ، فان فيه أقوالا .

الأول - اشتراكهما في الضمان ، فيضمن كل واحد بعضه بالتساوي .

والثاني - بطلانها .

والثالث - اختيار المالك تضمين أيهما شاء .

والرابع - ان كل واحد ضامن على سبيل البدل ( كما اختاره ابن حمزة ، وقد حكى فخر الدين ، والشهيد عن العلامة في دروسه : انه نفى المنع من ضمان الاثنين على وجه الاستقلال ) اى لا مانع من أنه يكون نفران أو أكثر ضامنين لشيء واحد .

ص: 73

قال : ونظيره في العبادات ، الواجب الكفائي وفي الأموال الغاصب من الغاصب .

هذا حال المالك بالنسبة إلى ذوى الأيدي .

واما حال بعضهم بالنسبة إلى بعض ، فلا ريب في ان اللاحق ، إذا رجع إليه ، لا يرجع إلى السابق ، ما لم يكن السابق موجبا لإيقاعه في خطر الضمان

_________________________

( قال ) العلامة في درسه ( ونظيره ) اى ضمان الاثنين ( في العبادات الواجب الكفائي ) الّذي يجب على أكثر من واحد ، لكن على سبيل البدل فان قام به أحدهم سقط عن الكل ، والا اثم الجميع ( وفي الأموال الغاصب من الغاصب ) فان ذمة كليهما مشغولة ، فان اعطى المال إلى مالكه سقط عنهما ، والا اثما جمعيا .

( هذا ) كله جواب عن اشكال انه كيف يمكن اشتغال ذمة نفرين بشيء واحد ، فإنه لا مانع منه عقلا ولا محذور فيه شرعا ، بل ورد في موارد من الشريعة كما عرفت من كلام الفقهاء ، ف ( حال المالك بالنسبة إلى ذوى الا يدي ) المتعددة الذين وضعوا اليد على ماله اشتغال ذمة كل واحد منهم بماله ، على سبيل البدل .

( واما حال بعضهم ) اى بعض ذوى الأيدي ( بالنسبة إلى بعض ) آخر ، وهو الجواب عن انه كيف يرجع السابق إلى اللاحق ، كرجوع البائع إلى المشترى ، دون العكس ( فلا ريب في ان اللاحق ، إذا رجع ) المالك ( إليه ، لا يرجع ) اللاحق ( إلى السابق ، ما لم يكن السابق موجبا لإيقاعه في خطر الضمان ) اى ما لم يكن السابق غارا للّاحق ، كما لو اشترى المشترى

ص: 74

كما لا ريب في ان السابق ، إذا رجع عليه ، وكان غار اللاحقة ، لم يرجع إليه إذ : لا معنى لرجوعه عليه بما لو دفعه اللاحق ضمنه له .

فالمقصود بالكلام ما إذا لم يكن غارا له ، فنقول : ان الوجود في رجوعه هو : ان السابق اشتغلت ذمته بالبدل ، قبل اللاحق

_________________________

المال من البائع وهو يعلم أن البائع غاصب ، فان المالك إذا رجع إلى المشترى لم يرجع المشترى إلى الغاصب ( كما لا ريب في ان السابق إذا رجع ) المالك ( عليه وكان غار اللاحقة ، لم يرجع ) السابق ( إليه ) اى إلى اللاحق ( إذ : لا معنى لرجوعه ) اى السابق ( عليه ) اى على اللاحق ( بما ) اى بشيء - كالمنافع - ( لو دفعه اللاحق ) إلى المالك ( ضمنه ) السابق ( له ) اى لللاحق ، فإنه إذا كان الغاصب غارا واستوفى اللاحق المنافع ، ثم اخذ المالك بدل المنافع من اللاحق ، كان لللاحق الحق في ان يرجع بها إلى السابق ، ويأخذها من السابق ، فكيف يمكن ان يكون للسابق الحق في ان يرجع إلى اللاحق بالمنافع إذا اخذها المالك من السابق .

وحيث لا ريب في المسألتين .

( فالمقصود بالكلام ) هنا في انه يرجع السابق إلى اللاحق - فيما إذا رجع المالك إلى السابق - ( ما إذا لم يكن ) السابق ( غارا له ) اى لللاحق ( فنقول : ان الوجه في رجوعه ) اى رجوع السابق إلى اللاحق فيما إذا رجع المالك إلى السابق ( هو : ان السابق اشتغلت ذمته ) للمالك ( بالبدل ، قبل اللاحق ) إذ وضع السابق يده على مال المالك

ص: 75

فإذا حصل المال في يد اللاحق فقد ضمن شيئا له بدل ، فهذا الضمان يرجع إلى ضمان واحد من البدل والمبدل على سبيل البدل إذ : لا يعقل ضمان المبدل معينا من دون البدل والا خرج بدله عن كونه بدلا .

_________________________

قبل ان يضع اللاحق يده على مال المالك ( فإذا حصل المال في يد اللاحق فقد ضمن شيئا له بدل ) إذ مال المالك له بدل في ذمة السابق ( فهذا الضمان ) من اللاحق ( يرجع إلى ضمان واحد من البدل ) اى بدل البدل ( والمبدل ) ضمانا ( على سبيل البدل ) فان اللاحق ضمن المال ذا البدل ، فهو ضمان لاحد الامرين : المبدل ، و : بدله الّذي تعلق بذمة السابق .

وانما نقول : ضمن اللاحق واحدا من البدل والمبدل ، ولا نقول :

ان اللاحق ضمن المبدل فقط ( إذ : لا يعقل ضمان المبدل ) فقط ( معينا من دون البدل ) - الّذي تعلق بذمة السابق - ( والا ) فلو كان ضمان اللاحق للمبدل فقط ( خرج بدله ) اى بدل المبدل - الّذي بذمة السابق - ( عن كونه بدلا ) والحال انا فرضنا ان ما في ذمة السابق بدل عن المال .

وان شئت قلت : هل هناك في ذمة السابق بدل عن مال المالك أم لا ؟

فإن كان الأول ، لزم اشتغال ذمة اللاحق ببدل ذلك البدل .

وان كان الثاني ، لزم ان لا تكون ذمة السابق مشغولة ببدل مال المالك ، لكن الثاني باطل ، فيبقى الأول .

ص: 76

فما يدفعه الثاني ، فإنما هو تدارك لما استقر تداركه في ذمة الأول بخلاف ما يدفعه الأول فإنه تدارك نفس العين معينا ، إذ لم يحدث له تدارك آخر بعد ، فان أداه إلى المالك سقط تدارك الأول له ، ولا يجوز دفعه إلى الأول قبل دفع الأول إلى المالك ، لأنه من باب الغرامة والتدارك فلا اشتغال للذمة قبل حصول التدارك

_________________________

وبعبارة أخرى : ضمان مال له بدل ، معناه انه ضمان أحد من البدل والمبدل منه ، والا لساوى مع ضمان مال لا بدل له ( فما يدفعه ) إلى المالك ( الثاني ) اللاحق ( فإنما هو تدارك لما استقر تداركه في ذمة الأول ) اى الغاصب السابق ( بخلاف ما يدفعه الأول ) فيما إذا رجع المالك إلى الأول ( فإنه تدارك نفس العين معينا ، إذ لم يحدث له ) اى للمال ( تدارك آخر ) غير تدارك السابق ( بعد ) لفرض ان المالك لم يرجع إلى اللاحق ليتدارك المال ( فان أداه ) اللاحق ( إلى المالك سقط تدارك الأول ) السابق ( له ) اى للمال ، فلا يحق للمالك بعد ان اخذ المال من اللاحق ان يرجع بالمال إلى السابق ثانيا ( ولا يجوز دفعه ) اى دفع اللاحق المال ( إلى الأول ) السابق ( قبل دفع الأول ) المال ( إلى المالك ، لأنه ) اى دفع اللاحق إلى السابق ( من باب الغرامة والتدارك ) إذ : اللاحق انما يغرم للأول ، إذا دفع الأول المال إلى المالك ، اما إذا لم يدفع الأول إلى المالك ، فلم يخرج من كيس الأول شيء حتى يتداركه اللاحق ( فلا اشتغال للذمة ) اى ذمة اللاحق ، لا اشتغال لها بالنسبة إلى السابق ( قبل حصول التدارك ) اى قبل ان

ص: 77

وليس من قبيل العوض لما في ذمة الأول .

فحال الأول مع الثاني ، كحال الضامن مع المضمون عنه ، في انه لا يستحق الدفع إليه الا بعد الأداء .

والحاصل : ان من تلف المال في يده ضامن لاحد الشخصين على البدل من المالك ومن سبقه في اليد

و

_________________________

يعطى السابق إلى المالك - ويفوت المال على السابق - ، ( وليس ) المال الّذي يعطيه اللاحق للسابق ( من قبيل العوض لما في ذمة الأول ) حتى يكون واجب الأداء إلى الأول ، سواء دفع الأول المال إلى المالك ، أم لا بل ما يعطيه اللاحق للسابق تدارك ، والتدارك لا يكون الا بعد فوت المتدارك .

( فحال الأول ) السابق ( مع الثاني ) اللاحق ( كحال الضامن مع المضمون عنه ) كما لو طلب زيد من عمرو ، فضمن خالد ، فان خالدا الضامن إذا دفع المال إلى زيد ، كان له الحق في ان يأخذ بدل المال من المضمون عنه الّذي هو عمرو ( في انه ) اى الضامن ( لا يستحق الدفع إليه ) اى ان يدفع المضمون عنه المال إلى الضامن ( الا بعد الأداء ) للمال إلى المالك ، وهنا لا يستحق السابق ان يدفع اللاحق إليه المال الا بعد ان أدى السابق المال إلى المالك .

( والحاصل : ان من تلف المال في يده ) وهو اللاحق ( ضامن لاحد الشخصين ) ضمانا ( على البدل من المالك ) لأنه اتلف ماله ( و ) من ( من سبقه في اليد ) لأنه اتلف ما تلفه أوجب البدل على السابق (

ص: 78

تشتغل ذمته اما بتدارك العين ، واما بتدارك ما يتداركها وهذا اشتغال شخص واحد بشيئين لشخصين على البدل كما كان في الا يدي المتعاقبة اشتغال ذمة اشخاص على البدل بشيء واحد لشخص واحد .

وربما يقال : في وجه رجوع غير من تلف المال في يده لو رجع عليه ان ذمة من تلف في يده ، لو رجع عليه ان ذمة من تلف بيده مشغولة للمالك بالبدل وان أجاز له الزام غيره

_________________________

تشتغل ذمته ) اى ذمة اللاحق المتلف للمال ( اما بتدارك العين ) بان يعطيها للمالك ( واما بتدارك ما يتداركها ) والّذي يتدارك العين هو ما يعطيه السابق للمالك ( وهذا اشتغال شخص واحد ) هو اللاحق ( بشيئين ) البدل للعين أو بدل تدارك العين : اى بدل البدل ، ( لشخصين ) المالك ، والسابق ( على البدل ) بالنسبة إلى الشيئين ، وبالنسبة إلى الشخصين ( كما كان في الا يدي المتعاقبة ) غصبا كلها ، بخلاف هنا ، فان بعض الايادي غاصبة ، وبعضها شارية ( اشتغال ذمة اشخاص على البدل بشيء واحد لشخص واحد ) .

فالأول : من قبيل الواجب الكفائي ، وهذا من قبيل الواجب العيني - في الجملة - .

( وربما يقال : في وجه رجوع غير من تلف المال في يده ) من تلف المال في يده هو المشترى ، وغيره هو البائع - في المثال - ( لو رجع ) المالك ( عليه ) اى على : غير من تلف ، وهو البائع ( ان ذمة من تلف في يده ، لو رجع عليه ان ذمة من تلف بيده مشغولة للمالك بالبدل ) لأنه اتلف مال المالك ( وان أجاز له ) اى للمالك ( الزام غيره ) والمراد بالغير

ص: 79

باعتبار الغصب بأداء ما اشتغل ذمته به ، فيملك حينئذ من أدى بأدائه ما للمالك في ذمته بالمعاوضة الشرعية القهرية .

قال : وبذلك اتضح الفرق بين من تلف المال في يده ، وبين غيره الّذي خطابه بالأداء شرعي لا ذمي

_________________________

هو البائع ( باعتبار الغصب ) متعلق ب : جاز ، اى بسبب ان البائع هو الغاصب ، فيجوز للمالك الزامه بالبدل ( بأداء ما اشتغل ذمته ) اى ذمة الغير - وهو البائع - ( به ) الضمير عائد إلى : ما ، و : بأداء ، متعلق ب : الزام ، ( فيملك حينئذ ) اى حين الأداء ( من أدى ) وهو البائع ( ب ) سبب ( أدائه ما ) اى الشئ الّذي ( للمالك في ذمته ) اى ذمة من تلف بيده - وهو المشترى - ( بالمعاوضة الشرعية القهرية ) « بالمعاوضة » متعلق ب : يملك ، اى ان المال في ذمة المشتري :

المتلف ، فإذا أداه البائع ، ملك البائع ما في ذمة المشتري ، ولذا يحق للبائع بعد أدائه المال ان يرجع إلى المشترى .

وهذا هو كلام صاحب الجواهر في وجه رجوع السابق إلى اللاحق .

( قال : وبذلك ) الّذي ذكرنا من كون المال في ذمة اللاحق فإذا أداه السابق ملك بالمعاوضة القهرية ما في ذمة اللاحق ( اتضح الفرق بين من تلف المال في يده ، وبين غيره ) ممن وضع اليد على المال ، سابقا كان على المتلف ، أو لاحقا له ( الّذي ) صفة : غيره ، ( خطابه ) من الشارع ( بالأداء ) لمال المالك ( شرعي ) اى تكليفي محض ( لا ذمّي ) فليس في ذمته شيء مستقرا ، وانما يجب عليه أداء مال المالك ، ويأخذه

ص: 80

إذ : لا دليل على شغل ذمم متعددة بمال واحد ، فحينئذ يرجع عليه ولا يرجع هو انتهى .

وأنت خبير ، بأنه لا وجه للفرق بين خطاب من تلف بيده ، وخطاب غيره ، بان خطابه ذمي وخطاب غيره شرعي ، مع كون دلالة : على اليد ما اخذت ، بالنسبة إليهما على السواء ، والمفروض انه لا خطاب بالنسبة إليهما غيره ،

_________________________

من المتلف ( إذ : لا دليل على شغل ذمم متعددة بمال واحد ) فلا يمكن ان يقال : بانتقال ذمة كل من السابق واللاحق في حال واحد ( فحينئذ يرجع ) السابق ( عليه ) اى على اللاحق ( ولا يرجع هو ) عليه اى اللاحق على السابق ( انتهى ) كلام الجواهر .

( وأنت خبير ، ب ) ان قوله عليه السلام : على اليد ما اخذت ، شامل لكل من السابق واللاحق بلفظ واحد ، وكيفية واحدة ، ف ( انه لا وجه للفرق بين خطاب من تلف بيده ) اى اللاحق ( وخطاب غيره ) اى السابق ( بان خطابه ) اى من تلف بيده ( ذمي وخطاب غيره ) اى السابق الّذي لم يتلف بيده ( شرعي ) لا وجه للتفريق ( مع ) اى في حال ( كون دلالة :

على اليد ما اخذت ، بالنسبة إليهما ) من تلف في يده ، وغير من تلف في يده ( على السواء ) لان اللفظ شامل لهما ، لان كلا منهما اخذ المال ( والمفروض انه لا خطاب بالنسبة إليهما ) السابق واللاحق ( غيره ) اى غير خطاب : على اليد ، حتى يكون فارقا بين السابق بان خطابه شرعي واللاحق بان خطابه ذمي .

ص: 81

مع أنه لا يكاد يفهم الفرق بين ما ذكره من الخطاب بالأداء ، والخطاب الذمي مع أنه : لا يكاد يعرف خلاف من أحد ، في كون كل من ذوى الا يدي مشغول الذمة بالمال فعلا ، ما لم يسقط بأداء أحدهم ، أو ابراء المالك ، نظير الاشتغال بغيره ، من الديون في اجباره على الدفع ، أو الدفع عنه من ماله ، وتقديمه على الوصايا ، والضرب فيه مع الغرماء ، ومصالحة

_________________________

هذا أولا ، وثانيا ( مع أنه لا يكاد يفهم الفرق بين ما ذكره من الخطاب بالأداء ) بالنسبة إلى السابق - اى الشرعي - ( والخطاب الذمي ) بالنسبة إلى اللاحق .

وهذا الكلام من الشيخ مبنى على كون كل حكم شرعي فهو تكليفي ولا معنى للحكم الوضعي أصلا فالخطابان كلاهما شرعي .

وثالثا : ( مع أنه : لا يكاد يعرف خلاف من أحد ، في كون كل من ذوى الا يدي ) على مال الغير ( مشغول الذمة بالمال فعلا ، ما لم يسقط ) المال عن ذممهم جميعا ( بأداء أحدهم ، أو ابراء المالك ) فما معنى الفرق بان خطاب أحدهم ذمي ، وخطاب الآخر شرعي ؟ مع أن الآثار في الكل واحدة ، فحال اشتغال اللاحق والسابق بهذا الدين ( نظير الاشتغال ) للذمة ( بغيره ، من الديون في اجباره ) اى المديون ( على الدفع ) بان يدفع المديون بنفسه ( أو الدفع عنه ) اى عن المديون ( من ماله ، وتقديمه ) اى الدين ( على الوصايا ) إذ : الدين ، مقدم على الوصية ( والضرب فيه ) اى في هذا الدين ( مع ) سائر ( الغرماء ) إذا كان غرماء متعددون ، والمال لا يفي بجميعهم ( ومصالحة

ص: 82

المالك عنه مع آخر ، إلى غير ذلك من : احكام ما في الذمة مع : ان تملك غير من تلف المال بيده لما في ذمة من تلف المال بيده بمجرد دفع البدل لا يعلم له سبب اختياري ، ولا قهري بل المتجه على ما ذكرنا

_________________________

المالك عنه ) اى عن المال ( مع آخر ) بان يعطى كل واحد من المديونين بعض المال ، فيما لو قصر مال الشخص المديون مصالحة ، أو المراد انه لو تردد المالك بين هذا وذاك صالح المديون مع كل منهما ( إلى غير ذلك من : احكام ما في الذمة ) .

ورابعا : ( مع أن تملك غير من تلف المال بيده ) اى تملك السابق كالبائع الغاصب - ( لما في ذمة من تلف المال بيده ) اى المشترى ، و : لما ، متعلق ب : تملك ( بمجرد دفع البدل ) اى بمجرد دفع الغاصب البدل إلى المالك - كما ذكره الجواهر - حيث قال : ان المال يكون في ذمة المشتري المتلف ، لكن المالك إذا رجع إلى البائع ، فبمجرد دفع البائع البدل إلى المالك ، يتملك ما في ذمته ( لا يعلم له سبب اختياري ) لأنه لم يجر عقد بين الأطراف بهذا الشأن ( ولا قهري ) السبب القهري مثل مزج المالين ، فإنه موجب للشركة القهرية - وان كان المازج هواء أو ما أشبه - وكذلك إذا ضاع أحد الدرهمين للودعيين ، فإنه يوجب الشركة في الدرهم الباقي ، لكن مثل هذه الأمور تحتاج إلى دليل شرعي مفقود في المقام ( بل المتجه على ما ذكرنا ) وهو ما ذكره سابقا ، من قوله - قبل أقل من صفحة - وحيث إن الواجب هو تدارك التالف الّذي يحصل ببدل لا أزيد

ص: 83

سقوط حق المالك عمن تلف في يده ، بمجرد أداء غيره لعدم تحقق موضوع التدارك بعد تحقق التدارك ، مع أن اللازم مما ذكره ان لا يرجع الغارم بمن لحقه ، في اليد العادية الا إلى من تلف في يده ، مع أن الظاهر خلافه ،

_________________________

( سقوط حق المالك عمن تلف ) المال ( في يده ) وهو المشترى ( بمجرد أداء غيره ) الّذي هو البائع ( لعدم تحقق موضوع التدارك ) بالنسبة إلى المشترى ، فإنه لا موقع لتداركه ( بعد تحقق التدارك ) من البائع .

وخامسا : ( مع أن اللازم مما ذكره ) الجواهر ، من : ان المأخوذ منه البدل ، يقع تعارض قهري بين ما أعطاه ، وبين ما في ذمة المتلف ، حتى أن المأخوذ منه يحق له ان يأخذ المال من المتلف ( ان لا يرجع الغارم ) وهو من دفع البدل إلى المالك ( بمن لحقه ) : بمن ، متعلق ب : لا يرجع ، والمراد : بمن لحق ، الشخص الّذي بعده ، مثلا غصب زيد : المال ، فاشتراه عمرو منه ، وبكر اشتراه من عمرو ، وتلف المال في يد بكر ، فان لازم معاوضة ما أعطاه زيد : الغاصب ، لمالك المال مع ما في ذمة بكر : المتلف للمال ، ان لا يكون ، حتى لزيد في الرجوع إلى الواسطة الّذي هو عمرو ، بل اللازم رجوعه رأسا إلى بكر : المتلف ، ( في اليد العادية ) اى من كان بعد الغاصب ممن وضع يده عدوانا على مال المالك ، كعمرو - في المثال - ( الا إلى من تلف ) المال ( في يده ) كبكر - في المثال - ( مع أن الظاهر ) من كلام الفقهاء ( خلافه ) اى خلاف هذا اللازم ، بمعنى انه يحق لزيد ان يرجع إلى كل

ص: 84

فإنه يجوز له ان يرجع إلى كل واحد ممن بعده .

نعم : لو كان غير من تلف بيده ، فهو يرجع إلى أحد لواحقه إلى أن يستقر على من تلف في يده ، هذا كله إذا تلف المبيع في يد المشترى وقد عرفت الحكم أيضا في صورة بقاء العين ، وانه يرجع المالك بها على من في يده ، أو من جرت يده عليها ، فإن لم يمكن انتزاعها ممن هي في يده ، غرم للمالك بدل الحيلولة

_________________________

من عمرو وبكر - في المثال - ( فإنه ) اى الغارم ( يجوز له ان يرجع إلى كل واحد ممن بعده ) ممن لهم اليد العدواني .

( نعم : لو كان ) من رجع إليه الغارم ( غير من تلف بيده ) كعمرو - في المثال - ( فهو ) اى غير من تلف بيده ( يرجع إلى أحد لواحقه ) واللاحق يرجع إلى اللاحق ( إلى أن يستقر على من تلف في يده ، هذا كله ) تمام الكلام فيما ( إذا تلف المبيع في يد المشترى ) الّذي اشتراه من الغاصب ( وقد عرفت الحكم أيضا في صورة بقاء العين ، وانه ) الضمير للشأن ( يرجع المالك بها ) اى بالعين - لأجل اخذها - ( على من ) العين ( في يده ، أو من جرت يده عليها ) اى على العين - لقاعدة :

على اليد - ( فان ) رجع المالك إلى من ليس المال في يده ، وتمكن الواسطة من انتزاع المال ممن في يده المال ، فهو وان ( لم يمكن انتزاعها ) اى العين ( ممن هي في يده ) بان كان مسافرا بعيدا ، أو غاصبا قويا ، أو ما أشبه ( غرم ) الّذي رجع إليه المالك ( للمالك بدل الحيلولة ) حيث إن الواسطة حال بين المالك وبين ماله ، حيث إن

ص: 85

وللمالك استردادها فيرد بدل الحيلولة .

ولا يرتفع سلطنة المالك على مطالبة الأول ، بمجرد تمكنه من الاسترداد من الثاني ، لان عهدتها على الأول ، فيجب عليه تحصيلها وان بذل ما بذل .

_________________________

الواسطة نقل المال من نفسه إلى غيره ( وللمالك ) بعد اخذه بدل الحيلولة ( استردادها ) اى بدل الحيلولة بان يطلب رد ماله من اليد التي عندها المال ، وإذا اخذ ماله ( فيرد ) المالك ( بدل الحيلولة ) إلى صاحبه ، إذ : لا معنى لان يجمع المالك بين المعوض والعوض .

( و ) لا يخفى انه ( لا يرتفع سلطنة المالك على مطالبة الأول ) اى الّذي ليس لديه ماله كالبائع ( بمجرد تمكنه ) اى المالك ( من الاسترداد ) لعين ماله ( من الثاني ) كالمشترى ( لان عهدتها ) اى عين المال ( على الأول ) ثابت ( ف ) يجوز للمالك طلبه منه كما ( يجب عليه تحصيلها ) اى تحصيل عين مال المالك ( وان بذل ) الأول ، لأجل التحصيل ( ما بذل ) من الأموال الطائلة .

ولكن لا يخفى انهم ذكروا انه انما يجب على الغاصب تحصيل المال فيما إذا لم يوجب التحصيل ضررا عليه ، والا فأدلة : لا ضرر ، شاملة له مثلا : إذا أوقع درهم الغير في البئر عمدا ، وكانت مئونة اخراج عينه ألف دينار ، لم يجب عليه الاخراج ، وكذا إذا كان المال الّذي أوقعه في البئر قيميا يسوى بدرهم .

ص: 86

نعم : ليس لمالك اخذ مئونة الاسترداد ليباشر بنفسه ، ولو لم يقدر على استردادها الا المالك ، وطلب من الأول عوضا عن الاسترداد .

فهل يجب عليه بذل العوض ، أو ينزل منزلة التعذر ، فيغرم بدل الحيلولة .

أو يفرق بين الأجرة المتعارفة للاسترداد وبين الزائد عليها مما يعد اجحافا على الغاصب الأول وجوه ،

_________________________

( نعم : ليس للمالك اخذ مئونة الاسترداد ) من الأول ( ليباشر ) المالك الاسترداد ( بنفسه ) إذ : الغاصب مكلف بان يرد المال ، لا بان يعطى اجرة الاسترداد ( ولو لم يقدر على استردادها ) اى العين - من يد المشترى - ( الا المالك ، وطلب ) المالك ( من الأول ) اى البائع ( عوضا عن ) تبعه في ( الاسترداد ) .

( فهل يجب عليه ) اى على الأول - البائع - ( بذل العوض ، أو ينزل ) المال الّذي عند المشترى ( منزلة التعذر ) لتعذر البائع حقيقة ( فيغرم ) البائع للمالك ( بدل الحيلولة ) .

( أو يفرق بين ) احتياج الاسترداد إلى ( الأجرة المتعارفة للاسترداد ) فتلزم الأجرة على البائع ، لأنها من شؤون الارجاع للمال الّذي هو مأمور به ( وبين الزائد عليها مما يعد اجحافا على الغاصب الأول ) - اى الّذي ليس عنده المال ، ولو كان الشخص الثاني أو غيره - ( وجوه ) واحتمالات .

والدليل على وجوب الرد مطلقا ، اطلاق أدلة رد مال المالك .

ص: 87

هذا كله مع عدم تغير العين ، واما إذا تغيرت ، فيجيء صور كثيرة لا يناسب المقام التعرض لها ، وان كان كثير مما ذكرنا - أيضا - مما لا يناسب ذكره ، الا في باب الغصب .

الا ان الاهتمام بها دعاني إلى ذكرها في هذا المقام بأدنى مناسبة اغتناما للفرصة ، وفقنا اللّه لما يرضيه عنا من العلم والعمل انه غفار الزلل .

_________________________

وعلى عدم الوجوب مطلقا ، ان الدليل انما دل على وجوب رد مال المالك ولم يدل على لزوم صرف شيء على الغاصب في هذا السبيل ، فاصالة عدم وجوب صرف شيء محكمة فيرجع إلى بدل الحيلولة .

وعلى التفصيل اطلاق أدلة وجوب الرد بعد انصرافها عن صورة الاجحاف ( هذا كله مع عدم تغير العين ) الموجودة ( واما إذا تغيرت فيجيء صور كثيرة ) لأنها اما إلى الزيادة أو النقيضة .

ثم كل واحدة منهما اما إلى العينية أو القيمية أو الحكمية .

ثم إن التغيير اما عند بعض الايادي مع وجود مثلها ، أو ضدها عند اليد الأخرى ، أو عند كل الايادي إلى غيرها من صور التغير ( لا يناسب المقام التعرض لها ، وان كان كثير مما ذكرنا - أيضا - مما لا يناسب ذكره ) في كتاب البيع ، ( الا في باب الغصب ) على ما ذكره الفقهاء هناك .

( الا ان الاهتمام بها ) اى بتلك الصور المذكورة ( دعاني إلى ذكرها في هذا المقام بأدنى مناسبة ، اغتناما للفرصة ، وفقنا اللّه لما يرضيه عنا من العلم والعمل ، انه غفار الزلل ) واللّه العالم .

ص: 88

مسئلة : لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه ،

فعلى القول ببطلان الفضولي ، فالظاهر : ان حكمه حكم بيع ما يقبل الملك ، مع ما لا يقبله ، والحكم فيه الصحة لظهور الاجماع بل دعواه عن غير واحد ، مضافا إلى صحيحة الصفار المتقدمة في أدلة بطلان الفضولي ، من قوله عليه السلام : لا يجوز بيع ما لا يملك وقد وجب الشراء فيما يملك .

_________________________

( مسئلة - لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه ، فعلى القول ببطلان الفضولي ، فالظاهر ) من القواعد العامة ( ان حكمه ) اى حكم هذا البيع ( حكم بيع ما يقبل الملك ، مع ما لا يقبله ) كالخل والخمر ( والحكم فيه الصحة ) بالنسبة إلى ما يقبل الملك ، وهنا أيضا الصحة بالنسبة إلى مال الفضول ، وليس هذا قياسا ، بل استدلالا لشمول الأدلة العامة لمفروض المسألة ، كشمولها لمسألة الخمر والخل ، بل شمولها لما نحن فيه أولى ، من حيث قبول مال الغير البيع ذاتا ، بخلاف الخمر التي لا تقبل الملك اطلاقا ( لظهور الاجماع ) على الصحة ( بل دعواه ) اى الاجماع ( عن غير واحد ، مضافا إلى صحيحة الصفار المتقدمة في أدلة ) القائلين ب ( بطلان الفضولي ، من قوله عليه السلام : لا يجوز بيع ما لا يملك ) بصيغة المعلوم ( وقد وجب ) اى ثبت ( الشراء فيما يملك ) .

ص: 89

ولما ذكرنا قال به من قال ببطلان الفضولي ، كالشيخ ، وابن زهرة والحلى وغيرهم .

نعم : لولا النص ، والاجماع ، أمكن الخدشة فيه بما سيجيء في بيع ما يملك ، وما لا يملك .

واما على القول بصحة الفضولي ، فلا ينبغي الريب في الصحة مع الإجازة بل

و

_________________________

( ولما ذكرنا ) من أن : مقتضى القاعدة ، الصحة - بالنسبة إلى ملك الفضول - ( قال به ) اى بكونه صحيحا ( من قال ببطلان الفضولي كالشيخ ، وابن زهرة والحلى ، وغيرهم ) .

( نعم : لولا النص ) الّذي عرفته ، وهو صحيح الصفار ( والاجماع ) المتقدم على الصحة ( أمكن الخدشة فيه ) اى في كون البيع صحيحا ( بما سيجيء في بيع ما يملك ، وما لا يملك ) كلاهما بصيغة المجهول ، كبيع الخل والخمر .

والمناقشة من نواحي متعددة .

منها : ان العقد بسيط ، فلا يقبل التجزئة .

ومنها : ان التجزئة توجب مجهولية مقدار الثمن بإزاء المثمن ، بل ومجهولية مقدار المثمن فيما إذا عرف وزن الشيئين معا ، اما وزن أحدهما فلم يعرف ، إلى غيرهما من الاشكالات .

( واما على القول بصحة الفضولي ، فلا ينبغي الريب في الصحة ) اى صحة بيع الفضول مال نفسه ومال غيره ( مع الإجازة ) من المالك ( بل

ص: 90

كذا مع الرد ، فإنه كما لو تبين بعض المبيع غير مملوك غاية الأمر ثبوت الخيار حينئذ للمشترى ، مع جهله بالحال عند علمائنا كما عن التذكرة ، وسيجيء في اقسام الخيار ، بل عن الشيخ في الخلاف تقوية ثبوت الخيار للبائع ، لكن عن الغنية الجزم بعدمه ، ويؤيده صحيحة الصفار .

_________________________

وكذا مع الرد ) من المالك إذ : يصح حينئذ بالنسبة إلى مال الفضول ( فإنه كما لو تبين ) بعد العقد ( بعض المبيع غير مملوك ) حيث لا يوجب ذلك بطلان العقد بالنسبة إلى المملوك ( غاية الأمر ) في صورة رد المالك ( ثبوت الخيار ) اى خيار تبعض الصفقة ( حينئذ للمشترى ، مع جهله بالحال ) بان لم يعلم أن بعضه غير مملوك للبائع .

نعم : إذا كان عالما لم يكن له خيار لأنه بنفسه اقدم على ما احتمل فيه التبعض ( عند علمائنا كما عن التذكرة وسيجيء ) بيان هذا الخيار ( في ) ذكر ( اقسام الخيار ، بل عن الشيخ في الخلاف تقوية ثبوت الخيار للبائع ) أيضا فيما إذا رد المالك ، لأنه ضرر على البائع أيضا في بعض الصور .

إذ : قيمة متاعه تنقص عند الانفراد عن قيمته عند الاجتماع ، كما في مصراعي باب .

ولان تزلزل البيع - حال خيار المشترى - ضرر بالنسبة إلى البائع ( لكن عن الغنية ) لابن زهرة ( الجزم بعدمه ) اى عدم الخيار للبائع ( ويؤيده ) اى كلام الغنية ( صحيحة الصفار ) المتقدمة ، حيث قال عليه - السلام : وقد وجب الشراء فيما يملك .

ص: 91

وربما حمل كلام الشيخ على ما إذا ادعى البائع الجهل ، أو الاذن وكلام الغنية على العالم .

ثم : ان صحة البيع فيما يملكه مع الرد ، مقيد - في بعض الكلمات بما إذا لم يتولد من عدم الإجازة مانع شرعي ، كلزوم ربا ، وبيع آبق من دون ضميمة ، وسيجيء الكلام في محلها .

_________________________

( وربما حمل كلام الشيخ ) الّذي قال : بان للبائع الفضول أيضا الخيار ( على ما إذا ادعى البائع الجهل ) بان بعض المال لغيره ( أو الاذن ) من المالك لبعض المتاع في بيعه مع مال نفسه ( وكلام الغنية ) الجازم بعدم الخيار للبائع ( على العالم ) بأنه فضول في بعض المتاع الّذي يبيعه .

( ثم : ان صحة البيع فيما يملكه مع الرد ) مع الطرف الآخر ، الّذي يكون البائع فضولا بالنسبة إليه ( مقيد - في بعض الكلمات - بما إذا لم يتولد من عدم الإجازة مانع شرعي ) موجب لبطلان البيع ( كلزوم ربا ) فإنه لو باع ذهب نفسه ، وفضة صديقه ، وهما مثقالان بمثقال ونصف من الذهب الجيد ، ثم إن صديقه لم يقبل البيع حتى بطل البيع في ربع مثقال من الذهب لزم الربا ، حيث يكون حينئذ مثقال من الذهب في مقابل مثقال وربع من الذهب ( وبيع آبق من دون ضميمة ) فان بيع العبد الآبق انما يجوز مع الضميمة فإذا بطل البيع في الضميمة لعدم إجازة صاحب الضميمة صار بيع الآبق وحده وذلك باطل ( وسيجيء الكلام ) في ذلك ( في محلها ) .

ص: 92

ثم : ان البيع المذكور صحيح بالنسبة إلى المملوك بصحته من الثمن ، وموقوف في غيره بحصته .

وطريق معرفة حصة كل منهما من الثمن في غير المثلى ان يقوم كل منهما منفردا ، فيؤخذ لكل واحد جزء من الثمن ، نسبته إليه ، كنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين .

_________________________

( ثم : ان البيع المذكور ) الفضولي الّذي باع مال نفسه ومال غيره ولم يقبل الغير بان انحصر البيع في مال نفسه ( صحيح بالنسبة إلى ) المال ( المملوك ) للبائع ( بحصته ) اى بالمقدار المقابل له ( من الثمن ، وموقوف ) اى باطل ( في غيره ) اى غير المملوك ( بحصته ) .

مثلا : إذا باع داره التي تسوى ألفا ، ودار صديقه التي تسوى تسعمائة بألف وتسعمائة ، ثم رد الصديق ، صح البيع بالنسبة إلى داره بألف ، وبطل بالنسبة إلى دار صديقه المقابلة للتسعمائة .

( و ) هذا فيما إذا كانت قيمة المجموع مساوية لقيمة كل واحد من المتاعين ، اما إذا لم تكن القيمة كذلك ف ( طريق معرفة حصة كل منهما من الثمن في غير المثلى ) وانما قال : في غير المثلى ، لان : المثلى ، يأتي حكمه في آخر المسألة إن شاء اللّه تعالى ( ان يقوم كل منهما ) اى من الجنسين ( منفردا ، فيؤخذ لكل واحد ) منهما ( جزء من الثمن ، نسبته ) اى ذلك الجزء ( إليه ) اى إلى الثمن ( كنسبة قيمته ) اى قيمة ذلك الجزء ( إلى مجموع القيمتين ) بان يقوم هذا منفرد أو هذا منفردا ، ثم جميع القيمتين ونسبة إحداهما إلى المجموع والأخذ من الثمن بتلك

ص: 93

مثاله كما عن السرائر - ما إذا كان ثمنها ثلث دنانير ، وقيل إن قيمة المملوك قيراط وقيمه غيره قيراطان فيرجع المشترى بثلثي الثمن .

وما ذكرنا من الطريق هو : المصرح به في الارشاد ، حيث قال : ويسقط المسمى على القيمتين .

ولعله أيضا مرجع ما في الشرائع ، والقواعد ، واللمعة ، من أنهما يقومان جميعا ،

_________________________

النسبة .

( مثاله : - كما عن السرائر - ما إذا كان ) الخاتمان العقيق والفيروزج ( ثمنها ) اى تلك الحصة لدى الاشتراء ( ثلث دنانير ، وقيل إن قيمة المملوك ) للبائع كالعتيق ( قيراط وقيمة غيره ) كالفيروزج ( قيراطان ) لدى تقويم كل واحد منفردا عن الآخر ( فيرجع المشترى ) إلى البائع ( بثلثي الثمن ) اى يسترجع منه دينارين ، لان صاحب الفيروزج لم يقبل بيعه .

( وما ذكرنا من الطريق ) للتقويم لمعرفة قيمة كل واحد منهما ( هو :

المصرح به في الارشاد ، حيث قال : ويسقط ) الثمن ( المسمى ) في العقد ( على القيمتين ) اى قيمة هذا منفردا وقيمة ذاك منفردا ، ففي المثال المسمى وهو ثلاث دنانير ، إذا قسط على القيمتين اى الثلاث قراريط ، يكون لأحدهما ديناران ، للآخر دينار واحد .

( ولعله ) اى هذا الطريق ( أيضا ) كما هو ظاهر الارشاد ( مرجع ما في الشرائع ، والقواعد ، واللمعة ، من أنهما ) اى المتاعين ( يقومان جميعا )

ص: 94

ثم يقوم أحدهما .

ولذا فسر بهذه العبارة المحقق الثاني عبارة الارشاد ، حيث قال طريق تقسيط المسمى على القيمتين الخ .

لكن الانصاف ان هذه العبارة الموجودة في هذه الكتب لا تنطبق بظاهرها على عبارة الارشاد التي اخترناها في طريق التقسيط ، واستظهرناه من السرائر إذ : لو

_________________________

لتعرف قيمتهما الواقعية ( ثم يقوم أحدهما ) ثم تنسب قيمة أحدهما واقعيا إلى قيمة المجموع واقعيا ، ويؤخذ من القيمة المسمى بتلك النسبة .

( ولذا ) الّذي ذكرنا بان مرجع كلام الارشاد ، والشرائع ، شيء واحد ( فسر بهذه العبارة ) اى عبارة الشرائع ( المحقق الثاني عبارة الارشاد ، حيث قال ) المحقق الثاني : ( طريق تقسيط المسمى على القيمتين ) حتى نعرف القيمة المسماة لكل واحد ( الخ ) اى إلى آخر عبارة الثلاثة المذكورة هذا .

( لكن الانصاف : ان هذه العبارة ) اى انهما يقومان جميعا ، ثم يقوم أحدهما ( الموجودة في هذه الكتب ) الشرائع ، والقواعد ، واللمعة ( لا تنطبق بظاهرها ) بدون تأويل ( على عبارة الارشاد ) اى قوله ويقسط المسمى على القيمتين ( التي اخترناها ) اى عبارة الارشاد ( في طريق التقسيط ، واستظهرناه من السرائر ) والخلاف ، في ان المراد بعبارة الثلاثة : يقومان جميعا ، تقويم كل واحد منفردا - كما فسره الشيخ أولا - أو تقويم المجموع ، كما يدعى الآن انه ظاهر عبارة الثلاثة ( إذ : لو

ص: 95

كان المراد من تقويمهما معا تقويم كل منهما لا تقويم المجموع لم يحتج إلى قولهم : ثم يقوم أحدهما ، ثم تنسب قيمته إذ : ليس هنا الا أمران تقويم كل منهما .

ونسبة قيمته إلى مجموع القيمتين .

فالظاهر إرادة قيمتهما مجتمعين ثم تقويم أحدهما بنفسه ، ثم ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع .

_________________________

كان المراد من تقويمهما معا تقويم كل منهما ) منفردا ( لا تقويم المجموع ) بما هو مجموع ( لم يحتج إلى قولهم ) اى قول الثلاثة - بعد ذلك - ( ثم يقوم أحدهما ، ثم تنسب قيمته ) الخ .

وانما لم يحتج لأنه يكون تكرارا ، إذ : قد قال : بتقويم كل واحد ( إذ : ليس هنا ) بناء على إرادة : تقويم كل واحد منفردا ، من قولهم :

تقويمهما معا ، ( الا أمران ) .

الأول : ( تقويم كل منهما ) .

( و ) الثاني : ( نسبة قيمته ) اى كل واحد منهما ( إلى مجموع القيمتين ) بينما نرى ان عبارة الثلاثة ، أكثر من امرين ، فيدل ان المراد ب : يقومان جميعا ، ليس : تقويم كل واحد منفردا ، بل : تقويمهما مجتمعا .

( ف ) على هذا ( الظاهر ) من عبارة الثلاثة ( إرادة قيمتهما مجتمعين ثم تقويم أحدهما بنفسه ، ثم ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع )

فمثلا : يقوم العقيق والفيروزج مجتمعين ، ثم يقوم العقيق وحده ثم تلاحظ قيمة العقيق إلى مجموع قيمتهما .

ص: 96

ومن هنا انكر عليهم جماعة تبعا لجامع المقاصد اطلاق القول بذلك إذ : لا يستقيم ذلك فيما إذا كان لاجتماع الملكين دخل في زيادة القيمة كما في مصراعي باب ، وزوج خف إذا فرض تقويم المجموع بعشرة ، وتقويم أحدهما بدرهمين ، وكان الثمن خمسة فإنه إذ رجع

_________________________

( ومن هنا ) حيث أراد الثلاثة : بقيمتهما جميعا ، : قيمتهما مجتمعين ، لا : قيمة كل واحد واحد منفردا ، ( انكر عليهم ) اى على الثلاثة ( جماعة ) من الفقهاء ( تبعا لجامع المقاصد اطلاق القول بذلك ) اى بتقويمهما مجتمعين ، و : اطلاق ، مفعول : انكر ، ( إذ : لا يستقيم ذلك ) القسم من التقويم ( فيما إذا كان لاجتماع الملكين دخل في زيادة القيمة كما في مصراعي باب ، وزوج خف ) فان كل فرد باب وفرد خف ، قيمته انقص من قيمته إذا انضم إلى الفرد الآخر ( إذا فرض تقويم المجموع بعشرة ، وتقويم أحدهما بدرهمين ، وكان الثمن ) الّذي اشتراهما به ( خمسة ) فإنه .

أولا : قد يقوم كل فرد بدرهمين ويجمع المجموع ، فيكون أربعة ونسبة الاثنين : قيمة أحدهما ، إلى الأربعة : قيمة المجموع ، نسبة النصف ، فاللازم ان يأخذ نصف : الخمسة ، القيمة الجعلية للمبيع .

وثانيا : قد يقوم كل فرد بدرهمين ، ويلاحظ ان قيمة المجموع عشرة ، فينسب قيمة الفرد : وهي درهمان ، إلى قيمة المجموع : وهي عشرة ، فالنسبة الخمس فتكون قيمة الفرد بالنسبة إلى : الخمسة ، القيمة الجعلية ، الخمس ، فيلزم ان يأخذ درهما واحدا فقط ( فإنه إذا رجع

ص: 97

المشترى بجزء من الثمن نسبته إليه ، كنسبة الاثنين إلى العشرة استحق من البائع واحدا من الخمسة ، فيبقى للبائع أربعة في مقابل المصراع الواحد ، مع أنه لم يستحق من الثمن ، الا مقدارا من الثمن مساويا لما يقابل المصراع الآخر أعني درهمين ونصفا .

والحاصل : ان البيع انما يبطل في ملك الغير بحصة من الثمن يستحقها الغير مع الإجازة ، ويصح في

_________________________

رجع المشترى بجزء من الثمن نسبته ) اى ذلك الجزء ( إليه ) اى إلى الثمن ( كنسبة الاثنين إلى العشرة ) حيث لوحظ قيمة المجموع ، من حيث هو مجموع ( استحق ) المشترى ( من البائع واحدا من الخمسة ) والخمسة هي القيمة الجعلية ( قيبقى للبائع أربعة في مقابل المصراع الواحد ، مع أنه ) اى البائع ( لم يستحق من الثمن ، الا مقدارا من الثمن ) هو النصف ( مساويا ) ذلك المقدار ( لما يقابل ) من الثمن ( المصراع الآخر أعني درهمين ونصفا ) .

وعلى هذا فاللازم ملاحظة نسبة القيمة للجزء ، إلى قيمة جزء ، وقيمة جزء لا إلى قيمة الجزئية معا .

( والحاصل : ان البيع انما يبطل في ملك الغير بحصة من الثمن يستحقها ) اى تلك الحصة ، والباء في : بحصته ، بمعنى المقابلة ، اى مقابل حصته ( الغير ) صاحب الجزء الآخر الّذي باعه الفضول مع مال نفسه ( مع الإجازة ) فان الغير لو أجاز البيع كان اخذ نصف الخمسة ، فإذا رد بطل البيع بالنسبة إلى نصف الخمسة ( ويصح ) البيع ( في

ص: 98

نصيب المالك بحصة ، كان يأخذها مع إجازة المالك ، الجزء الآخر هذا .

ولكن الظاهر : ان كلام الجماعة .

اما محمول على الغالب من عدم زيادة القيمة ولا نقصانها بالاجتماع أو مرادهم من تقويمهما ، تقويم كل منهما منفردا .

ويراد من تقويم أحدهما ثانيا ملاحظة قيمته مع مجموع القيمتين

_________________________

نصيب المالك ) البائع ( بحصة ) اى بمقابل حصة من الثمن ( كان يأخذها ) المالك ( مع إجازة المالك ، الجزء الآخر ) وهو نصف الخمسة أيضا ( هذا ) هو مقتضى القاعدة .

( ولكن الظاهر : ان كلام الجماعة ) الشرائع ، والقواعد ، واللمعة الذين ظاهرهم نسبة قيمة الفرد إلى المجموع : كنسبة الاثنين إلى العشرة في المثال ، .

( اما محمول على الغالب من عدم زيادة القيمة ولا نقصانها بالاجتماع ) بان كان قيمة المصراع دينارا ، وقيمة المصراعين دينارين ، لا ان قيمة المصراعين ثلاثة ، أو دينارا ونصفا ، إذ ربما أوجب الاجتماع نقصان القيمة ، كالجارية غير المرضعة ، قيمتها الف والمرضعة قيمتها خمسمائة ، حيث إن الرضاع يوجب تكاليف على السيد ، ويمنع من الحمل الّذي يقصده السيد : مثلا ، فاجتماع الولد معها يوجب نقص قيمتها .

( أو مرادهم من تقويمهما ، تقويم كل منهما منفردا ) أولا .

( ويراد من تقويم أحدهما ثانيا ) حيث ذكر الثلاثة أوّلا التقويم جميعا وثانيا تقويم أحدهما ( ملاحظة قيمته ) اى قيمة أحدهما ( مع مجموع القيمتين )

ص: 99

والا ففساد الضابط المذكور في كلامهم لا يحتاج إلى النقض بصورة مدخلية الاجتماع في الزيادة التي يمكن القول فيها - وان كان ضعيفا - باخذ النسبة للمشترى بين قيمة أحدهما المنفرد ، وبين قيمة المجموع

_________________________

فقيمة كل فرد اثنان ، وقيمة أحدهما بالنسبة إلى المجموع خمسة ، وعلى هذا فيستقيم كلا منهم ، سواء زادت قيمة المجموع ، أو نقصت ، أو تساوت مع القيمة الجعلية ؟ ( والا ) يريدوا هذا المعنى من كلامهم ( ففساد الضابط المذكور ) لاخذ النسبة ، وهو قولهم : يقومان جميعا ثم يقوم أحدهما ، ( في كلامهم لا يحتاج إلى ) برهان .

وذلك ليس فقط بوجود ( النقص بصورة مدخلية الاجتماع ) بين المتاعين ( في الزيادة ) لقيمة كل واحد منهما لدى الاجتماع ، فان هذه الصورة هي ( التي يمكن القول فيها ) اى في هذه الصورة ( - وان كان ) القول ( ضعيفا - ) وهذه جملة معترضة بين القول والمقول ( باخذ النسبة للمشترى ) اى لفائدته ( بين قيمة أحدهما المنفرد ، وبين قيمة المجموع ) : بين ، متعلق ب : النسبة ، فإنه يمكن ان يقال في المثال المتقدم : ان ثمانية من العشرة ترجع إلى المشترى - بعد رد صاحب المصراع - ويكون اثنان للبائع في مقابل مصراعه ، فان هذا القول لا يلزم منه محذور ، .

إذ : لو كان البائع علم بهذا واقدم ، فقد اقدم على ضرر نفسه ، ومثله لا محذور فيه ، كما لو باع ماله الّذي يسوى بألف ، بعشرة فقط عالما عامدا

وإذا لم يكن البائع علم بهذا ، كان له خيار الفسخ للغبن .

ص: 100

بل ينتقض بصورة مدخلية الاجتماع في نقصان القيمة ، بحيث يكون قيمة أحدهما منفردا ، مثل قيمة المجموع ، أو أزيد ، فان هذا فرض ممكن ، كما صرح به في رهن جامع المقاصد ، وغيره ، فان الالتزام هنا بالنسبة المذكورة يوجب الجمع بين الثمن والمثمن ، كما لو باع جارية مع أمها ، قيمتها مجتمعين عشرة ، وقيمة كل واحدة منهما منفردة عشرة بثمانية

_________________________

وعلى كل ففساد الضابط المذكور ليس لهذا النقض ، لإمكان التخلص من هذا النقض ( بل ينتقض ) الضابط المذكور ( بصورة مدخلية الاجتماع ) بين المتاعين ( في نقصان القيمة ) حتى أنه لا قيمة لأحدهما أصلا في حال الاجتماع ( بحيث يكون قيمة أحدهما منفردا ، مثل قيمة المجموع ، أو أزيد ) من قيمة المجموع ( فان هذا فرض ممكن ، كما صرح به في رهن جامع المقاصد ، وغيره ) .

وانما ينتقض الضابط المذكور بهذه الصورة ( فان الالتزام هنا بالنسبة المذكورة ) بان تنسب قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع - كما يقتضيه الضابط المذكور - ( يوجب الجمع بين الثمن والمثمن ) .

ومن المعلوم : ان مثله لا يكون بيعا عقلا ولا شرعا ( كما لو باع جارية مع أمها ، قيمتها مجتمعين عشرة ، وقيمة كل واحدة منهما منفردة عشرة )

وذلك لان الاجتماع بينهما يوجب قلة الرغبة في كل واحد منهما لايجاد ازعاج الاثنتين للمشترى حيث تمنعانه مجتمعين من مزاولة اعمال السيادة والاستفراش ( بثمانية ) متعلق ب : باع ، بان لاحظ البائع ضعف حال المشترى ، فخفف له في القيمة .

ص: 101

فان نسبة قيمة إحداهما المنفردة إلى مجموع القيمتين نسبة الشيء إلى مماثلة ، فرجع بكل الثمانية ، وكان من أورد عليهم ذلك غفل عن هذا ، أو كان عنده غير ممكن ، فالتحقيق في جميع الموارد ما ذكرنا من ملاحظة قيمة كل منهما منفردا ، ونسبة قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين .

_________________________

وانما يلزم المحذور هنا من اعمال الضابط المذكور ( فان نسبة قيمة إحداهما المنفردة ) اعني العشرة ( إلى مجموع القيمتين ) اعني العشرة أيضا ( نسبة الشيء إلى مماثلة ) لان قيمة الواحدة وقيمة الاثنتين معا ، متساويتان ( فرجع ) المشترى إلى البائع ( بكل الثمانية ) وهذا جمع عند المشترى بين الثمن والمثمن .

بل يمكن ان يقال : بأنه يلزم على البائع ان يعطى دينارين فوق الثمانية إلى المشترى ، حتى يجمع المشترى في المثال بين الثمن والمثمن ، وبين الزيادة ( وكان من أورد عليهم ) اى على الذين قالوا بذلك الضابط ( ذلك ) الاشكال المتقدم في مسئلة زوج الحذاء ، ومصراعي الباب ( غفل عن هذا ) النقض الّذي هو أهم ، اى الجارية وأمها ( أو كان عنده غير ممكن ) مثل هذا المثال ،

وعلى كل حال ( فالتحقيق في جميع الموارد ) في ضابط التقويم واخذ النسبة ( ما ذكرنا من ملاحظة قيمة كل منهما منفردا ، ونسبة قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين ) .

ففي مثال الجارية وبنتها ، يجب ان ترد إلى المشترى أربعة دراهم فقط ، لان الجارية قيمتها نصف قيمة مجموع القيمتين ، فان مجموع

ص: 102

فان قلت : ان المشترى إذا بذل الثمن في مقابل كل منهما مقيدا باجتماعه مع الآخر ، وهذا الوصف لم يبق له مع رد مالك أحدهما ، فالبائع انما يستحق من الثمن ما يوزع على ماله منفردا ، فله من الثمن جزء نسبته إليه كنسبة الدرهمين إلى العشرة ، وهو درهم واحد ، فالزيادة ظلم على المشترى وان كان ما أوهمه عبارة الشرائع ، وشبهها من اخذ

_________________________

القيمتين : الواقعتين ، عشرون ، وقيمة ، إحداهما منفردة عشرة .

( فان قلت ) : ما ذكرتم من ملاحظة النسبة إلى مجموع القيمتين ليس بتام ، بل اللازم ملاحظة القيمة منفردا ، ففي المثال السابق يلزم ان يكون للبائع درهم لمصراع الباب ، لا درهمان ونصف .

وذلك : ل ( ان المشترى إذا بذل الثمن ) الخمسة دراهم في المثال ( في مقابل كل منهما ) مال المالك ، ومال غيره ( مقيدا باجتماعه مع الآخر ، وهذا الوصف ) اى وصف الاجتماع ( لم يبق له ) اى للمشترى ( مع رد مالك أحدهما ) فكان المشترى - في المثال السابق - اعطى درهما لهذا المصراع ، ودرهما لذاك المصراع ، وثلاثة دراهم لوصف الاجتماع ( فالبائع انما يستحق من الثمن ما يوزع على ماله منفردا ) بدون وصف الاجتماع ( فله ) اى للبائع ( من الثمن جزء نسبته ) اى ذلك الجزء ( إليه ) اى إلى الثمن ( كنسبة الدرهمين إلى العشرة ) إلى نسبة الخمس ( وهو درهم واحد ، فالزيادة ) اى اخذ البائع أزيد من درهم واحد ( ظلم على المشترى ) لان الأكثر من الدرهم ، لم يأخذ المشترى في مقابله شيئا ( وان كان ما أو همه عبارة الشرائع ، وشبهها من اخذ

ص: 103

البائع أربعة والمشترى واحدا أشد ظلما ، - كما نبه عليه في بعض حواشي الروضة - فاللازم ان يقسط الثمن على قيمة كل من الملكين منفردا ، وعلى هيئته الاجتماعية ، ويعطى البائع من الثمن بنسبة قيمة ملكه منفردا .

_________________________

البائع أربعة ) دراهم ، من الخمسة التي كانت ثمنا لمصراعى الباب ( والمشترى ) درهما ( واحدا ) لان مالك المصراع الآخر حيث اخذ مصراعه ومصراعه المفقود يسوى درهما واحدا فقد رد من المشترى ما يساوى درهم واحد ( أشد ظلما ) إذ : معنى ذلك ان يأخذ البائع ثلاثة دراهم - التي كانت في مقابل الهيئة الاجتماعية المفقودة ، بينما فيما لو اخذ البائع درهمين ونصفا يكون قد اخذ نصف ما في مقابل الهيئة الاجتماعية - .

ومن المعلوم ان اخذ ثلاثة بلا استحقاق ، أشد ظلما من اخذ الدرهم والنصف ( - كما نبه عليه ) اى على كون ما أوهمه عبارة الشرائع أشد ظلما ( في بعض حواشي الروضة - ) إذ : ( فاللازم ان يقسط الثمن ) المأخوذ ، وهو خمسة ( على قيمة كل من الملكين منفردا ) فكل مصراع درهم واحد ( وعلى هيئته الاجتماعية ) وهي تقابل ثلاثة دراهم ( ويعطى البائع من الثمن بنسبة قيمة ملكه منفردا ) فان القيمة الواقعية للمصراع الواحد لما كانت اثنين ، وقيمة المجموع الواقعية لما كانت عشرة ، فنسبة قيمة المصراع إلى المجموع الخمس ، وحيث إن القيمة الجعلية خمسة ، فاللازم ان يكون للبائع خمس الخمسة وهو درهم واحد فقط .

ص: 104

ويبقى للمشترى بنسبة قيمة ملك الآخر منفردا ، وقيمة هيئة الاجتماعية .

قلت : فوات وصف الانضمام كسائر الأوصاف الموجبة لزيادة القيمة ليس مضمونا في باب المعاوضات ، وان كان مضمونا في باب العدوان ،

_________________________

( و ) على هذا ( يبقى للمشترى بنسبة قيمة ملك الآخر منفردا ) وهو درهم ( و ) كذلك يبقى للمشترى ( قيمة هيئته الاجتماعية ) وهو ثلاثة دراهم .

( قلت ) الأوصاف لا تقابل بالأثمان ، وان كانت توجب الأوصاف زيادة قيمة الأعيان .

ولذا فوصف الاجتماع لا يقابل بثلاثة دراهم ، وان كان هذا الوصف يوجب زيادة قيمة كل مصراع .

وعليه : ف ( فوات وصف الانضمام ) الهيئة الاجتماعية للمصراعين ( كسائر الأوصاف الموجبة لزيادة القيمة ليس مضمونا في باب المعاوضات ) حتى إذا فات الوصف لزم على البائع تداركه ( وان كان مضمونا في باب العدوان ) فإذا اتلف شخص بابا من مصراعي الباب ، لزم عليه ان يعطى للمالك ثمانية دراهم ، فيما كان قيمة المصراع الباقي اثنان فقط من العشرة - التي هي قيمة المصراعين مجتمعين - .

ان قلت : فهل يصح ان يخسر المشترى ثلاثة دراهم في مقابل لا شيء ؟ إذ : قد حصل المشترى - في المثال السابق - مصراعا يسوى درهما واحدا فلما ذا يعطى أربعة دراهم ؟ أو يعطى درهمين ونصفا ؟

حتى يخسر درهما ونصفا في مقابل لا شيء .

ص: 105

غاية الأمر ثبوت الخيار مع اشتراط تلك الصفة .

ولا فرق فيما ذكرنا بين كون ملك البائع ، وملك غيره متعددين في الوجود كعبد وجارية ، أو متحدا كعبد ثلاثة للبائع ، وثلثاه لغيره فإنه لا يوزع الثمن على قيمة المجموع أثلاثا ، لان الثلث لا يباع بنصف ما يباع به الثلثان ، لكونه أقل رغبة

_________________________

قلت : ( غاية الأمر ثبوت الخيار ) للمشترى ( مع اشتراط تلك الصفة ) شرطا لفظيا ، أو شرطا انصرافيا ، فللمشتري ان يفسخ العقد حال رد المالك الآخر البيع في حصة نفسه ، وذلك لدليل : لا ضرر ، أو لخيار الشرط ، أو ما أشبه .

( ولا فرق فيما ذكرنا ) من ضابط اخذ المالك للقيمة المنسوبة إلى المجموع ( بين كون ملك البائع ، وملك غيره ) الذين باعهما المالك في صفقة واحدة ( متعددين في الوجود ) كزوج خف ، ومصراعي الباب ، و ( كعبد وجارية ) قيمتهما مجتمعين عشرة ، وقيمة كل منهما منفردا اثنان مثلا - ( أو متحدا ) في الوجود ( كعبد ثلاثة للبائع ، وثلثاه لغيره ) فإنه إذا كانت قيمة العبد تسعة واشتراه المشترى بأربعة ونصف ، وكان قيمة الثلثين منفردا ثمانية ، قيمة الثلث منفردا درهم واحد ، كان للبائع من الثمن - عند رد المالك الآخر - نصف درهم ( فإنه لا يوزع الثمن على قيمة المجموع أثلاثا ) حتى يقال : لكل ثلث درهم ونصف - مثلا - ( لان الثلث ) المنفرد ( لا يباع بنصف ما يباع به الثلثان ) فإذا بيع الثلثان بثمانية ، كان قيمة الثلث درهم فقط ( لكونه ) اى الثلث المنفرد ( أقل رغبة

ص: 106

منه ، بل يلاحظ قيمة الثلث وقيمة الثلثين ، ويؤخذ النسبة منهما ليؤخذ من الثمن بتلك النسبة هذا كله في القيمي .

اما المبيع المثلى ، فان كانت الحصة مشاعة ، قسط الثمن على نفس المبيع ، فيقابل كل من حصتى البائع والأجنبي بما يخصه .

وان كانت حصة كل منهما معينة ، كان الحكم كما في القيمي من ملاحظة

_________________________

منه ) من الثلثين ( بل يلاحظ قيمة الثلث ) المنفرد ، وهو درهم من تسعة دراهم - في المثال - ( وقيمة الثلثين ) وهو ثمانية دراهم في المثال - ( وقيمة الثلثين ) وهو ثمانية دراهم - في المثال - ( ويؤخذ النسبة منهما ) اى من القيمتين - وهي نسبة التسع - ( ليؤخذ من الثمن ) الجعلى - كاربعة ونصف في المثال - ( بتلك النسبة ) اى نصف درهم - كما عرفت - ( هذا كله ) تمام الكلام ( في القيمي ) كالحيوان ، وما أشبه .

( اما المبيع المثلى ) كما لو باع منا من الحنطة كان نصفها لغيره ( فان كانت الحصة ) المبيعة ( مشاعة ، قسط الثمن على نفس المبيع ، فيقابل كل من حصتى البائع والأجنبي بما يخصه ) فلو باع المن بدينار ، كان لكل منهما نصف دينار ، فان رد الأجنبي رد على المشترى نصف دينار .

( وان كانت حصة كل منهما معينة ) كما لو باع نصف من ، ونصف من ، منحازا أحدهما عن الآخر ( كان الحكم كما في القيمي من ملاحظة

ص: 107

قيمتي الحصتين ، وتقسيط الثمن على المجموع ، فافهم .

_________________________

قيمتي الحصتين ، وتقسيط الثمن على المجموع ) والاخذ بالنسبة ، كما لو باع نصفى المن بدينار ، وكان قيمة ماله دينارا ، وقيمة مال الأجنبي دينارين ، فان له من الدينار الثمن ثلاثة ، وهكذا ( فافهم ) .

فان ما ذكروه من الأوصاف التي لا تقابل بالأثمان ، محل اشكال كيف وهو خلاف العرف الّذي هو المعيار في فهم وتطبيق :

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .

ص: 108

مسئلة لو باع من له نصف الدار ، نصف تلك الدار ،

فان علم أنه أراد نصفه أو نصف الغير ، عمل به ، وإلا فإن علم أنه لم يقصد بقوله : بعتك نصف الدار الا مفهوم هذا اللفظ ، ففيه احتمالان حمله على نصفه المملوك له .

_________________________

( مسئلة لو باع من له نصف الدار ) ولغيره النصف الآخر ( نصف تلك الدار ) اى نصف الدار المملوكة ، فله اربع صور .

1 - بيع نصف نفسه .

2 - بيع نصف غيره .

3 - بيع النصف المشاع بينه وبين غيره - ومن هذا القبيل إذا قصد ثلث مال نفسه وثلثي مال صديقه ، أو ما أشبه ذلك - .

4 - ان يقصد مفهوم لفظ النصف ، بدون قصد اى من المعاني الثلاثة المتقدمة .

( فان علم أنه أراد نصفه ) اى النصف المملوك له ( أو نصف الغير ، عمل به ) ففي نصفه ، البيع كامل ، وفي نصف غيره فضولي ، وفي المشاع كامل ، بالنسبة إلى حصة نفسه ، فضولي بالنسبة إلى حصة غيره ( والا فان علم أنه لم يقصد بقوله : بعتك نصف الدار الا مفهوم هذا اللفظ ، ففيه احتمالان ) .

الأول : ( حمله على نصفه المملوك له ) .

ص: 109

وحمله على النصف المشاع ، بينه وبين الأجنبي .

ومنشأ الاحتمالين .

اما تعارض ظاهر النصف اعني الحصة المشاعة في مجموع النصفين مع ظهور انصرافه في مثل المقام من مقامات التصرف إلى نصفه المختص وان لم يكن له هذا الظهور في غير المقام .

_________________________

( و ) الثاني : ( حمله على النصف المشاع بينه وبين الأجنبي ) .

اما حمله على نصف الأجنبي فقط فلا وجه له .

( ومنشأ الاحتمالين ) تعارض ظهور النصف في الإشاعة ، مع ظهور ان المالك لا يتصرف الا في ماله - وهذا في الجملة هو مراد المصنف وان كان في العبارة نوع اجمال - .

( اما تعارض ظاهر النصف ) في كلام البائع ( اعني الحصة المشاعة ) هذا تفسير للنصف ( في مجموع النصفين ) متعلق ب : ظاهر ( مع ظهور انصرافه ) اى النصف ، و : مع ، ظرف التعارض ( في مثل المقام من مقامات التصرف ) الّذي يريد مالك النصف ، التصرف في المال ، فإنه منصرف ( إلى نصفه المختص ) به ( وان لم يكن له ) اى للنصف ( هذا الظهور ) في نصف نفسه ( في غير ) مثل هذا ( المقام ) كما لو قال : نصف الدار خربة ، أو قال : نصف الدار يسوى بألف ، أو ما أشبه .

والحاصل ان قرينة التصرف تعين ان المراد بالنصف في كلام نصف نفسه ، لا النصف المشاع .

ص: 110

ولذا : يحمل الاقرار على الإشاعة - كما سيجيء - .

أو مع ظهور إنشاء البيع في البيع لنفسه لان بيع مال الغير ، لا بدّ فيه اما من نية الغير ، أو اعتقاد كون المال لنفسه .

واما من بنائه على تملكه للمال عدوانا - كما في بيع الغاصب - .

والكل خلاف المفروض هنا .

_________________________

( ولذا ) الّذي ليس لنصف ظهور في غير المقام ( يحمل الاقرار على الإشاعة ) فإذا قال من له نصف الدار : نصف هذه الدار لزيد ، فان اقراره هذا يحمل على الإشاعة ، وانه اقرار في ربعين ربع الدار الّذي لنفسه وربع الدار الّذي لشريكه ( - كما سيجيء - ) .

( أو ) لتعارض ظاهر في مجموع النصفين ( مع ظهور إنشاء البيع ) من مالك النصف ( في البيع لنفسه ) .

والفرق بين هذا وسابقه : ان السابق كان تمسكا ، ب : انصراف النصف ، وهذا تمسك بظهور : إنشاء البيع .

وانما قلنا : ان ظاهر إنشاء البيع كونه بيعا لنفسه ( لان بيع مال الغير ، لا بد فيه اما من نية الغير ) بان ينوى البائع انه يبيع مال الغير ( أو اعتقاد ) البائع ( كون المال لنفسه ) جهلا بالواقع .

( واما من بنائه ) اى البائع ( على تملكه للمال عدوانا - كما في بيع الغاصب - ) حيث إنه مع علمه ان المال لغيره يبنى انه لنفسه ، غصبا وعدوانا .

( والكل ) من الأمور الثلاثة ( خلاف المفروض هنا ) اى في مقام

ص: 111

ومما ذكرنا يظهر الفرق بين ما نحن فيه ، وبين قول البائع : بعت غانما - مع كون الاسم مشتركا بين عبده وعبد غيره - حيث ادعى فخر - الدين الاجماع على انصرافه إلى عبده ، فقاس عليه ما نحن فيه إذ ليس للفظ المبيع هنا ظهور في عبد الغير ، فبقى ظهور البيع في وقوعه لنفس البائع ، وانصراف

_________________________

قال البائع النصف ، ولم يرد الا مفهوم هذا النصف ، بدون قصده اكل مال الغير ، ولا جهله بالواقع ، ولا نيته لبيع مال الغير .

( و ) ان قلت : قد ادعى فخر الدين انه لو قال مالك عبد : اسمه غانم ، بعت غانما ، وكان هذا الاسم مشتركا بين عبده ، وعبد غيره ، كان المبيع مال نفسه بالاجماع ، فما الفرق بين بيع المشترك في الاسم والمشترك في الملك - كما في الدار - ؟

قلت : ( مما ذكرنا ) من تعارض الظهور في الإشاعة مع الظهور في كون المبيع مال نفسه ( يظهر الفرق بين ما نحن فيه ) من بيع النصف المشاع ( وبين قول البائع : بعت غانما - مع كون الاسم ) اى : اسم غانم ( مشتركا بين عبده وعبد غيره - حيث ادعى فخر الدين الاجماع على انصرافه ) اى انصراف المبيع ( إلى عبده ) اى عبد نفسه ( فقاس ) فخر - الدين ( عليه ) اى على بيع غانم ( ما نحن فيه ) فقال : بان بيع نصف الدار أيضا منصرف إلى نصف نفسه ( إذ ) علة لظهور الفرق ( ليس للفظ المبيع هنا ) في بيع غانم ( ظهور في عبد الغير ) حتى يعارض ظهوره في عبد نفسه ( فبقى ظهور البيع في وقوعه لنفس البائع ، وانصراف ) عطف على : ظهور ،

ص: 112

لفظ المبيع في مقام التصرف إلى مال المتصرف سليمين عن المعارض ، فيفسر بهما اجمال لفظ المبيع .

ثم إنه لو كان البائع وكيلا في بيع النصف ، أو وليا عن مالكه ، فهل هو كالأجنبي ؟ وجهان مبنيان على : ان المعارض لظهور النصف في المشاع ، هو انصراف لفظ المبيع إلى مال البائع في مقام التصرف .

_________________________

( لفظ المبيع ) : غانم ، ( في مقام التصرف ) اى الظهور الحاصل من التصرف ( إلى مال المتصرف ، سليمين عن المعارض ) بخلاف هناك ، حيث كان ظهور النصف في الإشاعة معارضا للظهورين - كما عرفت - ( فيفسر بهما ) اى بهذين الظهورين : ظهور بيع . . وانصراف لفظ المبيع ، ( اجمال لفظ المبيع ) : غانم ، .

( ثم إنه لو كان البائع وكيلا في بيع النصف ، أو وليا عن مالكه ) الصغير كالأب والجد - مثلا - ( فهل هو كالأجنبي ؟ ) فيما إذا قال : بعت النصف ، يكون احتمالان ، أم لا ( وجهان مبنيان على : ان المعارض لظهور النصف في المشاع ، هو انصراف لفظ المبيع إلى مال البائع في مقام التصرف ) .

المراد بالوجهين ، وجه كونه كالأجنبي في جريان الوجهين السابقين ووجه عدم كونه كالأجنبي ، فيجرى الاشتراك بين حصته وحصة موكله ، أو المولى عليه .

ثم إن جعلنا المعارض لظهور النصف في الإشاعة ، انصراف لفظ المبيع إلى مال البائع ، ففي هذا الفرض يتعين الاشتراك ، لان

ص: 113

أو ظهور التمليك في الاصالة .

الأقوى هو الأول لان ظهور التمليك في الاصالة من باب الاطلاق وظهور النصف في المشاع ، وان كان كذلك أيضا ، الا ان ظهور المقيد وارد على ظهور المطلق

_________________________

الظهورين يتعارضان .

إذ أحدهما ظهوره بملاحظة المقام ، والآخر ظهوره في حد نفسه ولا حكومة لأحدهما على الآخر ، فيتساقطان ويكون المرجع الاشتراك بين البائع والموكل - مثلا - .

( أو ظهور التمليك في الاصالة ) بان يكون ظهور التمليك في الاصالة ، وفي كونه من مال البائع ، معارضا لظهور النصف في الإشاعة فإنه في هذه الصورة يكون كالأجنبي في احتمال الامرين .

( الأقوى هو الأول ) فيحكم بالاشتراك ( لان ظهور التمليك ) وهو الفعل ( في الاصالة ) اى ان البائع انما باع مال نفسه ، لا المال المشترك ( من باب الاطلاق ) حيث إنه لم يقيد البيع بكونه عن غيره ، فهو منصرف إلى كون البيع عن نفسه ( وظهور النصف في المشاع ، وان كان كذلك ) من باب الاطلاق ( أيضا ، الا ان ظهور المقيد ) اى القيد وهو النصف - الظاهر في الإشاعة - ( وارد ، على ظهور المطلق ) اى الفعل ، ولذا يقدم ظهور : يرمى ، على ظهور : الأسد ، في قولك :

رأيت أسدا يرمى ، حيث إن : يرمى ، قيدو : الأسد ، مقيد ، وتقول المراد بالأسد الشجاع ، لا ان المراد بيرمى ، رمى الحجارة .

ص: 114

وما ذكره الشهيد الثاني : من عدم قصد الفضولي إلى مدلول اللفظ

_________________________

وان شئت قلت : - في وجه جعل : النصف ، من الإشاعة والاشتراك بين الوكيل والموكل - ان البيع تمليك ، وهو مطلق بالنسبة إلى مال نفسه ومال غيره ، لكنه ظاهر في مال نفسه لان قصده لمال غيره محتاج إلى مئونة زائدة .

ومتعلق البيع اى : نصف الدار ، ظاهر في الإشاعة ، لان قصده لنفسه محتاج إلى مئونة زائدة .

لكن ظهور المتعلق مقدم على ظهور الفعل ، ولذا يقدم ظهور :

النصف ، على ظهور : بعت ،

( و ) ان قلت : نسلم ان ظهور المتعلق مقدم على ظهور الفعل ، لكن ذلك انما هو فيما إذا لم يكن ظهور آخر معارض لظهور المتعلق ، والحال ان في المقام يوجد ظهور آخر خلاف الإشاعة ، وهو ظهور حال المتكلم في ارادته لمدلول كلامه ، والفضول لا يريد مدلول كلامه إذ المال ليس ، له ، حتى يريد مدلول كلامه .

والحاصل : ان ظهور : النصف ، في الإشاعة ، وظهور إرادة المتكلم لمدلول كلامه الّذي حاصله عدم الإشاعة ، يتعارضان ، فيتساقطان ، ويكون المرجع ظهور . الفعل في الاختصاص .

وهذا الاشكال هو ( ما ذكره الشهيد الثاني : من عدم قصد الفضولي إلى مدلول اللفظ ) .

قلت : يرد على هذا الاشكال أولا : انا لا نسلم ان الفضولي غير

ص: 115

وان كان مرجعه إلى ظهور وارد على ظهور المقيد الا انه مختص بالفضولي لان القصد الحقيقي موجود في الوكيل والولي ، فالأقوى فيهما الاشتراك في المبيع ، تحكيما لظاهر النصف ، الا ان يمنع ظهور النصف الا في النصف المشاع في المجموع .

_________________________

قاصد لمدلول كلامه - كما مر كلام الشهيد والاشكال عليه في باب الفضولي سابقا - .

وثانيا : نقول إن كلام الشهيد ( وان كان مرجعه إلى ظهور وارد على ظهور المقيد ) اى : النصف - كما عرفت - ( الا انه ) اى هذا الاشكال ( مختص بالفضولي ) وكلامنا الآن ليس في الفضولي ، بل في الوكيل والولي هما ليسا كالفضولي ( لان القصد الحقيقي موجود في الوكيل والولي ، فالأقوى فيهما ) اى في الوكيل والولي ، إذ باعا بيعا مطلقا ، اى قالا :

بعت نصف الدار ، في حال كون نصفها له ، ونصفها الآخر للموكل والمولى عليه ( الاشتراك في المبيع ) وان المبيع ربعان ، ربع للبائع ، وربع لموكله والمولى عليه ( تحكيما لظاهر النصف ) في الإشاعة على ظاهر الفعل - اى بعت - في الاختصاص ( الا ان يمنع ظهور النصف الا في النصف المشاع ) ولا دلالة - للنصف المشاع - على أنه : المشاع الّذي للمالك ، أو : المشاع الّذي لهما .

فظهور : بعت في كونه للمالك ، يكون محكما ، فالاستدلال بظهور النصف المشاع ( في المجموع ) في كونه لهما ، غير تام .

ص: 116

واما ملاحظة حقي المالكين ، وإرادة الإشاعة في الكل - من حيث إنه مجموعهما - فغير معلومة ، بل معلوم العدم بالفرض .

ومن المعلوم : ان النصف المشاع بالمعنى المذكور يصدق على نصفه المختص ، فقد ملك كليا يملك مصداقه ، فهو كما لو باع كليا سلفا مع كونه مأذونا في بيع ذلك من غيره أيضا ، لكنه لم يقصد الا مدلول اللفظ

_________________________

( واما ملاحظة حقي المالكين ) اى الربع من هذا ، والربع من ذاك ( وإرادة ) قسم خاص من الإشاعة اى ( الإشاعة في الكل - من حيث إنه ) اى النصف المشاع ( مجموعهما - ) اى مجموع الحقين ( فغير معلومة ، بل معلوم العدم بالفرض ) لظهور البيع في كونه تصرفا في ملك نفسه ، ولأن المفروض ان البائع لم يقصد مجموع الحصتين .

( ومن المعلوم : ان النصف المشاع بالمعنى المذكور ) بما هو هذا المفهوم القابل للانطباق على نصف المالك ، وعلى مجموع الحقين ( يصدق على نصفه ) اى نصف البائع ( المختص ) به ( فقد ملك ) البائع من باب التفعيل - ( كليا ) له فردان ، فرد نصفه المختص ، وفرد نصف مجموع الحقين ( يملك ) البائع ( مصداقه ، فهو ) اى بيع هذا الكلى ( كما لو باع كليا سلفا ) بان قال للمشترى : بعتك منا من الحنطة ( مع كونه مأذونا في بيع ذلك من غيره أيضا ) كما لو وكله زيد في ان يبيع منا من الحنطة من قبله ( لكنه ) اى البائع القائل : بعتك منا من الحنطة ، ( لم يقصد الا مدلول اللفظ ) اى لفظ : منا من الحنطة ،

ص: 117

من غير ملاحظة وقوعه عنه ، أو عن غيره ، فان الظاهر وقوعه لنفسه ، لأنه عقد على ما يملكه ،

فصرفه إلى الغير من دون صارف ، لا وجه له .

ولعله لما ذكرنا ، ذكر جماعة كالفاضلين ، والشهيدين ، وغيرهم لو أنه أصدق المرأة عينا ، فوهبت نصفها المشاع قبل الطلاق استحق الزوج بالطلاق النصف الباقي

_________________________

( من غير ملاحظة وقوعه ) اى البيع ( عنه ) اى عن نفسه ( أو عن غيره ) اى الموكل له ( فان الظاهر ) حسب القواعد ( وقوعه ) اى البيع ( لنفسه ) لا لغيره ، ولا مشتركا بين نفسه ، وبين غيره ( لأنه ) اى البائع ( عقد ) - بصيغة فعل الماضي - ( على ما يملكه ) .

( فصرفه ) اى العقد ( إلى الغير ) الموكل له ( من دون صارف ) إذ :

الفرض انه لا قصد للبائع في كونه عن الغير ، ولفظه أيضا ليس خاصا بالغير ( لا وجه له ) فان العقود تتبع القصود الصريحة أو التابعة لظاهر اللفظ - فيما إذا قصد ظاهر اللفظ - وكلاهما لا يوجدان بالنسبة إلى ملك الغير .

( ولعله لما ذكرنا ) من الحمل على نصفه المختص لعدم ظهور :

النصف المشاع ، في كونه من الحقين ( ذكر جماعة كالفاضلين ، والشهيدين ، وغيرهم ، لو أنه أصدق ) الزوج ( المرأة عينا ) كدار - مثلا - ( فوهبت ) المرأة ( نصفها ) اى نصف تلك العين ( المشاع ) ذلك النصف ( قبل الطلاق استحق الزوج بالطلاق ) قبل الدخول ( النصف الباقي ) فترجع

ص: 118

لا نصف الباقي ، وقيمة نصف الموهوب ، وان ذكروا ذلك احتمالا ، وليس الا من جهة صدق النصف على الباقي ، فيدخل في قوله تعالى : فنصف ما فرضتم

_________________________

كل الدار إلى الزوج ( لا نصف الباقي ، وقيمة نصف الموهوب ) فإنه إذا كانت الهبة هبة لنصف الحقين اى هبة ربع منها المستقر ، وربع ثان متزلزل ، كان اللازم ان يسترجع الزوج بالطلاق ربعا لها فقط ، ويأخذ قيمة ربع آخر أتلفته هي بالهبة .

والحاصل : ان للدار نصفين ، نصف مستقر بمجرد العقد ، ونصف متزلزل - ان دخل بها استقر ، وان لم يدخل رجع إلى الزوج - فإذا قالت المرأة : وهبت نصف الدار ، كان اللازم ان يكون هبة لنصفها المستقر ، فإذا طلق الزوج اخذ النصف المتزلزل ، لا أن تكون الهبة هبة لنصف نصفها المستقر ولنصف النصف المتزلزل حتى إذا طلق الرجل يكون يرجع إلى الرجل ، نصف النصف المتزلزل ، وتخسر المرأة قيمة نصف النصف المتزلزل ، الّذي وهبته ، ويبقى للمرأة نصف النصف المستقر ويكون الحاصل : ان له ثلاثة أرباع نصف بالهبة ، وربع بالطلاق بالإضافة إلى قيمة الربع ، ولها ربع ( وان ذكروا ) هؤلاء العلماء ( ذلك ) نصف الباقي ، وقيمة النصف الموهوب ( احتمالا ، وليس ) فتواهم باستحقاق الزوج : النصف الباقي ، ( الا من جهة صدق النصف ) الموهوب على نصفها المستقر ، فحين الهبة يكون الموهوب نصفها المستقر ، فينطبق الرجوع بالطلاق ( على ) النصف ( الباقي ، فيدخل ) النصف الباقي ( في قوله تعالى : فنصف ما فرضتم ) .

ص: 119

وان كان يمكن توجية هذا الحكم منهم بأنه لما كان الربع الباقي للمرأة من الموجود مثلا للربع التالف من الزوج ، ومساويا له من جميع الجهات ، بل لا تغاير بينهما الا بالاعتبار ، فلا وجه لاعتبار

_________________________

ولا يخفى ان ما شرحناه به العبارة هو المستقيم المنطبق على ما افاده ( ره ) سابقا ، من كون البيع ينطبق على مال البائع الخاص به .

اما ظاهر العبارة اى قوله : صدق النصف على النصف الباقي ، فاجنبى عن المقصود ( وان كان يمكن توجيه هذا الحكم منهم ) اى الحكم باسترجاع الزوج النصف الباقي ، توجيها لا ينافي ان يكون النصف الموهوب : ربعا من المستقر ، وربعا من المتزلزل ، فليس رجوع النصف ، لان الباقي نصف متزلزل ، بل لامر آخر ، وهو انها وهبت :

ربعا من المتزلزل ، وربعا من المستقر ، فلما ان طلقت اخذ الزوج الربع المتزلزل اصالة ، واخذت ربعها الباقي لها المستقر بدلا عن ما اتلفه من : الربع المتزلزل ، بسبب الهبة ،

فالتوجيه : انما هو ( بأنه لما كان الربع الباقي للمرأة ) - اى المستقر - ( من الموجود ) الّذي لم يخرج عنها بالهبة ( مثلا للربع التالف ) الّذي أتلفته المرأة : من المتزلزل ، بسبب الهبة ( من الزوج ) متعلق : بالتالف ، ( ومساويا ) عطف على : مثلا ، ( له ) اى للربع التالف ( من جميع الجهات ، بل لا تغاير بينهما ) اى بين الربع التالف بالهبة ، والموجود عند المرأة - من المستقر - ( الا بالاعتبار ) حيث إن الموجود من : المستقر ، والتالف من : المتزلزل ، ( فلا وجه لاعتبار

ص: 120

القيمة ، نظير ما لو دفع المقترض نفس العين المقترضة مع كونها قيمية .

لكن الظاهر : انهم لم يريدوا هذا الوجه وانهم عللوا استحقاقه للنصف الباقي ببقاء مقدار حقه ، فلا يخلو عن منافاة لهذا المقام ونظيره في ظهور المنافاة لما هنا -

_________________________

القيمة ) اى لا وجه بالقول بان المرأة تعطى قيمة الربع التالف ، وتبقى لنفسها ربعا ( نظير ما لو دفع المقترض نفس العين المقترضة مع كونها ) اى العين ( قيمية ) إذ : العين أقرب إلى نفسها من القيمة ، فان القيمة لم تشرع الا لتعذر المثل ، ومن المعلوم ان : العين ، هي هي ، فلا وجه للرجوع إلى القيمة مع وجود العين ، ولا يحق للمالك ان يقول : لا آخذ العين ، بل أريد القيمة ، وهكذا فيما لو ارجع المقترض عين القرض في المثلى - لا مثله .

( لكن الظاهر : انهم لم يريدوا هذا الوجه ) اى ما قلنا بأنه يمكن توجيه الحكم منهم ( وانهم عللوا استحقاقه ) اى الزوج ( للنصف الباقي ببقاء مقدار حقه ) الظاهر في ان الهبة كانت لنصفها المستقر المشاع ، لا النصف المشاع الشامل الحقين ( فلا يخلو ) كلامهم في باب هبة نصف المهر ( عن منافاة لهذا المقام ) اى كلامهم في مقام البيع ، وانه لو باع النصف المشاع - وكان مشتركا بينه وبين غيره - كان المبيع ربعا من البائع ، وربعا من الأجنبي ( ونظيره ) اى نظير كلامهم في باب البيع وانه لو باع النصف ، كان محتملا لكونه نصف نفسه ، ولكونه النصف المشاع بينه وبين شريكه ( - في ظهور المنافاة لما هنا - ) اى باب

ص: 121

ما ذكروه في باب الصلح ، من أنه إذا أقر من بيده المال لاحد المدعيين للمال بسبب موجب للشركة كالإرث ، فصالحه المقر له على ذلك النصف

_________________________

الصداق الّذي قالوا بأنه لو وهبت للزوج نصف المهر كان الموهوب نصفها الخاص بها لا النصف المشاع بينها وبين الزوج ( ما ذكروه في باب الصلح ) حيث إنهم ذكروه كباب البيع ، فهو مناف لما ذكروه في باب الصداق ( من أنه إذا أقر من بيده المال لاحد المدعيين المال بسبب موجب للشركة كالإرث ) كما لو كان بيد زيد دينار ، وادعى كل من عمرو وخالد كون نصف الدينار له ، وبين كل واحد منهما ان السبب لكون النصف له شركته مع المدعى الآخر في سبب جامع بينهما ، كما لو قالا : انا ورثناه من أبينا ، فإذا أقر زيد الّذي بيده الدينار لخالد مثلا - بما يدعيه من كون النصف له ، فإنه حينئذ تنقسم الدار إلى ثلاثة أقسام .

1 - نصفها ، وهو لمن في يده ، لظاهر اليد .

2 - وربعها لخالد المقر له .

3 - وربعها الآخر ، لعمرو ، وذلك لان مقتضى اعتراف خالد بشركته في الدار مع عمرو ، ان كل جزء من الدار فهو مشترك بينهما ، وقوله : بسبب ، متعلق ب : المدعيين ، ( فصالحه ) اى صالح مع المقر له كخالد ، في المثال ( المقر له ) كزيد ، في المثال ( على ذلك النصف ) المقر به ، فان زيدا أقر لخالد بان له نصف الدار ، كما يدعى

ص: 122

كان النصف مشاعا في نصيبهما ، فان أجاز شريكه ، نفذ في المجموع ، والا نفذ في الربع ، فان مقتضى ما ذكروه هنا اختصاص المصالح بنصف المقر له ، لأنه ان أوقع الصلح على نصفه الّذي أقر له به فهو ، كما لو صالح نصفه قبل الاقرار ،

_________________________

( كان النصف ) المقرّ به ( مشاعا في نصيبهما ) اى نصيب عمرو ، وخالد ( فان أجاز ) المصالحة ( شريكه ) كعمرو ، في المثال ( نفذ ) الصلح ( في المجموع ) لان هذا النصف لهما ، وقد صالحاه ، أحدهما لفظا ، والآخر إجازة ( والا ) يجز شريكه اى لم يجز عمرو الّذي هو شريك خالد ( نفذ ) الصلح ( في الربع ) فقط ، لان الربع فقط مال خالد المصالح .

وانما قلنا : ونظيره في ظهور المنافاة ، ( فان مقتضى ما ذكروه هنا ) في باب الصداق : من أن هبة المرأة للنصف ، معناها هبة النصف المستقر ، لا النصف المشاع بين المستقر والمتزلزل ، ( اختصاص المصالح ) اى زيد ( بنصف المقر له ) اى خالد ( لأنه ) اى زيد - الّذي بيده المال - ( ان أوقع الصلح ) مع خالد ( على نصفه ) اى النصف لخالد ( الّذي أقر ) زيد ( له ) اى لخالد ( به ) اى بذلك النصف ( فهو ، كما لو صالح نصفه ) الّذي يدعيه خالد ( قبل الاقرار ) فان خالدا حسب ادعائه يملك النصف ، وزيد ، يسلم ان له النصف فإذا وقعا التصالح بين الجانيين يلزم ان يكون تصالحا على النصف الّذي خالد يدعيه ، وزيد يقر له به ، فحاله كما لو لم يقر زيد بان لخالد النصف ، وادعاه خالد ، ثم تصالحا لحسم النزاع ، حيث إن معنى التصالح ان يكون الصلح منصبا على النصف

ص: 123

مع غير المقر ، أو معه وان أوقعه على مطلق النصف المشاع ، انصرف أيضا إلى حصته ، فلا وجه لاشتراكه بينه وبين شريكه .

ولذا اختار سيد مشايخنا قدس اللّه اسرارهم اختصاصه بالمقر له .

وفصل في المسالك بين ما لو وقع الصلح

_________________________

الّذي لخالد - ادعاء - سواء صالح خالد قبل اقرار زيد ( مع غير المقر ) اى غير زيد ( أو معه ) اى مع المقرّ ( وان أوقعه ) اى الصلح ( على مطلق النصف المشاع ) - لا نصفه الّذي أقر له به - ( انصرف ) النصف ( أيضا إلى حصته ) اى حصة خالد فقط ( فلا وجه لاشتراكه ) اى في ما بإزاء الصلح ( بينه ) اى بين خالد ( وبين شريكه ) عمرو ، فإنهم كيف ذكروا في باب المهر ، انها لو وهبت تكون الهبة لنصفها المستقر ، ويقولون في مسئلة الصلح انه لو صالح لا يكون في نصف المقر له - كخالد - بل يكون مشتركا بين خالد - وعمرو ، مع العلم ان المسألتين من واد واحد .

( ولذا ) حيث إن قولهم في باب الصلح مخالف لقولهم في باب الهبة للمهر - حيث جعلوا الهبة في نصفها ، ولم يجعلوا في باب الصلح في نفسه - ( اختار سيد مشايخنا قدس اللّه اسرارهم اختصاصه ) اى الصلح ( بالمقر له ) اى خالد ، بدون الاحتياج إلى إجازة الشريك لان زيد يعترف بان لخالد نصفها ، وخالد يصالح عن نصفه ، فمن اين يدخل الشريك في الوسط ؟ ليكون ان أجاز شارك خالدا في بدل الصلح ، وان لم يجز يبطل الصلح الا في الربع فقط .

( وفصل في المسالك بين ما لو وقع الصلح ) بين زيد ، وخالد

ص: 124

على نصفه أو مطلق النصف ، وبين ما إذا وقع على النصف الّذي أقر به ذو اليد ، فاختار مذهب المشهور في الثالث ، لان الاقرار منزل على الإشاعة .

وحكم بالاختصاص في الأولين ، لاختصاص النصف وضعا في الأول وانصرافا في الثاني إلى النصف

_________________________

( على نصفه ) اى نصف المال الّذي لخالد ( أو مطلق النصف ) بان قال :

صالحتك على نصف المال - بدون إضافة النصف إلى خالد - ( وبين ما إذا وقع ) الصلح ( على النصف الّذي أقر به ذو اليد ) بان قال زيد :

صالحتك على النصف الّذي أقررت لك به ( فاختار ) المسالك ( مذهب المشهور ) من التشريك في الصلح ، ان أجاز الشريك ، والا بطل الصلح الا في الربع ( في الثالث ) اى ما أوقع الصلح على النصف الّذي أقر به ذو اليد ( لان الاقرار منزل على الإشاعة ) إذ : النصف الّذي أقر زيد به لخالد ، صار مشاعا بينهما - حسب ادعاء نفس خالد ، انه شريك مع عمرو في المال - .

( وحكم ) المسالك ( بالاختصاص ) اى اختصاص الصلح بالمقر له اى خالد - ( في الأولين ) فيما أوقع الصلح على نصفه ، أو مطلق النصف ( لاختصاص النصف ) اى لفظ النصف ( وضعا في الأول ) اى ما صالحه : على نصفه ، فان النصف المضاف إلى خالد ، وضعا يكون لخالد لا المشترك بينه وبين عمرو ( وانصرافا في الثاني ) اى ما صالحه : على مطلق النصف ، فان المنصرف انه صالح عن نصفه المختص به ( إلى النصف

ص: 125

المختص .

واعترضه في مجمع الفائدة بان هذا ليس تفصيلا ، بل مورد كلام المشهور هو الثالث ، لفرضهم المصالحة على ذلك النصف المقرّ به ، وتمام الكلام في محله .

وعلى كل حال ، فلا اشكال في ان لفظ النصف المقرّ به إذا وقع في كلام المالك للنصف المشاع مجردا عن حال أو مقال ، يقتضي صرفه إلى

_________________________

المختص ) بالمقر له - وهو خالد - .

( واعترضه ) اى المسالك ( في مجمع الفائدة بان هذا ) الّذي ذكره الشهيد ( ليس تفصيلا ) في مسئلة الصلح ( بل مورد كلام المشهور ) الذين قالوا بالاشتراك ( هو الثالث ) اى ما أوقعا الصلح على النصف المقر به ( لفرضهم المصالحة على ذلك النصف المقر به ، وتمام الكلام في محله ) وانما كان الغرض من هذا الكلام وقوع التخالف بين كلامي المشهور في الجملة - .

( وعلى كل حال ) سواء حمل النصف للمبيع المتعلق به البيع ، على النصف المشاع بين النصيبين ، أو حمل على النصف المختص بالبائع ( فلا اشكال في ان لفظ النصف المقر به ) اى الواقع في حيّز الاقرار ( إذا وقع في كلام المالك للنصف المشاع ) بان كان هناك شريكان في نصفى الدار فقال أحدهما نصف الدار لعمرو ، في حالكون الاقرار ( مجردا عن حال أو مقال يقتضي ) ذلك الحال أو المقال ( صرفه ) اى صرف النصف الّذي في كلام المقر ( إلى

ص: 126

نصفه يحمل على المشاع في نصيبه ، ونصيب شريكه .

ولهذا افتوا ظاهرا على أنه لو أقر أحد الرجلين الشريكين الثابت يد كل منهما على نصف العين بان ثلث العين لفلان ، حمل على الثلث المشاع في النصيبين .

فلو كذبه الشريك الآخر ، دفع المقر إلى المقرّ له نصف ما في يده لان المنكر بزعم المقر ظالم للسدس ،

_________________________

نصفه ) اى النصف المربوط به ( يحمل ) لفظ النصف ( على المشاع في نصيبه ، ونصيب شريكه ) لا على نصف المالك المختص به .

( ولهذا افتوا ظاهرا ) اى كونهم افتوا حسب ما يستظهر من كلماتهم ( على أنه لو أقر أحد الرجلين الشريكين الثابت يد كل منهما على نصف العين ) أقر ( بان ثلث العين لفلان ، حمل ) اقراره ( على الثلث المشاع في النصيبين ) لا ثلث مال نفسه فقط .

( فلو ) صدقه المقر دفعا الثلث إلى المقرّ له ولو ( كذبه الشريك الآخر ، دفع المقر ) كزيد الشريك لعمرو الّذي أقر لبكر بالثلث من الجموع ( إلى المقرّ له ) كبكر ( نصف ما في يده ) فإذا كان مجموع المال ستة دنانير يلزم على المقر ان يعطى للمقر له دينارا ونصفا - لا دينارا فقط - ( لان المنكر ) كعمرو - في المثال - ( بزعم المقر ) وهو زيد ( ظالم للسدس ) فان عمروا تصرف في ثلاثة دنانير ، وله ديناران فقط - بزعم المقر - فالدينار الزائد عنده ليس لبكر فقط ، لفرض ان المال مشترك بين الثلاثة ، بل الدينار الزائد لعمرو : المقر ، وبكر : المقر له ، إذا

ص: 127

بتصرفه في النصف ، لأنه باعتقاده انما يستحق الثلث ، فالسدس الفاضل في يد المنكر نسبته إلى المقر والمقر له ، على حد سواء ، فإنه قدر تالف من العين المشتركة فيوزع الاستحقاق .

ودعوى : ان مقتضى الإشاعة تنزيل المقر به على ما في يد كل منهما فيكون في يد المقرّ سدس ، وفي يد المنكر سدس ،

_________________________

فنصف دينار عمرو : المقر ، عند زيد : المنكر ، فلعمرو دينار ونصف مما في يده ، والدينار والنصف الآخر انما هو للمقر له - اى بكر - فان المنكر ظالم للسدس ( ب ) سبب ( تصرفه في النصف ) اى ثلاثة دنانير ، والحال ان له دينارين ( لأنه ) اى المنكر ( باعتقاده ) اى باعتقاد المقر ( انما يستحق الثلث ) فقط اى دينارين ( فالسدس الفاضل في يد المنكر ) وهو الدينار الثالث ( نسبته إلى المقر والمقر له ، على حد سواء ) ويكون لكل من المقر والمقر له نصف دينار عند المنكر ( فإنه ) اى الدينار الثالث ( قدر تالف من العين المشتركة ) بين المقر والمقر له ( فيوزع ) بينهما على قدر ( الاستحقاق ) وإذ كان استحقاق المقر والمقر له متساويا يكون التالف من كل منهما نصف دينار .

( ودعوى : ان مقتضى الإشاعة ) اى إشاعة ستة دنانير الموجودة في يدي المقر والمنكر ، بين المقر ، والمنكر ، والمقر له ( تنزيل المقر به ) اى الثلث الّذي أقر به المقر ، لبكر - مثلا - ( على ما في يد كل منهما ) اى من المقر والمنكر ( فيكون في يد المقر سدس ) اى دينار ( وفي يد المنكر سدس ) فاللازم ان يعطى المقر للمقر له دينارا

ص: 128

كما لو صرح بذلك .

وقال : ان له في يد كل منهما سدسا .

واقراره بالنسبة إلى ما في يد الغير غير مسموع ، فلا يجب الا ان يدفع إليه ثلث ما في يده ، وهو السدس المقربة وقد تلف السدس الآخر بزعم المقر - على المقر له ، بتكذيب المنكر ، مدفوعة .

_________________________

لا دينارا ونصفا ( كما لو صرح ) المقر ( بذلك ) .

( و ) ذلك بان ( قال : ان له ) اى المقر له ( في يد كل منهما ) اى المقر والمنكر ( سدسا ) كما لو قال لبكر في يدي ، ويد شريكي ديناران ، دينار في يدي ، ودينار في يد شريكي .

( و ) حيث إن ( اقراره بالنسبة إلى ما في يد الغير غير مسموع ، فلا يجب ) على المقر ( الا ان يدفع إليه ) اى إلى المقر له ( ثلث ما في يده ) اى الدينار الواحد ( وهو السدس ) من مجموع الستة ( المقر به ) اى بذلك السدس ، لأنه اقرّ بان في ماله سدسا لعمرو ( وقد تلف السدس الآخر ) للمقر له ( - بزعم المقر - ) متعلق بتلف ، ( على المقر له ، ب ) سبب ( تكذيب المنكر ) .

هذه الدعوى ( مدفوعة ) بالفرق في الاقرار بين الإشاعة والتميز فلو كان هناك ثلاثة دنانير ، غير مشاعة في يد زيد ، وثلاثة دنانير غير مشاعة في يد عمرو ، ثم أقر زيد بان لبكر دينار في مالي ، ودينارا في مال عمرو ، كان اللازم اعطاء زيد لبكر دينارا فقط .

بخلاف ما لو كان المال مشاعا ابتداءً ، ثم قسمه المقر والمنكر ، ثم

ص: 129

بان ما في يد الغير ليس عين ماله فيكون كما لو أقر شخص بنصف كل من داره ، ودار غيره ، وهو مقدار حصته المشاعة كحصة المقر وحصة المقر له ، - بزعم المقر - الا انه لما لم يجبر المكذب على دفع شيء مما في يده ، فقد تلف سدس مشاع يوزع على المقر ، والمقر له .

فلا معنى لحسابه على المقر له

_________________________

ادعى المقر ان بكرا أيضا شريك لهما في الثلث ، لأنهما ثلاثة اخوة ، مات أبوهم ، وخلف ستة دنانير - مثلا - .

والحاصل : ان الدعوى المذكورة مدفوعة ( بان ما في يد الغير ) اى عمرو - المنكر - ( ليس عين ماله ) اى عين مال عمرو - اى مالا غير مشترك - ( فيكون ) حال الاقرار - اى حتى يكون - ( كما لو أقر شخص بنصف كل من داره ، ودار غيره ) اقرارا لبكر - مثلا - اى ليس الامر اقرارا في امرين متمايزين ( أو هو ) اى ما في يد الغير - المنكر - انما هو ( مقدار حصته ) اى حصة الغير ( المشاعة ) بين الثلاثة ، حسب اقرار المقر ( كحصة المقر ) التي هي أيضا مشاعة ( و ) ك ( حصة المقر له ) التي هي أيضا مشاعة ( - بزعم المقر - ) ان له حصة ( الا انه لما لم يجبر المكذب ) اى المنكر الّذي كذب المقر ( على دفع شيء مما في يده ) لأنه لم يقر بالشريك الثالث ( فقد تلف ) - بسبب ظلم المنكر - ( سدس مشاع ) ف ( يوزع ) التالف - وهو دينار في المثال - ( على المقر ، والمقر له ) فيكون الذاهب من كل منهما نصف دينار .

( فلا معنى لحسابه ) اى حساب الدينار التالف ( على المقر له ) كبكر

ص: 130

وحده ، الا على احتمال ضعيف وهو تعلق الغصب بالمشاع .

وصحة تقسيم الغاصب مع الشريك فيتمحّض ما يأخذه الغاصب منه ، وما يأخذه الشريك لنفسه .

لكنه احتمال مضعف في محله وان قال به أو مال إليه بعض - على ما حكى -

_________________________

- في المثال - ( وحده ، الا على احتمال ضعيف ) في باب الغصب ( وهو تعلق الغصب بالمشاع ) .

كما لو كان هناك شريكان في دار مشاعة بينهما ، ثم غصب الغاصب حصة أحدهما ، بان اخرجه من الدار واستقل هو والشريك الآخر بالتصرف في الدار ، فقد غصب الغاصب نصف دار مشاع .

( وصحة تقسيم الغاصب مع الشريك ) بان افرز نصف الدار لنفسه واعطى النصف الآخر للشريك ( فيتمحّض ما يأخذه الغاصب ) من نصف الدار ( للمغصوب منه ، وما يأخذه الشريك لنفسه ) فإنه لو قلنا بهذا القول الضعيف في باب الغصب ، نقول بمثله في باب الاقرار ، وان اقرار زيد لبكر بالثلث انما يوجب على المقرّ أن يدفع إلى بكر دينارا فقط لا دينارا ونصفا .

( لكنه احتمال مضعف في محله ) إذ : التقسيم الّذي لا يقربه الشريك لا يوجب الافراز ، فلا يختص ما في يد الغاصب للمغصوب منه ، ولا ما في يد الشريك لنفسه ، بل تكون الدار بعد افراز الشريك والغاصب ، على اشاعتها السّابقة ( وان قال به ) اى بهذا الاحتمال ( أو مال إليه بعض - على ما حكى - ) عنه

ص: 131

للحرج أو السيرة .

نعم يمكن ان يقال : بان التلف في هذا المقام حاصل بإذن الشارع للمنكر الغاصب لحق المقر له باعتقاد المقر ، والشارع انما اذن له في اخذ ما يأخذه على أنه من مال المقر له ، فالشارع انما حسب السدس في يد المنكر على المقر له ، فلا يحسب منه على المقر شيء .

_________________________

( للحرج ) على الشريك ، إذ بقي المال مشاعا ( أو السيرة ) في ان الشريك إذا اخذ ماله ، كان ذلك افرازا ، وان لم يحضره الشريك الآخر .

( نعم يمكن ان يقال ) في وجه كون تكليف المقر اعطاء دينار فقط للمقر له ، لا دينارا ونصفا ( بان التلف ) لدينار بكر : المقرّ له ، ( في هذا المقام حاصل بإذن الشارع للمنكر الغاصب ) واقعا ( لحق المقر له ) - اى بكر - ( باعتقاد المقر ) متعلق ب : الغاصب ، لان المقر يعتقد ان عمروا غاصب ، اما عمرو بنفسه فلا يعتقد ذلك .

ولذا كان الشارع اذن له في ان لا يدفع إلى بكر دينارا ، حيث إن الشارع اذن لمن لا يعلم أن في ماله حقا للغير ، ولم يقم على ذلك دليل ، اذن بان يمتنع عن أداء شيء إلى المدعى ، بل يحفظ المال لنفسه ، واذن الشارع انما كان بالنسبة إلى دينار - بكر - ( والشارع انما اذن له ) اى للمنكر ( في اخذ ما يأخذه ) اى الدينار الزائد ( على أنه من مال المقر له ) اى بكر - في المثال - ( فالشارع انما حسب السدس ) وهو الدينار الموجود ( في يد المنكر على المقر له ) اى خالدا في المثال ( فلا يحسب منه ) اى من السدس ( على المقر ) كزيد ( شيء ) وعليه فليس

ص: 132

وليس هذا كاخذ الغاصب جزءا معينا من المال عدوانا ، بدون اذن الشارع ، حتى يحسب على كلا الشريكين .

والحاصل ان اخذ الجزء كان بإذن الشارع ، وانما اذن له على أن يكون من مال المقر له .

ولعله لذا

_________________________

الدينار الموجود في يد المنكر نصفه للمقر : الثلاث دنانير ، نصفه حتى يبقى للمقر دينار ونصف فقط .

( وليس هذا ) الاقرار ( كاخذ الغاصب جزءا معينا من المال عدوانا ، بدون اذن الشارع ) .

كما لو فرضنا انه كان لزيد وبكر شريكين في أربعة دنانير ، فاخذ الغاصب دينارا من المال ، فإنه يكون ذاهبا عنهما ، حتى أن الباقي يقسم بينهما لكل منهما دينار ونصف دينار .

إذ : ليس مقام الاقرار هكذا ( حتى يحسب ) الدينار الموجود عند المنكر ( على كلا الشريكين ) المقر والمقر له .

( والحاصل ان اخذ ) المنكر ( الجزء ) وهو الدينار - في المثال - ( كان بإذن الشارع ، وانما اذن له على أن يكون من مال المقر له ) ان كان حقه ثابتا واقعا ، إذا فالواجب على المقر ان يدفع إلى المقر له ، اى دينارا فقط .

( ولعله لذا ) الّذي ذكرنا من وجه عدم اشتراك المقر والمقر له ، في ما بيد المقر ، بل يكون الزائد بيد المقر ، للمقر له - اى دينار واحد

ص: 133

ذكر الأكثر بل نسبه في الايضاح إلى الأصحاب - في مسئلة الاقرار بالنسب - ان أحد الأخوين إذا أقر بثالث ، دفع إليه الزائد عما يستحقه باعتقاده وهو الثلث ولا يدفع إليه نصف ما في يده نظرا إلى أنه أقر بتساويهما في مال المورث ، فكلما حصل ، كان لهما ، وكلما فات كان كذلك ، هذا .

ولكن لا يخفى ضعف هذا الاحتمال ، من جهة : ان الشارع الزم بمقتضى الاقرار - معاملة المقر مع المقر له بما يقتضيه الواقع الّذي أقر به .

_________________________

فقط ، في المثال - ( ذكر الأكثر ) اى ذكروا ان الزائد : فقط ، للمقر له ( بل نسبه في الايضاح إلى الأصحاب - في مسئلة الاقرار بالنسب - ) في باب الإرث ( ان أحد الأخوين إذا أقر بثالث ، دفع إليه ) اى دفع المقر إلى الثالث ( الزائد عما يستحقه ) المقر ( باعتقاده ) ان لهما أخا ثالثا ( وهو ) اى الزائد ( الثلث ) عما في يده ( ولا يدفع ) المقر ( إليه ) اى إلى الثالث ( نصف ما في يده ) .

وجه احتمال ان يدفع إليه نصف ما في يده ، هو ما بينه بقوله : ( نظرا إلى أنه ) اى المقر ( أقر بتساويهما ) اى المقر والمقر له ( في مال المورث فكلما حصل ) من المال ( كان لهما ، وكلما فات كان كذلك ) لهما ( هذا ) .

وجه ان يكون الزائد لما في يد المقر للمقر له ، لا التناصف .

( ولكن لا يخفى ضعف هذا الاحتمال ) اى احتمال ان يكون للمقر له الزائد فحسب ، لا التناصف ( من جهة : ان الشارع الزم - بمقتضى الاقرار معاملة المقر ) كلمة : معاملة ، مفعول : الزم ، ( مع المقر له بما يقتضيه الواقع ) كلمة : بما ، متعلق ب : معاملة ، ( الّذي أقر ) المقر ( به ) اى بذلك

ص: 134

ومن المعلوم : ان مقتضى الواقع لو فرض العلم بصدق المقر ، هو كون ما في يده - على حسب اقراره - بالمناصفة .

واما المنكر عالما ، فيكون ما في يده مالا مشتركا لا يحل له منه الا ما قابل حصته عما في يدهما والزائد حق لهما عليه .

واما مسئلة الاقرار بالنسب فالمشهور ، وان صاروا إلى ما ذكر وحكاه الكليني عن

_________________________

الواقع .

( ومن المعلوم : ان مقتضى الواقع لو فرض العلم بصدق المقر ، هو كون ما في يده ) اى يد المقر ( - على حسب اقراره - بالمناصفة ) « على حسب » متعلق ب : بالمناصفة .

ثم : ان المناصفة انما هي في مثال الشريكين والاقرار بثالث ، وفي مثال ثلاث شركاء والاقرار برابع ، يكون بما يقتضيه ، وهكذا كما لا يخفى .

( واما المنكر ) في حال كونه ( عالما ، فيكون ما في يده مالا مشتركا لا يحل له ) اى للمنكر ( منه ) اى من هذا المال المشترك ( الا ما قابل حصته عما في يدهما ) اى يد المقر والمنكر ، ومقابل حصته في المثال ديناران فقط ( والزائد ) وهو الدينار الثالث ( حق لهما ) للمقر والمقر له ( عليه ) اى على المنكر ، هذا هو مقتضى القاعدة .

( واما مسئلة الاقرار بالنسب ) التي ذكروها بان المقر انما يدفع الزائد فقط - الّذي هو على خلاف ما ذكرناه في باب اقرار أحد الشريكين - ( فالمشهور ، وان صاروا إلى ما ذكر ) من اعطاء الزائد فقط ( وحكاه الكليني عن

ص: 135

الفضل بن شاذان على وجه الاعتماد ، بل ظاهره جعل فتواه ، كروايته الا انه صرح جماعة ممن تأخر عنهم بمخالفته للقاعدة ، حتى قوى في المسالك الحمل على الإشاعة ، وتبعه سبطه ، وسيد الرياض في شرحي النافع ، والظاهر : ان مستند المشهور ، بعض الروايات الضعيفة المنجبر بعمل أصحاب الحديث ، كالفضل ، والكليني ، بل وغيرهما ، وروى الصدوق مرسلا ، والشيخ مسندا ، عن أبي البختري ووهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه

_________________________

الفضل بن شاذان على وجه الاعتماد ) عليه ( بل ظاهره ) اى الكليني ( جعل فتواه ، كروايته ) الدالة على اعطاء الزائد فقط ، فان الرواية ذكرت ان اثنين من الورثة لو اعترفا بوارث آخر ، فان كانا عدلين ، أجيز ذلك على الورثة الزما ذلك في حصتهما ( الا انه صرح جماعة ممن تأخر عنهم ) اى عن المشهور بين المتقدمين ( بمخالفته ) اى كلام المشهور في باب الاقرار بالنسب ( للقاعدة ، حتى قوى في المسالك الحمل على الإشاعة ) بان يكون المقر والمقر له ، سواء في المال ، لا ان يكون الزائد فقط للمقر له ( وتبعه سبطه ، وسيد الرياض في شرحي النافع ، والظاهر أن مستند المشهور ) ليس القاعدة ، وانما هو ( بعض الروايات الضعيفة المنجبر بعمل أصحاب الحديث ، كالفضل ) بن شاذان ( والكليني ، بل وغيرهما ، ف ) قد ( روى الصدوق مرسلا ، والشيخ مسندا ، عن أبي البختري ) - معرب بهتر - ( ووهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه

ص: 136

السلام في رجل مات ، وترك ورثة ، فاقر أحد الورثة بدين على أبيه ، انه يلزم ذلك في حصته بقدر ما ورث ، ولا يكون ذلك في ماله كله ، وان أقر اثنان من الورثة وكانا عدلين ، أجيز ذلك على الورثة ، وان لم يكونا عدلين ، الزما في حصتهما ، بقدر ما ورثا .

_________________________

السلام في رجل مات ، وترك ورثة ، فاقر أحد الورثة بدين على أبيه ) قال عليه السلام : ( انه يلزم ذلك ) الدين ( في حصته ) اى حصة المقر ( بقدر ما ورث ، ولا يكون ذلك ) الدين ( في ماله ) اى مال الميت ، أو مال المقر ( كله ) .

فلو كان المراد : مال الميت ، فعدم كونه ظاهر ، لان اقرار أحد الورثة لا يسبب الزاما على سائر الورثة .

ولو كان المراد : مال المقر ، فلان المقر انما يعطى بعض ماله - اما الزائد ، كالدينار - في المثال السابق - أو الدينار والنصف ، حسب الاختلاف - ( وان أقر اثنان من الورثة وكانا عدلين ، أجيز ذلك على الورثة ) كلهم لقيام البينة بذلك ( وان لم يكونا عدلين ، الزما في حصتهما ) فقط ، ( بقدر ما ورثا ) لكن لا يخفى : ان الروايات المذكورة والآتية مجملة ، لا تدل على فتوى المشهور ، ولا فتوى الشيخ ، لان : الزما في حصتهما ، هل معناه : انهما يعطيان الزائد كما يقول المشهور ؟ أو بالنسبة كما يقول الشيخ ، وكذلك في الفقرة السابقة اى قوله : بقدر ما ورث الا ان يكون فهم المشهور مؤيدا ، والمشهور بينهم ان فهم المشهور ليس بحجة .

ص: 137

وكذلك ان أقر أحد الورثة باخ أو أخت فإنما يلزمه ذلك في حصته وبالاسناد قال قال علي عليه السلام : من أقر لأخيه ، فهو شريك في المال ولا يثبت نسبه ،

فان أقر اثنان فكذلك الا ان يكونا عدلين ، فيثبت نسبه ويضرب في الميراث معهم .

وعن قرب الإسناد رواية الخبرين عن السندي بن محمد ، وتمام الكلام في محله من كتاب الاقرار والميراث إن شاء اللّه تعالى .

_________________________

( وكذلك ان أقر أحد الورثة باخ أو أخت ) أو غيرهما ممن يرث ، واحدا أو أكثر ( فإنما يلزمه ذلك ) اقرار ( في حصته وبالاسناد ) المتقدم أيضا ( قال قال علي عليه السلام : من أقر لأخيه ، فهو ) اى الأخ ( شريك في المال ) الّذي حازه اخوه ( ولا يثبت نسبه ) لان الاقرار انما يثبت ما على المقر لا سائر الأمور .

( فان أقر اثنان فكذلك ) ثبت المال ، ولم يثبت النسب ( الا ان يكونا ) المقران ( عدلين ، فيثبت نسبه ويضرب ) - بالمجهول - اى المقر له ( في الميراث معهم ) لقيام البينة بذلك .

( وعن قرب الإسناد رواية الخبرين عن السندي بن محمد ، وتمام الكلام في محله من كتاب الاقرار والميراث إن شاء اللّه تعالى ) وقد ذكر طرفا من الكلام ، الجواهر فمن أراد التفصيل ، فليرجع إليه .

ص: 138

مسئلة لو باع ما يقبل التملك ،

وما لا يقبله كالخمر والخنزير صفقة بثمن واحد ، صح في المملوك عندنا -

كما في جامع المقاصد - واجماعا - كما عن الغنية - ويدل عليه اطلاق مكاتبة الصفار المتقدمة .

ودعوى انصرافه إلى صورة كون بعض القرية المذكورة فيها مال الغير ممنوعة

_________________________

( مسئلة - لو باع ما يقبل التملك ، وما لا يقبله ) مثال ما لا يقبله ( كالخمر والخنزير ) مثلا : باع الخل والخمر ، والشاة والخنزير ( صفقة ) واحدة ، اى في معاملة واحدة ( بثمن واحد ) لا ان يقول الخمر بعشرة ، والخل بعشرين ، بل قال : بعتهما بثلاثين ( صح ) البيع ( في المملوك عندنا - ) هذا لفظ يشبه الاجماع ( كما في جامع المقاصد - واجماعا - كما عن الغنية ويدل عليه ) اى على أنه يصح البيع في المملوك ( اطلاق مكاتبة الصفار المتقدمة ) وفيها قوله عليه السلام : لا يجوز بيع ما ليس يملك ، وقد وجب الشراء على ما يملك ، إذ قوله : ليس يملك ، شامل لما ليس بمملوك للبائع ، سواء كان من جهة انه لا يقبل الملك كالوقف ، أو من جهة انه ملك للغير .

( ودعوى انصرافه ) اى قوله : ما ليس يملك ، ( إلى صورة كون بعض القرية المذكورة فيها ) اى في المكاتبة ( مال الغير ) فالمراد : ما ليس بمملوك للبائع ، لا ما لا يقبل الملك أصلا ( ممنوعة ) إذ : لا وجه لدعوى الانصراف المذكور بعد تعارف الوقف

ص: 139

بل لا مانع من جريان قاعدة الصحة ، بل اللزوم في العقود ، عدا ما يقال : من أن التراضي والتعاقد ، انما وقع على المجموع الّذي لم يمضه الشارع قطعا ، فالحكم بالامضاء في البعض - مع عدم كونه مقصودا الا في ضمن المركب - يحتاج إلى دليل آخر ، غير ما دل على حكم العقود ، والشروط ، والتجارة عن تراض .

ولذا حكموا بفساد العقد ، بفساد شرطه .

_________________________

( بل لا مانع من جريان قاعدة الصحة ، بل ) قاعدة ( اللزوم في العقود ) بالنسبة إلى ما هو مملوك للبائع ، فيشمله : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ( عدا ما يقال : من أن التراضي والتعاقد ، انما وقع على المجموع الّذي لم يمضه الشارع قطعا ) لان المجموع بما فيه الخمر ، لا يصحح الشارع عقده ( فالحكم بالامضاء في البعض ) اى امضاء الشارع للبعض القابل للملك ( - مع عدم كونه ) اى البعض المملوك ( مقصودا الا في ضمن المركب - يحتاج إلى دليل آخر ، غير ما دل على حكم العقود ، والشروط ، والتجارة عن تراض ) اى : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، و : المؤمنون عند شروطهم ، و إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ .

( ولذا ) الّذي ذكرنا ، من أنه لا تكفى الأدلة المتقدمة لتصحيح العقد الّذي لم يصح بعضه ( حكموا بفساد العقد ، ب ) سبب ( فساد شرطه ) فإذا كان المشروط فاسدا ، كان الجزء أيضا فاسدا إذا فسد الجزء الآخر لان الشرط والجزء من قبيل واحد .

ص: 140

وقد نبه عليه في جامع المقاصد ، في باب فساد الشرط ، وذكر ان في الفرق بين فساد الشرط والجزء عسرا ، وتمام الكلام في باب الشروط ويكفى هنا الفرق بالنص والاجماع .

نعم : ربما يقيد الحكم بصورة جهل المشترى ، لما ذكره في المسالك وفاقا للمحكى في التذكرة عن الشافعي - من جهة افضائه إلى الجهل بثمن المبيع ، قال في

_________________________

( وقد نبه عليه ) اى على لزوم بطلان البيع ببطلان جزئه كما نقول ببطلانه ، بطلان شرطه ( في جامع المقاصد ، في باب فساد الشرط ، وذكران في الفرق بين فساد الشرط والجزء عسرا ) فاللازم ، اما ان نقول بايجابهما الفساد ، أو عدم ايجابهما الفساد ( وتمام الكلام في باب الشروط ) وانه هل الشرط الفاسد يوجب فساد المشروط ، أم لا ؟ ( ويكفى هنا ) في باب الجزء الفاسد ( الفرق بالنص والاجماع ) على صحة العقد ، حتى مع فساد الجزء ، وكفى بهما فارقا .

( نعم : ربما يقيد الحكم ) بصحة العقد بالنسبة إلى الجزء ، فيما إذا كان الجزء الآخر لا يملك ( بصورة جهل المشترى ) بان أحد الجزءين لا يملك ( لما ذكره في المسالك - وفاقا للمحكى في التذكرة عن الشافعي - ) حيث خصص الصحة بصورة جهل المشترى ( من جهة افضائه ) اى العلم بكون أحد الجزءين لا يملك ( إلى الجهل بثمن المبيع ) لأنه حينما اشترى الخل والخمر بثلاثين ، لا يعلم كم مقدار ثمن الخل .

ومن المعلوم : ان الجهل بأحد العوضين موجب للفساد ( قال في

ص: 141

التذكرة بعد ذلك ، وليس عندي بعيدا من الصواب الحكم بالبطلان ، فيما إذا علم المشترى حرمة الآخر أو كونه مما لا ينقل إليه ، انتهى .

ويمكن دفعه : بان اللازم ، هو العلم بثمن المجموع الّذي قصد إلى نقله عرفا ، وان علم الناقل بعدم امضاء الشارع له ، فان هذا العلم غير مناف لقصد النقل حقيقة .

فبيع الغرر المتعلق لنهى الشارع ، وحكمه عليه بالفساد هو ما كان غررا في نفسه ، مع قطع النظر عما يحكم عليه عن الشارع

_________________________

التذكرة بعد ذلك ) اى بعد ان نقل عن الشافعي الحكم بالصحة في صورة الجهل فقط ( وليس عندي بعيدا من الصواب الحكم بالبطلان ، فيما إذا علم المشترى حرمة الآخر ) كعبد وحرّ ( أو كونه مما لا ينقل إليه ) كالخمر والخل ( انتهى ) كلام العلامة .

( ويمكن دفعه ) اى دفع الاشكال الوارد في صورة علم المشترى ( بان اللازم ، هو العلم بثمن المجموع الّذي قصد إلى نقله ) نقلا ( عرفا ، وان علم الناقل بعدم امضاء الشارع له ) اى لهذا النقل ( فان هذا العلم ) بعدم امضاء الشارع ( غير مناف لقصد النقل ) أو البيع ( حقيقة ) إذ :

القصد لا ينافي تحريم الشارع .

( فبيع الغرر المتعلق لنهى الشارع ، و ) ل ( حكمه عليه ) اى على بيع الغرر ( بالفساد ) لقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : نهى النبي عن بيع الغرر ، وفي حديث آخر : نهى النبي عن الغرر ( هو ما كان غررا في نفسه ، مع قطع النظر عما يحكم عليه عن الشارع ) إذ : الموضوع

ص: 142

مع أنه لو تم ما ذكر لاقتضى صرف مجموع الثمن إلى المملوك ، لا البطلان لان المشترى القادم على ضمان المجموع بالثمن - مع علمه بعدم سلامة البعض له - قادم على ضمان المملوك وحده ، بالثمن ، كما صرح به الشهيد في محكى الحواشى المنسوبة إليه ، حيث قال : ان هذا الحكم مقيد ، بجهل المشترى بعين المبيع ، والا لكان البدل بإزاء المملوك .

_________________________

يجب ان يتصور حقيقة قائمة في عالم الاعتبار ، ثم يحكم عليه بأنه جائز أو ممنوع شرعا .

ومن المعلوم : ان بيع الخل والخمر بقيمة كذا ، لا يكون غررا عرفا فلا يشمله نهى الشارع ( مع أنه لو تم ما ذكر ) من أنه في صورة علم المشترى جهل بثمن المبيع لأنه لا يعلم مقدار ثمن المملوك ( لاقتضى صرف مجموع الثمن إلى المملوك ، لا البطلان ) للمبيع ( لان المشترى القادم على ضمان المجموع بالثمن ) اى يعطى الثمن في مقابل المجموع ( - مع علمه ) اى المشترى ( بعدم سلامة البعض له - ) لأنه مما لا يملك ( قادم ) في الحقيقة ( على ضمان المملوك وحده ، ب ) تمام ( الثمن ، كما صرح به ) اى بلزوم صرف مجموع الثمن للمملوك فقط ( الشهيد في محكى الحواشى المنسوبة إليه ، حيث قال : ان هذا الحكم ) بصحة بيع المملوك وغير المملوك ( مقيد ، ب ) صورة ( جهل المشترى بعين المبيع ) انها خمر ، وحكمه بأنها لا تملك ( والا ) فلو علم المشترى العين والحكم ( لكان البدل ) الّذي يدفعه المشترى ( بإزاء المملوك ) فقط .

ص: 143

ضرورة ان القصد إلى الممتنع كلا قصد ، انتهى .

لكن ما ذكره ره مخالف لظاهر المشهور ، حيث حكموا بالتقسيط وان كان مناسبا لما ذكروه في بيع مال الغير من العالم من عدم رجوعه بالثمن إلى البائع ، لأنه سلطه عليه مجانا ، فان مقتضى ذلك عدم رجوع المشترى بقسط غير المملوك .

_________________________

( ضرورة ان القصد ) من المشترى ( إلى الممتنع ) إذ : يمتنع شرعا بدل المحرم ( كلا قصد ) فلم يقصد المشترى الا ان يشترى الخل - وحده بثلاثين في المثال السابق - ( انتهى ) كلام الشهيد .

( لكن ما ذكره ره مخالف لظاهر المشهور ، حيث حكموا بالتقسيط ) للثمن على المملوك فيأخذه البائع وغير المملوك ، فيبقى على ملك المشتري ( وان كان ) ما ذكره الشهيد من : كون جميع الثمن بإزاء المملوك فقط ( مناسبا لما ذكروه ) العلماء ( في بيع مال الغير من العالم ) بأنه مال الغير ( من عدم رجوعه ) اى المشترى ( بالثمن إلى البائع ، لأنه ) اى المشترى ( سلطه ) اى البائع ( عليه ) اى الثمن ( مجانا ) وبلا عوض ، لأنه قدم له الثمن ، وهو يعلم أن لا بدل للثمن ، إذ بدله مال الغير ، وهو لم يبعه ( فان مقتضى ذلك ) الّذي ذكروه في باب بيع مال الغير ، وان المشترى العالم لا يرجع إلى البائع ( عدم رجوع المشترى ) العالم ، إلى البائع ( بقسط غير المملوك ) كعشرة دراهم الواقعة بإزاء الخمر في المثال السابق - .

ص: 144

اما لوقوع المجموع في مقابل المملوك - كما عرفت من الحواشى - .

واما لبقاء ذلك القسط له مجانا ، كما قد يلوح من جامع المقاصد ، والمسالك ، الا انك قد عرفت ان الحكم هناك لا يكاد ينطبق على القواعد .

ثم : ان طريق تقسيط الثمن على المملوك ، وغيره ، يعرف مما تقدم في بيع ماله مع مال الغير ، من : ان العبرة بتقويم كل منهما منفردا ، ونسبة قيمة المملوك إلى مجموع القيميين ،

_________________________

( اما لوقوع المجموع ) اى مجموع الثمن ( في مقابل المملوك - كما عرفت من الحواشى - ) للشهيد .

( واما لبقاء ذلك القسط ) من الثمن ( له ) اى للبائع ( مجانا ) بدون عوض ( كما قد يلوح ) اى يظهر ( من جامع المقاصد ، والمسالك ) وقد تقدم الإشارة إلى ذلك ( الا انك قد عرفت ان الحكم هناك ) في بيع مال الغير من المشترى العالم ( لا يكاد ينطبق على القواعد ) وان مقتضى القاعدة : ان يبقى المال في ملك المشتري ، كيف كان .

( ثم : ان طريق تقسيط الثمن على المملوك ، وغيره ) فيما إذا باع ما يملك ، وما لا يملك ( يعرف مما تقدم في بيع ماله مع مال الغير ، من : ان العبرة بتقويم كل منهما منفردا ، ونسبة قيمة المملوك إلى مجموع القيميين ) فمثلا : اشترى الخمر والخل بثلاثين دينار وقد قوم الخمر عند أربابها - فكانت بعشرين ، وقوم الخل فكان بأربعين ، فللخل ثلثي القيمة - اى عشرون من الثلاثين - .

ص: 145

لكن الكلام هنا في طريق معرفة قيمة غير المملوك ، وقد ذكروا ان الحرّ يفرض عبدا بصفاته ، ويقوم ، والخمر والخنزير يقومان بقيمتها عند من يراهما مالا .

ويعرف تلك القيمة بشهادة عدلين مطلعين على ذلك ، لكونهما مسبوقين بالكفر ، أو مجاورين للكفار .

ويشكل تقويم الخمر والخنزير بقيمتهما إذا باع الخنزير بعنوان انه شاة ، والخمر بعنوان انها خل فبان

_________________________

( لكن الكلام هنا ) في باب ما يملك ، وما لا يملك ( في طريق معرفة قيمة ) الجزء ( غير المملوك ) كالحرّ ، والخمر ، وما أشبه ( وقد ذكروا ان الحرّ يفرض عبدا بصفاته ، ويقوم ) فيقال : ان الحر وقع في مقابل كذا من الثمن ( والخمر والخنزير يقومان بقيمتها ) الكائنة تلك القيمة ( عند من يراهما مالا ) .

( و ) ان قلت : لا يعتمد على قول شاربي الخمر وآكلي لحم الخنزير .

قلت : ( يعرف تلك القيمة بشهادة عدلين مطلعين على ذلك ) وان قيمة الخمر كذا ، وقيمة الخنزير كذا ( لكونهما ) اى العدلين ( مسبوقين بالكفر ، أو مجاورين للكفار ) أو من سائر طرق الاطلاع .

( ويشكل ) اطلاق القول بهذا النحو من التقويم ، فان هذا النحو من التقويم انما يصح ، إذا باع واشترى بعنوان الخمر والخنزير .

اما ( تقويم الخمر والخنزير بقيمتهما إذا باع الخنزير بعنوان انه شاة ، والخمر بعنوان انها خل ) فهو غير صحيح ( ف ) انه إذا ( بان

ص: 146

الخلاف بل جزم بعض هنا بوجوب تقويمهما قيمة الخل والشاة .

_________________________

الخلاف ) كان اللازم نوع آخر من التقويم ( بل جزم بعض هنا بوجوب تقويمهما قيمة الخل والشاة ) كالحر الّذي يقوم بقيمة الحر إذا باعه بعنوان انه حرّ ، فإنه لا يقوم بقيمة العبد ، لاختلاف الرغبات والقيم بين الحر والعبد ، كما أن اللازم تقويم غير المملوك بالعنوان الّذي بيع بذلك العنوان .

كما لو باع الخمر بعنوان انه عصير الليمون مثلا ، وهكذا ، وقول الشيخ ره وغيره بملاحظة قيمة الخل من باب المثال ، كما لا يخفى .

ص: 147

مسألة يجوز للأب والجد ان يتصرفا في مال الطفل بالبيع والشراء .

ويدل عليه - قبل الاجماع - الأخبار المستفيضة المصرحة في موارد كثيرة .

وفحوى سلطنتهما على بضع البنت في باب النكاح .

والمشهور عدم اعتبار العدالة للأصل .

_________________________

( مسئلة ) في أولياء العقد وهم الأب والجد ، والحاكم ومن كان من قبلهم ، كما هو المشهور دون سواهم ( يجوز للأب والجدان يتصرفا في مال الطفل ) ذكرا كان ، أو أنثى ( بالبيع والشراء ) وسائر المعاملات .

( ويدل عليه - قبل الاجماع - الأخبار المستفيضة المصرحة ) بالجواز ( في موارد كثيرة ) مما ذكرها الوسائل ، والجواهر ، وغيرهما ، فراجع .

( وفحوى سلطنتهما ) اى الأب والجد ( على بضع البنت في باب النكاح ) فإذا كان للأب والجد الولاية في نكاح البنت ، كانت لهما الولاية في أموال البنت وأموال الولد بطريق أولى ، لان البضع أهم ، عقلا وعرفا وشرعا من المال ، وليس هذا قياسا ، بل أولوية ومناطا .

( والمشهور ) بين الفقهاء ( عدم اعتبار العدالة ) فيهما لصحة تصرفهما ( للأصل ) فانا نعلم : ان الشارع اعطى الولاية للأب والجد ولا نعلم هل انه قيدها بالعدالة ، أم لا ؟ الأصل العدم .

ص: 148

والاطلاقات .

وفحوى الاجماع المحكى عن التذكرة على ولاية الفاسق في التزويج خلافا للمحكى عن الوسيلة والايضاح ، فاعتبراها فيهما ، مستدلا - في الأخير - بأنها ولاية على من لا يدفع عن نفسه ، ولا يصرف عن ماله ، ويستحيل من حكمة الصانع ان يجعل الفاسق أمينا يقبل اقراراته واخباراته عن غيره ، مع نص القرآن على خلافه ، انتهى .

ولعله أراد بنص القرآن : آية الركون إلى الظالم ، التي أشار إليها في جامع المقاصد

_________________________

( و ) ل ( الاطلاقات ) الواردة في ولايتهما بدون تقييد بالعدالة .

( وفحوى الاجماع المحكى عن التذكرة على ولاية ) الأب والجد ( الفاسق في التزويج ) فإذا ثبت ولاية الفاسق في الأهم الّذي هو التزويج ثبت في غير الأهم الّذي هو البيع ( خلافا للمحكى عن الوسيلة والايضاح فاعتبراها ) اى العدالة ( فيهما ) اى في الأب والجد ( مستدلا ) لاعتبار العدالة ( - في الأخير - ) اى الايضاح ( بأنها ولاية على من لا يدفع عن نفسه ) اذى ( ولا يصرف عن ماله ) ضررا ( ويستحيل من حكمة الصانع ان يجعل الفاسق أمينا يقبل اقراراته ) عن غيره ، فيقر على مال الطفل إذا ادعاه مدع ( واخباراته عن غيره ) فيخبر بان المال ليس للطفل ، أو ما أشبه ( مع نص القرآن على خلافه ، انتهى ) فقد قال سبحانه : ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا .

( ولعله أراد بنص القرآن : آية الركون إلى الظالم ، التي أشار إليها في جامع المقاصد ) وهي قوله تعالى : وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ،

ص: 149

وفي دلالة الآية نظر .

وأضعف منها ما ذكره في الايضاح من الاستحالة ، إذ المحذور يندفع - كما في جامع المقاصد - بان الحاكم متى ظهر عنده بقرائن الأحوال اختلاف حال أبو الطفل عزله ، ومنعه ، من التصرف في ماله ، واثبات اليد عليه ، وان لم يظهر خلافه ، فولايته ثابتة ، وان لم يعلم استعلم

_________________________

فكيف يركن إلى الفاسق الّذي هو ظالم في أمور الطفل ؟

( وفي دلالة الآية نظر ) إذ : لعل ظاهر الركون ، تولى الظالم جميع الأمور ، كجعله حاكما ، وما أشبه ، لا مثل ايكال مال الطفل إليه أو من جهة ان صدق الظالم على كل فاسق خلاف المنصرف من الظالم .

( وأضعف منها ) اى من دلالة الآية ، الدليل العقلي المتقدم ، اى ( ما ذكره في الايضاح من الاستحالة ) التي سبق بيانها ( إذ المحذور ) الّذي ذكره الايضاح ( يندفع - كما في جامع المقاصد - بان الحاكم متى ظهر عنده بقرائن الأحوال اختلاف حال أبو الطفل ) أو جده ، اختلافا يدل على عدم كفاءته وعدم عمله بما هو المكلف به في أموال الطفل ( عزله ) عن الولاية ( ومنعه ، من التصرف في ماله ) اى مال الطفل ( و ) منعه عن ( اثبات اليد عليه ) اى على مال الطفل ، أو المراد أثبت الحاكم اليد على ماله ، بدلا عن الأب والجد ( وان لم يظهر خلافه ) اى خلاف حال الأب في تصرفاته ( فولايته ) اى الأب ( ثابتة ، وان لم يعلم ) الحاكم الامرين الاختلاف وعدم الاختلاف ( استعلم ) الحاكم

ص: 150

حاله بالاجتهاد وتتبع سلوكه ، وشواهد أحواله ، انتهى .

وهل يشترط في تصرفه المصلحة ؟ أو يكفى عدم المفسدة أم لا يعتبر شيء وجوه .

يشهد للأخير اطلاق ما دل على أن مال الولد للوالد ، كما في رواية سعد بن يسار ، وانه وماله لأبيه ، كما في النبوي المشهور ، وصحيحة ابن مسلم

_________________________

( حاله ) اى الأب ( بالاجتهاد ) في امره ( وتتبع سلوكه ، و ) تتبع ( شواهد أحواله ، انتهى ) كلام جامع المقاصد .

( وهل يشترط في تصرفه ) اى الأب والجد ( المصلحة ) كأن يبيع ما رأس ماله دينار ، بدينار ونصف ( أو يكفى عدم المفسدة ) كأن يبيعه بدينار ( أم لا يعتبر شيء ) كأن يبيعه بنصف دينار ، بمعنى ان تصرفه نافذ ، ولو كان مفسدة كتصرف الانسان في مال نفسه ، فإنه يصح ان يبيع الانسان ما يسوى دينارا ، بنصف دينار ، إذا لم يكن سفيها ( وجوه ) ثلاثة .

( يشهد للأخير ) اى عدم اعتبار المصلحة ، ولا عدم المفسدة ( اطلاق ما دل على أن مال الولد للوالد ، كما في رواية سعد بن يسار ) قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : أيحج الرجل من مال ابنه وهو صغير ؟ قال : نعم ، قلت : يحج حجة الاسلام وينفق منه ؟ قال :

نعم بالمعروف ، ثم قال عليه السلام : نعم يحج منه وينفق منه ، ان مال الولد للوالد ( وانه وماله لأبيه ، كما في النبوي المشهور ) الآتي ( وصحيحة ابن مسلم :

ص: 151

ان الوالد يأخذ من مال ولده ما شاء ، وما في العلل عن محمد بن سنان عن الرضا عليه السلام من : ان علة تحليل مال الولد لوالده ان الولد موهوب للوالد ، في قوله تعالى : يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ .

ويؤيده اخبار جواز تقويم جارية الا بن علي نفسه ، لكن الظاهر منها

_________________________

ان الوالد يأخذ من مال ولده ما شاء ، وما في العلل عن محمد بن سنان ، عن الرضا عليه السلام من : ان علة تحليل مال الولد لوالده ) اى تحليل الشرع ( ان الولد موهوب للوالد ) .

ومن المعلوم : ان ما كان متعلقا بالمال : الموهوب ، فهو مال للموهوب له ( في قوله تعالى : يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ ) .

( ويؤيده ) اى كون الولد للوالد ، أو المراد يؤيد انه لا يعتبر شيء في تصرف الوالد في مال الولد ( اخبار جواز تقويم جارية الا بن علي نفسه ) اى يقدر قيمتها ثم يقبلها بمقابل القيمة التي يجعلها الوالد على نفسه ، ثم يطأها .

وجه التأييد ان هذه الأخبار وان لم تدل على أن جارية الولد للأب ، كما كان مقتض الخلاف الأخبار المتقدمة ، لكنها تدل على أن للأب ان يتصرف في مال الولد مطلقا ، لاطلاق هذه الروايات حتى في صورة ان التقويم لم يكن صلاحا للولد ( لكن الظاهر منها ) اى من اخبار التقويم

ص: 152

تقييدها بصورة حاجة الأب ، كما يشهد له قوله عليه السلام في رواية الحسين بن أبي العلاء : قال : قلت : لأبي عبد اللّه عليه السلام ما يحل للرجل من مال ولده ؟ قال قوته بغير سرف إذا اضطر إليه ، قال : فقلت :

له قول رسول اللّه ( ص ) للرجل الّذي اتاه ، فقدم أباه ، فقال له : أنت ومالك لأبيك ، فقال انما جاء بابيه إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم فقال : يا رسول اللّه ( ص ) هذا أبى ظلمني ميراثي من أمي ، فأخبره الأب انه قد انفقه عليه وعلى نفسه ، فقال النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنت ومالك لأبيك ، ولم يكن عند الرجل

_________________________

( تقييدها بصورة حاجة الأب ) فلا اطلاق لها حيث تدل على أن كل تصرف من الأب نافذ ( كما يشهد له ) اى للتقييد ( قوله عليه السلام في رواية الحسين بن أبي العلاء : قال : قلت : لأبي عبد اللّه عليه السلام ما يحل للرجل من مال ولده ؟ قال ) عليه السلام ( قوته بغير سرف إذا اضطر إليه ) بان لم يكن للأب مورد رزق آخر ( قال : فقلت : له قول رسول اللّه ( ص ) للرجل الّذي اتاه ، فقدم أباه ) شاكيا عليه ( فقال ) النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ( له : أنت ومالك لأبيك ) اى كيف يلائم قولك مع قول الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ؟ ( فقال ) عليه السلام ( انما جاء ) الولد ( بابيه إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، فقال : يا رسول اللّه ( ص ) هذا أبى ظلمني ميراثي من أمي ، فأخبره الأب انه قد انفقه ) اى الميراث ( عليه ) اى على الولد ( وعلى نفسه ، فقال النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : أنت ومالك لأبيك ، ولم يكن عند الرجل ) الأب شيء يصرف

ص: 153

أو كان رسول اللّه ( ص ) يحبس الأب للابن ،

ونحوها صحيحة أبى حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : أنت ومالك لأبيك ، ثم قال :

لا نحب ان يأخذ من مال ابنه الا ما يحتاج إليه مما لا بد منه ، ان اللّه لا يحب

_________________________

على نفسه ، أو يؤدى مقابل مال الولد ( أو كان رسول اللّه ( ص ) يحبس الأب للابن ) فكما ان الأب لا يقتل بالابن ، كذلك لا يحبس الأب في باب الابن ، وكان الإمام عليه السلام ذكر امرين .

الأول - جواز انفاق الأب من مال الابن .

الثاني - انه لو فرض تعدى الأب لم يكن يحبس ولذا فلا يجد الابن سبيلا إلى الأب المعسر الّذي صرف ماله ، لأنه لا مال له ليأخذه ، ولا يحبس في مقابل دين الابن .

ومع ذلك فالحديث يحتاج إلى التأمل ، لان الاستدلال بالآية :

يدل على أنه لا حق للولد ، والعلة تدل على وجود حق للابن .

اللهم الا ان تجعل الآية علة لعدم الحبس فيبقى على الحديث ان المعسر لا يحبس مطلقا ، حتى إذا كان غير أب ، لان لي الواجد يحل حبسه .

( ونحوها صحيحة ) ابن ( أبى حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : أنت ومالك لأبيك ، ثم قال : لا نحب ان يأخذ من مال ابنه الا ما يحتاج إليه مما لا بد منه ) في نفقاته ( ان اللّه لا يحب

ص: 154

الفساد ، فان الاستشهاد بالآية يدل على إرادة الحرمة ، من عدم الحب دون الكراهة .

وانه لا يجوز له التصرف بما فيه مفسدة للطفل .

هذا كله ، مضافا إلى عموم قوله تعالى : وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، فان اطلاقه يشمل الجد ويتم في الأب ، بعدم الفصل .

ومضافا : إلى ظهور الاجماع على اعتبار عدم المفسدة ، بل في مفتاح الكرامة استظهر الاجماع - تبعا لشيخه في شرح القواعد - على الفساد ، فان الاستشهاد بالآية يدل على إرادة الحرمة ، من عدم الحب دون الكراهة ) المصطلحة ، إذ : ظاهر الآية الفساد المحرم .

( وانه لا يجوز له التصرف ) عطف على : إرادة ، ( بما فيه مفسدة ل ) مال ( الطفل ) خلافا لمن قال : بصحة جميع تصرفات الأب كيف كان

( هذا كله ، مضافا إلى عموم قوله تعالى : وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) اى بالكيفية التي هي أحسن الكيفيات ( فان اطلاقه ) اى اطلاق النهى ( يشمل الجد ) فان الّذي له جد وليس له أب ، يتيم عرفا وشرعا ( ويتم في الأب ، بعدم الفصل ) فان حكم الأب والجد واحد بالاجماع .

( ومضافا : إلى ظهور الاجماع على اعتبار عدم المفسدة ) في التصرف في مال الطفل ( بل في مفتاح الكرامة استظهر الاجماع ) اى قال : الأظهر وجود الاجماع ( - تبعا لشيخه في شرح القواعد - ) اى كاشف الغطاء الكبير ( على

ص: 155

إناطة جواز تصرف الولي بالمصلحة ، وليس ببعيد ، فقد صرح به في محكى المبسوط ، حيث قال : ومن يلي امر الصغير ، والمجنون ، خمسة الأب ، والجد للأب ، ووصى الأب ، والجد ، والحاكم ، ومن يأمره .

ثم قال : وكل هؤلاء الخمسة ، لا يصح تصرفهم الا على وجه الاحتياط والحظ للصغير لأنهم انما نصبوا لذلك ، فإذا تصرف فيه على وجه لاحظ فيه كان باطلا ، لأنه خلاف ما نصب له ، انتهى .

وقال الحلى في السرائر : لا يجوز للولي التصرف

_________________________

إناطة جواز تصرف الولي بالمصلحة ، وليس ) الاجماع ( ببعيد ، فقد صرح به ) غير واحد من العلماء ، ف ( في محكى المبسوط ) نص على ذلك ( حيث قال : ومن يلي ) اى يتولى ( امر الصغير ، والمجنون ، خمسة الأب ، والجد للأب ) من ناحية الأب ، لا الجد أبو الام ( ووصى الأب و ) وصى ( الجد ، والحاكم ، ومن يأمره ) الحاكم الّذي هو بمنزلة الحاكم أيضا .

( ثم قال : وكل هؤلاء الخمسة ، لا يصح تصرفهم ) في مال الصغير والمجنون ( الا على وجه الاحتياط ) الاخذ بالحائطة ، وما فيه التحفظ على مالهما ( والحظ للصغير لأنهم انما نصبوا ) وعينوا من قبل الشرع ( لذلك ) اى الاحتياط على مالهما ( فإذا تصرف فيه ) اى في المال ( على وجه لاحظ فيه ) للصغير ولا فائدة ( كان ) التصرف ( باطلا ، لأنه خلاف ما نصب له ، انتهى ) كلام المبسوط .

( وقال الحلى ) ابن إدريس ( في السرائر : لا يجوز للولي التصرف

ص: 156

في مال الطفل ، الا بما يكون فيه صلاح المال ، ويعود نفعه إلى الطفل دون المتصرف فيه .

وهذا الّذي يقتضيه أصول المذهب ، انتهى .

وقد صرح بذلك أيضا المحقق ، والعلامة ، والشهيدان ، والمحقق الثاني ، وغيرهم ، بل في شرح الروضة للفاضل الهندي ان المتقدمين عمموا الحكم باعتبار المصلحة ، من غير استثناء ، واستظهر في مفتاح الكرامة من عبارة التذكرة في

_________________________

في مال الطفل ، الا بما يكون فيه صلاح المال ، ويعود نفعه إلى الطفل دون المتصرف فيه ) اى إذا كان النفع عائدا إلى المتصرف فيه لم يصح ، إذ : ليس المال لنفعه ، وانما لنفع الطفل .

( وهذا ) اى كون جواز التصرف انما يقيد بما فيه صلاح الطفل ، هو ( الّذي يقتضيه أصول المذهب ) كآية : لا تَقْرَبُوا ، وقاعدة : ان الولاية لأجل صلاح الطفل ، وما أشبه من سائر القواعد ( انتهى ) كلام السرائر .

( وقد صرح بذلك ) اى باشتراط الصلاح ( أيضا المحقق ، والعلامة والشهيدان ، والمحقق الثاني ، وغيرهم ، بل في شرح الروضة للفاضل الهندي ) صاحب كشف اللثام ( ان المتقدمين عمموا الحكم باعتبار المصلحة ) اى قالوا بان اعتبار المصلحة عام بالنسبة إلى الأب والجد وغيرهما ( من غير استثناء ) فلم يستثنوا الأب والجد ، بان لا يكون تصرفهما مشروطا بالمصلحة ( واستظهر في مفتاح الكرامة من عبارة التذكرة في

ص: 157

باب الحجر نفى الخلاف في ذلك بين المسلمين ، وقد حكي عن الشهيد في حواشي القواعد : ان قطب الدين قدس سره ، نقل عن العلامة رحمه اللّه ، انه لو باع الولي بدون ثمن المثل لم لا ينزل منزلة الاتلاف بالاقتراض ؟

لأنا قائلون : بجواز اقتراض ماله ، وهو يستلزم جواز اتلافه ، قال : وتوقف زاعما انه لا يقدر على مخالفة الأصحاب .

هذا ولكن الأقوى ، كفاية عدم المفسدة وفاقا لغير واحد من الأساطين الذين عاصرناهم ،

_________________________

باب الحجر نفى الخلاف في ذلك ) اى قال : ظاهر التذكرة عدم الخلاف في اعتبار الصلاح للطفل ( بين المسلمين وقد حكى عن الشهيد في حواشي القواعد : ان قطب الدين قدس سره ، نقل عن العلامة رحمه اللّه ، انه لو باع الولي بدون ثمن المثل ) جاز .

لأنه ( لم لا ينزل منزلة الاتلاف ) لمال الصغير ( بالاقتراض ؟ ) فإذا جاز الاقتراض جاز البيع بأقل من ثمن المثل .

( لأنا قائلون : بجواز اقتراض ) الولي ( ماله ، وهو ) اى جواز الاقتراض ( يستلزم جواز اتلافه ، قال ) قطب الدين ( وتوقف ) العلامة عن الفتوى بذلك ( زاعما انه لا يقدر على ) فتوى ( مخالفة الأصحاب ) القائلين بأنه لا يجوز .

( هذا ولكن الأقوى ، كفاية عدم المفسدة ) ولا يحتاج إلى وجود المصلحة ( وفاقا لغير واحد من الأساطين الذين عاصرناهم ) .

ص: 158

لمنع دلالة الروايات على أكثر من النهى عن الفساد ، فلا تنهض لدفع دلالة المطلقات المتقدمة ، الظاهرة في سلطنة الوالد على الولد ، وماله .

واما الآية الشريفة - فلو سلّم دلالتها - فهي مخصصة بما دل على ولاية الجد ، وسلطنته الظاهرة في ان له ان يتصرف في مال طفله ، بما ليس فيه مفسدة له .

_________________________

وذلك ( لمنع دلالة الروايات ) على كثرتها ( على أكثر من النهى عن الفساد ، فلا تنهض ) تلك الروايات ( لدفع دلالة المطلقات ) المجوزة ( المتقدمة ، الظاهرة في سلطنة الوالد على الولد ، و ) على ( ماله ) الشاملة لصور الصلاح والفساد ، وما لا فساد فيه ، فإذا خرجت صورة الفساد ، بقي الباقي تحت العموم .

( واما الآية الشريفة ) وهي قوله تعالى : وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، الظاهرة في وجوب الصلاح ، وعدم كفاية ان لا يكون مفسدة ( - فلو سلّم دلالتها - فهي مخصصة بما دل على ولاية الجد ، وسلطنته الظاهرة ) تلك الولاية ( في ان له ) اى للجد ( ان يتصرف في مال طفله ، بما ليس فيه ) اى في ذلك التصرف ( مفسدة له ) اى للطفل .

والحاصل : ان الآية تقول : يجب ان يكون التصرف في مال الطفل صلاحا ، الا إذا كان المتصرف الجد ، فان له ان يتصرف بما ليس فيه مفسدة .

وهذا التخصيص انما استفيد من اطلاق ما دل على ولاية الجد اطلاقا ، هو أقوى من الآية ، لا ان الآية أقوى ، حتى تكون حاكمة على

ص: 159

فان ما دل على ولاية الجد في النكاح ، معللا بان البنت وأباها للجد ، وأباها ، قوله ( ص ) : أنت ومالك لأبيك ، خصوصا مع استشهاد الإمام ( ع ) به في مضى نكاح الجد ، بدون اذن الأب ، ردا على من انكر ذلك وحكم ببطلان ذلك من العامة في مجلس بعض الامراء .

_________________________

الاطلاق ( فان ما دل على ولاية الجد في النكاح ، معللا بان البنت وأباها للجد ، وأباها ، قوله ( ص ) : أنت ومالك لأبيك ) في الحديث المتقدم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ( خصوصا مع استشهاد الإمام ( ع ) به ) اى بقول الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ( في مضى نكاح الجد ، بدون اذن الأب ، ردا على من انكر ذلك ) اى ان يكون نكاح الجد نافذا ( وحكم ببطلان ذلك ) النكاح من الجد ( من العامة في مجلس بعض الامراء ) .

اما الرواية الأولى : فهي خبر علي بن جعفر عن أخيه ، قال :

سألته عن رجل اتاه رجلان يخطبان ، فهوى جد البنت ان يزوج رجلا وهوى أبوها الآخر ، أيهما أحق ان ينكح ؟ قال : الّذي هوى الجد أحق بالجارية ، لأنها وأباها للجد .

واما الرواية الثانية : فهو خبر عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، أنه قال : انى لذات يوم عند زياد بن عبد اللّه ، إذ جاء رجل يستعدى على أبيه ، فقال : اصلح اللّه الأمير ، ان أبى زوج ابنتي بغير اذني ، فقال لجلسائه : ما تقولون فيما يقول هذا الرجل ؟ فقالوا نكاحه باطل ، قال عليه السلام : ثم اقبل عليّ ، فقال : ما تقول يا أبا عبد

ص: 160

وغير ذلك يدل على ذلك .

مع أنه لو سلمنا عدم التخصيص وجب الاقتصار عليه في حكم الجد ، دون الأب .

ودعوى : عدم القول بالفصل ممنوعة .

_________________________

اللّه ، فلما سألني أقبلت على الذين أجابوه ، فقلت لهم أليس فيما تروون أنتم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم ان رجلا جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا ؟ فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :

أنت ومالك لأبيك ، قالوا : بلى ، فقلت لهم : كيف يكون هو وماله لأبيه ولا يجوز نكاحه ؟ قال عليه السلام ، فاخذ بقولهم وترك قولي ( وغير ذلك يدل على ذلك ) الّذي ذكرنا من كفاية عدم المفسدة .

ثم : إذا كان تصرف الجد غير مشروط بالصلاح ، بل يكفى عدم المفسدة ، كان تصرف الأب كذلك ، اما بالمناط ، أو بطريق أولى .

( مع أنه لو سلمنا عدم التخصيص ) للجد في آية : و ، لا تقربوا ( وجب الاقتصار عليه ) اى على وجوب ان يكون التصرف مصلحة ( في حكم الجد ، دون الأب ) لان من له الأب ، لا يصدق عليه انه يتيم ، فلا تشمله الآية .

( ودعوى : عدم القول بالفصل ) بين الجد والأب ، وانه كما لا يجوز ان يتصرف الجد في مال الطفل الا حسب المصلحة ، كذلك لا يجوز للأب التصرف الا حسب المصلحة - ولا يكفى عدم المفسدة - ( ممنوعة ) إذ : لا اطمينان بوجود اجماع على ذلك .

ص: 161

فقد حكى عن بعض متأخري المتأخرين ، القول بالفصل بينهما في الاقتراض مع عدم اليسر .

ثم : لا خلاف ظاهرا - كما ادعى - في ان الجد ، وان علا يشارك الأب في الحكم ، ويدل عليه ما دل على أن الشخص وماله - الّذي منه مال ابنه - لأبيه ، وما دل على أن الولد ، ووالده لجده .

ولو فقد الأب وبقي الجد فهل أبوه وجده يقوم مقامه في المشاركة أو يخص

_________________________

( فقد حكى عن بعض متأخري المتأخرين ، القول بالفصل بينهما في الاقتراض مع عدم اليسر ) اى يجوز للأب ان يقترض من مال الطفل ، وان لم يكن الأب ذا يسار .

( ثم : لا خلاف ظاهرا - كما ادعى - ) عدم الخلاف ( في ان الجد وان علا يشارك الأب في الحكم ) في التصرف في مال الطفل ( ويدل عليه ما دل على أن الشخص وماله - الّذي منه مال ابنه - لأبيه ، وما دل على أن الولد ، ووالده لجده ) « على » متعلق ب : يدل ، و : لأبيه خبر : ان ، و : الّذي ، صفة : ماله .

والحاصل : ان قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : أنت ومالك لأبيك يدل على أن : الولد وماله لوالده ، ومن جملة أموال الولد : ولده وأموال ولده ، وهكذا ، فالكل للجد .

( ولو فقد الأب وبقي الجد ) وأبو الجد ( فهل أبوه ) اى أب الأب ( وجده ) اى جد الأب ( يقوم مقامه ) اى مقام الأب والجد ( في المشاركة ) في الولاية ( أو يخص

ص: 162

هو بالولاية ، قولان ، من : ظاهران الولد ووالده لجده وهو المحكى عن ظاهر جماعة .

ومن : ان مقتضى قوله تعالى : - وأولو الارحام بعضهم أولى ببعض كون القريب أولى بقريبه من البعيد ، فنفى ولاية البعيد ، وخرج منه الجد مع الأب ، وبقي الباقي .

وليس المراد من لفظ الأولى التفضيل مع الاشتراك في المبدأ .

_________________________

هو ) اى أب الأب ، لا جدّ الأب ( بالولاية ) مثلا : الطفل ، وأبوه احمد ، وأب الأب عبد اللّه ، وجد الأب هاشم ، لو مات الأب ، وبقي عبد اللّه ، وهاشم ، فهل هما شريكان ؟ أو يقوم عبد اللّه ؟ ( قولان ، من : ظاهر ان الولد ووالده لجده ) يكون مقتضى القاعدة التشريك في التصرف في مال الطفل ، فعبد اللّه ، وهاشم شريكان ( و ) هذا ( هو المحكى عن ظاهر جماعة ) .

( ومن : ان مقتضى قوله تعالى : وأولو الارحام بعضهم أولى ببعض كون القريب ) كعبد اللّه ( أولى بقريبه ) الطفل ( من البعيد ) كهاشم ( فنفى ) اى قوله تعالى ( ولاية البعيد ) مع وجود القريب مطلقا ( وخرج منه ) اى من هذا النفي المطلق ( الجد مع الأب ) حيث ثبت بالدليل ان الجد البعيد ، أولى من الأب القريب ( وبقي الباقي ) كان الجد ، مع الجد ، حيث إن مقتضى الآية كون الجد أولى من أبيه .

( وليس المراد من لفظ الأولى ) في قوله تعالى : وأولو الارحام بعضهم أولى ( التفضيل ) للقريب ( مع الاشتراك في المبدأ ) اى أصل الولاية ، كأن يكون العم وابن العم - مثلا - كلاهما يرثان ، ويتوليان

ص: 163

بل هو نظير قولك : هو أحق بالامر من فلان ، ونحوه .

وهذا محكى عن جامع المقاصد ، والمسالك ، والكفاية ، وللمسألة مواضع اخر تأتى إن شاء اللّه .

_________________________

شؤون الميت - مثلا - مع أن العم أفضل ، مثل أفضلية إمامة العالم على إمامة العامي .

( بل هو ) اى أولى في الآية الكريمة ( نظير قولك : هو أحق بالامر من فلان ، ونحوه ) مما يراد به وجود الاستحقاق في هذا دون فلان .

( وهذا ) القول اى كون القريب أولى ، المقتضى لأولوية الجد من أب الجد ( محكى عن جامع المقاصد ، والمسالك ، والكفاية ، وللمسألة ) اى مسئلة أولوية الجد أو أب الجد ( مواضع آخر ) ككتاب النكاح في باب أولياء العقد ، وكتاب الحجر في ان مال الطفل بيد الأب والجد ( تأتى إن شاء اللّه ) .

وكان المصنف عزم على اتمام الفقه ، لكن التقدير لم يساعد ذلك .

ص: 164

مسئلة [ في ولاية الفقيه ]

من جملة أولياء التصرف في مال من لا يستقل بالتصرف في ماله الحاكم والمراد منه الفقيه الجامع لشرائط الفتوى وقد رأينا هنا ذكر مناصب الفقيه امتثالا لامر أكثر حضار مجلس المذاكرة .

فنقول مستعينا باللّه :

للفقيه الجامع للشرائط ، مناصب ثلاثة .

أحدها : الافتاء فيما يحتاج إليها العامي

_________________________

( مسئلة من جملة أولياء التصرف في مال من لا يستقل بالتصرف في ماله ) كالطفل ، والمجنون والسفيه ، والمغمى عليه ( الحاكم ) الشرعي ( والمراد منه ) اى من الحاكم ( الفقيه الجامع لشرائط الفتوى ) وقد ذكروا في شرطه البلوغ والعقل والذكورة والحرية والعدالة والأعلمية - في الجملة - وطهارة المولد والحياة ( وقد رأينا هنا ذكر ) مفعول : رأينا ، اى : ان نذكر ، ( مناصب الفقيه امتثالا لامر أكثر حضار مجلس المذاكرة ) .

مع أن موضع ذلك كتاب القضاء ، أو كتاب التقليد ، كما ذكره بعض المتأخرين .

( فنقول مستعينا باللّه : للفقيه الجامع للشرائط ، مناصب ثلاثة ) أو أكثر ، كما ذكرناها في شرح العروة الوثقى كتاب التقليد ، فراجع .

( أحدها : الافتاء فيما يحتاج إليها ) الضمير راجع إلى : مما ، ومصداقه : المسائل ، ( العامي ) الّذي لم يبلغ درجة الاجتهاد ، وان

ص: 165

في عمله .

ومورده المسائل الفرعية ، والموضوعات الاستنباطية ، من حيث ترتب حكم فرعى عليها .

ولا اشكال ولا خلاف في ثبوت هذا المنصب للفقيه ، الا ممن لا يرى

_________________________

كان من أفاضل طلاب العلوم الدينية ( في عمله ) اما المسائل الاعتقادية فليس تقريرها من شأن الفقيه - بالمعنى المصطلح - .

إذ : لو قلنا بأنها يجب الاجتهاد فيها فواضح .

وان قلنا بجواز التقليد ، فالمرجع فيها هم المتكلمون .

( ومورده ) اى الانشاء ( المسائل الفرعية ) مقابل الأصولية ، المراد بها أصول الاعتقاد ( والموضوعات الاستنباطية ) التي تحتاج إلى الاستنباط في فهم المراد منه كالوطن ، والآنية ، والغناء ، وما أشبه ( من حيث ترتب حكم فرعى عليها ) اى على تلك الموضوعات الاستنباطية .

مثل : ان الموضع الّذي يتم الانسان صلاته فيه ، هل المحل الّذي ولد فيه ، أو الّذي قصد البقاء فيه أو ما أشبه ؟ .

ومثل : ان الظرف المحرم كونه من الذهب والفضة ، هو شامل لمثل رأس الغرشة ووعاء الساعة أم لا ؟ .

ومثل ان الغناء الصوت المطرب مطلقا ، أو الّذي فيه الترجيع ، وهكذا .

( ولا اشكال ولا خلاف في ثبوت هذا المنصب للفقيه ، الا ممن لا يرى

ص: 166

جواز التقليد للعامي .

وتفصيل الكلام في هذا المقام موكول إلى مباحث الاجتهاد والتقليد .

الثاني الحكومة ،

فله الحكم بما يراه حقا في المرافعات ، وغيرها في الجملة ، وهذا المنصب أيضا ثابت له بلا خلاف ، فتوى ونصا ، وتفصيل الكلام فيه من حيث شرائط الحاكم والمحكوم به ، والمحكوم عليه موكول إلى كتاب القضاء .

_________________________

جواز التقليد للعامي ) كبعض الأخباريين .

( وتفصيل الكلام في هذا المقام موكول إلى مباحث الاجتهاد والتقليد )

وقد ذكرنا طرفا من ذلك في شرح العروة وشرح الكفاية فراجع .

( الثاني ) من مناصب الفقيه ( الحكومة ) اى الفصل بين المترافعين ( فله ) اى الفقيه ( الحكم بما يراه حقا في المرافعات ، وغيرها ) ككون هذا وقف ، وهذا ملك ، وهذا الزيد لا لعمرو - لا في باب الترافع - وكالحجر للفلس ، ورؤية الهلال لتعيين اوّل الشهر ( في الجملة ) متعلق ب : غيرها اى غيرها مطلقا داخل في الثالث ( وهذا المنصب أيضا ثابت له بلا خلاف فتوى ونصا ، وتفصيل الكلام فيه من حيث شرائط الحاكم والمحكوم به ) اى الحكم الّذي يصدره ، مثل ان يكون عن بينة ، أو يجوز الحكم عن علم الحاكم - مثلا - ( والمحكوم عليه ) من الناس ، اى اىّ شخص ينفذ حكم الحاكم عليه ، هل ينفذ على مجتهد آخر ، أو على من يعلم خطأ الحاكم ( موكول إلى كتاب القضاء ) وفي كتاب قضاء المستند ، والجواهر والآشتيانى بلغة للفقيه .

ص: 167

الثالث : ولاية التصرف في الأموال والأنفس ،

وهو المقصود بالتفصيل هنا .

فنقول : الولاية تتصور على وجهين .

الأول : استقلال الولي بالتصرف ، مع قطع النظر عن كون تصرف غيره منوطا باذنه ، أو غير منوط به .

ومرجع هذا إلى كون نظره سببا في جواز تصرفه .

_________________________

( الثالث ) من مناصب الفقيه ( ولاية التصرف في الأموال والأنفس ، وهو المقصود بالتفصيل هنا ) .

والمراد من هذا : ليس ما هو معلوم العدم ، كصحة بيع الامام الأحرار ، وتحريره عبيد الناس ، وما أشبه ، كما هو ثابت للإمام عليه السلام ، إذ : من المقطوع عدمه بالنسبة إلى الحاكم الشرعي ، بل المرتبة الأدون من هذا .

( فنقول : الولاية تتصور على وجهين ) .

( الأول : استقلال الولي بالتصرف ) في الأموال والأنفس ، كان يتصرف في أموال القصر ، وان يتصرف في أنفسهم بنكاحهم - مثلا - ( مع قطع النظر عن كون تصرف غيره منوطا باذنه ، أو غير منوط به ) اى باذنه .

فالكلام هنا في انه هل للفقيه ان يتصرف أو ليس له ان يتصرف ؟

( ومرجع هذا ) الامر ( إلى ) انه هل ( كون نظره ) اى الفقيه ( سببا في جواز تصرفه ) اى ان إرادة الفقيه علة تامة لجواز التصرف ، فان أراد

ص: 168

الثاني : عدم استقلال غيره بالتصرف ، وكون تصرف الغير منوطا باذنه ، وان لم يكن هو مستقلا بالتصرف .

ومرجع هذا إلى كون نظره شرطا في جواز تصرف غيره ، وبين موارد الوجهين ، عموم من وجه .

_________________________

جاز التصرف - وان لم يرد لم يكن موضوع جواز التصرف - .

( الثاني : عدم استقلال غيره بالتصرف ، وكون تصرف الغير ) كما لو أراد ان يتصرف أحد عدول المسلمين في مال الطفل استصلاحا ( منوطا باذنه ) حتى إذا تصرف العدل في مال الطفل كان تصرفه باطلا ، لأنه لم يستأذن الحاكم الشرعي ( وان لم يكن هو ) اى الفقيه ( مستقلا بالتصرف ) حيث إنه لا يجوز التصرف له مستقلا ، وانما يجوز له التصرف منضما إلى الغير .

( ومرجع هذا إلى كون نظره شرطا في جواز تصرف غيره ، وبين موارد الوجهين ) الأول ، والثاني ( عموم من وجه ) .

فمادة الاجتماع التصرف في مجهول المالك ، فان الحاكم يستقل فيه ، وغير الحاكم يحتاج إلى اذن الحاكم .

ومادة وجود الأول دون الثاني كما في التصرف في الزكوات ، فان كل واحد من الحاكم والمالك مستقل في التصرف .

ومادة وجود الثاني دون الأول اى اعتبار اذن الحاكم في تصرف الغير مع عدم استقلال الحاكم في التصرف التقاص ، فان الانسان الّذي له الحق لا يجوز له التقاص الا بإذن الحاكم ، ولا يحق للحاكم ان يتصرف

ص: 169

ثم اذنه المعتبر في تصرف الغير ، اما ان يكون على وجه الاستنابة كوكيل الحاكم .

واما ان يكون على وجه التفويض والتولية ، كمتولى الأوقاف من قبل الحاكم .

واما ان يكون على وجه الرضا كإذن الحاكم لغيره في الصلاة على ميت لا ولي له .

إذا عرفت هذا ، فنقول : مقتضى الأصل عدم ثبوت الولاية لاحد بشيء من

_________________________

بدون اذن ذي الحق .

( ثم اذنه ) اى الحاكم ( المعتبر في تصرف الغير ، اما ان يكون على وجه الاستنابة ) بان يأخذ الحاكم نائبا لان يعمل النائب العمل ( كوكيل الحاكم ) الّذي هو نائب عن الحاكم في التصرف .

( واما ان يكون على وجه التفويض والتولية ) وهذا منصب ، قالوا إن الفرق بينه وبين الأول ان الوكيل ينعزل بموت الحاكم ، بخلاف هذا ( كمتولى الأوقاف من قبل الحاكم ) فإنه متولى ومفوض إليه الأمر .

( واما ان يكون على وجه الرضا ) بدون نيابة أو تولية ( كإذن الحاكم لغيره في الصلاة على ميت لا ولي له ) .

وقد تكلمنا حول هذه الأمور في شرح العروة كتاب التقليد فراجع .

ويمكن ان يقال : بان محصل الفرق بين الثلاثة ، ان الثالث مرتبة ضعيفة من الاذن ، والوكالة مرتبة أقوى ، والتولية مرتبة أقوى .

( إذا عرفت هذا ، فنقول : مقتضى الأصل عدم ثبوت الولاية لاحد بشيء ممن

ص: 170

الأمور المذكورة ، خرجنا عن هذا الأصل في خصوص النبي والأئمة صلوات اللّه عليهم أجمعين بالأدلّة الأربعة .

قال اللّه تعالى : النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ .

وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ .

_________________________

الأمور المذكورة ) أوجه الولاية ، وذلك : لان كل تصرف في الغير - استقلالا أو انضماما - نفوذه يحتاج إلى دليل شرعي ، فإذا لم يكن دليل كان الأصل بقاء ما كان على حاله السابق ، بدون نفوذ التصرف المذكور ( خرجنا عن هذا الأصل في خصوص النبي ) صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ( والأئمة ) وفاطمة الزهراء ( صلوات اللّه عليهم أجمعين ، بالأدلّة الأربعة ) الكتاب ، والسنة ، والاجماع ، والعقل بالإضافة إلى أنه ضروري .

اما الكتاب ، فقد ( قال اللّه تعالى : النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فولاية الانسان على نفسه محكومة بولاية النبي ، مثلا : إذا أراد الانسان ان يسافر إلى بلد ، أو يشترى شيئا ، أو ينكح امرأة ، أو ما أشبه كانت له الولاية على ذلك ، فإذا قال النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :

لا تفعل ذلك ، كان اللازم عليه ان يترك ما يرغب ، ويأخذ بما قاله النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم .

( و ) قال تعالى : ( ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) فاختيار امرهم مسلوب إذا كان هناك امر من اللّه في القرآن الحكيم ، أو بالوحي ، أو كان هناك امر من

ص: 171

فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ، أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ .

و أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ .

إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، الآية

_________________________

الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم .

وقال تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ) اى امر اللّه تعالى .

ومن المعلوم بالعقل والنقل ان امر الرسول هو امر اللّه تعالى ، فإنه : ما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى ( أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ) توجب خلل دنياهم ( أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) في الآخرة أو الأعم .

وقال تعالى : ( و أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) والمراد بأولى الامر الأئمة الهداة بالاجماع .

وقال تعالى : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ ) اى الأولى بالتصرف فيكم من أنفسكم ( اللّه ورسوله ، الآية ) اى إلى آخرها ، وهي : وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ، نزلت في علي أمير المؤمنين عليه السلام .

ولا يخفى ان الاشكال على قول الشيعة كما صدر عن بعض العامة بان : انما ، ان كانت حاصرة دلت الآية على عدم الولاية لسائر الأئمة وان لم تكن حاصرة لم يكن في الآية دليل على عدم ولاية غير علي عليه السلام من سائر الخلفاء .

غير تام ، إذ : ولاية الأئمة عليهم السلام انما هي عين ولاية على ، فالولاية ثلاثة ، ولاية اللّه أولا ، وولاية الرسول ثانيا ، وولاية الامام

ص: 172

إلى غير ذلك .

وقال النبي ( ص ) - كما في رواية أيوب بن عطية - انا أولى بكل مؤمن من نفسه .

وقال في يوم غدير خم ، الست أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا بلى ، قال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه .

والاخبار في افتراض طاعتهم ، وكون معصيتهم كمعصية اللّه كثيرة يكفى في ذلك .

_________________________

ثالثا ( إلى غير ذلك ) كقوله تعالى : فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ ، وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً .

( و ) اما السنة ، فقد ( قال النبي ( ص ) - كما في رواية أيوب بن عطية - انا أولى بكل مؤمن من نفسه ) وإذا كانت الأولوية ثابتة بالنسبة إلى المؤمن ، فهي بالنسبة إلى الكافر أولى .

( وقال ) صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ( في يوم غدير خم ، الست أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا بلى ، قال : من كنت مولاه فهذا على مولاه ) والحديث متواتر فلا اشكال في سنده ، ولا في دلالته .

( والاخبار في افتراض طاعتهم ، وكون معصيتهم كمعصية اللّه كثيرة ) فإذا تولوا تصرفا ، كان اللازم اطاعتهم ، و ( يكفى في ذلك ) ترتيب الأثر على ذلك التولي .

ص: 173

منها : مقبولة عمر بن حنظلة .

ومشهورة أبى خديجة .

والتوقيع الآتي ، حيث علل فيها حكومة الفقيه ، وتسلطه على الناس باني قد جعلته كذلك ، وانه حجتي عليكم .

واما الاجماع فغير خفى .

_________________________

( منها : مقبولة عمر بن حنظلة ) وفيها : فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم اللّه استخف وعلينا قد رد ، والراد علينا كالراد على اللّه وهو على حد الشرك باللّه .

( ومشهورة أبى خديجة ) وفيها : ولكن انظروا إلى رجل منكم يعرف شيئا من قضايانا ، فاجعلوه بينكم ، فانى قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه .

وجه الدلالة : انه لو لم تجب طاعة الأئمة ، لم يكن وجه لوجوب الرجوع إلى القاضي الّذي يعرف شيئا من قضاياهم .

( والتوقيع الآتي ، حيث علّل فيها حكومة الفقيه ، وتسلطه على الناس باني قد جعلته كذلك ) حاكما ، ومسلطا ( وانه حجتي عليكم ) وانا حجة اللّه ، إذ : لولا وجوب الطاعة لم يكن وجه لتسلط الفقيه المستند إلى جعل الامام .

إلى غيرها من الروايات الكثيرة التي يجدها الطالب في كتاب القضاء من الوسائل والمستدرك .

( واما الاجماع ) على ولايتهم ( فغير خفى ) كما يظهر لمن راجع

ص: 174

واما العقل القطعي ، فالمستقل منه حكمه بوجوب شكر المنعم بعد معرفة انهم أولياء النعم ، وغير المستقل حكمه بان الأبوة إذا اقتضت وجوب طاعة الأب على الابن في الجملة ، كانت الإمامة مقتضية لوجوب طاعة الامام على الرعية بطريق أولى ، لان الحق هنا أعظم بمراتب فتأمل .

_________________________

كتب العقائد ، وكتب الاخبار كالبحار .

( واما العقل القطعي ، فالمستقل منه ) الّذي لا يتوقف على مقدمة أخرى ( حكمه بوجوب شكر المنعم بعد معرفة انهم ) عليهم السلام ( أولياء النعم ) .

ومن الشكر الطاعة .

اما انهم أولياء النعم فيكفي فيه قوله تعالى : ولو أنهم رضوا ما آتاهم اللّه ورسوله .

والحديث القدسي : لولاك لما خلقت الأفلاك ، وقول علي عليه السلام : والناس بعد صنائع لنا ( وغير المستقل حكمه ) اى العقل ( بان الأبوة ) الجسدية ( إذا اقتضت وجوب طاعة الأب على الابن في الجملة ) إذ : ليست كل طاعة واجبة - كما قرر في باب إطاعة الأبوين - ( كانت الإمامة مقتضية لوجوب طاعة الامام على الرعية بطريق أولى ، لان الحق هنا ) في باب الإمامة ( أعظم بمراتب ) من حق الأب ( فتأمل ) حيث يمكن الخدشة في بعض الأدلة المتقدمة مثلا ، الاستدلال الأخير ، يمكن ان يقال عليه ان وجوب الطاعة لا يلازم الولاية ، ولذا تجب طاعة الوالد

ص: 175

والمقصود من جميع ذلك دفع ما يتوهم من أن وجوب طاعة الامام مختص بالأوامر الشرعية ، وانه لا دليل على وجوب طاعته في أوامره العرفية ، أو سلطنته على الأموال والأنفس .

وبالجملة : فالمستفاد من الأدلة الأربعة - بعد التتبع والتأمل - ان للامام سلطنة مطلقة على الرعية من قبل اللّه تعالى ، وان

_________________________

على الولد الكبير ، ومع ذلك لم تكن للوالد ولاية على الولد .

( و ) يكفى في المقام الضرورة ، والاجماع القطعيان .

وانما ( المقصود من جميع ذلك ) الاستدلال ( دفع ما يتوهم من أن وجوب طاعة الامام مختص بالأوامر الشرعية ) وذلك من باب : ان المطيع يفهم حكم اللّه ، وحكم اللّه واجب الطاعة ( وانه لا دليل على وجوب طاعته في أوامره العرفية ) كما لو امر زيدا بزواج امرأة ، ولذا قالت : أتأمرني يا رسول اللّه قال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : لا ، بل انا شافع فإنها فهمت كسائر المسلمين ان الرسول لو امر بأمر ، وجبت طاعته ( أو سلطنته على الأموال والأنفس ) .

ولو نوقش في الأدلة المذكورة ، لكان باب الجدال في أصل وجوب طاعة اللّه أيضا ممكنا ، لان مساق الأدلة في الموضوعين واحد ، والثاني مقطوع العدم الا من المكابر ، فكذا الأول .

( وبالجملة : فالمستفاد من الأدلة الأربعة - بعد التتبع والتأمل - ان للامام سلطنة مطلقة ) عامة ( على الرعية من قبل اللّه تعالى ، وان

ص: 176

تصرفهم نافذ على الرعية ، ماض مطلقا .

هذا كله في ولايتهم بالمعنى الأول .

واما بالمعنى الثاني اعني اشتراط تصرف الغير باذنهم ، فهو وان كان مخالفا للأصل الا انه قد ورد اخبار خاصة بوجوب الرجوع إليهم ، وعدم جواز الاستقلال لغيرهم بالنسبة إلى المصالح المطلوبة للشارع ، غير المأخوذة على شخص معين من الرعية كالحدود والتعزيرات ، والتصرف في أموال القاصرين والزام الناس بالخروج عن الحقوق

_________________________

تصرفهم نافذ على الرعية ، ماض مطلقا ) في الأموال والأنفس في العرفيات وغيرها :

( هذا كله في ولايتهم ) اى الرسول والأئمة عليهم السلام ( بالمعنى الأول ) اى استقلالهم بالولاية .

( واما ) ولايتهم ( بالمعنى الثاني اعني اشتراط تصرف الغير باذنهم ) وعدم استقلال الغير في التصرف ( فهو وان كان مخالفا للأصل ) إذ : الأصل عدم مدخلية أحد في تصرف غيره ( الا انه قد ورد اخبار خاصة بوجوب الرجوع إليهم ) اى إلى الأئمة ( وعدم جواز الاستقلال لغيرهم بالنسبة إلى ) القيام ب ( المصالح المطلوبة للشارع ، غير المأخوذة على شخص معين من الرعية ) بل كانت من المصالح العامة ( كالحدود والتعزيرات ، والتصرف في أموال القاصرين ) كالأطفال والمجانين والغائبين تصرفا ، لأجل صلاحهم أو صلاح من له الحق في أموال القاصرين ( والزام الناس بالخروج عن الحقوق ) الشرعية ، كالخمس والزكاة ، أو

ص: 177

ونحو ذلك .

ويكفى في ذلك ما دل على أنهم أولو الامر ، وولاته .

فان الظاهر : من هذا العنوان عرفا ، من يجب الرجوع إليه في الأمور العامة التي لم تحمل في الشرع على شخص خاص .

وكذا ما دل على وجوب الرجوع في الوقائع الحادثة إلى رواة الحديث معللا بأنهم حجتي عليكم ، وانا حجة اللّه ، فإنه دل على أن الامام هو المرجع الأصلي .

_________________________

الحقوق للناس كالقصاص وما أشبه ( ونحو ذلك ) من الأمور العامة ، كالحرب والسلم والمعاهدات الدولية .

( ويكفى في ذلك ) اى عدم استقلال غيرهم في هذه الأمور الا باذنهم عليهم السلام ( ما دل على أنهم أولو الامر ، وولاته ) .

( فان الظاهر : من هذا العنوان عرفا ، من يجب الرجوع إليه في الأمور العامة التي لم تحمل في الشرع على شخص خاص ) وهذا حاكم على مثل آية : أولو الارحام ، كما لو قيل لزيد الولاية على أقربائه ، ثم قيل السلطان له الولاية على الرعية ، فان العرف يجمع بينهما بان سلطة السلطان ما فوق سلطة زيد .

( وكذا ما دل على وجوب الرجوع في الوقائع الحادثة إلى رواة الحديث ، معللا ) اى حيث علل الإمام عليه السلام ذاك الوجوب ( بأنهم ) اى رواة الحديث ( حجتي عليكم ، وانا حجة اللّه ، فإنه دل على أن الامام هو المرجع الأصلي ) الّذي يستمد غيره حجيته منه .

ص: 178

وما عن العلل بسنده إلى الفضل بن شاذان عن مولانا أبى الحسن الرضا عليه السلام ، في علل حاجة الناس إلى الإمام ( ع ) حيث قال - بعد ذكر جملة من العلل - ومنها : انا لا نجد فرقة من الفرق ، ولا ملة من الملل ، بقوا وعاشوا الا بقيم ورئيس لما لا بد لهم منه في امر الدين والدنيا ، فلم يجز في حكمة الحكيم ان يترك الخلق بما يعلم أنه لا بدّ لهم منه ، ولا قوام لهم الا به .

هذا مضافا إلى ما ورد في خصوص الحدود ، والتعزيرات ، والحكومات ،

و

_________________________

وبهذا يظهر ان الغموض في : الوقائع الحادثة ، لا يوجب تأملا في عموم الحكم ، لان العلة عامة مهما كان المورد خاصا .

( وما عن العلل بسنده إلى الفضل بن شاذان عن مولانا أبى الحسن الرضا عليه السلام ، في علل حاجة الناس إلى الإمام ( ع ) حيث قال ) الامام ( - بعد ذكر جملة من العلل - ومنها : انا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل ، بقوا وعاشوا الا بقيم ورئيس لما لا بد لهم منه في امر الدين والدنيا ) مما يدل على أن امر الدنيا يحتاج إلى الرئيس ، وحيث إن الامر الشخصي خاص ولا شك في تولى الافراد له ، فالمراد بأمر الدنيا الأمور العامة ( فلم يجز في حكمة ) اللّه ( الحكيم ) الّذي يعمل ويأمر حسب المصلحة ( ان يترك الخلق بما يعلم أنه لا بدّ لهم منه ، ولا قوام لهم الا به ) اى يتركهم بدون رئيس ، والحال انه يعلم أن الرئيس مما لا بد لهم منه ، والنسخ هنا مختلفة : بما يعلم ، و : مما يعلم ، و : هو يعلم ، والمراد بالكل واحد .

( هذا مضافا إلى ما ورد في خصوص الحدود ، والتعزيرات ، والحكومات ،

ص: 179

انها لإمام المسلمين ، وفي الصلاة على الجنائز من أن سلطان الله أحق بها من كل أحد ، وغير ذلك مما يعثر عليه المتتبع .

وكيف كان ، فلا اشكال في عدم جواز التصرف في كثير من الأمور العامة بدون اذنهم ورضاهم ، لكن لا عموم يقتضي اصالة توقف كل تصرف على الاذن .

نعم : الأمور التي يرجع فيها كل قوم إلى رئيسهم لا يبعد الاطراد فيها بمقتضى كونهم أولي الأمر ، وولاته والمرجع الأصلي في الحوادث الواقعة .

_________________________

انها لإمام المسلمين ) كما يجدها من يريد في هذه الأبواب من الوسائل والمستدرك ( وفي الصلاة على الجنائز ) فيما إذا كان كل من الولي والوالي حاضرا ، حيث ورد وجوب تقديم الولي للوالي ( من أن سلطان اللّه أحق بها ) اى بالجنازة ( من كل أحد ، وغير ذلك مما يعثر عليه المتتبع ) .

ففي باب الولاية من البحار وغيره ما يكفى للقطع بذلك من كثرة الأحاديث .

( وكيف كان ، فلا اشكال في عدم جواز التصرف في كثير من الأمور العامة بدون اذنهم ورضاهم ، لكن لا عموم يقتضي ) ذلك العموم ( اصالة توقف كل تصرف على الاذن ) من الامام .

( نعم : الأمور التي يرجع فيها كل قوم إلى رئيسهم لا يبعد الاطراد فيها ) بالقول بلزوم الرجوع إلى الامام ( بمقتضى كونهم أولي الأمر وولاته ) اى ولاة الامر اى صاحب الامر ، والمتولى والمتصرف للامر ( والمرجع الأصلي في الحوادث الواقعة ) عطف على : أولي الأمر وكونهم

ص: 180

والمرجع في غير ذلك من موارد الشك إلى اطلاقات أدلة تلك التصرفات ان وجدت على الجواز ، أو المنع .

والا فإلى الأصول العملية .

لكن حيث كان الكلام في اعتبار اذن الامام ، أو نائبه الخاص ، مع التمكن منه

_________________________

المرجع الأصلي يستفاد من : اما الحوادث الواقعة .

( والمرجع في غير ذلك ) اى غير ما يرجع فيه كل قوم إلى رئيسهم ( من موارد الشك ) في انه هل يتمكن الشخص من مزاولته بنفسه ، أو يلزم الرجوع فيه إلى الامام ؟ كما لو شك في ان التقاص من مال المماطل ، أو المنكر يحتاج إلى الاذن ، أو يجوز المزاولة له بدون الاذن ؟ ( إلى اطلاقات أدلة تلك التصرفات ) كاطلاق أدلة التقاص ( ان وجدت ) الاطلاقات ( على الجواز ، أو المنع ) ولا ينافي الشك مع الاطلاق ، إذ :

الشك بالنسبة إلى الخصوصية ، والاطلاق هو المرجع الّذي لا خصوصية فيه - كما لا يخفى - .

( والا ) يكن اطلاق يعين الجواز أو المنع ( ف ) المرجع يكون ( إلى الأصول العملية ) .

فان كانت حالة سابقة فالاستصحاب ، والا فإن كان الشك في التكليف فالبراءة ، أو المكلف به فالاحتياط .

وان دار بين محذورين ، فالتخيير .

( لكن الكلام في اعتبار اذن الامام ، أو نائبه الخاص ، مع التمكن منه ) اى

ص: 181

لم يجز اجراء الأصول ، لأنها لا تنفع مع التمكن من الرجوع إلى الحجة .

وانما تنفع مع عدم التمكن من الرجوع إليها لبعض العوارض .

وبالجملة : فلا يهمنا التعرض لذلك انما المهم التعرض لحكم ولاية الفقيه بأحد الوجهين المتقدمين .

فنقول : اما الولاية على الوجه الأول ، اعني استقلاله في التصرف ف

_________________________

من الامام أو نائبه الخاص ( لم يجز اجراء الأصول ) العملية ، عند عدم وجدان الاطلاق ( لأنها ) اى الأصول ( لا تنفع مع التمكن من الرجوع إلى الحجة ) إذ : هي بعد اليأس عن الظفر بالدليل ، ومع وجود الحجة ، فالدليل موجود .

( وانما تنفع ) ذلك الرجوع إلى الأصول العملية ( مع عدم التمكن من الرجوع إليها ) اى إلى الحجة ( لبعض العوارض ) اما لعدم وجودها في الملأ ، أو مع وجودها ولكن المانع في طرف الراجح ، كأن كان في برية منقطعة ، أو ما أشبه .

( وبالجملة : فلا يهمنا التعرض لذلك ) اى التكليف في ظرف وجود الامام حاضرا أو نائبه الخاص - سواء كان نائبا لخصوص شيء أو لعموم الأمور - و ( انما المهم التعرض لحكم ولاية الفقيه بأحد الوجهين المتقدمين ) استقلاله بالتصرف ، واشتراط تصرف غيره باذنه .

( فنقول : اما الولاية على الوجه الأول ، اعني استقلاله في التصرف ) في الأمور العامة ( ف ) الظاهر أنه المفهوم من الروايات ، والمناقشة فيها من المصنف وغيره محل نظر - وقد ذكرنا طرفا من الكلام حول ذلك في شرح العروة كتاب التقليد - .

ص: 182

لم يثبت بعموم ، عدا ما ربما يتخيل من اخبار واردة في شأن العلماء ، مثل : ان العلماء ورثة الأنبياء و : ان الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكن ورثوا أحاديث من أحاديثهم : فمن اخذ بشيء منها اخذ بحظ وافر

وان : العلماء أمناء الرسل .

_________________________

وكيف كان فمذهب المصنف ره انه ( لم يثبت بعموم ، عدا ما ربما يتخيل من اخبار واردة في شأن العلماء ، مثل : ان العلماء ورثة الأنبياء ) فيما رواه الصدوق عن أبي عبد اللّه ، عن الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، في حديث طويل ( و : ان الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، ولكن ورثوا أحاديث ، من أحاديثهم : فمن اخذ بشيء منها اخذ بحظ وافر ) هذا من تتمة الحديث الأول .

والمراد : ان الأنبياء ليس شأنهم توريث المال كما هو شأن الفراعنة كما في حديث ، النص على ذلك ، حيث قال الامام أمير المؤمنين عليه السلام : العلم أفضل من المال بسبعة .

الأول - انه ميراث الأنبياء ، والمال ميراث الفراعنة الخ ، فلا ربط لهذا الحديث ، بان النبي لو ترك شيئا لا يكون لورثته .

( و ) الثاني : ( ان العلماء أمناء الرسل ) حيث روى عن الصادق عليه السلام : قال : قال رسول اللّه : الفقهاء أمناء الرسل ، ما لم يدخلوا في الدنيا ، قيل يا رسول اللّه وما دخولهم في الدنيا ، قال : اتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم عن دينكم .

ولا يخفى : ان اتباع السلطان غير استتباع السلطان كما فعله

ص: 183

وقوله ( ع ) مجارى الأمور بيد العلماء باللّه ، الامناء على حلاله وحرامه .

وقوله ( ص ) علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل .

وفي المرسلة المروية في الفقه الرضوي : ان منزلة الفقيه في هذا الوقت ،

_________________________

نصير الدين ، والكركي ، وغيرهما .

( و ) الثالث : ( قوله \" ع \" ) اى الإمام الحسين عليه السلام الّذي رواه في تحف العقول في حديث طويل ( مجارى الأمور بيد العلماء باللّه ، الامناء على حلاله وحرامه ) .

وجه الاستدلال بهذه الأحاديث الثلاثة .

اما : العلماء ورثة الأنبياء ، فبانهم ورثة الأنبياء في الولاية على الناس ، كما أنهم ورثتهم في كونهم علماء بما أراد اللّه تعالى من الناس .

واما : العلماء أمناء الرسل ، فبانهم المفوض إليهم أحاديث الرسل وولاية الرسل ، كما أن الأمين مفوض إليه مال المؤمن وسره .

واما : مجارى الأمور ، فبان من مجارى الأمور الولاية على الأمور .

فاطلاق هذه الروايات الثلاثة يشمل الولاية .

( وقوله \" ص \" ) اى الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلم ( علماء أمتي ، كأنبياء بني إسرائيل ) فان أنبياء بني إسرائيل كانت بأيديهم الولاية ، إذ الأنبياء خلفاء اللّه في الأرض ، فكذلك علماء الأمة .

( وفي المرسلة المروية في الفقه الرضوي : ان منزلة الفقيه في هذا الوقت ،

ص: 184

كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل .

وقوله عليه السلام ، في نهج البلاغة : أولى الناس بالأنبياء اعلمهم بما جاءوا به ، ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه ، الآية .

وقوله ( ص ) ثلثا : اللهم ارحم خلفائي قيل ومن خلفائك ؟ يا رسول اللّه قال الذين يأتون بعدى ، ويروون حديثي وسنتي .

_________________________

كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل ) .

ووجه الاستدلال بهذا الحديث ، كالاستدلال بالحديث السابق .

( وقوله عليه السلام ، في نهج البلاغة : أولى الناس بالأنبياء اعلمهم بما جاءوا به ، ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه ، الآية ) .

والمفهوم من كون الأعلم أولى ، ان له ما كان للأنبياء من المناصب كقوله عليه السلام : نحن وبيت اللّه أولى بالنبي ، بمعنى انا أولى بمقامه وما كان له ، من غيرنا ، ولذا نحن أولى بالخلافة من يزيد .

( وقوله \" ص \" ) الّذي رواه في قضاء الوسائل ، عن الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام ، عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، حيث قال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : ( ثلثا : اللهم ارحم خلفائي ، قيل ومن خلفائك ؟ يا رسول اللّه ) الذين تترحم عليهم ( قال الذين يأتون بعدى ، ويروون حديثي وسنتي ) .

ومن المعلوم : ان الخليفة له الصلاحية التي للمستخلف ، إلا ما خرج بالدليل ، والنبي كانت له الولاية ، فكذلك الفقيه و : السنة أعم من الحديث ، لأنها تشمل الفعل والتقرير - إذا قوبلت بالحديث -

ص: 185

وقوله ( ع ) في مقبولة ابن حنظلة : قد جعلته عليكم حاكما .

وفي مشهورة أبى خديجة : جعلته عليكم قاضيا .

وقوله - عجل اللّه فرجه - : هم حجتي عليكم ، وانا حجة اللّه .

إلى غير ذلك مما يظفر به المتتبع .

لكن الانصاف بعد ملاحظة سياقها ، أو صدرها ، أو ذيلها ، يقتضي

_________________________

بينما ظاهر الحديث القول فقط .

( وقوله \" ع \" ) اى الصادق عليه السلام ( في مقبولة ) عمر ( ابن حنظلة قد جعلته عليكم حاكما ) .

ومن المعلوم : ان الحاكم هو الّذي له الولاية .

( وفي مشهورة أبى خديجة : جعلته عليكم قاضيا ) .

ومن الواضح : ان القضاة كانوا يزاولون جملة من اعمال الولاية .

( وقوله - عجل اللّه فرجه - : هم حجتي عليكم ، وانا حجة اللّه ) .

فان الظاهر : ان لهم ماله عليه السلام ، فكما انه حجة من قبل اللّه فهم حجة من قبله ، فهو كما إذا قال الوالي عن قبل الملك للرعية :

زيد عن قبلي ، كما انا عن قبل الملك

فهم منه ان جميع صلاحيات الوالي موجودة لزيد .

( إلى غير ذلك مما يظفر به المتتبع ) في كتاب القضاء من الوسائل ، والمستدرك ، وغيرهما .

( لكن الانصاف ) - حسب نظر المصنف ره - ( بعد ملاحظة سياقها ، أو ذيلها ، يقتضي

ص: 186

الجزم بأنها في مقام بيان وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية ، لا كونهم كالنبي ، والأئمة صلوات اللّه عليهم ، في كونهم أولى الناس في أموالهم فلو طلب الفقيه الزكاة ، والخمس ، من المكلف ، فلا دليل على وجوب الدفع إليه شرعا

_________________________

الجزم بأنها ) الروايات المذكورة هنا ( في مقام بيان وظيفتهم ) اى الفقهاء ( من حيث الأحكام الشرعية ) اى بيان الاحكام ( لا كونهم كالنبي والأئمة صلوات اللّه عليهم ، في كونهم أولى الناس في أموالهم ) ان كان المراد الولاية كالإمام فنعم ، وان كان المراد ما ذكره المصنف ره في طلب الخمس والزكاة ، فالظاهر من الأدلة السابقة وجود مثل هذه الولاية ويكفى في الدلالة حديث العلل حتى مع قطع النظر عن غيره .

وكيف كان فنظر المصنف انه ( فلو طلب الفقيه الزكاة ، والخمس ، من المكلف ، فلا دليل على وجوب الدفع إليه شرعا ) بل ما لو طلب مالا لأجل حفظ الثغور ، أو ما أشبه ، مما لم يكن بذله من الواجبات الابتدائية ، كالخمس ، والزكاة .

ومقابل هذا القول احتمال ان يكون للفقيه التصدي لكل امر يراه صلاحا مما لم يكن خارجا عن حوزة الشريعة ، حتى جعل ضرائب إضافية إذا رأى ذلك صلاحا ، ولكن بدون ان يكون ذلك قانونا ، بل امر وقتيا حسب المصلحة بنظر الفقيه .

وإلى هذا ذهب جمع من الفقهاء ، كالشيخ الأكبر في اجازته لملك إيران حيث جوز له اخذ المال من الناس لحفظ دمائهم ، وأموالهم

ص: 187

نعم : لو ثبت شرعا اشتراط صحة أدائهما بدفعه إلى الفقيه

_________________________

من الأعداء كما في كشف الغطاء ، وكالسيد محمد سعيد الحبوبي حيث أجاز - فيما ينقل عنه - سحرة السفن بدون رضا أصحابها في حالة حرب وقعت بين المؤمنين وغيرهم في العراق ، إلى غيرهما .

بل هذا : هو مقتضى قوله تعالى : ما على المحسنين من سبيل ، والمناط المستفاد من قتل المسلمين إذا تترس بهم الكفار ، وقتل الأبرياء من أهل مدن الكفار ، إذا توقف التغلب على الحكومة العاتية على ذلك والا فلا شك في ان الأطفال وأمثالهم من الأبرياء الذين كانوا في بلاد خيبر وغيرها ، وذهب بعضهم ضحية الحرب لم يكونوا مستحقي القتل والا سربا نفسهم ، وإذا جاز ذلك في الأنفس والاعراض ، جاز ذلك في الأموال بطريق أولى .

والحاصل : ان مقتضى القاعدة ان يكون للفقيه ما كان للامام الا ما خرج بالدليل ، لأنه مقتضى الخلافة لرسول اللّه ، وانهم حجة الامام ، كما أن الامام حجة اللّه ، وغيرهما من الأدلة .

ولذا نستبعد وجوب الجهاد الابتدائي على الفقيه فيما كان واجبا على الرسول والامام .

ولهذا المبحث كلام طويل استدلالا واستشهادا بالأدلّة ، وبعمل الفقهاء ليس هنا مورده .

( نعم : لو ثبت شرعا اشتراط صحة أدائهما بدفعه إلى الفقيه ) بان كان عمل الغير مشترطا بنظر الفقيه كاشتراط القصاص بنظره - كما

ص: 188

مطلقا أو بعد المطالبة ، وأفتى بذلك الفقيه ، وجب اتباعه ان كان ممن يتعين تقليده ابتداءً ، أو بعد الاختيار فيخرج عن محل الكلام .

هذا مع أنه لو فرض العموم فيما ذكر من الاخبار ، وجب حملها على إرادة الجهة المعهودة المتعارفة من وظيفته ( ص ) من

_________________________

تقدم - ( مطلقا ) سواء طالب الفقيه ، أم لا ( أو بعد المطالبة ) من الفقيه ( وأفتى بذلك ) اى بهذا الاشتراط ( الفقيه ، وجب اتباعه ) بالدفع إليه ، أو الصرف بإجازته ، والا لم يكن مأمونا عن العقاب ( ان كان ) الفقيه ( ممن يتعين تقليده ابتداءً ) بان كان صاحب الخمس والزكاة عاميا ، ولم يكن في الاحياء فقيه آخر ، أو كان هذا المفتى اعلم ، وقلنا : بحرمة تقليد الميت وتعين تقليد الأعلم ( أو بعد الاختيار ) فيما إذا كان هناك فقيهان متساويان ، فاختار أحدهما ، وقلنا : بان التخيير ابتدائي لا استمرارى ، وإلا جاز العدول إلى الفقيه الآخر القائل بعدم اشتراط صحة الأداء بنظر الفقيه ( فيخرج ) وجوب الأداء إلى الفقيه ، في هذا الحال : اى ما ذكرناه بقولنا : نعم . . ، ( عن محل الكلام ) لان الكلام في وجوب الأداء إلى الفقيه ، سواء قلده المالك أم لا ؟ وسواء طالبه ، أم لا ؟ وسواء كان نظر الفقيه وجوب الأداء إليه ، أم لا ؟ .

( هذا ) وجه عدم ولاية الفقيه ، لعدم الدليل على ذلك ( مع أنه لو فرض العموم فيما ذكر من الاخبار ، وجب حملها ) اى الاخبار ( على إرادة ) العام من ( الجهة المعهودة المتعارفة من وظيفته ( ص ) من

ص: 189

حيث كونه رسولا مبلغا وإلا لزم تخصيص أكثر افراد العام لعدم سلطنة الفقيه على أموال الناس وأنفسهم الا في موارد قليلة بالنسبة إلى موارد عدم سلطنته .

_________________________

حيث كونه رسولا مبلغا ) في بيان المسائل ، والانذار ، والتخويف ، والارشاد ، وما أشبه من شؤون الاحكام والتبليغ ، لا من شؤون الولاية والتولي ( والا ) فلو قلنا بعموم الاخبار لجميع أنواع التولي ( لزم تخصيص أكثر افراد العام ) اى السلطنة العامة ( لعدم سلطنة الفقيه على أموال الناس وأنفسهم ) فلا حق له في ان يأمر بعدم السفر ، وبعدم الإقامة وبتزويج البنت إلى شخص خاص ، والولد إلى بنت خاصة والاكتساب الخاص وعدم اكتساب خاص ، وزراعة خاصة ، وعمارة خاصة وعدم ما عداهما ، والسكنى في محل خاص ، واتخاذ مهنة خاصة ، إلى غير ذلك من الشؤون الكثيرة المربوطة بالأموال والأنفس والأعراض مما للرسول والإمام الحق فيما قطعا بالضرورة والاجماع ( الا في موارد قليلة ) كاخذ الخمس ، والزكاة ، وما أشبه ( بالنسبة إلى موارد عدم سلطنته ) .

لكن الانصاف : ان هذا الاشكال غير وارد .

إذ : الولاية منصرفة عن مثل تلك الأمور ، إذا أراد الفقيه الامر والنهى اعتباطا ، فلا يكون له سلطة على أموال الناس وأنفسهم ، كسلطة الولي بالنسبة إلى مال العبد ونفسه .

اما إذا أراد الفقيه الامر والنهى والتولي حسب المصلحة ، فخروج ذلك عن الأدلة اوّل الكلام .

ص: 190

وبالجملة فإقامة الدليل على وجوب طاعة الفقيه ، كالإمام ، إلا ما خرج بالدليل ، دونه خرط القتاد .

بقي الكلام في ولايته على الوجه الثاني اعني : توقف تصرف الغير على اذنه فيما كان متوقفا على اذن الإمام ( ع ) وحيث إن موارد التوقف على اذن الامام غير مضبوط ، فلا بد من ذكر ما يكون كالضابط لها .

فنقول كل معروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج ان علم كونه وظيفة شخص خاص ، كنظر الأب في مال ولده الصغير ، أو صنف

_________________________

والحاصل : ان الولاية المطلقة في الاحكام والأقضية والاعمال باستثناء ما خرج قطعا ، لا يوجب خروج الأكثر .

بل الظاهر : انصراف الأدلة عن مثل تلك الولاية الخاصة بالنبي والامام .

( وبالجملة فإقامة الدليل على وجوب طاعة الفقيه ، كالإمام ، الا ما خرج بالدليل ، دونه خرط القتاد ) اما ولايته بالمعنى الّذي ذكرناها فهو ظاهر الأدلة - كما عرفت - .

( بقي الكلام في ولايته ) اى الفقيه ( على الوجه الثاني اعني : توقف تصرف الغير على اذنه فيما كان متوقفا على اذن الامام \" ع \" ) كالقصاص والاقتصاص مثلا ( وحيث إن موارد التوقف على اذن الامام غير مضبوط ، فلا بد من ذكر ما يكون كالضابط لها ) اى لولاية الفقيه على الوجه الثاني .

( فنقول : كل معروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج ان علم ) شرعا ( كونه وظيفة شخص خاص ، كنظر الأب في مال ولده الصغير ، أو ) علم كونه وظيفة ( صنف

ص: 191

خاص ، كالافتاء والقضاء أو كل من يقدر على القيام به كالأمر بالمعروف فلا اشكال في شيء من ذلك ، وان لم يعلم ذلك واحتمل كونه مشروطا في وجوده أو وجوبه بنظر الفقيه ، وجب الرجوع فيه إليه .

ثم إن علم الفقيه من الأدلة جواز توليه لعدم اناطته بنظر خصوص الامام ، أو نائبه الخاص تولاه مباشرة ، أو استنابة ،

_________________________

خاص ، كالافتاء والقضاء ) الذين هما وظيفتا المجتهد والقاضي ( أو ) علم كونه وظيفة ( كل من يقدر على القيام به ) من المسلمين ( كالأمر بالمعروف ) وارشاد الجاهل ( فلا اشكال في شيء من ذلك ) في كونه ليس مشروطا بنظر الفقيه ( وان لم يعلم ذلك ) اى كونه وظيفة لشخص ، أو صنف ، أو كل من يقدر ( واحتمل كونه مشروطا في وجوده ) كالقصاص ( أو وجوبه ) كالأمر بالمعروف الموجب لجرح التارك - مثلا - ( بنظر الفقيه ، وجب الرجوع فيه ) اى فيما احتمل كونه مشروطا ( إليه ) اى إلى الفقيه فيما كان الاحتمال عن منشأ شرعي بان لم يكن هناك اطلاق ، أو عموم ، أو براءة تقتضى عدم الاشتراط .

( ثم ) ان رجع مريد العمل إلى الفقيه لاستحصال الاذن ، ف ( ان علم الفقيه من الأدلة جواز توليه ) لذلك المعروف - كالاقتصاص من مال المماطل - ( لعدم اناطته ) اى تولى ذلك المعروف ( بنظر خصوص الامام ، أو نائبه الخاص ) الّذي عينه الامام بالاسم ، مقابل النائب العام الّذي عينه بقوله عليه السلام : اما الحوادث الواقعة ، ( تولاه ) الفقيه ( مباشرة ) بنفسه ( أو استنابة ) بأخذ نائب لتولى ذلك

ص: 192

ان كان ممن يرى الاستنابة فيه ، والا عطله .

فان كونه معروفا ، لا ينافي اناطته بنظر الإمام عليه السلام والحرمان عنه عند فقده كسائر البركات التي حرمناها بفقده عجل اللّه فرجه .

ومرجع هذا إلى الشك في كون المطلوب مطلق وجوده أو وجوده من موجد خاص .

اما وجوب الرجوع إلى الفقيه في الأمور المذكورة

_________________________

الامر ( ان كان ) الفقيه ( ممن يرى ) جواز ( الاستنابة فيه ، والا ) يعلم الفقيه جواز توليته ( عطله ) ولم يقم به .

( ف ) ان قلت : كيف يكون الامر معروفا ، ومع ذلك يجوز تعطيله .

قلت : ( ان كونه معروفا ، لا ينافي اناطته بنظر الإمام عليه السلام ) بالخصوص ( والحرمان عنه عند فقده ) عليه السلام ( كسائر البركات التي حرمناها بفقده عجل اللّه فرجه ) كبركة العلوم ، وبركة الأرض ، والسماء وبركة تكميل النفوس والعقول .

( ومرجع هذا ) اى ما لا يعلم الفقيه جواز توليته ( إلى الشك في كون المطلوب مطلق وجوده ) اى وجود ذلك المعروف ، سواء كان باذن الامام أم لا ؟ ( أو وجوده من موجد خاص ) فالأصل عدم الجواز ، لما تقدم من اصالة عدم نفوذ كل تصرف شك في نفوذه ولم يكن هناك دليل يدل على جوازه .

( اما وجوب الرجوع إلى الفقيه في الأمور المذكورة ) اى ما احتمل

ص: 193

فيدل عليه مضافا إلى ما يستفاد من جعله حاكما كما في مقبولة ابن حنظلة الظاهرة في كونه كسائر الحكام المنصوبة في زمان النبي ( ص ) والصحابة في الزام الناس بارجاع الأمور المذكورة إليه ، والانتهاء فيها إلى نظره بل المتبادر عرفا من نصب السلطان حاكما وجوب الرجوع في الأمور العامة المطلوبة للسلطان إليه وإلى ما تقدم من قوله عليه السلام : مجارى الأمور بيد العلماء باللّه الامناء على حلاله وحرامه ، والتوقيع المروى في اكمال الدين

_________________________

كونه مشروطا في وجوده ، أو وجوبه بنظر الفقيه ( فيدل عليه مضافا إلى ما يستفاد من جعله حاكما ) من قبل الإمام عليه السلام ( كما في مقبولة ابن حنظلة الظاهرة ) تلك المقبولة ( في كونه ) اى الفقيه ( كسائر الحكام المنصوبة في زمان النبي ( ص ) والصحابة في الزام الناس ) كلمة : في ، متعلق ب : كسائر ، اى كون الفقيه شبيها بسائر الحكام ، في ان الناس ملزمون من قبل الشارع ( بارجاع الأمور المذكورة ) اى ما شك في كونه مشروطا بنظر الفقيه ( إليه ) اى إلى ذلك الحاكم ( والانتهاء فيها ) اى في تلك الأمور ( إلى نظره ) حتى لا يجوز بدون اخذ نظره ( بل المتبادر عرفا من نصب السلطان حاكما وجوب ) فاعل : المتبادر ، ( الرجوع في الأمور العامة المطلوبة للسلطان إليه ) اى إلى ذلك الحاكم ( وإلى ما تقدم ) عطف على : مضافا إلى ما يستفاد ( من قوله عليه السلام : مجارى الأمور بيد العلماء باللّه الامناء على حلاله وحرامه ) حيث دل على عدم جواز جرى الأمور الا باذنهم ( و ) مضافا إلى ( التوقيع المروى في اكمال الدين ) للصدوق

ص: 194

وكتاب الغنية ، واحتجاج الطبرسي الوارد في جواب مسائل إسحاق بن يعقوب التي ذكر انى سألت العمرى منه ان يوصل إلى الصاحب عجل اللّه فرجه كتابا فيه تلك المسائل التي قد أشكلت عليّ فورد التوقيع بخطه عليه آلاف الصلاة والسلام في أجوبتها - وفيها - واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنهم حجتي عليكم وانا حجة اللّه فان المراد بالحوادث ظاهرا مطلق الأمور التي لا بدّ من الرجوع فيها عرفا ، أو عقلا ، أو شرعا إلى الرئيس مثل النظر في

_________________________

( وكتاب الغنية ، واحتجاج الطبرسي الوارد في جواب مسائل إسحاق بن يعقوب التي ) صفة مسائل ( ذكر انى سألت العمرى منه ) أحد وكلاء الإمام الحجة عجل اللّه فرجه ( ان يوصل إلى الصاحب عجل اللّه فرجه كتابا فيه تلك المسائل التي قد أشكلت على ) والمسائل مجهولة عندنا لأنها لم تذكر في كتب الروايات ( فورد التوقيع بخطه عليه آلاف الصلاة والسلام في أجوبتها - وفيها - ) اى في جملة تلك الأجوبة ( واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنهم حجتي عليكم وانا حجة اللّه ) .

وجه الاستدلال بهذا الحديث لأجل وجوب الرجوع إلى الفقهاء ما ذكره بقوله : ( فان المراد بالحوادث ظاهرا ) حيث لا قرينة تصرف ظهور الجمع المحلى باللام في العموم ( مطلق الأمور التي لا بدّ من الرجوع فيها عرفا ) كاصلاح الطرق ، وبناء المدارس ، والمساجد لأجل البلاد الجديدة البناء ( أو عقلا ) كالمعاهدات الدولية ، وقضايا السلم والحرب ( أو شرعا ) كالأمثلة التي يذكرها المصنف ( إلى الرئيس مثل النظر في

ص: 195

أموال القاصرين لغيبة ، أو موت ، أو صغر ، أو سفه .

واما تخصيصها بخصوص المسائل الشرعية فبعيد من وجوه .

منها : ان الظاهر وكول نفس الحادثة إليه ليباشر امرها أو استنابة لا الرجوع في حكمها إليه .

_________________________

أموال القاصرين ) الذين كان قصورهم ( لغيبة ، أو موت ، أو صغر ، أو سفه ) .

وانما جعلنا هذه الأمثلة من الشرعي لان الشارع هو الّذي فرض هذه الأمور إلى الرئيس ، والا فالعقل والعرف لا يمنعان قيام ثقة من المربوطين بالقاصر - ربطا بسبب القرابة أو الصداقة أو الجوار - بالنظر في أموال القاصر .

( واما تخصيصها ) اى : الحوادث ، الموجودة في الرواية ( بخصوص المسائل الشرعية ) بان يقال : المراد رجوع الشخص في مسائل الحلال والحرام إلى الفقيه ( فبعيد ) جدا ( من وجوه ) .

( منها ) اى من وجوه البعد ( ان الظاهر وكول نفس الحادثة إليه ) اى إلى راوي الحديث ( ليباشر امرها ) اى يباشر الفقيه امر تلك الحادثة ( مباشرة ) بنفسه ( أو استنابة ) بان يأخذ نائبا لذلك ( لا الرجوع في حكمها ) اى حكم تلك الحادثة ( إليه ) اى إلى الفقيه ، فان الإمام عليه السلام قال : فارجعوا فيها ، ولم يقل : في حكمها .

والعبارة الأولى تناسب نفس الواقعة مما هو شأن الوالي .

والثانية تناسب حكم الواقعة مما هو شأن الفقيه .

ص: 196

ومنها : التعليل بكونهم حجتي عليكم وانا حجة اللّه ، فإنه انما يناسب الأمور التي يكون المرجع فيها هو الرأي والنظر ، فكان هذا منصب ولاة الامام من قبل نفسه لا انه واجب من قبل اللّه سبحانه على الفقيه بعد غيبة الامام والا كان المناسب ان يقول : انهم حجج اللّه عليكم كما وصفهم في مقام آخر بأنهم أمناء اللّه على الحلال والحرام .

_________________________

( ومنها : التعليل ) لرجوع الناس إلى الفقهاء ( بكونهم حجتي عليكم وانا حجة اللّه ، فإنه ) اى هذا التعليل ( انما يناسب الأمور التي يكون المرجع فيها هو الرأي والنظر ) فان الحجة انما يرجع إليه لاخذ رأيه ، لا لينقل حكم اللّه .

وتوضيحه ما ذكره بقوله ( فكان هذا ) الرجوع لأجل اخذ النظر والرأي ( منصب ولاة الامام من قبل نفسه ) اى نفس الامام ( لا انه واجب من قبل اللّه سبحانه على الفقيه بعد غيبة الامام ) حتى يكون أقرب إلى كونه بيان الحكم فقط ( والا ) فلو كان واجبا من قبل اللّه ( كان المناسب ان يقول ) الإمام عليه السلام في تعليل وجوب الرجوع إليهم ( انهم حجج اللّه عليكم ) لان الوجوب من قبله تعالى يلائم كونهم حججه ، لا كونهم حجج الامام ، فإنه لا ربط للامام بالموضوع حينئذ ( كما وصفهم ) اى الإمام عليه السلام ( في مقام آخر ) حيث كان بصدد بيان الاحكام ( بأنهم أمناء اللّه على الحلال والحرام ) فإنهم أمناء من قبله تعالى ، لا من الامام ، إذ : اللّه تعالى حملهم بيان الاحكام .

ص: 197

ومنها : ان وجوب الرجوع في المسائل الشرعية إلى العلماء الّذي هو من بديهيات الاسلام من السلف إلى الخلف مما لم يكن يخفى على مثل إسحاق بن يعقوب حتى يكتبه في عداد مسائل أشكلت عليه بخلاف وجوب الرجوع في المصالح العامة إلى رأى أحد ونظره ، فإنه يحتمل ان يكون الإمام ( ع ) قد وكله في غيبته إلى شخص أو اشخاص من ثقاته في ذلك الزمان .

والحاصل : ان الظاهر أن لفظ الحوادث ليس مختصا بما اشتبه حكمه

_________________________

( ومنها : ان وجوب الرجوع في المسائل الشرعية إلى العلماء الّذي هو من بديهيات الاسلام ) بل من بديهيات العقلاء ، حيث يرجع كل جاهل إلى العالم ، سواء في الأمور الدينية ، أو الدنيوية ( من السلف إلى الخلف مما لم يكن يخفى على مثل إسحاق بن يعقوب ) في فضله ونبله ( حتى يكتبه ) إلى الإمام عليه السلام ( في عداد مسائل أشكلت عليه ) كما في صدر الحديث ( بخلاف وجوب الرجوع في المصالح العامة إلى رأى أحد ونظره ، فإنه ) مشكل يسأل عنه الفاضل وغيره .

إذ : ( يحتمل ان يكون الإمام ( ع ) قد وكله في غيبته إلى شخص ، أو اشخاص من ثقاته في ذلك الزمان ) اى حال الغيبة .

( والحاصل ) في وجه استدلال نيابة الفقيه العامة ، بهذا الحديث ( ان الظاهر أن لفظ الحوادث ) الوارد في كلام الإمام عليه السلام ( ليس مختصا بما اشتبه حكمه ) حتى يكون مربوطا ببيان الاحكام ،

ص: 198

ولا بالمنازعات .

ثم إن النسبة بين مثل هذا التوقيع ، وبين العمومات الظاهرة في اذن الشارع في كل معروف لكل أحد مثل قوله عليه السلام : كل معروف صدقه ، وقوله عليه السلام : عون الضعيف من أفضل الصدقة ، وأمثال ذلك

_________________________

( ولا بالمنازعات ) حتى يكون مربوطا بالقضاء .

بل هو جمع محلى باللام ، ظاهره العموم لكل شيء ، الشامل للأمور العامة .

ومن العلوم : إذا جاز الرجوع إليهم وجب ، كما أنه إذا وجب الرجوع إليهم كان لهم التصدي ، وإذا كان لهم التصدي ، وجب .

اما القول بان اللام في : الحوادث ، للعهد المذكور في السؤال وحيث لا يعرف السؤال ، فهو مجمل يجب ان يؤخذ بالقدر المتيقن منه إذا كان له قدر متيقن ، فلا يخفى ما فيه فإنه مهما كان السؤال فالظاهر من الجمع المحلى باللام العموم .

هذا بالإضافة إلى ظهور صفة الحوادث بالواقعة ، العموم كما لا يخفى والكلام في ذلك قوى وحيث كان خارجا عن مقصد الشرح اضربنا عنه .

( ثم إن النسبة بين مثل هذا التوقيع ، وبين العمومات الظاهرة في اذن الشارع في كل معروف لكل أحد ) كقوله تعالى : وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ، وقوله تعالى : ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ، و ( مثل قوله عليه السلام : كل معروف صدقه ، وقوله عليه السلام : عون الضعيف من أفضل الصدقة ، وأمثال ذلك ) مما ظاهره جواز تصدى كل

ص: 199

وان كانت عموما من وجه الا ان الظاهر حكومة هذا التوقيع عليها .

وكونها بمنزلة المفسر الدال على وجوب الرجوع إلى الإمام ( ع ) أو نائبه في الأمور العامة التي يفهم عرفا دخولها تحت الحوادث الواقعة وتحت عنوان الامر في قوله تعالى : أولي الأمر

_________________________

أحد للأمور العامة ( وان كانت عموما من وجه ) .

لان كل معروف صدقة - مثلا - خاص من جهة لزوم كونه معروفا عند الناس عام من جهة امكان كونه حادثا أو غير حادث .

بخلاف اما الحوادث الواقعة ، فإنها خاصة بما يحدث ، عامة من حيث إن يكون معروفا لدى الناس مما يعرف حسنه العامة أم لا ؟ فتأمل ( الا ان الظاهر ) من الفهم العرفي في الجمع بين الحديثين ( حكومة هذا التوقيع عليها ) اى على تلك العمومات .

إذ : ظاهر الحديث ان الحق خاص بالفقيه ، فبدون اذنه ، يكون تصرف الغير خارجا عن كونه معروفا .

( وكونها ) اى حكومة التوقيع ( بمنزلة المفسر الدال على وجوب الرجوع إلى الإمام ( ع ) أو نائبه في الأمور العامة ) سواء كان عاما بمعنى الشمول ، كقضايا الحرب والسلم ، أو عاما بمعنى الكلى الّذي له افراد كادارة أموال القاصرين ( التي يفهم عرفا دخولها ) اى دخول تلك الحوادث العامة ( تحت الحوادث الواقعة ) المذكورة في التوقيع ( وتحت عنوان الامر في قوله تعالى : أولي الأمر ) حيث قال : أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ، فان الظاهر أن : الحوادث العامة

ص: 200

وعلى تسليم التنزل عن ذلك فالمرجع بعد تعارض العمومين إلى اصالة عدم مشروعية ذلك المعروف مع عدم وقوعه عن رأى ولى الامر هذا .

لكن المسألة لا تخلو عن اشكال وان كان الحكم به مشهوريا

و

_________________________

داخلة في عنوان : الامر ، فلها أصحاب خاصون يجب على الناس الرجوع إليهم فيها .

وعلى هذا الّذي ذكرنا لا يقال : بأنه على تقدير دلالة التوقيع يقع التعارض بينه وبين عون الضعيف وما أشبه ، فيتساقطان ويكون المرجع اصالة عدم نفوذ اعمال الفقيه .

( وعلى ) تقدير ( تسليم التنزل عن ذلك ) اى حكومة التوقيع على أحاديث عون الضعيف ، وما أشبه ( فالمرجع بعد تعارض العمومين ) عون الضعيف ، والتوقيع ( إلى اصالة عدم مشروعية ذلك المعروف ) كتصدى امر الأوقاف والقاصرين - مثلا - ( مع عدم وقوعه عن رأى ولى الامر ) وليس المرجع عدم نفوذ رأى ولى الامر ، إذ لا بدّ من إدارة ذلك الحادث فاما ان يديره ولى الامر أو غيره ( هذا ) تمام الكلام في وجه ولاية الفقيه .

( لكن المسألة لا تخلو عن اشكال ) لاحتمال ان يكون اللام في :

الحوادث ، العهد الذكرى أو ان يكون احكام الحوادث ، لا نفس الحوادث ( وان كان الحكم به ) اى بان الفقيه له ولاية ( مشهوريا ) بين الفقهاء (

ص: 201

على اى تقدير فقد ظهر مما ذكرنا ان ما دل عليه هذه الأدلة هو ثبوت الولاية للفقيه في الأمور التي يكون مشروعية ايجادها في الخارج مفروغا عنها ، بحيث لو فرض عدم الفقيه كان على الناس القيام بها كفاية

واما ما يشك في مشروعيته كالحدود لغير الامام ، وتزويج الصغيرة لغير الأب والجد وولاية المعاملة على مال الغائب بالعقد عليه ، وفسخ العقد الخياري عنه وغير ذلك ، فلا يثبت من تلك الأدلة مشروعيتها

_________________________

على اى تقدير ) سواء قلنا : بولاية الفقيه ، أم لا ؟ ( فقد ظهر مما ذكرنا ان ما دل عليه هذه الأدلة ) التي ذكرت لولاية الفقيه ( هو ثبوت الولاية للفقيه في الأمور التي يكون مشروعية ايجادها في الخارج مفروغا عنها ) ان علمنا أن الشارع يريد ايجادها في الخارج بكل صورة ( بحيث لو فرض عدم الفقيه كان على الناس القيام بها كفاية ) كحفظ أموال القاصرين وتجهيز الجنائز التي لا ولي لها ، وإدارة مصالح الوقف الّذي لا متولى خاص له ، وما أشبه ، مما يسمى بالأمور الحسبية اى التي يؤتى بها حسبة اى قربة إلى اللّه من الاحتساب والحساب في الأمور العائدة إلى اللّه تعالى .

( واما ما يشك في مشروعيته كالحدود لغير الامام ، وتزويج الصغيرة ) أو الصغير ( لغير الأب والجد ) اللذين هما وليان شرعيان ( وولاية المعاملة على مال الغائب بالعقد عليه ) إذا كان صلاحا ( وفسخ العقد الخياري عنه ) اى عن الغائب فيما كان الفسخ صلاحا ( وغير ذلك ) كالحرب الابتدائية لأجل الدعوة إلى الاسلام ( فلا يثبت من تلك الأدلة ) التي ذكرت لولاية الفقيه ( مشروعيتها

ص: 202

للفقيه ، بل لا بدّ للفقيه من استنباط مشروعيتها من دليل آخر .

نعم : الولاية على هذه ، وغيرها ، ثابتة للإمام ( ع ) بالأدلّة المتقدمة المختصة به ، مثل : آية أولى بالناس من أنفسهم .

وقد تقدم ان اثبات عموم نيابة الفقيه عنه في هذا النحو من الولاية على الناس ليقتصر في الخروج عنه على ما خرج بالدليل ، دونه خرط القتاد .

_________________________

للفقيه ، بل لا بد للفقيه من استنباط مشروعيتها من دليل آخر ) إذا كان هناك دليل آخر من عقل أو نقل .

( نعم : الولاية على هذه ) الأمور المذكورة ( وغيرها ) من سائر الأمور العامة ( ثابتة للامام \" ع \" ) قطعا ( بالأدلّة المتقدمة المختصة ) تلك الأدلة ( به ) اى بالامام غير المتعدية إلى الفقيه ( مثل آية أولى بالناس من أنفسهم ) وهي قوله تعالى : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، بضميمة ان الامام كالنبي في هذه الشؤون بآية : أنفسنا ، وغيرها من الأدلة .

( وقد تقدم ان اثبات عموم نيابة الفقيه عنه في هذا النحو من الولاية على الناس ليقتصر ) اى حتى يقتصر ( في الخروج عنه ) اى عن عموم النيابة ( على ما خرج بالدليل ) فيكون المحكم اصالة النفوذ ، لا اصالة عدم النفوذ ( دونه خرط القتاد ) .

والحاصل ان كلما لا بدّ منه للفقيه الولاية فيه ، وكلما ليس كذلك فاصالة عدم نفوذ ولاية الفقيه محكمة .

ص: 203

وبالجملة : فهاهنا مقامان ، أحدهما : وجوب ايكال المعروف المأذون فيه إليه ليقع خصوصياته عن نظره ، ورأيه ، كتجهيز الميت الّذي لا ولي له ، فإنه يجب ان تقع خصوصياته من تعيين الغاسل ، والمغسل ، وتعيين شيء من تركته للكفن ، وتعيين المدفن عن رأى الفقيه .

الثاني : مشروعية تصرف خاص في نفس ، أو مال ، أو عرض ، والثابت بالتوقيع ، وشبهه هو الأول دون الثاني وان كان

_________________________

( وبالجملة : فهاهنا مقامان ، أحدهما : وجوب ايكال المعروف المأذون فيه ) في قوله عليه السلام : كل معروف صدقة ( إليه ) اى إلى الفقيه ، حتى أنه لا يجوز التصرف الا بإجازة الفقيه ( ليقع خصوصياته ) اى خصوصيات ذلك المعروف الفردية ( عن نظره ، ورأيه ) وان كان أصل المعروف في الجملة جائز الكل أحد ( كتجهيز الميت الّذي لا ولي له ، فإنه يجب ان تقع خصوصياته من تعيين الغاسل ، والمغسل ) اى محل الغسل ( وتعيين شيء ) خاص ( من تركته ) كنقود الميت ( للكفن ، وتعيين المدفن ) والمصلى على الميت ، وما أشبه ذلك ( عن رأى الفقيه ) عن متعلق ب : تقع ، .

( الثاني : مشروعية تصرف خاص في نفس ) كاجراء الحد ، وإقامة القصاص ( أو مال ) كبيع أموال القاصر ( أو عرض ) كعقد الصغير الّذي لا ولي له ( والثابت بالتوقيع ، وشبهه ) من الأخبار المتقدمة ( هو الأول ) بان يرجع إلى الفقيه فيما علم أن الشارع يريده ، كتجهيز الميت ( دون الثاني ) فلا يجوز تلك التصرفات للفقيه ، كما لا يجوز لغيره ( وان كان

ص: 204

الافتاء في المقام الثاني بالمشروعية وعدمها أيضا من وظيفته ، الا ان المقصود عدم دلالة الأدلة السابقة على المشروعية .

نعم : لو ثبت أدلة النيابة عموما ، تم ما ذكر ثم إنه قد اشتهر في الألسن وتداول في بعض الكتب رواية : ان السلطان ولى من لا ولى

_________________________

الافتاء في المقام الثاني بالمشروعية ، وعدمها ) اى انه هل تشرع هذه التصرفات التي هي من القسم الثاني ؟ أو لا تشرع ( أيضا من وظيفته ) كما أن الاذن في القسم الأول من وظيفته ، إذ : لا يستنبط الجواز أو العدم الا الفقيه .

وقوله : « وان كان » ، مقدمة لدفع الدخل المقدر ، وهو : ان الافتاء بالجواز ، وعدم الجواز من شأن الفقيه فما فائدة كلامهم أيها الشيخ في انه يجوز أو لا يجوز إذ : الفقيه ان رأى جوازه تصرف ولا ينفعه كلامكم بأنه لا يجوز ، وان رأى عدم جوازه لم يتصرف ، وان كان رأيكم - على حسب الفرض - الجواز .

والجواب ما ذكره المصنف بقوله : ( الا ان المقصود ) من بحثنا نحن في انه هل يجوز تصرف الفقيه في القسم الثاني ، أم لا ؟ بيان ( عدم دلالة الأدلة السابقة على المشروعية ) لتصرف الفقيه .

( نعم : لو ثبت أدلة النيابة عموما ) اى ما دل على : ان العلماء ورثة الأنبياء ، وانهم خلفاء الرسول ، وما أشبه ( تم ما ذكر ) من ولاية الفقيه مطلقا ( ثم إنه قد اشتهر في الألسن وتداول في بعض الكتب ) غير الكتب الأربعة ، وما أشبه ( رواية : ان السلطان ولى من لا ولى

ص: 205

له ، وهذا أيضا بعد الانجبار سندا ، أو مضمونا ، يحتاج إلى أدلة عموم النيابة .

وقد عرفت : ما يصلح ان يكون دليلا عليه ، وانه لا يخلو عن وهن في دلالته ، مع قطع النظر عن السند كما اعترف به جمال المحققين في باب

_________________________

له ، وهذا ) الحديث ( أيضا ) كالأحاديث السابقة ( بعد الانجبار سندا ) إذا كان سنده ضعيفا ، وقد نقل باللفظ ( أو مضمونا ) إذا كان نقل بالمعنى

بان كان لفظ الامام بغير هذه الصورة ، وانما الراوي نقله بهذه الصورة ، فإنه إذا نقل الراوي الحديث بالمعنى احتاج العمل به إلى الانجبار ، لعدم معلومية إفادة المضمون نفس مفاد كلام الامام .

وقوله : أو مضمونا ، انما هو على سبيل منع الخلو ، ومعناه : ان الحديث محتاج إلى الانجبار في الجملة ، لان سنده غير معلوم ، ومتنه أيضا غير معلوم انه لفظ الإمام عليه السلام ( يحتاج إلى أدلة عموم النيابة ) إذ المنصرف من « السلطان » هو النبي والامام الأصل ، فإذا ثبتت نيابة الفقيه مطلقا عنهم عليهم السلام يشمل اطلاق : ولى من لا ولي له ، للفقيه ، والا فلا .

( وقد عرفت : ما يصلح ان يكون دليلا عليه ) اى على عموم النيابة ( وانه ) اى هذا الحديث ( لا يخلو عن وهن ) وضعف ، ( في دلالته ) كلمه : وانه ، عطف على : وقد عرفت ، ( مع قطع النظر عن ) الوهن في ( السند ) لأنه مرسلة غير مذكورة في الكتب المعتبرة للحديث ( كما اعترف به ) اى بالوهن ( جمال المحققين في باب

ص: 206

الخمس بعد الاعتراف بان المعروف بين الأصحاب كون الفقهاء نواب الامام .

ويظهر من المحقق الثاني أيضا في رسالته الموسومة بقاطع اللجاج في مسئلة جواز اخذ الفقيه اجرة أراضي الأنفال من المخالفين ، كما يكون ذلك للإمام عليه السلام إذا ظهر ( ع ) للشك في عموم النيابة ، وهو في محله .

ثم : ان قوله بمن لا ولي له في المرسلة المذكورة ليس مطلق من لا ولى له

_________________________

الخمس بعد الاعتراف ) اى بعد ان اعترف نفس جمال المحققين ( بان المعروف بين الأصحاب كون الفقهاء نواب الامام ) فليس توهينه للحديث من باب انه ليس بقابل بالنيابة ، بل من باب انه يرى ضعف الحديث بالذات .

( ويظهر ) كون هذا الحديث موهونا ( من المحقق الثاني أيضا في رسالته الموسومة بقاطع اللجاج في مسئلة جواز اخذ الفقيه اجرة أراضي الأنفال ) التي هي للإمام عليه السلام ( من المخالفين ) لأنهم عليهم - السلام انما أباحوا مالهم لشيعتهم ، اما غير الشيعة فتصرفه في الأرض لا يجوز ، الا باذن الفقيه الّذي هو نائب عنهم ( كما يكون ذلك للإمام عليه السلام ) اخذ الأجرة ( إذا ظهر ع ) .

وانما يظهر من المحقق الثاني الوهن في الاستدلال بهذا الحديث ( للشك في عموم النيابة ) للفقيه ( وهو ) اى الشك ( في محله ) لما عرفت .

( ثم : ان قوله بمن لا ولي له في المرسلة المذكورة ليس مطلق من لا ولي له ) .

ص: 207

بل المراد عدم الملكة ، يعنى انه ولى من من شأنه ان يكون له ولى ، بحسب شخصه ، أو صنفه ، أو نوعه ، أو جنسه ،

_________________________

فالمصنف في هذا الكلام في مقام بيان امرين .

الأول - النسبة بين هذه المرسلة وبين التوقيع .

الثاني - في مقام بيان مفاد المرسلة .

اما الأول - فالنسبة عموم من وجه إذ مادة الاجتماع كون الحادثة مشروعة ومصلحة للمولى عليه ، ومادة افتراق المرسلة من التوقيع كون الحادثة مصلحة للمولى عليه مع الشك في مشروعيتها - بقطع النظر عن المرسلة التي هي تثبت الشرعية - ، ومادة افتراق التوقيع كون الحادثة غير مصلحة مع مشروعيتها .

اما الثاني - وهو مفاد المرسلة وهو ما تكلم حوله ولخصه أخيرا بقوله : فمحصله ( بل المراد عدم الملكة ) الملكة عبارة عن الوجود الخاص ، ويسمى ملكة ، لأجل ان محلها ، أو ماهيتها تملك ذلك الوجود ، بخلاف مطلق الوجود ، فإنه لا يسمى ملكة ( يعنى انه ولى من من شأنه ان يكون له ولى ، بحسب شخصه ، أو صنفه ، أو نوعه ، أو جنسه ) الشخص كزيد والصنف كالزنجى ، والنوع كالانسان ، والجنس كالحيوان .

وعدم الملكة دائما يجب ان يكون له محل قابل من هذه الأمور الأربعة .

مثلا : إذا كان شخص زيد مورد الآن يكون له نفسية رفيعة ، ثم لم تكن له ذلك ، كان عدم النفسية عدم ملكة بالنسبة إليه ، .

ص: 208

فيشمل الصغير الّذي مات أبوه ، والمجنون بعد البلوغ ، والغائب ، والممتنع والمريض ،

_________________________

وإذا كان صنف الزنجي مقتضيا للسواد ، ثم كان زنجي ابيض ، كان عدم السواد عدم ملكة بالنسبة إليه .

وإذا كان نوع الانسان مقتضيا لان يكون متكلما ، ثم كان فرد اخرس كان عدم التكلم عدم ملكة بالنسبة إليه ، وإذا كان جنس الحيوان مقتضيا لان يكون حساسا ، ثم كان فرد من الحيوان غير حساس ، كان عدم الحس عدم ملكة بالنسبة إليه .

ففي المقام إذا كان شخص مقتضى القاعدة ان يكون له ولى خاص ثم لم يكن له ولى ، كان السلطان وليا له ( فيشمل الصغير الّذي مات أبوه ) - وهذا مثال للصنف - ولم يمثل للشخص لأنه ليس لنا مورد تكون الولاية على شخص الانسان بحيث لا تتعدى إلى غيره .

وباقي الأمثلة - باستثناء المثال الأخير : اى قاطبة المسلمين - أمثلة للنوع ، إذ : نوع الانسان القاصر مما ينبغي ان يكون له ولى ، فإذا لم يكن له ولى خاص ، كانت الولاية للسلطان .

اما المثال الأخير : فهو مثال للجنس ، إذ : جنس الحي الّذي له مصلحة لا يتمكن من الوصول إليها ينبغي ان يكون له ولى ، فتدبر ، ( والمجنون بعد البلوغ ) إذا المجنون قبل البلوغ ولايته لأبيه وجده ( والغائب ) الّذي توقفت مصلحة له على التصرف في ماله مثلا ( والممتنع ) عن أداء الحق ( والمريض ) الّذي لا يتمكن من إدارة أموره بنفسه ، أو

ص: 209

والمغمى عليه ، والميت الّذي لا ولي له ، وقاطبة المسلمين ، إذا كان لهم ملك كالمفتوح عنوة ، والموقوف عليهم في الأوقاف العامة ، ونحو ذلك .

لكن يستفاد منها ما لم يكن يستفاد من التوقيع المذكور وهو الاذن في فعل كل مصلحة لهم ، فثبتت بها

_________________________

وكيل ( والمغمى عليه ) وشارب المنوّم ، ومن أشبهه ( والميت الّذي لا ولي له ) إذ : لو كان له ولى فلا تصل النوبة إلى الحاكم الشرعي ( وقاطبة المسلمين ، إذا كان لهم ملك كالمفتوح عنوة ) اى قهرا ( والموقوف عليهم في الأوقاف العامة ) كالمساجد ، والقناطر ، وما أشبه ( ونحو ذلك ) من الأمور الصنفية ، والنوعية ، والجنسية ، فان السلطان يتولى شؤونها

( لكن يستفاد منها ) اى من المرسلة ( ما لم يكن يستفاد من التوقيع المذكور وهو الاذن في فعل كل مصلحة لهم ) بينما سبق ان التوقيع انما يدل على مراجعة الغير إلى الفقيه ، لا ان للفقيه ان يتصرف في كل شؤون الناس .

اما ان التوقيع لا يستفاد منه ذلك ، لأنه قال : فارجعوا فيه إلى رواة حديثنا ، ولم يتعرض لتصدى الفقيه بنفسه أمور الناس .

واما ان المرسلة : يستفاد منها ذلك ، لأنها قالت : ولى من لا ولي له .

ومن المعلوم : ان الولي يتصرف في شؤون المولى عليه سواء راجعه المولى عليه ، أم لا .

واما تخصيص ذلك ب : المصلحة ، فلظهور : ولى من ، في حذف :

اللام ، بين المضاف والمضاف إليه ، واللام ، يفيد المصلحة ( فثبتت بها ) اى

ص: 210

مشروعيته ما لم تثبت مشروعيته بالتوقيع المتقدم ، فيجوز له القيام بجميع مصالح الطوائف المذكورين .

نعم : ليس له فعل شيء لا يعود مصلحته إليهم ، وان كان ظاهر « الولي » يوهم ذلك ، إذ بعد ما ذكرنا من أن المراد ب « من لا ولي له من من شأنه ان يكون له ولى » يراد به كونه ممن ينبغي ان يكون له من يقوم بمصالحه ، لا بمعنى انه ينبغي ان يكون عليه ولى له عليه ولاية الاجبار ،

_________________________

بالمرسلة ( مشروعيته ما لم تثبت مشروعيته بالتوقيع المتقدم ) .

وعليه : ( فيجوز له ) اى للفقيه ( القيام بجميع مصالح الطوائف المذكورين ) كالايتام ، والمجانين ، والقصر ، وغيرهم - وهنا مورد افتراق المرسلة عن التوقيع - .

( نعم ) هذا بيان لاعمية التوقيع عن المرسلة ، فمادة الافتراق من جانب التوقيع ( ليس له ) اى للولي ( فعل شيء لا يعود مصلحته إليهم ) بخلاف التوقيع ، إذ لا دلالة فيه على كون ما يرجع إلى الفقيه فيه يلزم أن تكون مصلحة ( وان كان ظاهر « الولي » يوهم ذلك ) اى ان للولي فعل ما لا مصلحة لهم فيه - لان لفظ الولي شامل للتولى مطلقا مصلحة أم لا - .

وانما نقول : ليس له فعل شيء . . الخ ، ( إذ بعد ما ذكرنا من أن المراد ب « من لا ولي له من من شأنه ان يكون له ولى » يراد به ) اى بالولي ( كونه ممن ينبغي ان يكون له من يقوم بمصالحه ) وهذا معناه عمل ما في مصلحة المولى عليه ( لا بمعنى انه ينبغي ان يكون عليه ولى له عليه ولاية الاجبار ،

ص: 211

بحيث يكون تصرف ماضيا عليه .

والحاصل : ان الولي المنفى هو الولي للشخص ، لا عليه ، فيكون المراد بالولي المثبت ذلك أيضا ، فمحصله : ان اللّه جعل الولي الّذي يحتاج إليه الشخص ، وينبغي ان يكون له ، هو السلطان ، فافهم .

_________________________

بحيث يكون تصرفه ماضيا عليه ) كما يمضى تصرف الحاكم على من يجرى عليه حدا ، أو تعزيرا ، أو قصاصا ، أو بيعا لماله ، أو ما أشبه مما هو ضرر عليه ، وان كان فيه مصلحة العموم والنظام - مثلا - .

( والحاصل : ان الولي المنفى ) في قوله عليه السلام : من لا ولي له ، ( هو الولي للشخص ، لا ) الولي ( عليه ) أو الأعم من : له ، و : عليه ، ( فيكون المراد بالولي المثبت ) في قوله : السلطان ولى ، وذلك للتقابل بين النفي والاثبات ( ذلك ) الولي للنفع ( أيضا ، فمحصله : ان اللّه جعل الولي الّذي يحتاج إليه الشخص ، وينبغي ان يكون ) الولي ( له هو السلطان ) « السلطان » مفعول ثان ل « جعل » ( فافهم ) فان « اللام » في « له » انما يراد به النفع إذا كان في مقابل : عليه ، كما لو قيل : انا لك وزيد عليك ، اما إذا اطلق أحدهما فقط فليسا كذلك ، ولذا تقول : السلام عليك ، خصوصا وان : له ، بقرينة الولي وبقرينة السلطان ظاهر في التولي فقط ، وانما جيء باللام للالصاق .

ويمكن ان يكون فافهم إشارة إلى الاشكال في ما ذكره من عدم عموم ولاية الفقيه ، خصوصا بعد فهم الفقهاء ذلك من الأدلة وجريان عمل الغالب منهم على ذلك بالإضافة إلى الوجه الاعتباري وهو لزوم نقض

ص: 212

الغرض ، فان عدم صلاحية الفقيه يوجب تصرف غيرهم وتصدى الباقي كما لا يخفى .

وعلى اى حال فالذي يستظهر من النصوص ان الفقيه له الولاية المطلقة باستثناء ما كان خاصا بالامام ، ومراجعة تاريخ الفقهاء ترشد إلى أنهم فيما كانت الظروف تتاح لهم ، كانوا يزاولون الولاية المطلقة في مختلف الشؤون الدنيوية .

ص: 213

مسئلة في ولاية عدول المؤمنين ،

اعلم : ان ما كان من قبيل ما ذكرنا فيه ولاية الفقيه ، وهو ما كان تصرفا مطلوب الوجود للشارع ، إذا كان الفقيه متعذر الوصول ، فالظاهر جواز توليه لآحاد المؤمنين لأن المفروض كونه مطلوبا للشارع غير مضاف إلى شخص .

واعتبار نظارة الفقيه فيه ساقط ، بفرض التعذر .

_________________________

( مسئلة : في ولاية عدول المؤمنين ، اعلم : ان ما كان من قبيل ما ذكرنا فيه ) الضمير عائد إلى : ما ، ( ولاية الفقيه ) مفعول ذكرنا ( وهو ما كان تصرفا مطلوب الوجود للشارع ) كتجهيز الأموات ، وإدارة أمور القاصرين ( إذا كان الفقيه متعذر الوصول ) إليه ، كما لو كانوا في برية ومات أحدهم حيث لا يمكن ارجاء امره إلى حين الوصول إلى الفقيه ( فالظاهر جواز توليه ) والتصدي له ( لآحاد المؤمنين ) .

وانما قلنا : الظاهر ، ( لأن المفروض كونه مطلوبا للشارع غير مضاف إلى شخص ) خاص .

( و ) ان قلت : ان الشارع اعتبر نظارة الفقيه حسب ما تقدم من الأدلة .

قلت : ( اعتبار نظارة الفقيه فيه ) في هذا الشيء المطلوب للشارع ( ساقط ، ب ) سبب ( فرض التعذر ) لعدم وجود الفقيه ، فتولى الفقيه مثل الامر التعدد المطلوبى .

ص: 214

وكونه شرطا مطلقا له لا شرطا اختياريا مخالف لفرض العلم بكونه مطلوب الوجود مع تعذر الشرط ، لكونه من المعروف الّذي امر بإقامته في الشريعة .

نعم : لو احتمل كون مطلوبيته مختصة بالفقيه أو الامام ، صح الرجوع إلى اصالة عدم المشروعية

_________________________

( و ) ان قلت : لعل التولي للفقيه شرط مطلقا ، فإذا تعذر تولى الفقيه لم يجز لاحد ان يتولاه .

قلت : ( كونه شرطا مطلقا له ) اى لذلك الامر الّذي لا وليّ خاص له ( لا شرطا اختياريا ) اى في حال التمكن من الفقيه ، والاختيار - مقابل حال الاضطرار ، بسبب عدم وجود الفقيه ( مخالف لفرض العلم ) اى علمنا ( بكونه مطلوب الوجود مع تعذر الشرط ) ومن اين نعلم بكونه مطلوب الوجود مطلقا ؟ ( لكونه من المعروف الّذي امر بإقامته في الشريعة ) كلمة :

في ، متعلق ب : امر ، .

( نعم : لو احتمل كون مطلوبيته ) اى ذلك الامر المحتاج إلى الولي ( مختصة بالفقيه ) كالحدود مثلا ( أو الامام ) كبيع الأراضي المفتوحة عنوة ( صح الرجوع إلى اصالة عدم المشروعية ) اى عدم ولاية على شخص ، أو على شيء ، وعدم نفوذ تصرف انسان ، هو الأصل - اى الحالة السابقة ، إذا أريد استصحاب العدم - أو عدم هذه الصلاحية لمن يريد التولي ، إذ الصلاحية امر وجودي .

والظاهر أن الأصلين من باب السببى والمسببى ، فالشك في

ص: 215

كبعض مراتب النهى عن المنكر ، حيث إن اطلاقاته لا تعم ما إذا بلغ حدّ الجرح ،

قال الشهيد ره في قواعده يجوز للآحاد مع تعذر الحكام تولية آحاد التصرفات الحكمية على الأصح ، كدفع ضرورة اليتيم ، لعموم : وتعانوا على البر والتقوى ، وقوله عليه السلام : واللّه تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ، وقوله : كل معروف صدقه وهل يجوز اخذ

_________________________

النفوذ من باب الشك في الصلاحية ( كبعض مراتب النهى عن المنكر ، حيث إن اطلاقاته ) اى اطلاقات دليل النهى عن المنكر ( لا تعم ما إذا بلغ ) النهى ( حدّ الجرح ) كما لو أن مرتكب شرب الخمر لا ينقلع الا إذا أدمينا جسمه بالسكين ، ونحوه .

( قال الشهيد ره ) الأول ( في قواعده يجوز للآحاد ) من الناس ( مع تعذر الحكام ) اى تعذر امر الحكام بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر ( تولية آحاد التصرفات الحكمية ) - بكسر الحاء - اى المشتملة على الحكمة والمصلحة ( على الأصح ) خلافا لمن يقول بعدم الجواز في ذلك ( كدفع ضرورة اليتيم ) اى التصرف الّذي يدفع به ضرورة واحتياج اليتيم ، كتزويجه وبيع املاكه ، وما أشبه .

وانما يجوز ذلك ( لعموم : وتعاونوا على البر والتقوى ، وقوله عليه السلام : واللّه تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) اى ما دام كان في عون أخيه ( وقوله : كل معروف صدقه ) قال ( وهل يجوز اخذ

ص: 216

الزكوات والأخماس من الممتنع ، وتفريقها في أربابها ، وكذا بقية وظائف الحكام غير ما يتعلق بالدعاوى فيه وجهان .

وجه الجواز ما ذكرنا ، ولأنه لو منع من ذلك ، لفاتت مصالح صرف تلك الأموال ، وهي مطلوبة للّه تعالى .

وقال بعض متأخري العامة ان القيام بهذه المصالح أهم من ترك تلك الأموال بأيدي الظلمة يأكلونها بغير حقها ، ويصرفونها إلى غير مستحقها ، ف

_________________________

الزكوات والأخماس ، من الممتنع ، وتفريقها في أربابها ) اى المستحقين لهذه الحقوق ( وكذا ) هل يجوز تصدى ( بقية وظائف الحكام ) في حال كون تلك الوظائف ( غير ما يتعلق بالدعاوى ) اى غير القضاء من الأمور الراجعة إلى الحكام كاجراء الحدود ، وما أشبه ( فيه وجهان ) الجواز والعدم .

( وجه الجواز ما ذكرنا ) اى : كل معروف صدقة ، وغيرها من الآيات والاخبار ( ولأنه لو منع من ذلك ، لفاتت مصالح صرف تلك الأموال ) اى الأخماس ، والزكوات ( وهي ) اى تلك المصالح ( مطلوبة للّه تعالى ) ففوتها نقض الغرض .

( وقال بعض متأخري العامة ) : لا شك ( ان القيام بهذه المصالح ) اى مصالح صرف تلك الأموال ، كانعاش الفقراء ، واصلاح الطرق ، والقيام بسائر مصالح المسلمين ( أهم من ترك تلك الأموال بأيدي الظلمة ) الذين يستولون على الناس إذا انسحب أهل الخير والصلاح من القيام بهذه الشؤون ( يأكلونها بغير حقها ، ويصرفونها إلى غير مستحقها ، ف ) إذا

ص: 217

ان توقع امام يصرف ذلك في وجهه حفظ المتمكن تلك الأموال إلى حين تمكنه من صرفها إليه .

وان يئس من ذلك كما في هذا الزمان ، تعين صرفه على الفور في مصارفه ، لما في ابقائه من التغرير وحرمان مستحقيه من تعجيل اخذه ، مع مسيس حاجتهم إليه ولو ظفر بأموال مغصوبة حفظها لأربابها حتى يصل إليهم ،

و

_________________________

اخذ المتدين هذه الأموال ، ف ( ان توقع امام يصرف ذلك ) المال ( في وجهه ) بان كان منتظرا له ( حفظ ) الانسان ( المتمكن ) الّذي اخذ المال ( تلك الأموال إلى حين تمكنه من صرفها ) اى صرف تلك الأموال ( إليه ) قالوا وقد ادخر الشيخ الكلباسي ره صناديق من المال لأجل اعطائها إلى الإمام الحجة المهدى عجل اللّه فرجه ، فلما مات وجاءت نوبة حجة الاسلام الشفتى صرفها كلا فورا .

( وان يئس من ذلك ) من التمكن عن الامام ( كما في هذا الزمان تعين صرفه على الفور في مصارفه ، لما في ابقائه ) مع اليأس ( من التغرير ) اى تعريض المال إلى الخطر ( وحرمان مستحقيه من تعجيل اخذه ) فان المستحق له الحق في ان يأخذ تلك الأموال وان يأخذها فورا ، فلو اخر اعطائه إليه كان حرما ناله من التعجيل في اخذه ( مع مسيس حاجتهم إليه ) اى حاجتهم ماسّة وحاضرة .

ومن المعلوم : ان عدم اعطاء الحق كما ليس بجائز ، كذلك تأخير الحق عن وقته ( ولو ظفر ) الانسان المتدين ( بأموال مغصوبة حفظها لأربابها حتى يصل ) المال ( إليهم ،

ص: 218

مع اليأس يتصدق بها عنهم ، وعند العامة تصرف في المصارف العامة انتهى .

والظاهر : ان قوله : فان توقع إلى آخره من كلام الشهيد ره ولقد أجاد فيما أفاد ، الا انه لم يبين وجه عدم الجواز .

لعل وجهه ان مجرد كون هذه الأمور من المعروف لا ينافي اشتراطها بوجود الامام ، أو نائبه ، كما في قطع الدعاوى ، وإقامة الحدود

_________________________

مع اليأس ) عن الوصول إلى أربابه ( يتصدق بها عنهم ، وعند العامة تصرف ) تلك الأموال المغصوبة ( في المصارف العامة ) كبناء المساجد ، والقناطر ، والسبل ، وما أشبه ( انتهى ) كلام الشهيد ره .

( والظاهر : ان قوله : فان توقع إلى آخره من كلام الشهيد ره ) لا من كلام العامة ، إذ : العامة لا يعنونون مسئلة ترتبط بالامام الغائب خصوصا .

والظاهر من قوله - كما في هذا الزمان - ان الامام الّذي في كلامه الامام الأصل ، لا كل امام حتى يمكن ان يكون المراد : بعد المتمكن من امام المسلمين ، فيمكن ان يكون من كلام العامة ، ولا منافاة بين عدم عنوانهم لمثل هذه المسائل مع اعترافهم في كتبهم بالامام المهدي عليه السلام ( ولقد أجاد فيما أفاد ، الا انه لم يبين وجه عدم الجواز ) بعد ان قال : فيه وجهان ، .

و ( لعل وجهه ان مجرد كون هذه الأمور من المعروف لا ينافي اشتراطها بوجود الامام ، أو نائبه ، كما في قطع الدعاوى ، وإقامة الحدود )

ص: 219

وكما في التجارة بمال الصغير الّذي له أب وجد ، فان كونها من المعروف لا ينافي وكوله إلى شخص خاص .

نعم : لو فرض المعروف على وجه يستقل العقل بحسنه مطلقا ، كحفظ اليتيم من الهلاك الّذي يعلم رجحانه على مفسدة التصرف في مال الغير بغير اذنه ، صح المباشرة بمقدار يندفع به الضرورة .

أو فرض على وجه يفهم من دليله جواز تصديه لكل أحد ، الا انه خرج ما لو تمكن من الحاكم - حيث دلت الأدلة على وجوب ارجاع الأمور

_________________________

فإنها من المعروف ومع ذلك مشروطة بوجود القاضي ( وكما في التجارة بمال الصغير الّذي له أب وجد ، فان كونها من المعروف لا ينافي وكوله إلى شخص خاص ) هو الأب والجد ، وكما في تجهيز الميت فان كونه معروفا لا ينافي وكوله إلى الأولياء إلى غير ذلك من الأمثلة .

( نعم : لو فرض المعروف على وجه يستقل العقل بحسنه مطلقا ) سواء كان هناك شخص خاص ، أم لا ؟ ( كحفظ اليتيم من الهلاك الّذي يعلم رجحانه على مفسدة التصرف في مال الغير بغير اذنه ) مثلا انجائه من العرق يستلزم اخذ ثوبه ، أو انجائه من النار يستلزم الدخول إلى داره ، وهكذا ( صح المباشرة بمقدار يندفع به الضرورة ) مثلا : إذا دخل داره لا يدخل زواياها التي لا يرتبط بانجائه ، وهكذا .

( أو فرض ) عطف على : لو فرض ، ( على وجه يفهم من دليله جواز تصديه ) اى تولى ذلك المعروف ( لكل أحد ، الا انه خرج ) صورة ( ما لو تمكن من الحاكم - حيث دلت الأدلة على وجوب ارجاع الأمور

ص: 220

إليه - وهذا كتجهيز الميت والا فمجرد كون التصرف معروفا لا ينهض في تقييد ما دل على عدم ولاية أحد على مال أحد ، أو نفسه .

ولهذا الا يلزم عقد الفضولي على المعقود له بمجرد كونه معروفا ومصلحة ، ولا يفهم من أدلة المعروف ولاية للفضولى على المعقود عليه لان المعروف هو التصرف في المال ، أو النفس ، على الوجه المأذون فيه من المالك ، أو العقل ،

_________________________

إليه - ) فإذا لم يكن حاكم يكون عموم : تصدى كل أحد ، محكما ( وهذا كتجهيز الميت ) فيما إذا لم يمكن الاخذ من الحاكم ( والا ) يكن الفرض الأول ، والفرض الثاني ( فمجرد كون التصرف معروفا لا لم ينهض في تقييد ما دل على عدم ولاية أحد على مال أحد ، أو ) على ( نفسه ) .

والحاصل : ان هناك امرين ،

الأول - كون الامر معروفا على الاطلاق .

والثاني - عدم وجود متول خاص له ، فإذا لم يثبت الأول ، أو ثبت الثاني لم يجز التصدي لكل أحد .

( ولهذا ) الّذي ذكرنا من أن مجرد كون التصرف معروفا لا ينهض الخ ( لا يلزم عقد الفضولي على المعقود له ) اى المالك ( بمجرد كونه معروفا ومصلحة ، ولا يفهم من أدلة المعروف ) اى : كل معروف صدقة ، وما أشبه ( ولاية للفضولى على المعقود عليه ) اى المال الّذي عقد عليه الفضول .

وانما نقول : بان كل معروف صدقة لا يشمل مثل ذلك ( لان المعروف هو التصرف في المال ، أو النفس ، على الوجه المأذون فيه من المالك ، أو العقل

ص: 221

أو الشارع من غير جهة نفس أدلة المعروف .

وبالجملة : تصرف غير الحاكم يحتاج إلى نص عقليّ أو عموم شرعي أو خصوص في مورد جزئي ، فافهم .

_________________________

أو الشارع من غير جهة نفس أدلة المعروف ) كلمة : من ، متعلق ب :

الشارع ، اى يكون الشارع أجاز إجازة خارجية ، كمسألة تجهيز الميت .

وذلك لان : كل معروف ، انما رتب الحكم على الموضوع المحقق ، اى كون الشيء : معروفا ، فلا يمكن ان يكون : كل معروف ، مثبتا للموضوع وإلا لزم تساوى رتبة الحكم والموضوع ، وذلك محال ،

وعليه : فإذا ثبت ان شيئا معروف ، سواء كان الثبوت بواسطة اذن المالك أو بواسطة العقل أو بواسطة الشرع ، كان ذلك من صغريات كل معروف صدقة ، والا فمجرد : كل معروف ، لا يتكفل بكون الشيء معروفا .

( وبالجملة : تصرف غير الحاكم يحتاج إلى نص عقليّ ) كحسن الاحسان ( أو عموم شرعي ) كادلة انقاذ الغريق الشامل للتصرف في ثوب الطفل والمجنون الغريقين ( أو خصوص في مورد جزئي ) كما لو قال الشارع : يجوز لكل انسان ان يجهز الميت الّذي لا متولى له ( فافهم ) إذ : المعروف ، ما كان عند العرف معروفا ، وكفى ، ومثال تصرف الفضول في غير محله ، إذ عمله مع وجود المالك ليس معروفا أصلا ، وان كان ذا ربح ، فإذا تحقق الموضوع العرفي اى قيل للشيء : انه معروف ، ولم يكن هناك دليل خاص يمنع عن التصرف كان مقتضى القاعدة جواز توليه لعموم : كل معروف صدقة ، و : تعاونوا على البر ، و : ما على

ص: 222

بقي الكلام : في اشتراط العدالة في المؤمن الّذي يتولى المصلحة عند فقد الحاكم ، كما هو ظاهر أكثر الفتاوى ، حيث يعبرون ب « عدول المؤمنين » وهو مقتضى الأصل .

ويمكن ان يستدل عليه ببعض الاخبار أيضا ، ففي صحيحة محمد بن إسماعيل رجل مات من أصحابنا بغير وصية فرفع امره إلى قاضى الكوفة فصير عبد الحميد القيم بماله ، وكان الرجل خلف ورثة صغارا ، ومتاعا ، وجواري فباع عبد الحميد المتاع ، فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهن

_________________________

المحسنين من سبيل ، وما أشبه من الأدلة العامة .

( بقي الكلام : في اشتراط العدالة في المؤمن الّذي يتولى المصلحة عند فقد الحاكم ) هل هي شرط ، أم لا ؟ ( كما هو ظاهر أكثر الفتاوى ، حيث يعبرون ب « عدول المؤمنين » ) في هذه المسألة ( وهو مقتضى الأصل ) اى اصالة عدم جواز تولى الغير تكليفا ووضعا - بمعنى عدم نفوذ تصرفه - .

( ويمكن ان يستدل عليه ) اى اشتراط العدالة في المتولى عند فقد الحاكم ( ببعض الاخبار أيضا ، ففي صحيحة محمد بن إسماعيل رجل مات من أصحابنا بغير وصية ، فرفع امره ) بالنسبة إلى أمواله وصغاره ( إلى قاضى الكوفة فصير ) القاضي ( عبد الحميد القيم بماله ، وكان الرجل خلّف ورثة صغارا ، ومتاعا ، وجواري ) جمع جارية بمعنى الأمة ( فباع عبد الحميد المتاع ، فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهن ) ووسوس في ذلك

ص: 223

إذ لم يكن الميت صير إليه وصية وكان قيامه فيها بأمر القاضي لا نهن فروج قال : فذكرت ذلك لأبي جعفر ( ع ) وقلت له : يموت الرجل من أصحابنا ولا يوصى إلى أحد ، ويخلف الجواري ، فيقيم القاضي رجلا منا ، لبيعهن أو قال يقوم بذلك رجل منا ، فيضعف قلبه لا نهن فروج ، فما ترى في ذلك قال : إذا كان القيم به مثلك ، ومثل عبد الحميد ، فلا بأس ، بناء على أن المراد من المماثلة ، اما المماثلة في التشيع ، أو في الوثاقة ، وملاحظة مصلحة اليتيم ، وان لم يكن شيعيا ، أو في الفقاهة ، بان يكون من نواب الامام

_________________________

( إذ لم يكن الميت صير إليه وصية ) اى لم يجعله وصيا على نفسه ( وكان قيامه ) اى عبد الحميد ( فيها ) اى في الوصية ( بأمر القاضي ) وانما ضعف قلبه ( لا نهن فروج ) والاحتياط يقتضي بالدقة فيها ( قال : فذكرت ذلك لأبي جعفر ( ع ) وقلت له : يموت الرجل من أصحابنا ، ولا يوصى ) ذلك الميت ( إلى أحد ، ويخلف ) ذلك الميت ( الجواري ، فيقيم القاضي رجلا منا ، لبيعهن ، أو قال يقوم بذلك رجل منا ، فيضعف قلبه لا نهن فروج ، فما ترى في ذلك ) هل يبيع الجواري ، أم لا ؟ ( قال : إذا كان القيم به مثلك ، ومثل عبد الحميد ، فلا بأس ) بالتولى لامر الميت ( بناء ) اى الاستدلال مبنى على تزييف الاحتمالات ، باستثناء العدالة كما يتضح مما يأتي ( على أن المراد من المماثلة ، اما المماثلة ، في التشيع ، أو في الوثاقة ، وملاحظة مصلحة اليتيم ، وان لم يكن شيعيا ) وملاحظة عطف على : الوثاقة ، ( أو في الفقاهة ، بان يكون من نواب الامام

ص: 224

عموما في القضاء بين المسلمين أو في العدالة .

والاحتمال الثالث مناف لاطلاق المفهوم الدال على ثبوت البأس مع عدم الفقيه ، ولو مع تعذره وهذا بخلاف الاحتمالات الأخر ، فان

_________________________

عموما ) بان يكون نائبا عاما إذ لو كان نائبا خاصا لم يكن وجه لخوفه من التصرف في الجواري ( في القضاء بين المسلمين ) أو في الأعم من القضاء ( أو في العدالة ) .

( والاحتمال الثالث ) اى إرادة الفقاهة من قوله عليه السلام :

مثلك ومثل عبد الحميد ، ( مناف لاطلاق المفهوم الدال على ثبوت البأس ) وذلك المفهوم هو : وان لم يمكن مثلك ، ومثل عبد الحميد ، ففيه البأس ، ( مع عدم الفقيه ) مطلقا اى ( ولو مع تعذره ) .

إذ : لو قلنا : ان الامام بين انه لا بأس إذا كان فقيها ، كان مفهومه انه إذا لم يكن فقيها كان فيه البأس ، سواء كان الفقيه موجودا ، أو لم يكن موجودا .

وحيث إنه من المعلوم : ان مع عدم وجود الفقيه ليس بأس بغير الفقيه ، يهدم المفهوم ، وإذا هدم المفهوم هدم المنطوق ، فليس المراد ب : مثلك ، الفقيه .

اللهم الا ان يقال : ان المفهوم أعم ، لكنه خصص بالدليل الخارجي كما لو قال : أكرم زيدا ان جاءك ، ثم دل الدليل على وجوب : اكرام زيد إذا أكرمك ولو لم يجئك ، فإنه يخصص المفهوم .

( وهذا ) الاحتمال الثالث ( بخلاف الاحتمالات الأخر ، فان

ص: 225

البأس ثابت للفاسق ، أو الخائن ، أو المخالف ، وان تعذر غيرهم فتعين أحدها الدائر بينها ، فيجب الاخذ في مخالفة الأصل بالأخص منها وهو العدل .

لكن الظاهر من بعض الروايات كفاية الأمانة ، وملاحظة مصلحة اليتيم ، فيكون مفسرا للاحتمال الثاني في وجه المماثلة المذكورة في الصحيحة .

_________________________

البأس ثابت للفاسق ) مقابل العادل مطلقا ، سواء كان العادل موجودا أم لا ( أو الخائن ) مقابل الموثق ، سواء كان الموثق موجودا ، أم لا ( أو المخالف ) مقابل الشيعي ، سواء كان السنى موجودا ، أم لا ، ( وان تعذر غيرهم ) كلمة : ان ، وصلية ، والمراد بغيرهم العادل والموثق والشيعي .

وحيث سقط احتمال الفقاهة ( فتعين أحدها ) اى الثلاثة ( الدائر بينها ) إذ لا احتمال آخر ( فيجب الاخذ في مخالفة الأصل بالأخص منها ) فان التصرف في أموال الغير ، غير جائز الا بالقدر الّذي علمنا جوازه ، والمعلوم جوازه ، هو الأخص من الثلاثة الّذي اجتمع فيه كل الثلاثة ( وهو العدل ) الجامع للتشيع والوثاقة .

( لكن الظاهر من بعض الروايات كفاية الأمانة ) في تصدى أموال الصغار ( وملاحظة مصلحة اليتيم ، فيكون ) هذا الحديث ( مفسرا للاحتمال الثاني ) اى كفاية الوثاقة ( في وجه المماثلة المذكورة في الصحيحة ) اى قول الإمام : مثلك ، يراد به : مثلك في الوثاقة ، لا : مثلك في الفقاهة أو التشيع أو العدالة .

ص: 226

ففي صحيحة علي بن رئاب رجل مات وبيني وبينه قرابة ، وترك أولادا صغارا ومما ليك علمانا وجواري ولم يوص ، فما ترى فيمن يشترى منهم الجارية ؟

يتخذها أم ولد وما ترى في بيعهم ، قال فقال ان كان لهم ولى يقوم بأمرهم ، باع عليهم ونظر لهم وكان مأجورا بهم ، قلت : فما ترى فيمن يشترى منهم الجارية ، ويتخذها أم ولد ، فقال لا بأس بذلك ، إذا باع عليهم القيّم بأمرهم الناظر فيما يصلحهم ، وليس لهم ان يرجعوا فيما فعله القيّم بأمرهم ، الناظر فيما يصلحهم

وموثقة زرعة عن سماعة في رجل مات وله بنون وبنات ، صغار وكبار من غير وصية ، وله خدم ومماليك ، وعقر ،

_________________________

( ففي صحيحة علي بن رئاب ، رجل مات وبيني وبينه قرابة ، وترك أولاد اصغارا ومماليك علمانا وجواري ولم يوص ، فما ترى فيمن يشترى منهم الجارية يتخذها أم ولد ؟ ) بان يطئها فتلد منه ( وما ترى في بيعهم ) - وهذا كالتأكيد على اعضال الامر لان الاشتراء محذور ووطيها محذور آخر - ( قال فقال : ان كان لهم ولىّ يقوم بأمرهم باع عليهم ، ونظر لهم ، وكان مأجورا بهم ، قلت : فما ترى فيمن يشترى منهم الجارية ، ويتخذها أم ولد فقال لا بأس بذلك ، إذا باع عليهم القيّم بأمرهم الناظر فيما يصلحهم ، وليس لهم ) اى للأولاد الصغار إذا كبروا ( ان يرجعوا فيما فعله القيّم بأمرهم الناظر فيما يصلحهم ) الخبر فان ظاهر هذا الخبر كفاية كون الامر صادرا عن اصلاح

( وموثقة زرعة عن سماعة في رجل مات وله بنون وبنات صغار وكبار من غير وصية ، وله خدم ومماليك ، وعقر ) مماليك اما عطف بيان ، واما المراد بالخادم الأمة ، فان لفظ الخادم يستعمل للمذكر والمؤنث

ص: 227

كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك قال إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كله ، فلا بأس بناء على أن المراد من يوثق به ، ويطمئن بفعله عرفا وان لم يكن فيه ملكة العدالة .

لكن في صحيحة إسماعيل بن سعد ما يدل على اشتراط تحقق عنوان العدالة ، قال سألت الرضا عليه السلام : عن رجل يموت بغير وصية ، وله ولد صغار وكبار ، أيحل شراء شيء من خدمه ومتاعه من غير أن يتولى القاضي بيع ذلك ؟ فان تولاه قاض قد تراضوا به ، ولم يستخلفه الخليفة

_________________________

وحيث إن المملوك خاص بالمذكر يخصص الخدم بالمؤنث ( كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك ) المال الأعم من المملوك ( قال ) عليه السلام : ( ان قام رجل ثقة قاسمهم ) اى قسم بين الورثة ( ذلك ) المال ( كله فلا بأس ) .

وجه الاستدلال بهذا الخبر لكفاية الوثاقة ( بناء على أن المراد من يوثق به ، ويطمئن بفعله عرفا وان لم يكن فيه ملكة العدالة ) .

وانما قال : بناء لاحتمال ان يراد بالوثاقة ، العدالة ، فان الوثاقة الظاهرة في التامة - لا تكون الا بالعدالة .

( لكن في صحيحة إسماعيل بن سعد ما يدل على اشتراط تحقق عنوان العدالة ) الظاهرة في عدم كفاية الوثاقة ( قال سألت الرضا عليه السلام : عن رجل يموت بغير وصية ، وله ولد صغار وكبارا يحل شراء شيء من خدمه ومتاعه من غير أن يتولى القاضي بيع ذلك ؟ فان تولاه ) اى البيع ( قاض قد تراضوا ) الورثة ( به ، ولم يستخلفه الخليفة ) اى لم يكن

ص: 228

أيطيب الشراء منه ، أم لا ؟ قال عليه السلام : إذا كان الأكابر من ولده معه في البيع ، فلا بأس إذا رضى الورثة بالبيع وقام عدل في ذلك هذا .

والّذي ينبغي ان يقال : انك قد عرفت ان ولاية غير الحاكم لا تثبت الا في مقام يكون عموم عقلي ، أو نقلي ، يدل على رجحان التصدي لذلك المعروف أو يكون هناك دليل خاص

_________________________

قاضيا مأذونا ، وانما هم الورثة نصبوه وارتضوا به ( أيطيب الشراء منه ، أم لا ؟ قال عليه السلام : إذا كان الأكابر من ولده ) اى أولاد الميت ( معه ) اى مع القاضي ( في ) حين ( البيع ، فلا بأس إذا رضى الورثة بالبيع ) والمراد سائر الورثة غير الأولاد الكبار ، كالزوجة والإناث ( وقام عدل في ذلك ) .

اللهم الا ان يقال : يفهم من هذا الحديث اشتراط شاهد عدل عند البيع ، لا اشتراط ان يكون القيم عادلا .

الا ان يحتمل : فهم العدالة من لفظ القاضي ، فإنه يشترط في القاضي ان يكون عادلا ( هذا ) تمام الكلام في مفاد الروايات في باب اشتراط العدالة في المتصدى ، إذا فقد الفقيه .

( والّذي ينبغي ان يقال ) في جواز تصدى الفاسق ، انه ( انك قد عرفت ان ولاية غير الحاكم لا تثبت الا في مقام يكون عموم عقلي ، أو نقلي ، يدل على رجحان التصدي لذلك المعروف ) كعموم العقل بحسن انقاذ المظلوم من يد الظالم ، أو عموم النقل بان كل معروف صدقة - فيما ثبت ان التصدي معروف - ( أو يكون هناك دليل خاص ) يدل عليه

ص: 229

على الولاية اتبع ذلك النص عموما ، أو خصوصا فقد يشمل الفاسق ، وقد لا يشمل .

واما ما ورد فيه العموم ، فالكلام فيه قد يقع في جواز مباشرة الفاسق وتكليفه بالنسبة إلى نفسه ، وانه هل يكون مأذونا من الشرع في المباشرة أم لا ؟ وقد يكون بالنسبة إلى ما يتعلق من فعله بفعل غيره إذا لم يعلم وقوعه على وجه المصلحة ، كالشراء منه مثلا .

_________________________

اى على تصدى غير الفقيه لهذا المورد الخاص - مثل دليل الامر بالمعروف والنهى عن المنكر في القبض على يد الفاعل للمنكر - .

فما ورد فيه نص خاص ( على الولاية اتبع ذلك النص عموما أو خصوصا ) فإذا قال النص : ان المتولى يجب ان يكون عادلا ، لزم ان يكون عادلا ، وإذا اطلق ، جاز ان يكون فاسقا أيضا ( فقد يشمل ) النص الخاص ( الفاسق ، وقد لا يشمل ) وهذا تفسير لقوله : عموما أو خصوصا .

اما ما ورد فيه الخصوص ، فلا كلام فيه .

( واما ما ورد فيه العموم ، فالكلام فيه قد يقع في جواز مباشرة الفاسق وتكليفه بالنسبة إلى نفسه ، وانه هل يكون مأذونا من الشرع في المباشرة ) لذلك العمل ( أم لا ؟ وقد يكون بالنسبة إلى ما يتعلق من فعله بفعل غيره ) بفعل ، متعلق ب : يتعلق ، ( إذا لم يعلم ) ذلك الغير ( وقوعه ) اى فعل الفاسق ( على وجه المصلحة ، كالشراء منه مثلا ) مثال ما يتعلق من فعل الفاسق بفعل الغير .

ص: 230

اما الأول : فالظاهر جوازه ، وان العدالة ليست معتبرة في منصب المباشرة ، لعموم أدلة فعل ذلك المعروف ولو مثل قوله عليه السلام :

عون الضعيف من أفضل الصدقة ، وعموم قوله تعالى : وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، ونحو ذلك .

وصحيحة محمد بن إسماعيل السابقة قد عرفت انها محمولة على صحيحة علي بن رئاب المتقدمة ، بل وموثقة زرعة ، وغير ذلك مما

_________________________

( اما الأول ) اى مباشرة الفاسق وتكليفه بالنسبة إلى نفسه ( فالظاهر جوازه ، وان العدالة ليست معتبرة في منصب المباشرة ، لعموم أدلة فعل ذلك المعروف ولو مثل قوله عليه السلام : عون الضعيف من أفضل الصدقة ، وعموم قوله تعالى : وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) حيث يشمل المستثنى كل انسان ( ونحو ذلك ) مثل : ما على المحسنين من سبيل ، و : تعاونوا على البر والتقوى ، و : أحسن كما أحسن اللّه أليك ، و : ما أشبه ، من الآيات والروايات .

( و ) لا يستشكل بان هذه العمومات مقيدة بما دل على اعتبار العدالة ، كصحيحة إسماعيل ، ومحمد بن إسماعيل .

لأنا نقول : اما صحيحة إسماعيل ، فليست مربوطة بمحل الكلام ، إذ الكلام الآن في نفس الفاسق المتصدى ، والكلام في الصحيحة في مسئلة الشراء - اى عمل الغير - .

واما ( صحيحة محمد بن إسماعيل السابقة ) ف ( قد عرفت انها محمولة على صحيحة علي بن رئاب المتقدمة ، بل وموثقة زرعة ، وغير ذلك مما

ص: 231

سيأتي .

ولو ترتب حكم الغير على الفعل الصحيح منه كما إذا صلى فاسق على ميت لا ولي له ، فالظاهر سقوطها عن غيره إذا علم صدور الفعل منه وشك في صحته .

ولو شك في حدوث الفعل منه واخبر به ، ففي قبوله اشكال .

_________________________

سيأتي ) اى رواية الكاهلي الآتية ، مما دل على كفاية الصلاح للطفل .

( ولو ترتب حكم الغير على الفعل الصحيح منه ) اى من الفاسق ، اى ان الفاسق لو أتى بالفعل الصحيح ، سقط عن الغير ، والا لم يسقط ( كما إذا صلى فاسق على ميت لا ولي له ، فالظاهر ) من دليل حمل فعل المسلم على الصحيح ( سقوطها عن غيره إذا علم صدور الفعل منه ) اى من الفاسق ، ولو كان العلم علما عاديا حاصلا من قرائن الأحوال ( وشك في صحته ) وعدم صحته ، وكذلك في سائر تجهيزات الميت .

( ولو شك في حدوث الفعل منه ) اى من الفاسق ( و ) لكن ( اخبر به ) اى بأنه فعله ( ففي قبوله ) اى قبول قوله ( اشكال ) من : آية النبأ الظاهرة في عدم قبول قول الفاسق ، ولو شك فالأصل عدم القبول ، وعدم سقوط التكليف عن العادل ، وعدم حصول العمل المطلوب للشارع .

ومن : ان الرواية المروية عن أمير المؤمنين : ضع امرا أخيك على أحسنه .

ومن المعلوم : ان الامر ليس خاصا بالفعل .

مضافا إلى المناط الموجود في القول كالفعل ، فيكون ذلك حاكما

ص: 232

واما الثاني : فالظاهر اشتراط العدالة فيه ، فلا يجوز الشراء منه وان ادعى كون البيع مصلحة بل يجب اخذ المال من يده .

ويدل عليه - بعد صحيحة إسماعيل بن سعد المتقدمة بل وموثقة زرعة بناء على إرادة العدالة من الوثاقة - ان عموم أدلة القيام بذلك المعروف لا يرفع اليد عنها بمجرد تصرف الفاسق ،

_________________________

على ظاهر الآية ، كما يحكم عليه الفعل .

( واما الثاني ) وهو ما يكون بالنسبة إلى ما يتعلق من فعل الفاسق بفعل غيره ( فالظاهر ) من الأدلة ( اشتراط العدالة فيه ) اى في ترتيب الغير فعله على فعل المتصرف في أموال الطفل ، أو في نفس الطفل - كما لو أراد زواجه - ( فلا يجوز الشراء منه ، وان ادعى كون البيع مصلحة بل يجب اخذ المال ) للطفل ( من يده ) .

( ويدل عليه ) اى على عدم جواز الشراء منه ( - بعد صحيحة إسماعيل بن سعد المتقدمة ) حيث قال الإمام عليه السلام : وقام عدل في ذلك - بناء على كون المراد قيام العدل بالبيع ، لا قيام عدل شاهد على البيع - ( بل وموثقة زرعة ) حيث قال عليه السلام : ان قام رجل ثقة ( بناء على إرادة العدالة من الوثاقة - ان عموم أدلة القيام بذلك المعروف ) كقوله : لا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن ، وقوله :

ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ، بناء على وجود المناط في العمل بالخير ، كالدعوة إليه ، وما أشبه هذه الآيات ( لا يرفع اليد عنها ) اى عن تلك الأدلة العامة ( بمجرد تصرف الفاسق ) .

ص: 233

فان وجوب اصلاح مال اليتيم ، ومراعاة غبطته لا ترتفع عن الغير بمجرد تصرف الفاسق .

ولا يجدى هنا حمل فعل المسلم على الصحيح - كما في مثال الصلاة المتقدم - لان الواجب هناك هي صلاة صحيحة وقد علم صدور أصل

_________________________

بيان ذلك ، ما ذكره بقوله : ( فان وجوب اصلاح مال اليتيم ، ومراعاة غبطته لا ترتفع عن الغير بمجرد تصرف الفاسق ) فان العام يقول للعادل :

اعمل بالصلاح في مال اليتيم ، سواء عمل الفاسق ، أم لا ، فباي شيء يرفع اليد عن هذا العام .

نعم إذا كان المتصرف عادلا ، لم يكن مجال لشمول العام لسائر العدول ، اما إذا لم يكن المتصرف عادلا ، فباي شيء يرفع العادل يده عن التصرف ، وباي مجوز يجوز للعادل ان يشترى من الفاسق .

( و ) ان قلت : ما يوجب رفع اليد عن العام ، هو حمل فعل المسلم على الصحيح ،

قلت : ( ولا يجدى هنا ) في الاشتراء من الفاسق ( حمل فعل المسلم على الصحيح - كما في مثال الصلاة المتقدم - ) ذلك المثال ، فلا يمكن ان يقال : كما نكتفي بصلاة الفاسق على الميت فلا نصلى عليه ، كذلك نكتفي ببيع الفاسق لمال الطفل فنشترى منه .

إذ هنا فارق بين الامرين ، وهو ما أشار إليه بقوله : ( لان الواجب هناك ) في باب صلاة الميت ( هي صلاة صحيحة ، وقد علم صدور أصل

ص: 234

الصلاة من الفاسق ، وإذا شك في صحتها أحرزت باصالة الصحة .

واما الحكم فيما نحن فيه فلم يحمل على التصرف الصحيح .

وانما حمل على موضوع ، هو اصلاح المال ، ومراعاة الحال والشك في أصل تحقق ذلك فهو كما لو اخبر فاسق بأصل الصلاة ، مع الشك فيها .

_________________________

الصلاة من الفاسق ، وإذا شك في صحتها ) اى صحة صلاة الفاسق ( أحرزت باصالة الصحة ) وهي جارية في عمل العادل والفاسق ، إذا شك في سهو ، أو عمدا ، وما أشبه مما يوجب البطلان .

( واما الحكم فيما نحن فيه ) اى الحكم بجواز ترتيب الغير الأثر على عمل الفاسق المتصرف في مال الطفل ( فلم يحمل على التصرف الصحيح ) اى ليس الموضوع لحكم : ترتيب الأثر ، هو : العمل الصحيح حتى إذا شك في صحة العمل يتمسك باصالة الصحة ، فيجوز للغير ترتيب الأثر .

( وانما حمل ) الحكم ( على موضوع ، هو اصلاح المال ، ومراعاة الحال ) اى الحالة المحيطة بالتصرف في مال الطفل ، هل هي مصداق للأحسن الوارد في قوله سبحانه : ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن ، ( و ) قد تحقق في تصرف الفاسق ( الشك في أصل تحقق ذلك ) الاصلاح للمال ، والمراعاة للحال ( فهو ) شك في أصل الموضوع ، لا شك في صحة الموضوع .

ومن المعلوم : ان الشك في أصل الموضوع ليس محل اجراء اصالة الصحة ( فهو كما لو اخبر فاسق بأصل الصلاة ، مع الشك فيها ) حيث

ص: 235

وان شئت قلت : ان شراء مال اليتيم ، لا بدّ ان يكون مصلحة له ، ولا يجوز ذلك باصالة صحة البيع من البائع ، كما لو شك المشترى في بلوغ البائع ، فتأمل .

نعم لو وجد في يد الفاسق ثمن من مال الصغير لم يلزم الفسخ مع المشترى

_________________________

ليس ذلك مجرى لأصالة الصحة .

( وان شئت قلت ) في تقريب انه لا يجوز الاشتراء لمال اليتيم من الفاسق ( ان شراء مال اليتيم ، لا بدّ ان يكون مصلحة له ، ولا يجوز ذلك ) الشراء ( ب ) اجراء ( اصالة صحة البيع من البائع ) فإنه ( كما لو شك المشترى في بلوغ البائع ) فإنه لا يمكن تصحيح ذلك باصالة الصحة ( فتأمل ) إذ : لا فرق بين ترتيب الغير اثر الصحة على غسل الفاسق ، وبين ترتيب الغير اثر الصحة على بيع الفاسق ، فكما انه إذا مس الميت الّذي غسله الفاسق لا يحتاج الماس إلى غسل الميت لاجراء اصالة الصحة في فعل الفاسق ، كذلك يجوز الاشتراء من الفاسق لاجراء اصالة الصحة في بيع الفاسق وليس شرط : الا حسن ، الا من شرائط البيع ، كما أن شرط إباحة الماء مثلا ، ليس الا من شرائط صحة الغسل ، فكلما يصحح وجود الشرط في الغسل يصحح وجود الشرط في البيع .

( نعم ) لو باع الفاسق مال الصغير ، لا يجب علينا ابطال البيع برد المبيع إلى الصغير ، ورد الثمن إلى المشترى ، ف ( لو وجد في يد الفاسق ) البائع لمال الطفل ( ثمن من مال الصغير لم يلزم ) علينا ( الفسخ مع المشترى ) بان نبطل بيعه ،

ص: 236

واخذ الثمن من الفاسق لان مال اليتيم الّذي يجب اصلاحه وحفظه من التلف ، لا يعلم أنه الثمن أو المثمن .

واصالة صحة المعاملة من الطرفين يحكم بالأول ، فتدبر .

ثم إنه حيث ثبت جواز تصرف المؤمنين فالظاهر : انه على وجه التكليف الوجوبي أو الندبي ، لا على وجه النيابة من حاكم

_________________________

( و ) لم يلزم ( اخذ الثمن من الفاسق ) البائع لغرره على المشترى ، حتى نرد المثمن على الصغير .

وانما لا يلزم الفسخ ( لان مال اليتيم الّذي يجب اصلاحه وحفظه من التلف ، لا يعلم أنه الثمن ) لصحة بيع الفاسق ( أو المثمن ) لبطلان بيع الفاسق .

( و ) إذا شككنا في ذلك ، ف ( اصالة صحة المعاملة من الطرفين ) طرف البائع الفاسق ، وطرف المشترى ( يحكم بالأول ) اى بان مال الطفل هو الثمن لا المثمن ( فتدبر ) إذ : كيف تجرون اصالة الصحة في معاملة الفاسق بعد وقوعها ، وقد قلتم ان التعامل مع الفاسق لا يجرى فيه أصل الصحة واىّ فرق بين قبل المعاملة وبعدها في اجراء الصحة في الثاني دون الأول .

( ثم إنه حيث ثبت جواز تصرف المؤمنين ) العدول في أموال القاصرين إذا لم يكن حاكم شرعي ( فالظاهر : انه على وجه التكليف الوجوبي أو الندبي ) بمعنى انه واجب عليهم ، أو مستحب عليهم ، بالذات وبما انهم أولياء اصالة ، في حال فقد الحاكم ( لا على وجه النيابة من حاكم

ص: 237

الشرع ، فضلا عن كونه على وجه النصب من الامام ، فمجرد وضع العدل يده على مال يتيم ، لا يوجب منع الآخر ، ومزاحمته بالبيع ، ونحوه .

ولو نقله بعقد جائز فوجد الآخر المصلحة في استرداده ، جاز الفسخ ، إذا كان الخيار ثابتا بأصل الشرع .

أو بجعلهما مع جعله للصغير .

أو مطلق وليه

_________________________

الشرع ، فضلا عن كونه ) اى جواز التصرف ( على وجه النصب من الامام ) عليه السلام فليس العدل منصوبا عن الامام ، أو نائبا عن الفقيه .

وهذا الكلام مقدمة لقوله : ( فمجرد وضع العدل يده على مال يتيم لا يوجب منع الآخر ، و ) لا يوجب منع ( مزاحمته ) اى الآخر ( بالبيع ، ونحوه ) بل يجوز للآخر ان يبيع ما تحت يد العدل من مال الصغير .

وانما نقول ذلك : لاطلاق أدلة ولاية العدل الشاملة لقبل وضع العدل يده ، وبعد وضع العدل يده قبل اجراء معاملة على مال الصغير

( ولو نقله ) نقل العدل مال الطفل ( بعقد جائز ) كالعقد الخياري مثلا - ( فوجد ) العدل ( الآخر المصلحة في استرداده ، جاز ) للآخر ( الفسخ ، إذا كان الخيار ثابتا بأصل الشرع ) كخيار الحيوان .

( أو بجعلهما ) اى البائع العدل والمشترى ( مع جعله للصغير ) مقابل ما إذا جعلا الخيار للمشترى ، فإنه لا حق لولى اليتيم في الفسخ حينئذ كما هو واضح .

( أو ) جعل الخيار ل ( مطلق وليه ) أعم من كل عدل ، المباشر للبيع ،

ص: 238

من غير تخصيص بالعاقد .

لو أراد بيعه من شخص ، وعرضه لذلك ، جاز لغيره بيعه من آخر مع المصلحة ، وان كان في يد الأول .

وبالجملة : فالظاهر أن حكم عدول المؤمنين لا يزيد عن حكم الأب والجد ، من حيث جواز التصرف لكل منهما ما لم يتصرف الآخر .

واما حكام الشرع فهل هم كذلك ، فلو عين فقيه ، من يصلى على

_________________________

وغيره ( من غير تخصيص ) للخيار ( بالعاقد ) والا فلو خصصا الخيار بالعاقد - وكان ذلك عن مصلحة - لم يجز لعدل آخر فسخ البيع .

و ( لو أراد ) العدل ( بيعه ) اى مال الصغير ( من شخص ، وعرضه لذلك ) بان تقاولا في المعاملة ( جاز لغيره ) من سائر العدول ( بيعه من آخر مع المصلحة ) في بيعه من آخر ( وان كان ) المال ( في يد ) العدل ( الأول ) .

( وبالجملة : فالظاهر أن حكم عدول المؤمنين لا يزيد عن حكم الأب والجد ، من حيث جواز التصرف لكل منهما ) اى من الأب والجد ( ما لم يتصرف الآخر ) مع فارق واحد ، وهو ان الظاهر من النصوص في باب الأب والجد ، ان الجد مقدم على الأب في مقام التشاح ، بخلاف العدول ، فأحدهم ليس أولى من الآخرين ، بل الحكم للسابق منهم .

( واما حكام الشرع ) اى الفقهاء الذين لكل منهم الحق في التصرف في مال الطفل ( فهل هم كذلك ) مثل العدول في جواز التزاحم ، وكون الحكم للسابق منهم ؟ ( فلو عين فقيه ، من يصلى على

ص: 239

الميت الّذي لا ولي له ، أو من يلي أمواله ، أو وضع اليد على مال يتيم فهل يجوز للآخر مزاحمته ، أم لا ؟ الّذي ينبغي ان يقال : انه ان استندنا في ولاية الفقيه إلى مثل التوقيع المتقدم ، جاز المزاحمة قبل وقوع التصرف اللازم لان المخاطب بوجوب ارجاع الأمور إلى الحكام ، هم العوام ، فالنهي عن المزاحمة يختص بهم .

_________________________

الميت الّذي لا ولى له ، أو ) عين ( من يلي ) ويتولى شؤون ( أمواله ) اى أموال الميت ( أو وضع ) الفقيه ( اليد على مال يتيم ) أو غائب ، أو ما أشبه ( فهل يجوز للآخر مزاحمته ، أم لا ؟ الّذي ينبغي ان يقال ) هو التفصيل في المسألة ، استنادا إلى اختلاف مدرك المسألة ، ف ( انه ان استندنا في ولاية الفقيه إلى مثل التوقيع المتقدم ) اى : اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، ( جاز المزاحمة قبل وقوع التصرف اللازم ) من أحد الفقهاء ( لان المخاطب بوجوب ارجاع الأمور إلى الحكام ، هم العوام ، فالنهي عن المزاحمة ) إذا كان هناك نهى ( يختص بهم ) اى بالعوام ، إذ : في جانبهم يقع التزاحم بان يراجع فقيها ، وقبل ابرام الفقيه الامر يعدل عنه ويرجع إلى فقيه آخر ، أو يرجع أحد العوامين المربوطين بأمر واحد إلى فقيه ويرجع العامي الآخر إلى فقيه آخر ، كأخوين لهما أخت صغيرة يريد ان زواجها لمصلحة في زواجها فيرجع أحدهما إلى فقيه ، ويرجع الآخر إلى فقيه آخر ، واى الفقيهين سبق في زواجها كان له الامر .

ص: 240

واما الحكام فكل منهم حجة من الامام \" ع \" ، فلا يجب على كل واحد منهم ارجاع الامر الحادث إلى آخر ، فيجوز له مباشرته وان كان الآخر دخل فيه ، ووضع يده عليه فحال كل منهم حال كل من الأب والجد في ان النافذ تصرف السابق ، ولا عبرة بدخول الآخر في مقدمات ذلك وبنائه على ما يغاير تصرف الآخر ، كما يجوز لاحد الحاكمين تصدى المرافعة قبل حكم الآخر ، وان حضر المترافعان عنده واحضر الشهود وبنى على الحكم .

واما لو استندنا في ذلك على عمومات النيابة ،

_________________________

( واما الحكام فكل منهم حجة من الامام ، \" ع \" ، فلا يجب على كل واحد منهم ارجاع الامر الحادث إلى آخر ) ولا الانتظار حتى يرى ما ذا يفعل الآخر ( فيجوز له ) اى لكل من الحكام ( مباشرته ) والتصدي للامر ( وان كان الآخر دخل فيه ، ووضع يده عليه ) .

إذ : مجرد الدخول ووضع اليد لا يوجب انتهاء الأمر حتى لا يبقى موضوع لعمل الفقيه الآخر ( فحال كل منهم حال كل من الأب والجد في ان النافذ تصرف السابق ، ولا عبرة بدخول الآخر في مقدمات ذلك ) العمل ( وبنائه ) عطف على : دخول ، ( على ما يغاير تصرف الآخر ، كما يجوز لاحد الحاكمين تصدى المرافعة قبل حكم الآخر ، وان حضر المترافعان عنده واحضر الشهود وبنى على الحكم ) كلمة : ان ، وصلية .

( واما لو استندنا في ذلك ) اى في ولاية الفقيه ( على عمومات النيابة

ص: 241

وان فعل الفقيه كفعل الامام ، ونظره كنظره الّذي لا يجوز التعدي عنه لا من حيث ثبوت الولاية له على الأنفس والأموال ، حتى يقال : انه قد تقدم عدم ثبوت عموم يدل على النيابة في ذلك - بل من حيث وجوب ارجاع الأمور الحادثة إليه المستفاد من تعليل الرجوع فيها إلى الفقيه بكونه حجة منه عليه السلام على الناس .

فالظاهر : عدم جواز مزاحمة الفقيه الّذي دخل في امر ، ووضع يده عليه وبنى فيه - بحسب نظره - على تصرف وان لم يفعل نفس ذلك التصرف ، لان دخوله

_________________________

وان فعل الفقيه كفعل الامام ، ونظره كنظره الّذي لا يجوز التعدي عنه لا ) ان المراد بكون فعله كفعل الامام ( من حيث ثبوت الولاية له على الأنفس والأموال ، حتى ) يستشكل على ذلك و ( يقال : انه قد تقدم عدم ثبوت عموم يدل على النيابة في ذلك - ) في الأنفس والأموال ( بل ) ما نذكره من أن نظر الفقيه كنظر الامام ( من حيث وجوب ارجاع الأمور الحادثة إليه ) اى إلى الفقيه ( المستفاد ) هذا الوجوب - وكونه كالإمام - ( من تعليل الرجوع فيها ) اى في الحوادث الواقعة ( إلى الفقيه يكونه حجة منه عليه السلام على الناس ) كما أنه حجة من اللّه عليهم .

( فالظاهر : عدم جواز مزاحمة الفقيه الّذي دخل في امر ، ووضع يده عليه وبنى فيه ) اى في الامر ( - بحسب نظره - على تصرف ) كلمة :

على ، متعلق ب : بنى ، ( وان لم يفعل ) بعد ( نفس ذلك التصرف ) .

وانما لا يجوز دخول الثاني بعد دخول الأول ( لان دخوله ) اى

ص: 242

فيه كدخول الامام فدخول الثاني فيه وبنائه على تصرف آخر مزاحمة له فهو كمزاحمة الإمام ( ع ) فأدلة النيابة عن الإمام ( ع ) لا تشمل ما كان فيه مزاحمة الإمام ( ع ) .

فقد ظهر مما ذكرنا الفرق بين الحكام وبين الأب والجد ، لأجل الفرق بين كون كل واحد منهم حجة ، وبين كون كل واحد منهم نائبا .

وربما يتوهم كونهم حينئذ كالوكلاء المتعددين في ان بناء واحد

_________________________

الأول ( فيه ) اى في الامر ( كدخول الامام ، فدخول الثاني فيه وبنائه على تصرف آخر مزاحمة له ، فهو ) يكون ( كمزاحمة الإمام ( ع ) فأدلة النيابة عن الإمام ( ع ) لا تشمل ما كان فيه مزاحمة الامام \" ع \" ) .

لكن لا يخفى ضعف هذا الدليل ، لان الآخر أيضا ممثل للامام فيكون من قبيل مزاحمة نفس الامام لنفسه ، لا من قبيل مزاحمة انسان للامام .

فكما انه لا دليل على عدم صحة انصراف الامام عليه عن مقصد إلى مقصد آخر ، كذلك لا دليل على مزاحمة أحد الفقهاء لفقيه آخر .

( فقد ظهر مما ذكرنا ) من اختلاف جواز مزاحمة أحد الفقهاء لفقيه آخر ، وعدم جوازها - حسب اختلاف المستند لنيابة الفقيه - ( الفرق بين الحكام ) الشرعيين ( وبين الأب والجد ) حيث إن الأب والجد لهما المزاحمة مطلقا ، بخلاف الحكام فلهم المزاحمة في بعض الصور ( لأجل الفرق بين كون كل واحد منهم حجة ، وبين كون كل واحد منهم نائبا ) فعلى الحجية لا تجوز المزاحمة ، بخلاف ما لو بنينا على النيابة .

( وربما يتوهم كونهم ) اى الفقهاء ( حينئذ ) اى حين كان كل واحد منهم حجة ( كالوكلاء المتعددين ) لشخص واحد ( في ان بناء واحد

ص: 243

منهم على امر مأذون فيه لا يمنع الآخر عن تصرف مغاير لما بنى عليه الأول .

ويندفع : بان الوكلاء إذا فرضوا وكلاء في نفس التصرف لا في مقدماته فما لم يتحقق التصرف من أحدهم ، كان الآخر مأذونا في تصرف مغاير ، وان بنى عليه الأول ، ودخل فيه .

اما إذا فرضوا وكلاء عن الشخص الواحد ، بحيث يكون الزامهم كإلزامه ودخولهم في الامر كدخوله ، وفرضنا أيضا عدم دلالة دليل وكالتهم على الاذن في مخالفة نفس الموكل ، والتعدي عما بنى هو عليه مباشرة أو استنابة كان حكمه

_________________________

منهم على امر مأذون فيه لا يمنع الآخر عن تصرف مغاير لما بنى عليه الأول ) فكذلك الفقهاء المتعددون .

( ويندفع : بان الوكلاء إذا فرضوا وكلاء في نفس التصرف ) كان حالهم ذلك ( لا في مقدماته ، فما لم يتحقق التصرف من أحدهم ، كان الآخر مأذونا ) من قبل الموكل ( في تصرف مغاير ، وان بنى عليه ) الوكيل ( الأول ، ودخل فيه ) كلمة : ان ، وصلية .

( اما إذا فرضوا وكلاء عن الشخص الواحد ، بحيث يكون الزامهم كإلزامه ، ودخولهم في الامر كدخوله ) - وهذا تفسير : مقدماته ، مما نفاه في القسم الأول بقوله : لا في مقدماته ، - ( وفرضنا أيضا عدم دلالة دليل وكالتهم على الاذن في مخالفة نفس الموكل ، و ) على الاذن في ( التعدي عما بنى هو عليه مباشرة أو استنابة ) بان لم يفهم من دليل الوكالة إجازة العمل للوكيل إذا استناب الموكل انسانا آخر ( كان حكمه ) اى

ص: 244

حكم ما نحن فيه من غير زيادة ولا نقيصة .

والوهم انما نشأ من ملاحظة التوكيلات المتعارفة للوكلاء المتعددين المتعلقة بنفس ذي المقدمة فتأمل .

هذا كله مضافا إلى لزوم اختلال نظام المصالح المنوطة إلى الحكام سيما في مثل هذا الزمان الّذي شاع فيه القيام بوظائف الحكام ممن يدعى

_________________________

الوكيل ( حكم ما نحن فيه ) من نواب الامام ( من غير زيادة ولا نقيصة ) .

( والوهم انما نشأ من ملاحظة التوكيلات المتعارفة للوكلاء المتعددين المتعلقة ) تلك التوكيلات ( بنفس ذي المقدمة ) فقالوا : كما يجوز التزاحم بين الوكلاء ، كذلك يجوز التزاحم بين الفقهاء ( فتأمل ) .

إذ كون النيابة عن الامام مثل الوكالة المقيدة بما ذكره المصنف ره بقوله : وفرضنا أيضا عدم دلالة دليل . . الخ ، اوّل الكلام بل ظاهر أدلة النيابة انها كالوكالة المطلقة .

فمقتضى القاعدة ان حال الفقهاء كحال الوكلاء المطلقين ، بل تقييد الوكالة والنيابة بهذا القسم : اى ما ذكره بقوله ، وفرضنا الخ ، خارج عن محل البحث الّذي هو في ما يستفاد من أدلة النيابة : كالوكالة المطلقة عرفا .

( هذا كله ) تقريب عدم جواز التزاحم بين الفقهاء ( مضافا إلى لزوم اختلال نظام المصالح المنوطة إلى الحكام ) لان كل حاكم يجر القضية إلى نفسه ، وذلك مما يوجب النزاع والخصام ( سيما في مثل هذا الزمان الّذي شاع فيه القيام بوظائف الحكام ممن يدعى

ص: 245

الحكومة .

وكيف كان فقد تبين مما ذكرنا عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله ، في كل الزام قولي ، أو فعلى ، يجب الرجوع فيه إلى الحاكم .

فإذا قبض مال اليتيم من شخص ، أو عين شخصا لقبضه ، أو جعله ناظرا عليه ، فليس لغيره من الحكام مخالفة نظره ، لان نظره كنظر الامام .

_________________________

الحكومة ) عن قبل الامام .

وفيه ان فرض عدالة الحكام الواقعيين كاف في عدم لزوم الاختلال .

اما الحكام الادعائيون فعملهم ما يوجب الاختلال ليس موجبا لتبدل الحكام .

بل نرى الآن انه لا يلزم الاختلال مع انا نشاهد تعدد الحكام الواقعيين وتجاربهم لبعض القضايا واللّه المستعان .

( وكيف كان فقد تبين مما ذكرنا عدم جواز مزاحمة ففيه لمثله ، في كل الزام قولي ، أو فعلى ، يجب الرجوع فيه إلى الحاكم ) فإذا الزم الحاكم امرا قولا كالحكم بين المترافعين ، أو فعلا كما لو شرع في غسل الميت الّذي لا ولي له لا يجوز لحاكم آخر مزاحمته .

والمراد بالالزام الشروع في مقدماته ولو لم يصل إلى ذي المقدمة ( فإذا قبض ) الحاكم ( مال اليتيم من شخص ، أو عين شخصا لقبضه أو جعله ) الحاكم ( ناظرا عليه ) اى على مال اليتيم ( فليس لغيره من الحكام مخالفة نظره ، لان نظره ) على مذاق المصنف ( كنظر الامام ) حيث لا يجوز للانسان مخالفة نظر الامام .

ص: 246

واما جواز تصدى مجتهد لمرافعة تصداها مجتهد آخر قبل الحكم فيها إذا لم يعرض عنها ، بل بنى على الحكم فيها فلان وجوب الحكم فرع سؤال من له الحكم .

ثم إنه هل يشترط في ولاية غير الأب والجد ملاحظة الغبطة لليتيم أم لا ؟

_________________________

وقد يقال : بان : عموم الراد عليهم ، شامل للفقيه الآخر ، والرد يشمل فيما إذا شرع الفقيه الأول في المقدمات ، ولا يخفى ما فيهما .

( و ) ان قلت : على ما ذكرتم من عدم جواز تصدى مجتهد ثان لما تصداه مجتهد أولا ، فلم أجاز الفقهاء ان ينظر المجتهد الثاني في قضية المترافعين قبل حكم المجتهد الأول ؟ .

قلت : ( اما جواز تصدى مجتهد لمرافعة تصداها مجتهد آخر قبل الحكم ) من المجتهد الأول ( فيها ) اى في تلك المرافعة ( إذا لم يعرض ) المجتهد الأول ( عنها ) اى عن تلك المرافعة ( بل بنى ) المجتهد الأول ( على الحكم فيها فلان وجوب الحكم فرع سؤال من له الحكم ) الأول ويجب الحكم على الثاني إذا اعرض من له الحكم عن الأول وتوجه إلى الثاني .

ولا يخفى ضعف هذا الفارق ، فهل يقول المصنف ره بجواز الاعراض عن حكم الامام إلى المجتهد فيما إذا كانا حاضرين وأراد الامام الحكم ؟ .

( ثم إنه هل يشترط في ولاية غير الأب والجد ملاحظة الغبطة ) والمصلحة ( لليتيم ) في التصرف في ماله ( أم لا ) يشترط .

ص: 247

ذكر الشهيد في قواعده ان فيه وجهين .

ولكن ظاهر كثير من كلماتهم انه لا يصح الا مع المصلحة ، بل في مفتاح الكرامة انه اجماعى وان الظاهر من التذكرة - في باب الحجر - كونه اتفاقيا بين المسلمين ، وعن شيخه في شرح القواعد انه ظاهر الأصحاب وقد عرفت تصريح الشيخ والحلى بذلك ، حتى في الأب والجد .

ويدل عليه - بعد ما عرفت من اصالة عدم الولاية لاحد على أحد -

_________________________

( ذكر الشهيد في قواعده ان فيه وجهين ) لزوم الملاحظة لقوله تعالى : وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .

وعدم اللزوم ، لان غيرهما قائم مقامهما فلا تكليف أزيد على غيرهما .

والأحسن في الآية مقابل الفساد ، بقرينة قوله تعالى في آية أخرى وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ .

( ولكن ظاهر كثير من كلماتهم انه ) اى التصرف في أموال اليتيم ( لا يصح الا مع المصلحة ، بل في مفتاح الكرامة انه اجماعى ، وان الظاهر من التذكرة - في باب الحجر - كونه اتفاقيا بين المسلمين ) لا عند علماء الشيعة فقط ( وعن شيخه ) اى شيخ مفتاح الكرامة ، وهو الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء ( في شرح القواعد انه ظاهر الأصحاب ، وقد عرفت ) سابقا ( تصريح الشيخ والحلى بذلك ) اى بلزوم مراعاة المصلحة والغبطة ( حتى في الأب والجد ) فعن غيرهما بطريق أولى .

( ويدل عليه ) اى على لزوم رعاية المصلحة ( - بعد ما عرفت من اصالة عدم الولاية لاحد على أحد - ) فلا ولاية لاحد على الصغير ، الا

ص: 248

عموم قوله تعالى : وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .

وحيث إن توضيح معنى الآية - على ما ينبغي - لم أجده في كلام أحد من المتعرضين لبيان آيات الاحكام ، فلا بأس بتوضيح ذلك في هذا المقام ، فنقول ان « القرب » في الآية يحتمل معاني أربعة .

الأول : مطلق التقليب والتحريك حتى من مكان إلى آخر ، فلا يشمل مثل ابقائه على حال ، أو عند أحد .

الثاني : وضع اليد عليه بعد ان كان بعيدا عنه ، ومجتنبا ، فالمعنى تجنبوا عنه

و

_________________________

بقدر خرج بالدليل ، وهو ما إذا كان التصرف صلاحا ، فإذا لم يكن صلاحا ولو لم يكن فسادا أيضا - فالأصل عدم الولاية ( عموم قوله تعالى : وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) فان عمومها شامل لكل من يتولى التصرف في مال اليتيم .

( وحيث إن توضيح معنى الآية - على ما ينبغي - لم أجده في كلام أحد من المتعرضين لبيان آيات الاحكام ، فلا بأس بتوضيح ذلك في هذا المقام ، فنقول : ان « القرب » في الآية ) المنفى ، ب : لا ، ( يحتمل معاني أربعة ) .

( الأول : مطلق التقليب والتحريك حتى من مكان إلى ) مكان ( آخر فلا يشمل مثل ابقائه على حال ، أو عند أحد ) لأنه ليس تقليبا وتحريكا .

( الثاني : وضع اليد عليه ) اى على مال اليتيم ( بعد ان كان ) المال ( بعيدا عنه ) اى عن واضع اليد ، بان لم يكن تحت يده وفي تصرفه ( ومجتنبا ) عطف على : بعيدا ، ( فالمعنى تجنبوا عنه ) اى عن مال اليتيم (

ص: 249

لا تقربوا الا إذا كان القرب أحسن ، فلا يشمل حكم ما بعد الوضع .

الثالث : ما يعد تصرفا عرفا ، كالاقتراض ، والبيع ، والإجارة ، وما أشبه ذلك ، فلا يدل على تحريم ابقائه بحاله تحت يده إذا كان التصرف فيه أحسن منه ، الا بتنقيح المناط .

الرابع : مطلق الامر الاختياري المتعلق بمال اليتيم ، أعم من الفعل ، والترك ، والمعنى لا تختاروا في مال اليتيم فعلا أو تركا ، الا ما كان

_________________________

لا تَقْرَبُوا ) إليه ( الا إذا كان القرب أحسن ، فلا يشمل ) : لا تَقْرَبُوا ( حكم ما بعد الوضع ) أو الارتكاب ، وانه كيف ينبغي ان يصنع به .

( الثالث : ما يعد تصرفا عرفا ، كالاقتراض ، والبيع ، والإجارة ، وما أشبه ذلك ) من سائر المعاملات ( فلا يدل على تحريم ابقائه ) اى مال اليتيم ( بحاله تحت يده إذا كان التصرف فيه أحسن منه ) لان الآية انما نهى عن التصرف الّذي ليس بأحسن ، ولم ينه عن الابقاء - الّذي ليس بأحسن ذلك الابقاء عن التصرف - ( الا بتنقيح المناط ) بان يقال : إذا كان تصرف أحسن من تصرف يجب التصرف الا حسن ، فكذلك إذا كان التصرف أحسن من الابقاء ، يجب التصرف .

( الرابع : مطلق الامر الاختياري المتعلق بمال اليتيم ، أعم من الفعل ، والترك ) .

مثال الترك : ان يدعه بحاله ، وان كان الفعل أفضل ، وأعم من الابتدائي ، والاستمراري ، والحاصل أعم من الأقسام الثلاثة المتقدمة ( والمعنى لا تختاروا في مال اليتيم فعلا أو تركا ، الا ما كان

ص: 250

أحسن من غيره ، فيدل على حرمة الابقاء في الفرض المذكور ، لان ابقائه قرب له بما ليس أحسن .

واما لفظ : الا حسن ، في الآية ، فيحتمل ان يراد به ظاهره من التفضيل .

ويحتمل ان يراد به الحسن .

وعلى الأول : فيحتمل التصرف الأحسن من تركه - كما يظهر من بعض - ويحتمل ان يراد به ظاهره ، وهو الأحسن مطلقا من تركه ، ومن غيره من التصرفات .

_________________________

أحسن من غيره ) .

وعلى هذا ( فيدل ) النهى ( على حرمة الابقاء في الفرض المذكور ) فيما كان التصرف فيه بالاتجار ونحوه ، أحسن ( لان ابقائه قرب له ) اى للمال ( بما ليس أحسن ) هذا تمام الكلام في احتمالات : لا تقربوا .

( واما لفظ : الا حسن ، في الآية ، فيحتمل ان يراد به ظاهره من التفضيل ) فإذا كان هناك تجارتان ، إحداهما : تربح عشرة ، والأخرى احدى عشرة ، لا يجوز الا تجار بما ربحه عشرة .

( ويحتمل ان يراد به الحسن ) فيكون لفظ : الأحسن ، عرفيا ، كما يقول الفقهاء : الأقوى ، أو : الأحوط ، أو ما أشبه .

( وعلى الأول ) اى إرادة التفضيل ( فيحتمل التصرف الا حسن من تركه - كما يظهر ) هذا المعنى ( من بعض - ويحتمل ان يراد به ظاهره وهو الأحسن مطلقا من تركه ، ومن غيره من التصرفات ) .

ص: 251

وعلى الثاني : فيحتمل ان يراد ما فيه مصلحة ، ويحتمل ان يراد به ما لا مفسدة فيه على ما قيل : من أن أحد معاني الحسن ما لا حرج في فعله .

ثم : ان الظاهر من احتمالات « القرب » هو الثالث .

ومن احتمالات : الا حسن ، هو الاحتمال الثاني اعني التفضيل المطلق ، وحينئذ فإذا فرضنا ان المصلحة

_________________________

فمثلا : إذا كان في الترك بقاء المال ، وفي التجارة يمكن ربح عشرة ، ويمكن ربح احدى عشرة ،

فعلى الاحتمال الأول : يجوز الاتجار بما ربحه عشرة .

وعلى الاحتمال الثاني : لا يجوز الا بما ربحه احدى عشرة .

( وعلى الثاني ) اى يراد ب : الا حسن ، الحسن ، لا التفضيل ( فيحتمل ان يراد ما فيه مصلحة ، ويحتمل ان يراد به ما لا مفسدة فيه ) .

مثلا : قرض المال ما لا مفسدة فيه ، ولكن ليس فيه مصلحة ، بينما جعله في التجارة فيه مصلحة .

ثم : ان إرادة ما لا مفسدة فيه من : الأحسن ، بمعنى : الحسن ، انما هو ( على ما قيل : من أن أحد معاني الحسن ما لا حرج في فعله ) بل ربما يقال : ان هذا معنى عرفى يستفاد من اللفظ في مثل هذه المواضع .

( ثم : ان الظاهر من احتمالات « القرب » هو الثالث ) اى ما يعد تصرفا عرفا .

( ومن احتمالات : الا حسن ، هو الاحتمال الثاني ) اى من الأول وهو الا حسن مطلقا ( اعني التفضيل المطلق ، وحينئذ فإذا فرضنا ان المصلحة

ص: 252

اقتضت بيع مال اليتيم ، فبعناه بعشرة دراهم ، ثم فرضنا انه لا يتفاوت لليتيم ابقاء الدراهم ، أو جعلها دينارا ، فأراد الولي جعلها دينارا ، فلا يجوز ، لان هذا التصرف ليس اصلح من تركه ، وان كان يجوز لنا من اوّل الامر بيع المال بالدينار ، لفرض عدم التفاوت بين الدراهم والدينار بعد تعلق المصلحة بجعل المال نقدا .

اما لو جعلنا الحسن بمعنى : ما لا مفسدة فيه ، فيجوز .

_________________________

اقتضت بيع مال اليتيم ، فبعناه بعشرة دراهم ، ثم فرضنا انه لا يتفاوت لليتيم ابقاء الدراهم ) التي هي ثمن المتاع ( أو جعلها دينارا ، فأراد الولي جعلها دينارا ، فلا يجوز ، لان هذا التصرف ليس اصلح من تركه ، وان ) - وصلية - ( كان يجوز لنا من اوّل الامر بيع المال بالدينار ، لفرض عدم التفاوت بين الدراهم والدينار ، بعد تعلق المصلحة ب ) البيع ، و ( جعل المال نقدا ) .

لكن الانصاف ان هذا خلاف الظاهر من النص والفتوى ، ومن المتفاهم عرفا من نفس الآية .

ويؤيده باب النكاح ، إذ : التصرف في النفس بالزواج أولى بالمراعات من التصرف في المال - بعد صدق اليتيم حال وجود الجد والقطع باتحاد المناط في الأب والجد - .

( اما لو جعلنا الحسن بمعنى : ما لا مفسدة فيه ، فيجوز ) تبديل الدراهم بالدينار ، إذ : لا مفسدة في هذا التبديل .

ص: 253

وكذا لو جعلنا القرب بالمعنى الرابع ، لأنا إذا فرضنا ان القرب يعم ابقاء مال اليتيم على حاله - كما هو الاحتمال الرابع - فيجوز التصرف المذكور .

إذ : بعد كون الا حسن هو جعل مال اليتيم نقدا ، فكما انه مخير في الابتداء بين جعله دراهم أو دينارا لان القدر المشترك أحسن من غيره ، واحد الفردين فيه لا مزية لأحدهما على الآخر ، فيخير ، فكذلك بعد جعله دراهم ، إذا كان كل من ابقاء الدراهم على حالها ، وجعلها دينارا قربا والقدر المشترك أحسن من غيره ، فاحد

_________________________

( وكذا لو جعلنا القرب بالمعنى الرابع ) اى مطلق الامر الاختياري المتعلق بمال اليتيم ( لأنا إذا فرضنا ان القرب يعم ابقاء مال اليتيم على حاله ) والتصرف فيه ( - كما هو الاحتمال الرابع - فيجوز التصرف المذكور ) اى جعل دراهمه دينارا .

( إذ : بعد كون الأحسن هو جعل مال اليتيم نقدا ، فكما انه مخير في الابتداء بين جعله دراهم أو دينارا ) بان يبيعه بالدراهم أو بالدينار ( لان القدر المشترك ) بين الدرهم والدينار ( أحسن من غيره واحد الفردين ) من الدراهم والدينار ( فيه ) اى في القدر المشترك ( لا مزية لأحدهما على الآخر ، فيخير ، فكذلك ) « فيخير » مربوط بقوله :

مخير ، ( بعد جعله ) اى المال ( دراهم ) .

وذلك ( إذا كان كل من ابقاء الدراهم على حالها ، وجعلها دينارا قربا ) للمال ( والقدر المشترك ) بينهما ( أحسن من غيره ، فاحد

ص: 254

الفردين لا مزية فيه على الآخر ، فهو مخير بينهما .

والحاصل : انه كلما يفرض التخيير بين تصرفين في الابتداء لكون القدر المشترك بينهما أحسن ، وعدم مزية لاحد الفردين ، تحقق التخيير لأجل ذلك استدامة فيجوز العدول من أحدهما بعد فعله إلى الآخر إذا كان العدول مساويا للبقاء بالنسبة إلى حال اليتيم ، وان كان فيه نفع يعود إلى المتصرف .

لكن الانصاف : ان المعنى الرابع للقرب ، مرجوح في نظر العرف

_________________________

الفردين لا مزية فيه على الآخر ) وعليه ( فهو مخير بينهما ) ابتداءً واستمرارا .

( والحاصل : انه كلما يفرض التخيير بين تصرفين في الابتداء ) كان يبيع مال الصغير بدرهم أو بدينار ( لكون القدر المشترك بينهما أحسن و ) ل ( عدم مزية لاحد الفردين ) على الآخر ( تحقق التخيير لأجل ذلك ) اى لأجل ان القدر المشترك حسن ولا مزية ( استدامة ) .

ومعنى الاستدامة : ما ذكره بقوله : ( فيجوز العدول من أحدهما بعد فعله إلى الآخر ، إذا كان العدول مساويا للبقاء بالنسبة إلى حال اليتيم ) مثلا يبدل دراهمه إلى دنانير ( وان كان ) العدول ( فيه نفع يعود إلى المتصرف ) كان يكون ثقل الدينار أقل من ثقل الدرهم ، فيكون الدينار أقل كلفة بالنسبة إليه .

( لكن الانصاف : ان المعنى الرابع للقرب ) اى مطلق الامر الاختياري ، فعلا أو تركا ( مرجوح في نظر العرف

ص: 255

بالنسبة إلى المعنى الثالث ، وان كان الّذي يقتضيه التدبر في غرض الشارع ومقصوده من مثل هذا الكلام ان لا يختاروا في امر مال اليتيم الا ما كان أحسن من غيره .

نعم : ربما يظهر من بعض الروايات ، ان مناط حرمة التصرف هو الضرر ، لا ان مناط الجواز هو النفع .

ففي حسنة الكاهلي قال لأبي عبد اللّه عليه السلام ، انا لندخل على أخ لنا في بيت أيتام ، ومعهم خادم لهم فنقعد على

_________________________

بالنسبة إلى المعنى الثالث ) وهو ما يعد تصرفا عرفا ( وان كان الّذي يقتضيه التدبر في غرض الشارع ومقصوده من مثل هذا الكلام ) اى قوله تعالى : ولا تقربوا مال اليتيم ( ان لا يختاروا في امر مال اليتيم الا ما كان أحسن من غيره ) فيقرب المعنى الرابع بهذا اللحاظ .

وهذا أقرب بملاحظة ان الكلام انما يكون مفيدا للمعنى مع ملاحظة القرائن المحتفة بالكلام ، سواء كانت قرائن عقلية ، أو لفظية .

( نعم : ربما يظهر من بعض الروايات ، ان مناط حرمة التصرف ) في مال اليتيم ( هو الضرر ، لا ان مناط الجواز هو النفع ) فإذا لم يكن ضرر جاز .

وهذا يؤيد ان ليس المراد بالأحسن ، التفضيل ، ولا ماله حسن في الجملة بل يكفى عدم الضرر .

( ففي حسنة الكاهلي قال لأبي عبد اللّه عليه السلام ، انا لندخل على أخ لنا في بيت أيتام ، ومعهم خادم لهم ) اى للأيتام ( فنقعد على

ص: 256

بساطهم ، ونشرب من مائهم ، ويخدمنا خادمهم ، وربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا ، وفيه من طعامهم ، فما ترى في ذلك ؟ قال : ان كان في دخولكم عليهم منفعة لهم ، فلا بأس ، وان كان فيه ضرر ، فلا ، بناء على أن المراد من منفعة الدخول ما يوازى عوض ما يتصرفون من مال اليتيم عند دخولهم ، فيكون المراد بالضرر في الذيل ان لا يصل إلى الأيتام ما يوازى ذلك ،

_________________________

بساطهم ، ونشرب من مائهم ، ويخدمنا خادمهم ، وربما طعمنا ) اى اكلنا ( فيه ) اى في ذلك البيت ( الطعام من عند صاحبنا ، و ) الحال ان ( فيه ) اى في ذلك الطعام الّذي طعمناه ( من طعامهم ، فما ترى في ذلك ؟

قال : ان كان في دخولكم عليهم منفعة لهم ، فلا بأس ، وان كان فيه ضرر فلا ) .

وجه الاستدلال بهذه الرواية على كفاية عدم الضرر ( بناء على أن المراد من منفعة الدخول ) في قوله : منفعة لهم ، ( ما ) اى منفعة ( يوازى عوض ما يتصرفون من مال اليتيم عند دخولهم ) فان هذا المعنى هو المستفاد من هذه الجملة عرفا .

فمثلا : ان دخول زيد في دارهم يوجب عنوانا لهم ، وحفظا لاحترامهم أو لأجل التعامل لاشتراء أموالهم ، أو ما أشبه ذلك ، مما يعد في العرف منفعة في قبال الضرر الّذي يتوجه إليهم ، بأكل طعامهم أو استخدام خادمهم ( فيكون المراد بالضرر في الذيل ان لا يصل إلى الأيتام ما يوازى ذلك ) التصرف في طعامهم وخادمهم ، فإذا لم يصل ما يوازى تصرف الداخل كان التصرف حراما ، وإذا وصل ما يوازى التصرف كان حلالا

ص: 257

فلا تنافى ذلك بين الصدر والذيل على ما زعمه بعض المعاصرين ، من :

ان الصدر دال على إناطة الجواز بالنفع ، والذيل دال على إناطة الحرمة بالضرر ، فيتعارضان في مورد يكون التصرف غير نافع ولا مضر .

وهذا منه مبنى على أن المراد بمنفعة الدخول ، النفع الملحوظ بعد وصول ما بإزاء مال اليتيم إليه ، بمعنى أن تكون المنفعة في معاوضة ما يتصرف من مال اليتيم بما يتوصل إليهم من ماله كان يشرب ماء فيعطى فلسا

_________________________

( فلا تنافى ذلك بين الصدر ) القائل : بان صورة المنفعة جائزة ( والذيل ) القائل : بان صورة الضرر ليست جائزة ( على ما زعمه بعض المعاصرين ) وبين وجه التنافي بقوله : ( من : ان الصدر دال على إناطة الجواز بالنفع ) ولازمه : انه إذا لم يكن نفع ، لم يجز ( والذيل دال على إناطة الحرمة بالضرر ) ولازمه الجواز ، إذا لم يكن ضرر ، سواء كان نفع ، أم لا ( فيتعارضان في مورد يكون التصرف غير نافع ولا مضر ) .

فالصدر يقول : لا يجوز ، والذيل يقول : يجوز .

( وهذا ) التوهم للتعارض في هذا المورد ( منه ) اى من هذا المعاصر ( مبنى على أن المراد بمنفعة الدخول ، النفع الملحوظ ) اى الزائد ( بعد وصول ما بإزاء مال اليتيم ) مال اليتيم كالماء ، وما بإزائه كالفلس ( إليه ) اى إلى اليتيم ( بمعنى أن تكون المنفعة في معاوضة ما يتصرف من مال اليتيم ) « من » بيان : ما ، ( بما يتوصل إليهم ) اى إلى الأيتام ( من ماله ) اى مال التصرف ( كان يشرب ماء ) للأيتام ( فيعطى فلسا

ص: 258

بإزائه ، وهكذا .

وأنت خبير بأنه لا ظهور للرواية حتى يحصل التنافي .

وفي رواية ابن المغيرة ، قلت : لأبي عبد اللّه عليه السلام ان لي ابنة أخ يتيمة ، فربما اهدى لها الشيء ، فآكل منه ، ثم أطعمها بعد ذلك الشيء من مالي ، فأقول : يا رب هذا بهذا قال لا بأس فان ترك الاستفصال

_________________________

بإزائه ، وهكذا ) سائر التصرفات التي تقابل بالماء ،

والحاصل : انه إذا كانت المنفعة في كلام الامام يراد بها النفع الزائد ، يكون تعارضا بين الصدر والذيل .

اما إذا لم يرد بالنفع ، النفع الزائد لم يكن تعارض بين الامرين ، بل المراد : عدم الضرر ، فقط ، وكان الصدر ذكر مقدمة للذيل .

( وأنت خبير بأنه لا ظهور للرواية ) في ان المراد بالنفع ، النفع الزائد إذ لا ظهور لكلمة : المنفعة ، في أزيد من : عدم الضرر ، ( حتى يحصل التنافي ) بين صدر الرواية وذيلها .

( وفي رواية ابن المغيرة ، قلت : لأبي عبد اللّه عليه السلام ان لي ابنة أخ يتيمة ، فربما اهدى لها الشيء ، فآكل ) انا ( منه ، ثم أطعمها بعد ذلك ) في مناسبة أخرى ( الشيء من مالي ، فأقول ) في نفسي ( يا رب هذا ) الّذي أطعمها ( بهذا ) الّذي اكلت منه ( قال ) عليه السلام ( لا بأس ) .

وجه الاستدلال بهذا الحديث لكفاية عدم الضرر في التصرف في مال اليتيم ما ذكره بقوله : ( فان ترك ) الإمام عليه السلام ( الاستفصال

ص: 259

من مساواة العوض ، وزيادته يدل على عدم اعتبار الزيادة الا ان يحمل على الغالب من كون التصرف في الطعام المهدى إليها ، واعطاء العوض بعد ذلك اصلح .

إذ الظاهر : ان الطعام المهدى إليها هو المطبوخ ، وشبهه .

وهل يجب مراعاة الأصلح ، أم لا ؟ وجهان ، قال الشهيد ره في القواعد ، هل يجب على الولي مراعاة المصلحة في مال المولى عليه ، أو يكفى نفى المفسدة ، يحتمل الأول

_________________________

من مساواة العوض ، وزيادته ) بان يقول عليه السلام : لا يجوز التصرف في صورة المساواة ، ويجوز في صورة الزيادة ( يدل على عدم اعتبار الزيادة ) للعوض عن المقدار الّذي يستعمله من مال اليتيم ( الا ان يحمل ) الحديث ( على الغالب من كون التصرف في الطعام المهدى إليها ) اى إلى اليتيمة ( واعطاء العوض بعد ذلك اصلح ) لها ، لان الطعام الزائد يفسد ، فتعويضه خير لليتيمة .

( إذ الظاهر : ان الطعام المهدى إليها هو المطبوخ ، وشبهه ) والغالب ان يكون أزيد من حاجتها ، كما أن الغالب فساد بقائه ، فاكل الشخص منه ليعوضه لها صلاح بالنسبة إليها ، فتأمل .

( و ) إذا قلنا : بلزوم المصلحة وعدم جواز كفاية عدم المفسدة ، ف ( هل يجب مراعاة الأصلح ، أم لا ؟ ) بل يكفى الصالح ( وجهان ، قال الشهيد ره في القواعد ، هل يجب على الولي مراعاة المصلحة في مال المولى عليه ، أو يكفى نفى المفسدة ، يحتمل الأول ) اى رعاية المصلحة

ص: 260

لأنه منصوب لها ، ولأصالة بقاء الملك على حاله ، ولان النقل والانتقال لا بدّ لهما من غاية ، والعدميات لا تكاد تقع غاية .

وعلى هذا هل يتحرى الأصلح ، أم يكتفى بمطلق المصلحة فيه ، وجهان : نعم لمثل ما قلنا ، لا لان ذلك لا يتناهى .

_________________________

( لأنه ) اى الولي ( منصوب لها ) للمصلحة ( ولأصالة بقاء الملك على حاله ) بدون نقل وانتقال ، إذا فعل الولي ما لم يكن فيه صلاح .

إذ : منتهى الامر الشك ، فيكون المحكم اصالة عدم تحرك الملك عن حاله الأول ( ولان النقل والانتقال لا بدّ لهما من غاية ) وغرض عقلائي ( والعدميات لا تكاد تقع غاية ) فان المصلحة وجود اما عدم المفسدة فليس له وجود حتى يكون غاية للمعاملة .

( وعلى هذا ) لزوم المصلحة في عمل الولي ( هل يتحرى ) ويتفقد الولي ( الأصلح ، أم يكتفى بمطلق المصلحة فيه ) فيجوز له العدول عن الأصلح إلى الصلاح و : فيه ، اى في العمل الّذي يريد ايقاعه على الشيء المرتبط بالمولى عليه ( وجهان ) .

أحدهما : ( نعم ) يلزم الأصلح ( لمثل ما قلنا ) في اشتراط أصل المصلحة ، وذلك لأصالة عدم النقل والانتقال .

والثاني : ( لا ) يلزم مراعاة الأصلح ( لان ذلك ) اى الأصلح ( لا يتناهى ) إذ : ليس صلاح ، الا وفوقه اصلح .

فإذا قلنا بلزوم مراعاة الأصلح ، يلزم عدم تمكن الولي من التعامل اطلاقا .

ص: 261

وعلى كل تقدير لو ظهر في الحال الأصلح والمصلحة لم يجز العدول عن الأصلح .

ويترتب على ذلك اخذ الولي بالشفعة للمولى عليه ، حيث لا مصلحة ولا مفسدة ، وتزويج المجنون حيث لا مفسدة ، وغير ذلك ، انتهى ، الظاهر

_________________________

( وعلى كل تقدير ) سواء قلنا بلزوم الأصلح ، أم لا ( لو ظهر في الحال ) الّذي يريد الولي نقل مال المولى عليه ( الأصلح والمصلحة ) معا كما لو كان للمتاع مشتريان ، أحدهما يشتريه بعشرة ، والآخر بأحد عشر ( لم يجز العدول عن الأصلح ) لأصالة عدم النقل في هذا الحال وان قلنا بكفاية المصلحة في الجملة ، في غير هذا الحال .

( ويترتب على ذلك ) الّذي ذكرنا ، هل يشترط الاخذ بالمصلحة ، أم يكفى عدم المفسدة ؟ ( اخذ الولي بالشفعة للمولى عليه ) كما إذا كانت دار مثلا مشتركة بين اليتيم وغيره ، ثم باع غير اليتيم ، فإذا كان الاخذ بالشفعة بالنسبة إلى اليتيم صلاحا ، كان اللازم على الولي ان يأخذ بالشفعة ، وان لم يكن صلاحا لم يلزم ، ف ( حيث لا مصلحة ولا مفسدة ) لا يلزم الاخذ ، وان اخذ بالشفعة - والحال هذه - صح على القول بكفاية عدم المفسدة ، ولم يصح على القول باشتراط المصلحة ( وتزويج المجنون حيث لا مفسدة ) فإنه صحيح على القول بكفاية عدم المفسدة ، وباطل على القول باشتراط المصلحة ( وغير ذلك ) من الأمثلة ( انتهى ) كلام الشهيد في القواعد .

قال المصنف : ( الظاهر ) من تتبع النص والفتوى

ص: 262

ان فعل الأصلح في مقابل ترك التصرف رأسا ، غير لازم ، لعدم الدليل عليه ، فلو كان مال اليتيم موضوعا عنده وكان الاتجار به اصلح منه لا يجب ، الا إذا قلنا بالمعنى الرابع ، من معاني القرب في الآية ، بان يراد : لا تختاروا في مال اليتيم امرا من الافعال أو التروك الا ان يكون أحسن من غيره .

وقد عرفت الاشكال في استفادة هذا المعنى ، بل الظاهر :

التصرفات الوجودية ، فهي المنهى عن جميعها لا ما كان أحسن من غيره ، ومن

_________________________

( ان فعل الأصلح في مقابل ترك التصرف رأسا ) بان يترك الولي التصرف لا ان يترك الأصلح ويفعل الصالح ( غير لازم ، لعدم الدليل عليه ) إذ :

ظاهر الآية - كما قيل - ان القرب ، لو أريد به لزم ان يكون بالأحسن لا ان القرب واجب مطلقا ( فلو كان مال اليتيم موضوعا عنده وكان الاتجار به ) اى بالمال ( اصلح منه ) اى من البقاء عنده ( لا يجب ) على الولي الاتجار ( الا إذا قلنا بالمعنى الرابع ، من معاني القرب في الآية ، بان يراد : لا تختاروا في مال اليتيم امرا من الافعال أو التروك الا ان يكون أحسن من غيره ) .

وعلى هذا المعنى لا يمكن ان يختار في مال اليتيم بقائه موضوعا في حال كون الاتجار أحسن .

( وقد عرفت الاشكال في استفادة هذا المعنى ) من الآية ( بل الظاهر ) من : القرب ( التصرفات الوجودية ، فهي المنهى عن جميعها لا ما كان أحسن من غيره ، ومن

ص: 263

الترك ، فلا يشمل ما إذا كان فعل أحسن من الترك .

نعم ثبت بدليل خارج حرمة الترك ، إذا كان فيه مفسدة .

واما إذا كان في الترك مفسدة ، ودار الامر بين افعال بعضها اصلح من بعض ، فظاهر الآية عدم جواز العدول عنه .

بل ربما يعد العدول في بعض المقامات افسادا ، كما إذا اشترى في موضع بعشرة ، وفي موضع اخر قريب منه

_________________________

الترك ) فإذا كان الاتجار ممكنا بربح عشرة ، وبربح احدى عشرة ، وأمكن الابقاء بلا ربح ، كان اللازم ربح احدى عشرة على ربح عشرة وعلى الترك ( فلا يشمل ما إذا كان فعل أحسن من الترك ) فإنه لا يجب حينئذ العدول عن الترك إلى الفعل ، الا ان يقال بالمناط ، فإنه إذا جاز الترك الّذي لا ربح فيه أصلا ، جاز الفعل الّذي ليس باصلح بطريق أولى .

( نعم ثبت بدليل خارج ) كقوله تعالى : واللّه يعلم المصلح من المفسد ، في باب مخالطة الأيتام ( حرمة الترك ، إذا كان فيه مفسدة ) كما إذا كان يترك ثمار الصغير على النخل حتى تفسد ، أو يترك الولد أو البنت الصغيرين بلا عناية ورعاية حتى يفسدان أخلاقا أو عملا - مثلا - .

( واما إذا كان في الترك مفسدة ، ودار الامر بين افعال بعضها اصلح من بعض ، فظاهر الآية عدم جواز العدول عنه ) اى عن الأصلح لظهور : أحسن ، في التفضيل .

( بل ربما يعد العدول في بعض المقامات افسادا ، كما إذا اشترى ) متاع الصغير ( في موضع بعشرة ، وفي موضع آخر قريب منه ) اى من

ص: 264

بعشرين ، فإنه يعد بيعه في الأول إفسادا للمال ، ولو ارتكبه عاقل عد سفيها ، ليس فيه ملكة اصلاح المال .

وهذا هو الّذي اراده الشهيد بقوله : ولو ظهر في الحال الخ .

نعم قد لا يعد العدول من السفاهة ، كما لو كان بيعه مصلحة ، وكان بيعه في بلد آخر اصلح مع اعطاء الأجرة منه ان ينقله إليه ، والعلم بعدم الخسارة ، فإنه قد لا يعد ذلك سفاهة .

_________________________

الموضع الأول ( بعشرين ، فإنه يعد بيعه في الأول افساد للمال ، ولو ارتكبه ) اى البيع ( عاقل عد سفيها ، ليس فيه ملكة اصلاح المال ) ولذا نقول بعدم جواز بيعه في الموضع الأول .

( وهذا هو الّذي اراده الشهيد ) الأول ( بقوله ) المتقدم قبل أسطر ( ولو ظهر في الحال الخ ) وانما نفس كلامه بهذا المعنى ، مع أن كلامه أعم ، حتى يلائم قوله السابق : بالترديد بين اشتراط المصلحة وكفاية عدم المفسدة ، والأنفس قوله : ولو ظهر بهذا التفسير لوقع التنافي بين الكلامين كما لا يخفى .

( نعم قد لا يعد العدول ) عن بيعه في موضع يشترى فيه بعشرين إلى موضع يشترى فيه بعشرة ( من السفاهة كما لو كان ) أصل ( بيعه مصلحة وكان بيعه في بلد آخر اصلح مع اعطاء الأجرة منه ) اى من الصغير ، ل ( ان ينقله إليه ) اى ينقل المتاع إلى ذلك البلد ( والعلم بعدم الخسارة ) في الطريق ، وما أشبه ( فإنه قد لا يعد ذلك ) البيع في هذا البلد بعشرة ( سفاهة ) لاعتياد العقلاء ، بعدم تحرى البلاد البعيدة ، إذا

ص: 265

لكن ظاهر الآية وجوبه .

_________________________

كان الربح فيها أكثر الا نادرا .

( لكن ظاهر الآية وجوبه ) اى وجوب بيعه في البلد الأصلح ، للفظة : أحسن ، ولا شك ان البيع في ذلك البلد أحسن ، من البيع في هذا البلد واللّه العالم .

ص: 266

مسئلة يشترط فيمن ينقل إليه العبد المسلم ثمنا أو مثمنا ، ان يكون مسلما

فلا يصح نقله إلى الكافر عند أكثر علمائنا كما في التذكرة بل عن الغنية عليه الاجماع ، خلافا للمحكى في التذكرة عن بعض علمائنا .

_________________________

( مسئلة : يشترط فيمن ينتقل إليه العبد المسلم ثمنا ) كان العبد المسلم ، كان يشترى سيده دارا بإزاء عبده ( أو مثمنا ) كان يبيعه سيده بمقابل مائة دينار ( ان يكون مسلما ) اى قسم من المسلم كان الا الفرق المحكوم بكفرهم ، فهم والكافر سواء .

اللهم الا إذا كان العبد أيضا على ذلك المبدأ ، كما لو كان كل من العبد والمشترى ناصبيا ،

وفي جواز بيع الناصبي للكافر ، وجه قوى ، لعدم شمول الأدلة المانعة له ( فلا يصح نقله ) اى العبد المسلم ( إلى الكافر عند أكثر علمائنا )

وهل يجوز نقل الأمة الشيعية إلى غير الشيعة ؟ بعد كون الظاهر جواز نقل العبد الشيعي إليه ، احتمالان .

من : اصالة الجواز .

ومن قوله عليه السلام : لا توضع العارفة الا عند العارف ، فإنه شامل لما نحن فيه لفظا أو مناطا ( كما في التذكرة ) ان ذلك عند أكثر علمائنا ( بل عن الغنية عليه الاجماع ، خلافا للمحكى في التذكرة عن بعض علمائنا ) حيث قال بالجواز .

ص: 267

وسيأتي عبارة الإسكافي في المصحف .

واستدل للمشهور تارة بان الكافرة يمنع من استدامته ، لأنه لو ملكه قهرا بإرث أو اسلم في ملكه ، بيع عليه ، فيمنع من ابتدائه كالنكاح .

وأخرى : بان الاسترقاق سبيل على المؤمن ، فينتفى بقوله تعالى وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا .

_________________________

( وسيأتي عبارة الإسكافي في المصحف ) فان المصحف الشريف أيضا لا يجوز نقله إلى الكافر .

( واستدل للمشهور ) القائلين بعدم جواز بيع المسلم للكافر ( تارة بان الكافر يمنع من استدامته ) اى استدامة كونه مالكا للعبد المسلم ( لأنه ) اى الكافر ( لو ملكه ) اى المسلم ( قهرا بإرث ، أو اسلم ) عبد كافر ( في ملكه ) اى في ملك المولى الكافر ( بيع عليه ) كما دل على ذلك الدليل فإنه إذا لم يبعه الكافر بنفسه باعه الحاكم قهرا على الكافر ( فيمنع ) الكافر ( من ابتدائه ) اى ابتداء تملكه للمسلم ، بان يشتريه ، وذلك لوحدة المناط في الابتداء والاستمرار ( كالنكاح ) الّذي لا يجوز للكافر أن يتزوج المسلمة ابتداءً ، كما أن زوج الكافر لو أسلمت أجبر على الفراق استمرارا .

( و ) استدل له تارة ( أخرى : بان الاسترقاق سبيل على المؤمن فينتفى ) اى لا يتحقق ( بقوله تعالى : وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ) واى سبيل أعظم من أن يكون المؤمن تحت يد الكافر ، بحيث لا يقدر على شيء ، والكافر يقدر على كل تصرف فيه .

ص: 268

وبالنبوى المرسل في كتب أصحابنا المنجبر بعلمهم واستدلالهم به في موارد متعددة - حتى في عدم جواز علو بناء الكافر على بناء المسلم ، بل عدم جواز مساواته وهو قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلم :

الاسلام يعلو ولا يعلى عليه .

ومن المعلوم : ان ما نحن فيه أولى بالاستدلال عليه به .

لكن الانصاف : انه لو اغمض النظر عن دعوى الاجماع المعتضد بالشهرة ، أو اشتهار التمسك بالآية حتى اسند في كنز العرفان إلى

_________________________

( وبالنبوى المرسل في كتب أصحابنا المنجبر بعلمهم واستدلالهم به في مورد متعددة - حتى في عدم جواز علو بناء الكافر على بناء المسلم بل عدم جواز مساواته ) اى مساواة بناء الكافر لبنائه ( وهو قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : الاسلام يعلو ولا يعلى عليه ) فان المراد الاسلام وما يتبع الاسلام ، اى المسلم وسائر ما يتعلق بالاسلام الّذي منه البناء .

( ومن المعلوم : ان ما نحن فيه ) من سيطرة الكافر على العبد المسلم ( أولى بالاستدلال عليه ) اى على ما نحن فيه - بأنه لا يمكن - ( به ) اى بهذا الحديث ، من الاستدلال بهذا الحديث ، لعدم علو بناء الكافر على بناء المسلم ، إذ علو نفس الكافر على نفس المسلم أبشع من علو بناء الكافر على بناء المسلم .

( لكن الانصاف : انه لو اغمض النظر عن دعوى الاجماع المعتضد بالشهرة ، أو ) المعتضد ب ( اشتهار التمسك بالآية حتى اسند في كنز العرفان ) التمسك بالآية لأجل عدم صحة مالكية الكافر للعبد المسلم ( إلى

ص: 269

الفقهاء ، وفي غيره إلى أصحابنا لم يكن ما ذكروه من الأدلة خاليا عن الاشكال في الدلالة .

اما قياس حكاية الابتداء على الاستدامة ، فغاية توجيهه ان المستفاد من منع الشارع عدم رضاه بأصل وجوده حدوثا ، وبقاء ، من غير مدخلية لخصوص البقاء ، كما لو امر المولى باخراج أحد من الدار ، أو بإزالة النجاسة عن المسجد ، فإنه يفهم من ذلك عدم جواز الادخال .

_________________________

الفقهاء ، وفي غيره ) اى غير كنز العرفان اسند ذلك ( إلى أصحابنا - لم يكن ما ذكروه من الأدلة خاليا عن الاشكال في الدلالة ) على الاشتراط المذكور .

( اما قياس حكاية الابتداء على الاستدامة ) حيث قالوا إنه لا يمكن الاستدامة فلا يمكن الابتداء ( فغاية توجيهه ) اى توجيه هذا القياس ليخرج عن كونه قياسا باطلا إلى كونه دليلا صحيحا ( ان المستفاد من منع الشارع ) لبقاء العبد المسلم عند الكافر ، و ( عن استدامته ) اى دوام البقاء عنده ( عدم رضاه ) اى الشارع ( بأصل وجوده حدوثا ) بان يحدث تملك الكافر المسلم ( وبقاء ) بان يبقى عنده ( من غير مدخلية لخصوص البقاء ) بما هو بقاء ، فيكون ذلك ( كما لو امر المولى باخراج أحد من الدار أو بإزالة النجاسة عن المسجد ، فإنه يفهم من ذلك ) عرفا ( عدم جواز الادخال ) بأن يدخل اللص - مثلا - المأمور باخراجه ، ثانيا إلى الدار أو يدخل النجاسة المسرية في المسجد .

ص: 270

لكن يرد عليه ان هذا انما يقتضي كون عدم الرضا بالحدوث ، على نهج عدم الرضا بالبقاء .

ومن المعلوم : ان عدم رضاه بالبقاء مجرد تكليف بعدم ابقائه وباخراجه عن ملكه ، وليس معناه عدم امضاء الشارع بقائه حتى يكون العبد المسلم خارجا بنفسه شرعا عن ملك الكافر ، فيكون عدم رضاه بالادخال على هذا الوجه ، فلا يدل على عدم امضائه لدخوله في ملكه

_________________________

( لكن يرد عليه ) ان الشارع يعترف بملكية الكافر للمسلم ، والا لم يحتج إلى أن يأمر بالبيع عليه قهرا فمن اين انه لا يمكن تمليك الكافر للمسلم ابتداءً ؟ .

ف ( ان هذا ) المناط والقياس الّذي ذكر ( انما يقتضي كون عدم الرضا بالحدوث ، على نهج عدم الرضا بالبقاء ) إذ هذا هو مقتضى القياس والمناط ، إذ لا يزيد الفرع على الأصل .

( ومن المعلوم : ان عدم رضاه بالبقاء مجرد تكليف بعدم ابقائه وباخراجه ) اى المسلم ( عن ملكه ) اى ملك الكافر ، فهو امر تكليفي ، وليس امرا وضعيا بمعنى عدم الملك ( وليس معناه عدم امضاء الشارع بقائه ) اى بقاء الكافر في ملك المسلم ( حتى يكون العبد المسلم خارجا بنفسه ) بدون اخراج ( شرعا عن ملك الكافر ، فيكون عدم رضاه بالادخال ) في ملك الكافر ( على هذا الوجه ) اى وجه عدم البقاء بمعنى التكليف لا الوضع ( فلا يدل على عدم امضائه ) اى الشارع ( لدخوله ) اى المسلم ( في ملكه )

ص: 271

ليثبت بذلك الفساد .

والحاصل : ان دلالة النهى عن الادخال في الملك تابعة لدلالة النهى عن الابقاء في الدلالة ، على امضاء الشارع لآثار المنهى عنه ، وعدمه ، والمفروض انتفاء الدلالة في المتبوع .

ومما ذكرنا : يندفع التمسك للمطلب بالنص الوارد في عبد كافر اسلم ، فقال أمير

_________________________

اى ملك الكافر ( ليثبت بذلك ) اى بعدم امضائه ( الفساد ) للبيع .

( والحاصل ) في وجه الاستدلال على عدم بطلان اشتراء الكافر للعبد المسلم ( ان دلالة النهى عن الادخال في الملك تابعة لدلالة النهى عن الابقاء ) اى ابقاء العبد المسلم في ملك الكافر ( في الدلالة ) متعلق بتابعة ( على امضاء الشارع لآثار المنهى عنه ) اى تملك الكافر للمسلم - فإنه منهى عنه - ( وعدمه ) اى عدم وجود آثار المنهى عنه .

فإذا قلنا اثر النهى : البقائى ، البطلان ، نقول : بان اثر النهى :

الحدوثى ، أيضا البطلان .

وان قلنا : الأثر الحرمة بقاء ، نقول : الأثر ، الحرمة حدوثا - لا البطلان - ( والمفروض انتفاء الدلالة ) اى دلالة النهى على الفساد ( في المتبوع ) اى البقاء ، فالدلالة على الفساد في التابع اى الحدوث أيضا منتف .

( ومما ذكرنا : يندفع التمسك للمطلب ) وهو اشتراط ان لا يكون المشترى للعبد المسلم كافرا ( بالنص الوارد في عبد كافر اسلم ، فقال أمير

ص: 272

المؤمنين عليه السلام : اذهبوا ، فبيعوه من المسلمين وادفعوا ثمنه إلى صاحبه ، ولا تقروه عنده بناء على أن تخصيص البيع بالمسلمين في مقام البيان والاحتراز يدل على المنع من بيعه من الكافر ، فيفسد توضيح الاندفاع ان التخصيص بالمسلمين انما هو من جهة ان الداعي على الامر بالبيع ، هي إزالة ملك الكافر ، والنهى عن ابقائه عنده ، وهي لا تحصل بنقله إلى كافر آخر ، فليس تخصيص المأمور به لاختصاص مورد الصحة به ، بل لان الغرض من الامر لا يحصل الا به ، فافهم .

_________________________

المؤمنين عليه السلام : اذهبوا ، فبيعوه من المسلمين وادفعوا ثمنه إلى صاحبه ، ولا تقروه عنده ) .

وجه الدلالة ( بناء على أن تخصيص البيع بالمسلمين في مقام البيان والاحتراز ) عطف على : البيان ، ان القيد قيد احترازي ، لا انه قيد لفظي فقط ( يدل على المنع من بيعه من الكافر ، فيفسد توضيح الاندفاع ان التخصيص بالمسلمين ) ليس من جهة الاحتراز ، بل ( انما هو من جهة ان الداعي على الامر بالبيع ، هي إزالة ملك الكافر ، والنهى عن ابقائه عنده ، وهي ) اى إزالة ملك الكافر ( لا تحصل بنقله إلى كافر آخر ) إذ يجب حينئذ نقله أيضا إلى ثالث ، وهكذا ( فليس تخصيص المأمور به ) بكون المشترى مسلما ( لاختصاص مورد الصحة به ) اى بكون المشترى مسلما ( بل لان الغرض من الامر لا يحصل الا به ، فافهم ) فان الظاهر من القيد الاحترازية ، ولا منافاة بين ان يكون الوجه عدم بقائه عند الكافر مع مطلوبيته ان لا يكون عند كافر آخر ، فحصر الوجه في التخلص

ص: 273

واما الآية : فباب الخدشة فيها واسع تارة من جهة دلالتها في نفسها ولو بقرينة سياقها الآبي عن التخصيص ، فلا بد من حملها على معنى لا يتحقق فيه تخصيص .

_________________________

لا وجه له .

وعليه : فالحديث يكون دليلا على عدم صحة البيع من الكافر .

وحيث علمنا بأنه لا خصوصية في ذلك الا الاسلام نقول : بالتعدى عن مورد الرواية إلى كل بيع للمسلم إلى الكافر .

( واما الآية ) وهي قوله تعالى : وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ( فباب الخدشة فيها واسع تارة من جهة دلالتها في نفسها ) فإنها لا تدل على أن كل تسلّط سبيل ( ولو بقرينة سياقها الآبي عن التخصيص ) .

فلو قلنا : ان المراد بها نفى كل تسلط للكافر على المؤمن ، يجب ان لا يصح ايكال الكافر للمؤمن ، ولا الاشتراء منه ، لأنه تسليط للكافر على المطالبة من المؤمن ، وحبسه في الدين إذا كان واجدا مما طلا .

إلى غير ذلك من انحاء التسلط التي لا اشكال فيها .

وحيث إن الآية : آبية عن التخصيص - لان ظاهرها ان ذلك التسليط والسبيل مما لا يكون لأجل وصف الايمان - لا يمكن ان يفسر السبيل بتفسير يوجب التخصيص فيه ( فلا بد من حملها ) اى الآية ( على معنى لا يتحقق فيه تخصيص ) كان يكون المراد نفى الحجة .

فهي عبارة أخرى عن أن الحجة للمؤمن دائما أقوى من الحجة

ص: 274

أو بقرينة ما قبلها الدالة على إرادة نفى الجعل في الآخرة .

وأخرى من حيث تفسيرها في بعض الأخبار بنفي الحجة للكفار على المؤمنين ، وهو ما روى في العيون عن أبي الحسن عليه السلام ردا على من زعم أن المراد بها نفى تقدير اللّه سبحانه - بمقتضى الأسباب العادية تسلط الكفار على المؤمنين حتى أنكروا - لهذا المعنى الفاسد الّذي لا يتوهمه ذو مسكة ان الحسين بن علي ( ع ) لم يقتل ، بل شبه لهم

_________________________

للكافر - لا الفعلية عند البحث والمجادلة ، بل الواقعية ، وان الأدلة التي تدعم الايمان لا يمكن ان تغلب - .

( أو ) عطف على : في نفسها ، ( بقرينة ما قبلها الدالة على إرادة نفى الجعل في الآخرة ) وهو قوله تعالى : فاللّه يحكم بينكم يوم القيمة .

( وأخرى ) عطف على : تارة ، ( من حيث تفسيرها في بعض الأخبار بنفي الحجة للكفار على المؤمنين ، وهو ما روى في العيون عن أبي الحسن عليه السلام ردا على من زعم أن المراد بها ) اى بالآية ( نفى تقدير اللّه سبحانه - بمقتضى الأسباب العادية ) اى نفى اجراء اللّه العادة - كنفيه اجراء العادة بتبريد النار - ( تسلط الكفار على المؤمنين حتى أنكروا ) أولئك الزاعمون ( - لهذا المعنى الفاسد الّذي لا يتوهمه ذو مسكة ) اى صاحب امساك في الفكر يتمكن من اخذ زمام فكره ، حتى لا يذهب وراء كل باطل وفاسد .

وقوله : لهذا ، معناه ان التوهم كان ناشئا من تفسيرهم للآية بهذا التفسير الفاسد ( ان الحسين بن علي ( ع ) لم يقتل ) في كربلاء ( بل شبه لهم )

ص: 275

ورفع ، كعيسى على نبينا وآله وعليه السلام .

وتعميم الحجة على معنى يشمل الملكية ، أو تعميم السبيل على وجه يشمل الاحتجاج والاستيلاء ، لا يخلو عن تكلف .

_________________________

اى للقتلة ، حتى زعموا ان من قتلوه كان حسينا عليه السلام ، والحال ان الّذي قتلوه هو غير الحسين عليه السلام ( ورفع ) الحسين عليه السلام إلى السماء ( كعيسى على نبينا وآله وعليه السلام ) الّذي لم يقتل ، وانما قتل زعيم اليهود .

( و ) ان قلت : لما ذا تخصصون الآية بالحجة ، بل عمموها بحيث تشمل نفى الملك ، والاستيلاء إلى جنب نفى الحجة والاستدلال .

قلت : ( تعميم الحجة ) في تفسير الإمام عليه السلام حيث قال في تفسير الآية : لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لكافر على مؤمن حجة ، ( على معنى يشمل الملكية ) إذ : الحجة بمعنى الغلبة ، والمالك للشيء غالب عليه ( أو تعميم السبيل ) في الآية ( على وجه يشمل الاحتجاج والاستيلاء ) إذ :

الغلبة في الاحتجاج جعل .

ومن المعلوم : ان كل شيء مجهول للّه تعالى ، اما بنفسه كخلق السماوات والأرض ، واما بمقدماته كالافعال الاختيارية من العباد .

إذ : لولا تلك المقدمات الاختيارية لم تقع الأفعال الاختيارية من الناس المختارين ( لا يخلو عن تكلف ) لمنافات هذا التعميم للظهور ، والمتبع في الالفاظ الظهور العرفي .

وإذا لا يشمل الحجة في كلام الامام للملكية .

ص: 276

وثالثة : من حيث تعارض عموم الآية مع عموم ما دل على صحة البيع ، ووجوب : الوفاء بالعقود ، وحل اكل المال بالتجارة ، و : تسلط الناس على أموالهم وحكومة الآية عليها غير معلومة .

_________________________

( وثالثة : من حيث تعارض عموم الآية ) لو قلنا : بان لها عموما يشمل الاستيلاء والملكية ( مع عموم ما دل على صحة البيع ، ووجوب :

الوفاء بالعقود ، و : حل اكل المال بالتجارة ، و : تسلط الناس على أموالهم ) كقوله تعالى : أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ، وقوله تعالى : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، وقوله تعالى : إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ، وقوله عليه السلام :

الناس مسلطون على أموالهم .

( و ) ان قلت : ان النسبة وان كانت عموما من وجه ، لشمول : نفى السبيل ، للبيع وغيره ، وشمول : هذه الأدلة ، لبيع المسلم للكافر ، وغيره الّذي يقتضي التعارض في مادة الاجتماع ، وهي : بيع المسلم من الكافر ، فيتساقطان ، ونرجع فيه إلى الأدلة العامة المجوزة ، كالأصول ونحوها .

الا ان آية : نفى السبيل ، حاكمة على تلك الأدلة ، لان لسانها في مقام التفسير والبيان بان كلما كان سبيلا ثابتا بسائر الأدلة فهي منفية بالنسبة إلى الكافر على المؤمن .

قلت : ( حكومة الآية ) اى : نفى السبيل ( عليها ) اى على تلك الأدلة ( غير معلومة ) إذ : الحكومة تحتاج إلى قوة في الحاكم توجب تقديمه على المحكوم ، ولم يعلم أن قوة عدم : جعل السبيل ، أكثر من قوة

ص: 277

واباء سياق الآية عن التخصيص مع وجوب الالتزام به في طرف الاستدامة ، وفي كثير من الفروع في الابتداء يقرب تفسير السبيل بما لا يشمل الملكية ، بان يراد من : السبيل السلطنة ،

_________________________

تجارة عن تراض ، اى لم يعلم أن الشارع لاحظ قوة الرضا - مثلا - في النقل والانتقال ، أو لاحظ قوة عدم امكان ان يكون للكافر سبيل على المؤمن - في مورد تعارض الامرين : السبيل ، والرضا بالتجارة - .

( و ) ان قلت : سياق الآية يأبى عن التخصيص ، فلو قلنا : بان الملكية سبيل يلزم ان نقول بالتخصيص ، لأنا نرى إجازة الشارع الملكية في الملك الاستمراري فان الشارع لم يبطل ملك الكافر للمسلم ، فيما إذا اسلم عبد الكافر .

فاللازم ان نقول : الملكية ليست سبيلا فلا تشمل الآية الملكية ، فلا تدل على عدم جواز بيع العبد المسلم للكافر .

وهذا ما ذكره بقوله : و ( اباء سياق الآية ) القوى في ان الايمان بما هو ايمان ارفع من أن يجعل للكافر سبيل عليه ( عن التخصيص ) مطلقا ( مع وجوب الالتزام به ) اى بالتخصيص ( في طرف الاستدامة ) اى ملكية الكافر للمؤمن استدامة ( وفي كثير من الفروع في الابتداء ) كرهن المؤمن داره عند الكافر ، واستدانة المؤمن من الكافر ، وايكال الكافر للمؤمن ( يقرب تفسير السبيل ) في الآية الكريمة ( بما لا يشمل الملكية ، بان يراد من : السبيل ، السلطنة ) .

ومن المعلوم : ان بين الامرين عموما من وجه إذ : يمكن السلطنة

ص: 278

فيحكم بتحقق الملك ، وعدم تحقق السلطنة ، بل يكون محجورا عليه ، مجبورا على بيعه ، وهذا وان اقتضى التقييد في اطلاق ما دل على :

استقلال الناس في أموالهم ، وعدم حجرهم بها .

لكنه مع ملاحظة وقوع مثله كثيرا في موارد الحجر على المالك أهون من ارتكاب التخصيص في الآية

_________________________

بدون ملكية ، كالعين المستأجرة للمستأجر ، ويمكن الملكية بدون سلطنة كملك الصغير ، ويمكن اجتماعهما كسائر الاملاك للناس .

وبناء على عدم السبيل من ناحية ، والملكية من ناحية أخرى في مسئلة العبد المسلم ( فيحكم بتحقق الملك ، وعدم تحقق السلطنة ، بل يكون ) الكافر ( محجورا عليه ، مجبورا على بيعه ، وهذا ) الّذي ذكرنا من الحجر والجبر ( وان اقتضى التقييد في اطلاق ما دل على : استقلال الناس في أموالهم ) فلا يجبرون على البيع ( وعدم حجرهم بها ) اى بأحوالهم ، فلهم الحرية في كل التصرفات بالنسبة إلى أحوالهم .

( لكنه مع ملاحظة وقوع مثله كثيرا في موارد الحجر على المالك ) كما إذا كان صغيرا ، أو مجنونا ، أو سفيها ، أو مفلسا ، أو ما أشبه ( أهون من ارتكاب التخصيص في الآية ) إذ : الامر دائر بين ان نقول : بتخصيص الآية ، أو تخصيص أدلة الملكية المطلقة .

وإذا دار الامر بين تخصيصين كان أحدهما أقرب - لكثرة مثله - كان اللازم الاخذ به ، مثلا إذا قال المولى : أكرم العلماء ، وقال : أكرم الكسبة ، ثم قال : لا تكرم زيدا ، وكان زيد مشتركا بين زيد تاجر وزيد عالم

ص: 279

المسوقة لبيان ان الجعل شيء لم يكن ، ولن يكون .

وان نفى الجعل ناش عن احترام المؤمن الّذي لا يقيد بحال دون حال .

هذا مضافا إلى أن استصحاب الصحة في بعض المقامات يقتضي الصحة ، كما إذا كان الكافر مسبوقا بالاسلام ، بناء على شمول الحكم لمن كفر عن

_________________________

وقد خصص قبلا أكرم الكسبة ، بتخصيصات كثيرة ، فان ذلك يوجب انصراف الذهن إلى أن المراد بزيد المنهى عن اكرامه زيد الكاسب ، لا العالم .

خصوصا والآية أبية عن التخصيص ، فيصعب ارتكاب التخصيص في الآية ( المسوقة لبيان ان الجعل ) اى جعل السبيل للكافر على المؤمن ( شيء لم يكن ، ولن يكون ) .

فان الظاهر من : لن ، هنا ، الماضي والمستقبل ، لا المستقبل فقط ، ولذا قال المصنف : لم يكن ولن يكون .

( و ) لبيان ( ان نفى الجعل ناش عن احترام المؤمن الّذي لا يقيد ) احترام المؤمن ( بحال دون حال ) والتخصيص تقييد - كما لا يخفى - .

( هذا مضافا إلى أن استصحاب الصحة في بعض المقامات يقتضي الصحة ) لبيع العبد المسلم للكافر ( كما إذا كان الكافر مسبوقا بالاسلام ) فإنه في هذا الحال يصح بيع العبد المسلم له .

فإذا كفر وشككنا في صحة بيع العبد له كان مقتضى الاستصحاب الصحة ( بناء على شمول الحكم ) اى الحكم الّذي ذكروه بأنه لا يصح بيع العبد المسلم للكافر ( لمن كفر عن

ص: 280

الاسلام أو كان العبد مسبوقا بالكفر ، فيثبت في غيره بعدم الفصل .

ولا يعارضه اصالة الفساد في غير هذه الموارد ، لأن استصحاب الصحة مقدم عليها ، فتأمل .

_________________________

الاسلام ) لا ان يكون مرادهم بالكافر ، الكافر الأصلي فقط ( أو كان العبد مسبوقا بالكفر ) فإنه في حال كفره يصح بيعه للكافر .

فإذا اسلم وشككنا في انه هل يصح بيعه ، أم لا ؟ كان الأصل الصحة استصحابا لحال كفره .

وإذا تحقق الصحة بالأصل في بعض الصور ( فيثبت في غيره ) من سائر الصور ، كحال كفر المولى واسلام العبد من الأول ( بعدم الفصل ) إذ ليس هناك من يفصل بين اقسام المولى الكافر اى المسبوق بالاسلام وغيره ، كما أنه ليس هناك من يفصل بين اقسام العبد المسلم اى المسبوق بالكفر ، وغيره .

( و ) ان قلت : لنا ان نعكس الامر ، فنقول : إذا كان المولى كافرا أصليا لم يصح البيع له ، فإذا كان كافرا جديدا لم يصح البيع إليه لعدم القول بالفصل ، وكذا إذا كان العبد مسلما أصليا لم يصح بيعه ، فكذلك إذا كان مسلما جديدا .

قلت : ( لا يعارضه ) اى لا يعارض عدم الفصل الّذي ذكرنا لتصحيح البيع ( اصالة الفساد في غير هذه الموارد ) اى مورد كفر المولى اصالة ، واسلام العبد اصالة ( لأن استصحاب الصحة مقدم عليها ) اى على اصالة الفساد ( فتأمل ) فان استصحاب الصحة غير جار مع تبدل الموضوع ، فان

ص: 281

ثم : ان الظاهر أنه لا فرق بين البيع ، وأنواع التمليكات ، كالهبة والوصية .

واما تمليك المنافع ، ففي الجواز مطلقا ، كما يظهر من التذكرة ، ومقرب النهاية ، بل ظاهر المحكى عن الخلاف .

_________________________

فان المسلم لو كفر لا يمكن ان يستصحب صحة البيع إليه في حال اسلامه كما أن العبد الكافر لو اسلم لا يمكن ان يستصحب صحة بيعه في حال كفره .

إذا الكفر والاسلام من المقومات ، لا من الحالات الخارجة عن الموضوع ، حيث لا يضر تبدلها في جريان الاستصحاب - كما لا يخفى - .

( ثم : ان الظاهر أنه لا فرق ) في عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر ( بين البيع ، وأنواع التمليكات ، كالهبة والوصية ) فلا يصح ان يهب الانسان العبد المسلم إلى الكافر .

وكذلك لا يصح ان يوصى مالك العبد المسلم ان يعطى عبده - بعد موته - إلى شخص كافر .

وكذلك لا يصح ان يجعل العبد بدل الايجار حتى ينتقل إلى الكافر أو حق الوكالة التي أعطاها لكافر ، أو ما أشبه من وجوه الانتقال إلى الكافر .

( واما تمليك ) الكافر ( المنافع ) للعبد المسلم كما لو أن المالك للمسلم اعطى العبد للكافر بعنوان الإجارة لاستخدام الكافر إياه في مصالحه مثلا - ( ففي الجواز مطلقا ، كما يظهر من التذكرة ، ومقرب النهاية ، بل ظاهر المحكى عن الخلاف ) لأصالة الجواز ، والدليل انما دل على المنع

ص: 282

أو مع وقوع الإجارة على الذمة ، كما عن الحواشى ، وجامع المقاصد والمسالك .

أو مع كون المسلم الأجير حرا ، كما عن ظاهر الدروس .

_________________________

عن الانتقال ، والمناط ليس موجودا ، والتسلط وان كان ، لكنه في الجملة ومثله مشكوك الشمول للآية .

( أو ) الجواز ( مع وقوع الإجارة على الذمة ) لا على العين .

فإنه قد يكون العبد المسلم مكلفا ببناء دار الكافر في ذمته بحيث لا سبيل للكافر على شخص المسلم ، فإذا بنى المسلم داره بسبب ، أو مباشرة أدى ما عليه ،

وقد يكون العبد المسلم مكلفا ببناء الدار بنفسه حتى يكون للكافر تسلط على شخص المسلم .

أو الفصل على جواز الأول دون الثاني ، لان الأول ليس سبيلا ( كما عن الحواشى ، وجامع المقاصد ، والمسالك ) .

( أو ) الجواز ( مع كون المسلم الأجير حرا ) لا ما إذا كان عبدا - والمسألة خارجة عن موضوع الكلام ، وانما ذكرت هنا لأجل المناسبة كما لا يخفى - ( كما عن ظاهر الدروس ) وانما جاز في المسلم الحر ، لأنه ليس سبيلا ، بل هو كسائر المعاملات بين المسلم والكافر مما يلتزم المسلم تجاه . الكافر بعمل .

ويؤيده ما ورد من ايجار أمير المؤمنين عليه السلام نفسه لليهودي ، حتى يستقى له - كما في البحار - وكما كانت الزهراء عليها السلام تغزل

ص: 283

أو المنع مطلقا ، كما هو ظاهر القواعد ، ومحكى الايضاح أقوال :

أظهرها : الثاني ، فإنه كالدين ، ليس ذلك سبيلا فيجوز ، ولا فرق بين الحر والعبد ، كما هو ظاهر اطلاق كثير ، كالتذكرة ، وحواشي الشهيد ، وجامع المقاصد ، بل ظاهر المحكى عن الخلاف نفى الخلاف فيه ، حيث قال فيه : إذا استأجر كافر مسلما لعمل في الذمة ، صح ، بلا خلاف ، وإذا استأجره مدة من الزمان شهرا أو سنة ليعمل عملا

_________________________

لليهودي - كما في بعض الأخبار - .

وانما لم يجز بالنسبة إلى العبد المسلم لفحوى عدم جواز بيعه من الكافر ، أو لغير ذلك من بعض المؤيدات .

( أو المنع مطلقا ) في جميع الاقسام ( كما هو ظاهر القواعد ، ومحكى الايضاح ) لان السبيل موجود في جميع الاقسام ( أقوال ) .

( أظهرها ) لدى المصنف ( الثاني ) وهو التفصيل بين وقوع الإجارة على العين أو الذمة ( فإنه ) إذا كان على الذمة كان ( كالدين ، ليس ذلك سبيلا ) من الكافر على المسلم ، فكما يجوز ان يستدين المسلم من الكافر ، ويطلب منه كما ورد من طلب بعض الكفار عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، كذلك يجوز تعلق حق الكافر بذمة المسلم ( فيجوز ، ولا فرق بين الحر والعبد ، كما هو ظاهر اطلاق كثير ، كالتذكرة ، وحواشي الشهيد وجامع المقاصد ، بل ظاهر المحكى عن الخلاف نفى الخلاف فيه ، حيث قال ) الشيخ ( فيه ) اى في الخلاف ( إذا استأجر كافر مسلما لعمل في الذمة ، صح ، بلا خلاف ، وإذا استأجره مدة من الزمان شهرا أو سنة ليعمل عملا ،

ص: 284

صح أيضا عندنا ، انتهى .

وادعى في الايضاح انه لم ينقل من الأمة فرق بين الدين وبين الثابت في الذمة بالاستيجار ، خلافا للقواعد وظاهر الايضاح ، فالمنع مطلقا لكونه سبيلا .

وظاهر الدروس التفصيل بين العبد والحر ، فيجوز في الثاني ، دون الأول ، حيث ذكر بعد ان منع إجارة العبد المسلم الكافر مطلقا ، قال وجوزها

_________________________

صح أيضا عندنا ، انتهى ) .

الظاهر : ان الفرق بين المسألتين ان الأولى إجارة في الذمة ، والثانية إجارة في العين ، وكان المصنف انما ذكر المسألة الثانية وهي خارجة عن محل كلام المصنف ، لإفادة ان : لا خلاف ، الّذي ذكره الشيخ ، قوى جدا ، لأنه قابله بقوله عندنا في المسألة الثانية .

( وادعى في الايضاح انه لم ينقل من الأمة فرق بين الدين ) بان يستدين المسلم شيئا من الكافر ( وبين الثابت في الذمة بالاستيجار ) بان يستأجر الكافر المسلم لاداء عمل ما في ذمته ، لا استيجار شخصه ( خلافا للقواعد وظاهر الايضاح ، ف ) انهما ذهبا إلى ( المنع مطلقا ) كما تقدم ( لكونه سبيلا ) للكافر على المسلم ، فتشمله آية نفى السبيل .

( وظاهر الدروس التفصيل بين العبد والحر ، فيجوز ) الإجارة ( في الثاني ، دون الأول ، حيث ذكر ) الشهيد ( بعد ان منع إجارة العبد المسلم الكافر مطلقا ) حرا كان المسلم أو عبدا ( قال وجوزها ) اى الإجارة

ص: 285

الفاضل ، والظاهر أنه أراد إجارة الحر المسلم ، انتهى .

وفيه نظر ، لان ظاهر الفاضل في التذكرة : جواز إجارة العبد المسلم مطلقا ، ولو كان على العين .

نعم : يمكن توجيه الفرق : بان يد المستأجر على الملك الّذي ملك منفعته ، بخلاف الحر ، فإنه لا يثبت للمستأجر يد عليه ، ولا على منفعته ،

_________________________

( الفاضل ) وهو العلامة ( والظاهر أنه أراد إجارة الحر المسلم ، انتهى ) اى إجارة الكافر إياه .

وانما استظهر المصنف من الدروس التفصيل ، لأنه ذكر كلام الفاضل ، ثم وجهه بهذا التوجيه .

ولو لم يكن فرق عنده بين العبد والحر ، لم يكن وجه لهذا التقييد .

( وفيه نظر ) اى في توجيه الدروس كلام الفاضل ( لان ظاهر الفاضل في التذكرة : جواز إجارة العبد المسلم مطلقا ، ولو كان على العين ) وذلك لا يكون الا في العبد ، فليس مراده من الجواز إجارة الكافر الحر المسلم فقط .

( نعم : يمكن توجيه الفرق ) بالجواز في الحر دون العبد ( بان يد المستأجر ) تكون ( على الملك الّذي ملك ) المستأجر ( منفعته ) فكما انه إذا استأجر دارا يكون يده على عينها ، كذلك إذا استأجر عبدا تكون يده على ذات العبد فيتحقق السبيل المنفى في الآية ( بخلاف الحر ، فإنه لا يثبت للمستأجر يد عليه ) فان الانسان إذا استأجر شخصا حرا ليخيط له الثوب لا يكون للمستأجر يد على ذلك الحر ( ولا على منفعته ) بل يطلب منه

ص: 286

خصوصا لو قلنا : بان إجارة الحر تمليك الانتفاع ، لا المنفعة ، فتأمل .

واما الارتهان عند الكافر ، ففي جوازه مطلقا ، كما عن ظاهر نهاية الاحكام ، أو المنع ، كما في القواعد ، والايضاح ، أو

_________________________

شيئا في ذمته .

والفارق العرف حيث إنهم يرون تسلطا خاصا على الملك ، بحيث لا يرون مثل ذلك التسلط على ما ليس بملك .

كما أن الفرق بين التسلط على الذمة ، والتسلط على الشخص ، هو التسلط على دينار خارجي أو دينار ذمي ، فان الذمة كلية بخلاف الشخص ( خصوصا لو قلنا : بان إجارة الحر تمليك الانتفاع ، لا المنفعة ) إذا أعار انسان عن انسان شيئا ملك الانتفاع بذلك الشيء اما المنفعة فهي ملك للمالك بخلاف ما لو أجار ، فان المستأجر يملك المنفعة ، ففي الأول يحق للمستعير ان ينتفع ، وفي الثاني يملك المستأجر نفس المنفعة .

وقوله : خصوصا ، وجهه ان إجارة الحر لو كان تمليك انتفاع لم يكن للمستأجر سبيل إلى عين الحر ، ولا إلى المنفعة ، ومثله ليس سبيلا أصلا بخلاف إجارة العبد فإنها سبيل - كما تقدم - ( فتأمل ) فإنه لو كانت الإجارة ملك الانتفاع ، لا ملك المنفعة ، لم يبق فرق بين الإجارة والإعارة مع وجود الفرق بينهما من هذه الجهة - كما لا يخفى - .

( واما الارتهان ) للعبد المسلم ( عند الكافر ، ففي جوازه مطلقا ، كما عن ظاهر نهاية الاحكام ، أو المنع ) مطلقا ( كما في القواعد ، والايضاح ، أو

ص: 287

التفصيل بين ما لم يكن تحت يد الكافر - كما إذا وضعاه عند مسلم - كما عن ظاهر المبسوط ، والقواعد ، والايضاح في كتاب الرهن ، والدروس وجامع المقاصد ، والمسالك ، أو التردد ، كما في التذكرة ، وجوه أقواها الثالث ، لان استحقاق الكافر لكون المسلم في يده سبيل ، بخلاف استحقاقه لاخذ حقه من ثمنه .

واما اعارته من كافر ، فلا يبعد المنع ، وفاقا لعارية القواعد ، وجامع المقاصد ، والمسالك ، بل عن حواشي الشهيد ره : ان الإعارة ، والايداع أقوى منعا من الارتهان

_________________________

التفصيل بين ما لم يكن تحت يد الكافر - كما إذا وضعاه عند مسلم - ) إذ :

لا يشترط في الرهن ان يكون المرهون عند صاحب المال ( كما عن ظاهر المبسوط ، والقواعد ، والايضاح في كتاب الرهن ، والدروس ، وجامع المقاصد ، والمسالك أو التردد ) في الجواز والعدم ( كما في التذكرة وجوه : أقواها الثالث ) اى التفصيل بين ما كان تحت يد الكافر ، وما لم يكن ( لان استحقاق الكافر لكون المسلم في يده سبيل ) وهو منفى بالآية ( بخلاف استحقاقه لاخذ حقه من ثمنه ) فإنه لا يعد سبيلا .

( واما اعارته من كافر ) بان يستعير الكافر العبد المسلم ( فلا يبعد المنع ، وفاقا لعارية القواعد ، وجامع المقاصد ، والمسالك ، بل عن حواشي الشهيد ره : ان الإعارة ، والايداع ) للعبد المسلم عند الكافر ( أقوى منعا من الارتهان ) في العين المرهونة وكلاهما ممنوعان عن التصرف فيها ، بخلاف العارية فان بنائها على التصرف والوديعة يمكن

ص: 288

وهو حسن في العارية ، لأنها تسليط على الانتفاع ، فيكون سبيلا ، وعلوّا ، ومحل نظر في الوديعة ، لان التسليط على الحفظ ، وجعل نظره إليه مشترك بين الرهن والوديعة ، مع زيادة في الرهن التي قيل من اجلها بالمنع ، وهي التسلّط على منع المالك عن التصرف فيه الا باذنه وتسلطه على الزام المالك ببيعه .

وقد صرح في التذكرة : بالجواز في كليهما .

_________________________

التصرف فيها باذن المودع ( وهو ) اى كلام الشهيد ( حسن في العارية لأنها ) اى العارية ( تسليط ) من المعير للمستعير ( على الانتفاع ، فيكون سبيلا ، وعلوّا ، ) وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ، والاسلام يعلو ولا يعلى عليه ( ومحل نظر في الوديعة ، ) عطف على :

حسن ، ( لان التسليط على الحفظ ، وجعل نظره ) اى المودع عنده ( إليه ) اى إلى الشيء المودع ( مشترك بين الرهن والوديعة ) فكلاهما في صف واحد ، فقول الشهيد أقوى منعا محل اشكال ( مع زيادة في الرهن ) تقتضى ان يكون هو أقوى منعا من الوديعة ( التي قيل من اجلها ) اى اجل تلك الزيادة ( بالمنع ) في باب الرهن ( وهي التسلّط على منع المالك عن التصرف فيه ) اى في المرهون ( الا باذنه ) اى بإذن المرتهن الكافر ( وتسلطه ) اى الكافر ( على الزام المالك ببيعه ) عند عدم وفاء المالك الدين ، ومثل هذين سبيل قوى يشمله دليل نفى السبيل ، بخلاف الوديعة فهما ليسا ثابتين فيها - كما لا يخفى - .

( وقد صرح في التذكرة : بالجواز في كليهما ) العارية والوديعة

ص: 289

ومما ذكرنا يظهر عدم صحة وقف الكافر عبده المسلم على أهل ملّته .

ثم : ان الظاهر من الكافر ، كل من حكم بنجاسته ، ولو انتحل الاسلام ، كالنواصب ، والغلاة ، والمرتد ، غاية الأمر عدم وجود هذه الافراد في زمان نزول الآية .

ولذا استدل الحنفية - على ما حكى عنهم - على حصول البينونة ،

_________________________

( ومما ذكرنا ) من منع وجود سبيل للكافر على المسلم ( يظهر عدم صحة وقف الكافر ) ولا المسلم ( عبده المسلم على أهل ملّته ) اى الكفار في وقف الكافر ، وعلى غير أهل ملّته في وقف المسلم ، لان الوقف سبيل الا إذا كان الوقف على شكل لا يحقق السبيل .

كما إذا وقف العبد لإدارة معامل الكفار ، أو لتعليم أولادهم ، أو ما أشبه مما لا يحقق السبيل لهم عليه ، وانما يوجب الوقف على نفس العبد عملا .

( ثم : ان الظاهر من الكافر ) في هذا الباب ( كل من حكم بنجاسته ، ولو انتحل الاسلام ) اى نسب نفسه إليه ( كالنواصب ، والغلاة والمرتد غاية الأمر عدم وجود هذه الافراد ) من الكفار ( في زمان نزول الآية )

وذلك لا يوجب عدم شمول آية نفى السبيل لهم ، إذ : الكلى ينطبق على كل فرد له ، سواء كان حاصلا ، أو يحصل بعد ذلك .

( ولذا ) الّذي ذكرنا ، من أن عدم وجود الفرد في زمن نزول الآية ليس ضارّا بشمول الآية لذلك الفرد إذا تحقق فيه عنوان الكلى ( استدل الحنفية - على ما حكى عنهم - على حصول البينونة ) والفرقة بين الزوج

ص: 290

بارتداد الزوج .

وهل يلحق بذلك أطفال الكفار ؟ فيه اشكال .

ويعم المسلم المخالف ، لأنه مسلم فيعلو ولا يعلى عليه .

والمؤمن في زمان نزول آية نفى السبيل لم يرد به الا المقر

_________________________

وزوجته ( بارتداد الزوج )

قالوا لان بقائها تحت سلطته سبيل ، وقد نفت الآية السبيل .

ومن المعلوم : ان وقت نزول الآية لم يكن جميع اقسام الارتداد كالانكار للضرورى وما أشبه وانما الكافر في ذلك الوقت المنكر للألوهية أو الرسالة .

( وهل يلحق بذلك ) اى بالكافر في بيع العبد المسلم عليه قهرا وعدم صحة تمليكه المسلم ( أطفال الكفار ) كما إذا اسلم الكافر وهو ملك لطفل كافر ، أو بعنا عبدا مسلما لو لي الكافر ، كالحاكم الشرعي مثلا ( فيه اشكال ) .

من : انه لا سلطة له فعلا ، .

ومن : انه ملك له وهو سبيل .

( ويعم ) ما ذكرناه من العبد المسلم ، لا يباع للكافر ( المسلم المخالف ) فلا يصح بيع العبد السنى للكافر ( لأنه مسلم ) ولو لم يكن مؤمنا ( فيعلو ولا يعلى عليه ) .

( و ) ان قلت : الآية ذكرت : المؤمن ، والمؤمن لا يشمل المخالف قلت : ( المؤمن في زمان نزول آية نفى السبيل لم يرد به الا المقرّ

ص: 291

بالشهادتين .

ونفيه عن الاعراب الذين قالوا آمنّا ، وبقوله تعالى : لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ انما كان لعدم اعتقادهم بما اقرّوا فالمراد بالاسلام هنا ان يسلم نفسه للّه ، ورسوله في الظاهر ، لا الباطن ، بل قوله تعالى :

وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ، دلّ على أن ما جرى على ألسنتهم من :

الاقرار بالشهادتين كان ايمانا في خارج القلب .

والحاصل : ان الاسلام والايمان في زمان الآية كانا بمعنى واحد .

_________________________

بالشهادتين ) لا المؤمن بمعنى المقرّ بالشهادة الثالثة .

( و ) ان قلت : إذا كان المراد بالايمان هو الاسلام فلما ذا قال سبحانه :

قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا ، قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا .

قلت : ( نفيه ) اى الايمان ( عن الاعراب الذين قالوا آمنّا ، لقوله تعالى : وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) : لما ، اى : بعد ، ( انما كان لعدم اعتقادهم بما اقرّوا فالمراد بالاسلام هنا ان يسلم نفسه للّه ورسوله في الظاهر ، لا الباطن ، بل قوله تعالى : وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ، دلّ على أن ما جرى على ألسنتهم من : الاقرار بالشهادتين كان ايمانا في خارج القلب ) باللسان فقط ، لا انهم ليسوا مؤمنين ، لأنهم لم يقبلوا الشهادة الثالثة .

( والحاصل : ان الاسلام والايمان في زمان الآية كانا بمعنى واحد ) لكن ربما كان الاسلام يطلق على مجرد التسليم الظاهري بدون انقياد القلب والجوارح كما في هذه الآية الكريمة بقرينة قوله تعالى في

ص: 292

واما ما دل على كفر المخالف ، بواسطة انكار الولاية ، فهو لا يقاوم بظاهره لما دلّ على جريان جميع احكام الاسلام عليهم ، من : التناكح ، والتوارث ، وحقن الدماء ، وعصمة الأموال ، وان الاسلام ما عليه جمهور الناس ، ففي رواية حمران بن أعين ، سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : الايمان ما استقر في القلب ، وافضى به إلى اللّه

_________________________

قلوبكم .

( واما ما دل على كفر المخالف ، بواسطة انكار الولاية ) مما لو تم كان موجبا لخروجه موضوعا عن حكم : الاسلام يعلو ولا يعلى عليه ، وعن آية :

نفى السبيل ( فهو لا يقاوم بظاهره ) وان جرى احكام الكفر واقعا في الآخرة بالنسبة إلى المعاند منهم أو حتى الجاهل المقصّر ( لما دل على جريان جميع احكام الاسلام عليهم ، من : التناكح ) ولو من طرف اخذ الزوجة منهم ، إذا قلنا بان تزويجهم البنت محظور ، لما ورد : ان العارفة لا توضع الا عند العارف ( والتوارث ) حيث إن المسلم يرث أحدهم من الآخر بخلاف المسلم والكافر فلا يرث الكافر منه ( وحقن الدماء ) حيث إن الكافر يخير بين الجزية ، والاسلام ، والحرب ، فإذا لم يكن كل ذلك ولا معاهدة لم يكن احترام لذمة ( وعصمة الأموال ) والاعراض فإنه إذا لم يكن كل الأربعة المتقدمة ، كان مال الكافر وعرضه مباحين ( وان الاسلام ) عطف على : جريان ، ( ما عليه جمهور الناس ، ففي رواية حمران بن أعين ، سمعت أبا جعفر عليه السلام ، يقول : الايمان ما استقر في القلب ، وافضى به ) اى انتهى بذلك الايمان ( إلى الله

ص: 293

تعالى ، وصدّقه العمل بالطاعة للّه ، والتسليم لامر اللّه ، والاسلام ما ظهر من قول وفعل ، وهو الّذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المواريث ، وجازت النكاح ، واجتمعوا على الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، فخرجوا بذلك من الكفر ، واضيفوا إلى الايمان إلى أن قال : فهل للمؤمن فضل على المسلم في شيء من الفضائل والاحكام والحدود ؟ وغير ذلك .

_________________________

تعالى ) بمعنى ان يكون واقعا قلبيا ، لا صوريا لأجل اغراض وغايات ( وصدّقه العمل بالطاعة لله والتسليم لامر اللّه ) .

الظاهر أن المراد بهذا الايمان ، هو الجامع بين ان يكون قلبيا ، وان يكون فيه ولاية أهل البيت عليهم السلام ، للتلازم بينهما ، بعد تبين وجوب الولاية ، وان لم يكن الايمان في اوّل الامر الا التصديق القلبي فقط ( والاسلام ما ظهر من قول ) كالشهادتين ( وفعل ) كالعبادات ( وهو الّذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها ) لعل المراد غير الفرق المحكوم بكفرها ( وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المواريث ، وجازت النكاح واجتمعوا ) اى ان الجامع لجميعهم ما يظهر منهم ( على الصلاة ، والزكاة والصوم ، والحج ، فخرجوا بذلك ) الظاهر ( من الكفر ، واضيفوا ) اى نسبوا ( إلى الايمان ، إلى أن قال ) الراوي ( فهل للمؤمن فضل على المسلم في شيء من الفضائل ) اى الصفات التي يفضل المسلم بسببها على الكافر ( والاحكام والحدود ) اى احكام النكاح ، والطلاق ، وما أشبه ، والحدود والتعزيرات التي تجرى عليهم ( وغير ذلك ) من احكام الاسلام .

ص: 294

قال : لا ، بل هما يجريان في ذلك مجرى واحد ، ولكن للمؤمن فضل على المسلم في اعمالهما ، وما يتقربان به إلى الله تعالى .

ومن جميع ما ذكرنا ظهر : انه لا بأس ببيع المسلم من المخالف ، ولو كان جارية ، الا إذا قلنا : بحرمة تزويج المؤمنة من المخالف لاخبار دلّت على ذلك ، فان فحواها يدل على المنع من بيع الجارية المؤمنة .

لكن الا قوى عدم التحريم .

_________________________

( قال ) عليه السلام : ( لا ، بل هما يجريان ) المسلم فقط والمؤمن ( في ذلك ) الحكم الشرعي في جميع الأبواب ( مجرى واحد ، ولكن للمؤمن فضل على المسلم في اعمالهما ، و ) في ( ما يتقربان به إلى اللّه تعالى ) .

فهذا الحديث يدل على أن حال العبد المسلم حال العبد المؤمن في ما تقدم ، من عدم جواز بيعه للكافر .

( ومن جميع ما ذكرنا ) من استواء المسلم والمؤمن في الاحكام الظاهرية ( ظهر : انه لا بأس ببيع المسلم من المخالف ، ولو كان ) المسلم ( جارية ) مؤمنة ( الا إذا قلنا : بحرمة تزويج المؤمنة من المخالف لاخبار دلّت على ذلك ) اى على التحريم .

والمراد الحرمة الوضعية والتكليفية ( فان فحواها ) اى مناط تلك الأخبار ( يدل على المنع من بيع الجارية المؤمنة ) فان الزوجة تأخذ من دين زوجها ، فكيف إذا كانت أمة مملوكة .

( لكن الا قوى عدم التحريم ) لاطلاقات الأدلة ، وحرمة تزويج

ص: 295

ثم : انه قد استثنى من عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم ، مواضع منها : إذا كان الشراء مستعقبا للانعتاق ، بان يكون ممن ينعتق على الكافر قهرا - واقعا - كالأقارب ،

وظاهرا ، كمن أقر بحرية مسلم ثم اشتراه .

أو بان يقول الكافر للمسلم : اعتق عبدك عنى بكذا ، فاعتقه ذكر

_________________________

المخالف بالمؤمنة محل اشكال ، والفحوى محل مناقشة .

( ثم : انه قد استثنى من عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم ، مواضع ) ان كان مطلق الملكية سبيلا كان هذا الاستثناء متصلا .

واما إذا كانت الملكية المقترنة بالسلطنة الفعلية سبيلا ، فالاستثناء منقطع - كما لا يخفى - .

( منهما : إذا كان الشراء مستعقبا للانعتاق ، بان يكون ) العبد المشترى ( ممن ينعتق على الكافر قهرا - واقعا - كالأقارب ) فالعمودان الآباء والأولاد ينعتقون بمجرد الاشتراء .

مثلا إذا اشترى الانسان أباه أو ولده انعتقا عليه فورا .

( و ) عتقا ( ظاهرا ، كمن أقر بحرية مسلم ) كان عبدا لغيره ( ثم اشتراه ) فان شرائه يستعقب الانعتاق ، إذ هو باعترافه لا يتمكن من اثبات اليد عليه

ولا يخفى ما فيه من التأمل - كما سيأتي تفصيله - إذ الاقرار بأنه حرّ يوجب بطلان اشترائه ظاهرا مما يسبب ان يبقى الملك على ملكية المالك الأول ، فلا ينعتق العبد .

( أو بان يقول الكافر للمسلم : اعتق عبدك عنى بكذا ، فاعتقه ) المسلم ( ذكر

ص: 296

ذلك العلامة في التذكرة ، وتبعه جامع المقاصد ، والمسالك .

والوجه في الأول واضح وفاقا للمحكى عن الفقيه ، والنهاية ، والسرائر ، مدعيا عليه الاجماع ، والمتأخرين كافة فان مجرد الملكية غير المستقرة لا يعد سبيلا ، بل لم يعتبر الملكية الا مقدمة للانعتاق ، خلافا للمحكى عن المبسوط ، والقاضي ، فمنعاه ، لان الكافر لا يملك حتى ينعتق ، لان التملك بمجرده سبيل ، والسيادة علو .

_________________________

ذلك العلامة في التذكرة ، وتبعه جامع المقاصد ، والمسالك ) فان الكافر لا يستولى على العبد المسلم ، .

بل يملكه آنا مّا ، ويعتق عنه فورا .

( والوجه في الأول ) اى الّذي ينعتق على الكافر قهرا واقعا ( واضح ) اى وجه الاستثناء واضح ( وفاقا للمحكى عن الفقيه ، والنهاية و ، السرائر مدعيا ) في السرائر ( عليه الاجماع ، و ) للمحكى عن ( المتأخرين كافة )

ووجه الوضوح ما ذكره بقوله : ( فان مجرد الملكية غير المستقرة لا يعد سبيلا ) عرفا ، فلا تنفيه الآية ( بل لم يعتبر ) في الشرع ( الملكية ) للعمودين ( الا مقدمة للانعتاق ، خلافا للمحكى عن المبسوط ، والقاضي ، فمنعاه ) اى اشتراء الأقارب الذين ينعتقون فورا .

قالوا : ( لان الكافر لا يملك حتى ينعتق ، لان التملك بمجرده ) وبنفسه ولو لم يبق العبد في ملك الكافر ( سبيل والسيادة ) من الكافر للمسلم ( علو ) ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا ، والاسلام يعلو ولا يعلى عليه .

ص: 297

الا ان الانصاف ان السلطنة غير متحققة في الخارج .

ومجرد الاقدام على شرائه - لينعتق - منّة من الكافر على المسلم لكنها غير منفية .

واما الثاني فيشكل بالعلم بفساد البيع على تقديرى الصدق والكذب ، لثبوت الخلل .

اما في المبيع لكونه حرا .

أو في المشترى ، لكونه كافرا ،

_________________________

( الا ان الانصاف ) عدم تمامية استدلال المبسوط ، والقاضي ، إذ :

( ان السلطنة غير متحققة في الخارج ) هنا .

والظاهر من السبيل المنفى في الآية : السلطنة .

( ومجرد الاقدام ) من الكافر ( على شرائه - لينعتق - منّة من الكافر على المسلم ) ليقع المسلم في منة الكافر ، بل انعتاقا قهريا عليه ( لكنها غير منفية ) في آية نفى السبيل ، كما أن مثله ليس علوا .

( واما الثاني ) وهو الشراء المستعقب للانعتاق الظاهري ، كمن أقر على عبد مسلم بأنه حر ثم اشتراه ( فيشكل ) الاستثناء الّذي ذكروه ( ب ) سبب ( العلم بفساد البيع على تقديرى الصدق والكذب ) اى صدق الكافر بان العبد حرّ ، أو كذبه ( لثبوت الخلل ) في هذا الاشتراء .

( اما في المبيع ) اى العبد الّذي يشتريه الكافر ( لكونه حرا ) إذا كان الكافر صادقا في انه حرّ .

( أو في المشترى ، لكونه كافرا ) إذا كان الكافر كاذبا في كون العبد

ص: 298

فلا يتصور صورة صحيحة لشراء من اقرّ بانعتاقه ، الا ان يمنع اعتبار مثل هذا العلم الاجمالي ، فتأمل .

واما الثالث : فالمحكى عن المبسوط ، والخلاف : التصريح بالمنع ، لما ذكر في الأول .

_________________________

المذكور حرّا ( فلا يتصور صورة صحيحة لشراء من اقرّ ) الكافر ( بانعتاقه الا ان يمنع اعتبار مثل هذا العلم الاجمالي ) بأنه لا يصح البيع اما من جهة المشترى واما من جهة المبيع .

إذ : لو جرى مثل هذا العلم الاجمالي لزم ان يصح كثير من اقرار العقلاء .

مثلا : لو أقر انسان بان عبده حرّ لم يصح هذا الاقرار ، لأنه ان كان صادقا في انه حرّ : لم يكن اقرار العقلاء على أنفسهم ، وان كان كاذبا ، لا يقلب الاقرار الواقع عن واقعه .

وكذا لو أقر بان ما تحت يده لزيد لأنه ان كان صادقا لم يكن يصدق :

على أنفسهم ، وان كان كاذبا ، لم ينفع الاقرار ، وهكذا ( فتأمل ) .

إذ : لا وجه لمنع اعتبار العلم الاجمالي ، الا إذا كان العلم منحلا وليس في المقام انحلال ، فاللازم تأثير العلم الاجمالي .

( واما الثالث ) وهو ان قال الكافر للمسلم : اعتق عبدك عنى ( فالمحكى عن المبسوط ، والخلاف : التصريح بالمنع ) وانه لا يصح العتق عن الكافر ( لما ذكر في الأول ) من : ان مجرد الملك سبيل ، وقد عرفت تفصيل الكلام فيه .

ص: 299

ومنها : ما لو اشترط البائع عتقه ، فان الجواز هنا محكى عن الدروس والروضة .

وفيه نظر ، فان ملكيته قبل الاعتاق سبيل ، وعلوّ ، بل التحقيق انه لا فرق بين هذا وبين اجباره على بيعه في عدم انتفاء السبيل بمجرد ذلك .

_________________________

( ومنها : ما لو اشترط البائع عتقه ) حينما يبيعه على الكافر عتقا فورا لا ان يعتقه بعد سنة ، لوجود السبيل هنا قطعا ( فان الجواز هنا ) فيما لو اشترط عتقه ( محكى عن الدروس والروضة ) .

والوجه فيه : انه يعتق ، فلا سبيل للكافر عليه ، وان لم يعتقه كان للبائع ابطال المعاملة لخيار الشرط .

( وفيه نظر ، فان ملكيته ) اى ملكية الكافر للعبد ( قبل الاعتاق سبيل ، وعلوّ ) فلا يصح ( بل التحقيق انه لا فرق بين هذا ) اشتراط العتق ( وبين اجباره على بيعه في عدم انتقاء السبيل بمجرد ذلك ) .

الجبر على البيع أو الاشتراط ، فالسبيل موجود ، وذلك يوجب شمول الآية له ، وذلك يوجب بطلان البيع ، .

ثم لو لم يف الكافر بالشرط ، ولم يفسخ البائع فما ذا يكون المصير غير جبر الحاكم للكافر على البيع ؟

ولو صح البيع بهذا الشرط صح البيع فيما نعلم نحن ان الكافر يعتقه تلقائيا ، أو علمنا بأنه يموت بعد ساعة ويرثه المسلم ، أو ما أشبه ذلك من الصور الكثيرة .

ص: 300

والحاصل : ان السبيل فيه ثلاثة احتمالات ، كما عن حواشي الشهيد ، مجرد الملكية ويترتب عليه عدم استثناء ما عدا صورة الاقرار بالحرية .

والملك المستقر - ولو بالقابلية - كمشروط العتق ويترتب عليه استثناء ما عدا صورة اشتراط العتق .

_________________________

( والحاصل : ان السبيل فيه ثلاثة احتمالات ، كما عن حواشي الشهيد ) الأول ره .

الأول : ( مجرد الملكية ) فالشارع منع مجرد ملك الكافر للمسلم ( ويترتب عليه ) اى على هذا الاحتمال ( عدم استثناء ما عدا صورة الاقرار بالحرية ) لان في هذه الصورة فقط لا ملكية للكافر ، وانما يشبه اشترائه الانقاذ ، فالبيع صوري محض .

( و ) الثاني : ( الملك المستقر ) فالشارع منع ملك الكافر للمسلم إذا كان مستقرا ( - ولو ) كان الاستقرار ( بالقابلية - ) بان كان البيع مقدمة لملك قابل للاستقرار ، وان لم يستقر ( كمشروط العتق ) فان البيع قابل للاستقرار ، وان لم يستقر خارجا لوفاء الكافر بشرطه فاعتقه ( ويترتب عليه ) اى على هذا الاحتمال ( استثناء ما عدا صورة اشتراط العتق ) إذ : في الصورتين الأخيرتين ، وهما من ينعتق على الكافر واقعا أو ظاهرا إذا لملك فيهما ليس مستقرا ، بخلاف صورة الاشتراط - كما عرفت - .

ص: 301

والمستقر فعلا ، ويترتب عليه استثناء الجميع ، وخير الأمور أوسطها ثم : ان ما ذكرنا كله ، حكم ابتداء تملك الكافر للمسلم اختيارا .

اما التملك القهري ، فيجوز ابتداءً كما لو ورثة الكافر من كافرا جبر على البيع ، فمات قبله ، فإنه لا ينعتق عليه ولا على الكافر الميت لأصالة بقاء رقيته بعد تعارض دليل نفى السبيل وعموم أدلة الإرث ،

_________________________

( و ) الثالث : الملك ( المستقر فعلا ، ويترتب عليه استثناء الجميع ) لأنه لا ملك مستقر خارجا في الصور الثلاثة ( وخير الأمور أوسطها ) وهو ان يكون المراد : بالسبيل ، الملك المستقر ، ولو بالقابلية .

( ثم : ان ما ذكرنا ) من مسئلة تملك الكافر للعبد المسلم ( كله ، حكم ابتداء تملك الكافر للمسلم اختيارا ) بان اشتراه ، أو وهب إليه ، أو صولح معه ، أو جعل بدل ايجار ، أو جعالة ، أو شرط تملكه له في ضمن عقد أو نذر اعطائه له ، أو ما أشبه .

( اما التملك القهري ) بان يملك الكافر العبد المسلم قهرا ( فيجوز ابتداءً كما لو ورثه ) اى العبد المسلم ( الكافر من كافر ) كان ذلك الكافر الميت ( أجبر على البيع ، فمات قبله ) ولم يكن للكافر الميت ورثة مسلم ( فإنه لا ينعتق ) العبد المسلم ( عليه ) اى على الوارث ( ولا على الكافر الميت ) .

اما على الكافر الميت فلانه لم يجبر حتى مات .

واما على الكافر الوارث ، ف ( لأصالة بقاء رقيته بعد تعارض دليل نفى السبيل ) المقتضى لملكية الوارث ( وعموم أدلة الإرث )

ص: 302

لكن لا يثبت بهذا الأصل تملك الكافر فيحتمل ان ينتقل إلى الإمام ( ع ) بل هو مقتضى الجمع بين الأدلة ، ضرورة انه إذا نفى إرث الكافر بآية :

نفى السبيل ، كان الميت بالنسبة إلى هذا المال ممن لا وارث له ، فيرثه الإمام ( ع ) ، .

وبهذا التقرير يندفع ما يقال : ان إرث الامام مناف لعموم أدلة :

ترتيب طبقات الإرث .

توضيح الاندفاع انه إذا كان مقتضى : نفى السبيل ، عدم إرث الكافر ، يتحقق نفى الوارث الّذي هو

_________________________

( لكن ) لا يخفى انه ( لا يثبت بهذا الأصل ) اى استصحاب رقية العبد ، وعدم انعتاقه ( تملك الكافر ) الوارث للعبد ، لأنه من الأصل المثبت ( فيحتمل ان ينتقل ) العبد من الكافر الميت ( إلى الإمام ( ع ) بل هو ) اى انتقاله إلى الامام ( مقتضى الجمع بين الأدلة ضرورة انه إذا نفى إرث الكافر بآية : نفى السبيل ، كان الميت بالنسبة إلى هذا المال ممن لا وارث له ) وكل إرث لا وارث خاص له ، للامام ( فيرثه الامام ع ) بفحوى ما دل على أن الميت إذا لم يكن له وارث ، ورثه الامام .

( وبهذا التقرير ) الّذي ذكرنا لوجه إرث الامام لهذا العبد ( يندفع ما يقال : ان إرث الامام مناف لعموم أدلة : ترتيب طبقات الإرث ) وان الميت ما دام له وارث لا يرثه الامام .

( توضيح الاندفاع ) لهذا الاشكال ( انه إذا كان مقتضى : نفى السبيل ، عدم إرث الكافر ، يتحقق نفى الوارث الّذي هو ) اى نفى

ص: 303

مورد إرث الإمام ( ع ) فان الممنوع من الإرث كغير الوارث .

فالعمدة في المسألة ظهور الاتفاق المدعى صريحا في جامع المقاصد .

ثم : هل يلحق بالإرث كل ملك قهري ، أو لا يلحق ؟

أو يفرق بين ما كان سببه اختياريا ، أو غيره ؟

_________________________

الوارث ( مورد إرث الامام ع )

لا يقال : ظاهر دليل إرث الامام صورة عدم الوارث مطلقا .

لأنه يقال : ( فان الممنوع من الإرث ) وان كان وارثا نسبا ( كغير الوارث ) اى كصورة عدم الوارث مطلقا .

مثلا إذا كان للميت ولد - لا سواه - في جميع الطبقات ، وكان قاتلا ورثه الامام .

( فالعمدة في المسألة ) فيما لو كان وارث الكافر كافرا ( ظهور الاتفاق المدعى صريحا في جامع المقاصد ) والأوفق بالقواعد بيع العبد قهرا على الوارث إذ : الوارث ممنوع عين نفسه ، لا عن ثمنه ، فالانتقال إلى الامام قياسا بما لا وارث له أصلا ، مع الفارق ، ولا مناط ولا فحوى - كما لا يخفى -

( ثم : هل يلحق بالإرث كل ملك قهري ، أو لا يلحق ) بل يجب ان يلاحظ أدلة كل مقام على حدة .

( أو يفرق بين ما كان سببه اختياريا ) للكافر ، فلا يلحق بالإرث ( أو غيره ) اى غير اختياري للكافر ، فيلحق بالإرث .

مثلا : إذا باع الكافر عبده الكافر لمسلم بخيار نفسه ، أو للمشترى

ص: 304

وجوه خيرها أوسطها ، ثم أخيرها .

ثم : انه لا اشكال ولا خلاف في انه لا يقر المسلم على ملك الكافر ، بل يجب بيعه عليه ، لقوله عليه السلام : في عبد كافر اسلم ، اذهبوا فبيعوه من المسلمين ، وادفعوا إليه ثمنه ، ولا تقروه عنده .

ومنه يعلم : انه لو لم يبعه باعه الحاكم . ويحتمل ان يكون ولاية البيع للحاكم مطلقا ، لكون المالك غير قابل للسلطنة على هذا المال .

_________________________

ثم اسلم العبد عند المشترى ، ففسخ هو البيع ، أو فسخ المشترى ، فإذا فسخ الكافر ، كان ملكا قهريا بسبب اختياري ، وإذا فسخ المشترى كان ملكا قهريا بسبب غير اختياري ( وجوه ، خيرها أوسطها ) إذ : اللحوق بالإرث بلا دليل أو مناط لا وجه له ( ثم أخيرها ) لان السبب غير الاختياري يجعل من الملك كالإرث ، فيأتي فيه ما استدل هناك .

( ثم : انه لا اشكال ولا خلاف في انه لا يقر المسلم على ملك الكافر ، بل يجب بيعه عليه ، لقوله عليه السلام : في عبد كافر ) : كافر ، مضاف إليه لا وصف ( اسلم ، اذهبوا فبيعوه من المسلمين ، وادفعوا إليه ثمنه ولا تقروه عنده ) اى عند الكافر .

( ومنه يعلم : انه لو لم يبعه ) الكافر بنفسه ( باعه الحاكم ) لان المناط عدم بقائه عنده .

( ويحتمل ان يكون ولاية البيع للحاكم مطلقا ) سواء أراد الكافر بيعه أم لا . ( لكون المالك ) الّذي هو الكافر ( غير قابل للسلطنة على هذا المال ) الّذي هو العبد المسلم .

ص: 305

غاية الأمر : انه دل النص والفتوى على تملكه له ، ولذا ذكر فيها انه يباع عليه ، بل صرح فخر الدين ره في الايضاح بزوال ملك السيد عنه ، ويبقى له حق استيفاء الثمن منه ، وهو مخالف لظاهر النص والفتوى ، - كما عرفت -

وكيف كان فإذا تولاه المالك بنفسه ، فالظاهر أنه لا خيار له ولا عليه وفاقا للمحكى عن الحواشى ، في خيار المجلس ، والشرط ، لأنه احداث ملك ، فينتقى ، لعموم نفى السبيل لتقديمه على أدلة الخيار كما

_________________________

( غاية الأمر : انه دل النص والفتوى على تملكه له ) اى لهذا العبد المسلم ( ولذا ذكر ) الإمام عليه السلام ( فيها انه يباع عليه ) ولم يذكرانه يجبر على البيع ( بل صرح فخر الدين ره في الايضاح بزوال ملك السيد عنه ) بمجرد ان اسلم ( ويبقى له ) اى السيد ( حق استيفاء الثمن منه ) اى من طرف العبد ( وهو ) اى ما ذكره فخر الدين ( مخالف لظاهر النص والفتوى - كما عرفت - ) حيث قلنا : ان ظاهر هما تملكه له .

( وكيف كان فإذا تولاه المالك بنفسه ، فالظاهر أنه لا خيار له ) اى للكافر بان يفسخ البيع حتى يرجع العبد إليه ( ولا عليه ) بان يفسخ المشترى حتى يرجع العبد إلى الكافر ( وفاقا للمحكى عن الحواشى ، في خيار المجلس ، والشرط ، لأنه ) اى رجوع العبد إلى الكافر بسبب الخيار ( احداث ملك ، فينتفى ، لعموم نفى السبيل ) ولازمه ان لا يكون خيار لاحد الطرفين ( لتقديمه ) اى دليل : نفى السبيل ( على أدلة الخيار ، كما

ص: 306

يقدم على أدلة البيع .

ويمكن ان يبتنى على أن الزائل العائد كالذي لم يزل ، أو كالذي لم يعد .

فان قلنا : بالأول ثبت الخيار ؛ لان فسخ العقد يجعل الملكية السابقة ، كان لم تزل ، وقد أمضاها الشارع ، وامر بإزالتها ، بخلاف ما لو كان الملكية الحاصلة السابقة فان الشارع لم يمضها .

لكن هذا المبنى ليس

_________________________

يقدم ) دليل : نفى السبيل ( على أدلة البيع ) وسائر المعاملات الناقلة إذ لسان دليل نفى السبيل ، لسان الحكومة .

( ويمكن ان يبتنى ) امكان الفسخ بالخيار للكافر أو المشترى ( على أن الزائل العائد ) كالملك الّذي زال عن الكافر ، ثم عاد إليه ( كالذي لم يزل ) فيجوز الفسخ ( أو كالذي لم يعد ) فلا ينفع الفسخ في رجوع المال إلى الكافر .

( فان قلنا : بالأول ) اى كالذي لم يزل ( ثبت الخيار ، لان فسخ العقد يجعل الملكية السابقة ، كان لم تزل ) فليس ملكا جديدا حتى يمنع منه ( وقد أمضاها ) اى الملكية السابقة ( الشارع ، وامر بإزالتها ، بخلاف ) ما لو قلنا : بالثاني ، اى كان لم يعد ، اى ( ما لو كان الملكية الحاصلة ) غير ( السابقة ) وانما كان بعد الفسخ ملكا جديدا ( فان الشارع لم يعضها ) لما تقدم من أن الملك الحادث ليس ممضى عند الشارع .

( لكن هذا المبنى ) المذكور وهو : كان لم يزل ، أو كان لم يعد ، ( ليس

ص: 307

بشيء ، لوجوب الاقتصار في تخصيص نفى السبيل على المتيقن .

نعم : يحكم بالأرش ، لو كان العبد أو ثمنه معيبا ، .

ويشكل في الخيارات الناشئة عن الضرر ، من جهة قوة أدلة نفى الضرر .

فلا يبعد الحكم بثبوت الخيار للمسلم المتضرر من لزوم البيع ، بخلاف ما لو تضرر الكافر ، فان هذا الضرر انما حصل من كفره الموجب لعدم قابليته تملك المسلم ، الا فيما خرج بالنص .

_________________________

بشيء ، لوجوب الاقتصار في تخصيص نفى السبيل على المتيقن ) وهو الملك السابق على الفسخ ، فسواء قلنا : بأنه بعد الفسخ كان لم يزل ، أو كان لم يعد لم يكن وجه لتخصيص نفى السبيل به .

( نعم ) استثناء عن أن يكون خيار لأحدهما ( يحكم بالأرش لو كان العبد أو ثمنه معيبا ) لأنه لا وجه لعدم الأرش .

( ويشكل ) عدم الخيار ( في الخيارات الناشئة عن الضرر ، من جهة قوة أدلة نفى الضرر ) ولا دليل على أن يكون عدم ملك الكافر للمسلم حاكما على أدلة نفى الضرر ، بل لعل العكس أولى .

( فلا يبعد الحكم بثبوت الخيار للمسلم المتضرر من لزوم البيع ) : من ، متعلق ب : المتضرر ، ( بخلاف ما لو تضرر الكافر ) فإنه لا خيار له في الفسخ ( فان هذا الضرر ) لم يحصل من حكم الشارع بلزوم البيع ، بل ( انما حصل من كفره الموجب لعدم قابليته تملك المسلم ، الا فيها خرج بالنص ) كصورة البقاء ، اى ما لو اسلم الكافر وهو في ملك مولاه الكافر .

ص: 308

ويظهر مما ذكرنا حكم الرجوع في العقد الجائز كالهبة .

وخالف في ذلك كلّه ، جامع المقاصد ، فحكم بثبوت الخيار والرد ب العيب ، تبعا للدروس ، قال : لأن العقد لا يخرج عن مقتضاه بكون المبيع عبدا مسلما لكافر لانتفاء المقتضى ، لان : نفى السبيل ، لو اقتضى ذلك لاقتضى خروجه عن ملكه .

_________________________

( ويظهر مما ذكرنا ) وانه لاحق للكافر في التملك الجديد للمسلم ( حكم الرجوع ) من المولى الكافر ( في العقد الجائز ، كالهبة ) فإنه لو وهب الكافر عبده المسلم إلى مسلم ، ثم أراد الرجوع ، لم يحق له ذلك ، لا لان الهبة غير قابلة للرجوع ، بل لان متعلق الهبة غير قابل لان يرجع إلى الكافر .

( وخالف في ذلك ) الّذي ذكرنا من عدم رجوع الكافر في باب الخيار إلى عبده بخيار للمسلم أو للكافر ( كله ، جامع المقاصد ، فحكم بثبوت الخيار والرد ، ب ) سبب ( العيب تبعا للدروس ، قال : لأن العقد لا يخرج عن مقتضاه بكون المبيع عبدا مسلما لكافر ) وذلك ( لانتفاء المقتضى ) اى لا مقتضى لعدم الخيار .

ان قلت : المقتضى لعدم الخيار آية : نفى السبيل .

قلت : لا يمكن أن تكون الآية مقتضية ( لان : نفى السبيل : لو اقتضى ذلك ) اى عدم الخيار ( لاقتضى خروجه ) اى المسلم ( عن ملكه ) اى ملك الكافر .

وجه التلازم : ان الملك أيضا سبيل ، فاللازم ان نفسّر الآية بالجبر

ص: 309

فعلى هذا لو كان البيع معاطاة ، فهي على حكمها ، ولو اخرجه عن ملكه بالهبة ، جرت فيه احكامها .

نعم : لا يبعد ان يقال : للحاكم الزامه ، باسقاط نحو خيار المجلس أو مطالبته بسبب ناقل ، يمنع الرجوع ، إذا لم يلزم منه تخسير للمال ،

_________________________

على البيع ، أو ما أشبه .

ومن المعلوم : ان هذا التفسير لا ينافي رجوعه إلى ملك الكافر بالخيار ، وما أشبه .

( فعلى هذا ) الّذي ذكرناه من ثبوت الخيار ( لو كان البيع ) من الكافر لعبد المسلم ( معاطاة ، فهي ) اى المعاطاة ( على حكمها ) في ان لكل طرف ، الرجوع ، لما تقدم في باب المعاطاة من أنها ليست لازمة الا بالتلف ، ونحوه ( ولو اخرجه ) الكافر ( عن ملكه بالهبة ، جرت فيه ) اى في هذا العبد ( احكامها ) اى احكام الهبة ، من : اللزوم في مورد اللزوم ، والجواز في مورد الجواز .

( نعم : لا يبعد ان يقال : للحاكم الزامه ) اى الكافر البائع لعبده المسلم ( باسقاط نحو خيار المجلس ) كخيار المجلس ، وخيار الحيوان ( أو ) للحاكم ( مطالبته ) اى الكافر ( بسبب ناقل ، يمنع الرجوع ) كان يقول له : صالح مصالحة لازمة ، .

وانما كان للحاكم ذلك ، لأنه لو نقل بما يتمكن من ابطاله صار نقضا للغرض

فالمطالبة بسبب ناقل يمنع الرجوع ( إذا لم يلزم منه تخسير للمال ) اى لم يلزم من كل من الاسقاط للخيار والمطالبة بسبب ناقل ، خسارة

ص: 310

انتهى .

وفيما ذكره نظر ، لان : نفى السبيل لا يخرج منه الا الملك الابتدائي وخروجه لا يستلزم خروج عود الملك إليه ، بالفسخ واستلزام البيع للخيارات ليس عقليا ، بل تابع لدليله الّذي هو أضعف من دليل

_________________________

لمال الكافر .

كما لو كان ثمن العبد عشرة ، فباعه اشتباها بخمسة ، فان الزامه بعدم الفسخ خسارة لماله ، .

وكذلك إذا يكون البيع موجبا لثمن عشرة ، والصلح موجبا لثمن خمسة يكون الزامه بالصلح خسارة عليه ، فدليل نفى الضرر ينفى كون الحاكم يحق له هذا الالزام الموجب للضرر ( انتهى ) كلام جامع المقاصد .

( وفيما ذكره ) من التلازم بين الملكية ، وبين حق الخيار ( نظر ، لان : نفى السبيل ) الّذي استدل به على التلازم ( لا يخرج منه الا الملك الابتدائي ) وذلك الخروج للنص الخاص ، والاجماع - كما عرفت - .

( وخروجه ) اى الملك الابتدائي من نفى السبيل ( لا يستلزم خروج عود الملك إليه ) اى عود الملك إلى الكافر يخرج من نفى السبيل ( ب ) سبب ( الفسخ ، و ) اما كون البيع مستلزما للخيار ، فكيف يمكن ان نقول بأنه لا خيار للكافر أو لطرفه .

فنقول ( استلزام البيع للخيارات ليس عقليا ) حتى لا يمكن بيع بلا خيار ( بل تابع لدليله ) الدال على ثبوت الخيار ( الّذي هو أضعف من دليل

ص: 311

صحة العقد الّذي خص بنفي السبيل .

فهذا أولى بالتخصيص به .

مع أنه على تقدير المقاومة يرجع إلى اصالة الملك ، وعدم زواله بالفسخ والرجوع فتأمل .

_________________________

صحة العقد ) ولزومه ( الّذي خص ) اى دليل صحة العقد ( بنفي السبيل ) إذ : لولا نفى السبيل ، كان عموم : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، يقتضي صحة اشتراء الكافر للعبد المسلم .

( فهذا ) اى دليل الخيار ( أولى بالتخصيص به ) اى بدليل نفى السبيل ، .

والحاصل : ان هناك ثلاثة أدلة : 1 - صحة العقد ، 2 - دليل الخيار ، 3 - دليل نفى السبيل ، .

فكما ان الأول يخصص بنفي السبيل ، كذلك يخصص الثاني بنفي السبيل أيضا ، .

بل دليل الخيار أولى بالتخصيص به ، لان أدلة العقد أقوى في سندها ودلالتها من أدلة الخيار .

( مع أنه على تقدير المقاومة ) بين نفى السبيل ، : المقتضى لعدم الخيار ، مع دليل الخيار المقتضى للخيار ( يرجع إلى اصالة الملك ، وعدم زواله ) اى الملك الجديد ، وهو اشتراء المسلم للعبد المسلم من الكافر ( بالفسخ والرجوع ) عطف على : بالفسخ ، ( فتأمل ) لعله إشارة إلى ما سيجيء من قوله : الا ان يقال : ان مقتضى الجمع الخ .

ص: 312

واما ما ذكره أخيرا بقوله : لا يبعد ، ففيه ، ان الزامه بما ذكر ليس بأولى من الحكم بعدم جواز الرجوع ، فيكون خروج المسلم من ملك الكافر إلى ملك المسلم بمنزلة التصرف المانع من الفسخ والرجوع .

ومما ذكرنا يظهر : ان ما ذكره في القواعد من قوله ره : ولو باعه من مسلم بثوب ثم وجد في الثوب عيبا ، جاز رد الثوب .

وهل يسترد العبد أو القيمة ، فيه

_________________________

( واما ما ذكره ) جامع المقاصد ( أخيرا بقوله : لا يبعد ) إلى آخره ( ففيه ؛ ان الزامه بما ذكر ) اى الزام الحاكم للكافر باسقاط خياره ( ليس بأولى من الحكم بعدم جواز الرجوع ) إذ : لا فائدة لخيار لا يتمكن ذو الخيار من انفاذه ، فجعل الشارع - لمثل هذا الخيار - لغو ، وإذا دار الامر بين ان يجعل الشارع الخيار - لغوا - وبين ان لا يجعله - أصلا - كان اللازم الثاني ( فيكون خروج ) العبد ( المسلم من ملك الكافر إلى ملك المسلم بمنزلة التصرف ) من ذي الخيار في المال ( المانع ) ذلك التصرف : كوطى الجارية التي للمشترى فيها الخيار ، ( من الفسخ والرجوع ) وحاصل ذلك عدم الخيار .

( ومما ذكرنا ) من أنه لا رد للعبد المسلم إلى الكافر ، سواء كان بخيار البائع أو المشترى ( يظهر : ان ما ذكره في القواعد من قوله ره : ولو باعه ) اى باع الكافر عبده المسلم ( من مسلم بثوب ثم وجد في الثوب عيبا جاز ) للكافر ( ردّ الثوب ) المعيب .

( وهل يستردّ العبد أو القيمة ) للعبد ( فيه ) اى في تعيين أيهما ،

ص: 313

نظر ، ينشأ من كون الاسترداد تملكا للمسلم اختيارا ومن : كون الرد بالعيب موضوعا على القهر ، كالإرث . انتهى محل تأمل .

الا ان يقال : ان مقتضى الجمع بين أدلة الخيار ، ونفى السبيل ، ثبوت الخيار ، والحكم بالقيمة ، فيكون : نفى السبيل ، مانعا شرعيا من استرداد المثمن ، كنقل المبيع في زمن الخيار ، وكالتلف الّذي هو مانع عقلي وهو حسن ، ان لم

_________________________

استرداد العبد أو قيمته ( نظر ، ينشأ من كون الاسترداد تملكا للمسلم اختيارا ومن : كون الرد بالعيب موضوعا ) شرعا ( على القهر ) لا بالاختيار ( كالإرث ) الّذي يرث الكافر قهرا ، فاللازم تمكن الكافر من الاسترداد .

ومن أنه : سبيل جديد ، فاللازم عدم تمكنه من الاسترداد ، لآية نفى السبيل ( انتهى ) كلام العلامة .

وقوله : ( محل تأمل ) خبر : ومما ذكرنا .

( الا ان يقال ) في وجه فسخ الكافر للبيع ( ان مقتضى الجمع بين أدلة الخيار ، و ) بين ( نفى السبيل ، ثبوت الخيار ) بمقتضى الدليل ( والحكم ب ) اخذ الكافر ( القيمة ) بعد ان فسخ البيع ( فيكون : نفى السبيل ، مانعا شرعيا من استرداد ) الكافر ( المثمن ، كنقل المبيع في زمن الخيار ) فان ذا الخيار إذا فسخ ، وقد نقل المشترى المبيع اخذ البائع بدل المبيع ( وكالتلف الّذي هو مانع عقلي ) عن الاسترداد بخلاف النقل مع بقاء العين ، فإنه مانع شرعي ( وهو ) اى الجمع بين الدليلين بالتبديل إلى القيمة ( حسن ، ان لم ) نقل بالاشكال في هذا الجمع ،

ص: 314

يحصل السبيل بمجرد استحقاق الكافر للمسلم المنكشف باستحقاق بدله ولذا حكموا بسقوط الخيار فيمن ينعتق على المشترى ، فتأمل .

_________________________

بسبب انه ( يحصل السبيل ) للكافر على المسلم ( ب ) سبب ( مجرد استحقاق الكافر للمسلم المنكشف ) هذا الاستحقاق ( باستحقاق بدله ) اى بدل العبد ، فإنه نوع من السبيل .

( ولذا ) الّذي ذكرنا من أن استحقاق البدل نوع من التسلط ( حكموا بسقوط الخيار فيمن ينعتق على المشترى ) ولو أمكن البدل ، لزم ان يقولوا بعدم سقوط الخيار واخذ البائع البدل ( فتأمل ) حيث إنه لا وجه له لعدم الجمع المذكور بين دليل نفى السبيل ودليل الخيار .

ومسئلة من ينعتق عليه إذا لم يكن على سقوط الخيار فيها دليل كان اوّل الكلام .

ص: 315

مسئلة المشهور عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر

ذكره الشيخ والمحقق في الجهاد والعلامة في كتبه ، وجمهور من تأخر عنه وعن الإسكافي : أنه قال : ولا اختار أن يرهن الكافر مصحفا وما يجب على المسلم تعظيمه ، ولا صغيرا من الأطفال

_________________________

( مسئلة المشهور ) بين الفقهاء ( عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر ) ففي البحار المجلد التاسع عشر عن أمالي الشيخ مسند إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم انه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى ان يسافر بالقرآن إلى ارض العدوّ ، مخافة ان يناله العدوّ ، لكن اخبار الدرهم الّذي كان في زمن الأئمة عليهم السلام وكان مكتوبا عليه سورة من القرآن ، وعدم ردعهم عليهم السلام اشتراء الكفار له ، واخبار كتابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى رؤساء الكفار مصدرا باسم اللّه .

مما يوجب صرف الخبر المتقدم إلى إرادة الإهانة من كلمة : النيل ، إذ لا فرق بين القرآن وجزئه على المشهور .

وكيف كان فقد ( ذكره الشيخ والمحقق في الجهاد والعلامة في كتبه ، وجمهور من تأخر عنه ) اى عن العلامة ( وعن الإسكافي : أنه قال :

ولا اختار أن يرهن الكافر مصحفا ) ليكون المصحف عند الكافر ( و ) كذلك كل ( ما يجب على المسلم تعظيمه ، ولا صغيرا من الأطفال ) .

ولعل مراده ان يرهن الطفل المسلم العبد عند الكافر ، ولعل

ص: 316

انتهى .

واستدلوا عليه بوجوب احترام المصحف .

وفحوى المنع من بيع العبد المسلم من الكافر .

وما ذكروه حسن ، وان كان وجهه لا يخلو عن تأمل أو منع .

وفي الحاق الأحاديث النبوية بالمصحف كما صرح به في المبسوط والكراهة ، كما هو صريح الشرائع ، ونسبه الصيمري إلى المشهور ، قولان :

_________________________

تخصيصه بذلك لتداول الرهن في زمانه لأجل الاعمال المعتاد قيام الصغار بها ، كنسج ، الأفرشة التي تسمى بالقالي ، وما أشبه و ( انتهى ) كلام الإسكافي .

( واستدلوا عليه ) اى على عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر ( بوجوب احترام المصحف ) واعطائه للكافر ينافي ذلك .

( وفحوى ) اى أولوية ( المنع ) في بيع المصحف ( من بيع العبد المسلم من الكافر ) إذ : القرآن أكثر احتراما من الانسان .

( وما ذكروه ) من المنع ( حسن ، وان كان وجهه لا يخلو عن تأمل أو منع ) إذ الاحترام انما ينافي البيع ، فيما إذا كان البيع موجبا لعدم الاحترام ، أو كان نفس البيع إلى الكافر خلاف الاحترام ، وكلاهما ممنوعان والفحوى غير تام إذ لا أولوية اطلاقا .

( وفي الحاق الأحاديث النبوية بالمصحف ) في منع بيعها إلى الكافر ( كما صرح به ) اى بالالحاق والمنع ( في المبسوط والكراهة ، كما هو صريح الشرائع ، ونسبه الصيمري إلى المشهور ، قولان :

ص: 317

تردد بينهما العلامة في التذكرة ولا يبعد أن تكون الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طرق الآحاد حكمها حكم ما علم صدوره منه صلى الله عليه وآله وسلم وان كان ظاهر ما ألحقوه بالمصحف هو أقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم المعلوم صدورها عنه صلى الله عليه وآله وسلم .

وكيف كان ، فحكم أحاديث الأئمة صلوات الله عليهم حكم أحاديث النبي ( ص )

القول في شرائط العوضين ،

[ مسألة ] يشترط في كل منهما كونه متمولا ،

_________________________

تردد بينهما العلامة في التذكرة ) من اصالة الجواز مع كون البيع معرضا لاحتمال الإهانة ، فيكره ، ومن وجده المناط في القرآن والحديث فيحرم

هذا كله في الأحاديث المقطوع وردودها عنه صلى الله عليه وآله وسلم ( ولا يبعد أن تكون الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طرق ) اخبار ( الآحاد حكمها حكم ما علم صدوره منه صلى الله عليه وآله وسلم ) إذ دليل حجية الآحاد موجب للالحاق شرعا ( وان كان ظاهر ما ألحقوه بالمصحف ، هو أقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم المعلوم صدورها عنه صلى الله عليه وآله وسلم ) والاخبار غير معلوم الصدور

( وكيف كان ، فحكم أحاديث الأئمة صلوات الله عليهم حكم أحاديث النبي \" ص \" ) في ما ذكر من الحكم لوحدة الملاك .

( القول في شرائط العوضين ، يشترط في كل منهما كونه متمولا ) اى له مالية عرفية

ص: 318

لان البيع لغة مبادلة مال بمال ، وقد احترزوا بهذا الشرط عما لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء محللة في الشرع ، لان الأول ليس بمال عرفا كالخنافس والديدان ، فإنه يصح عرفا سلب المصرف لها ، ونفى الفائدة عنها والثاني ليس بمال شرعا ، كالخمر والخنزير .

ثم قسموا عدم الانتفاع إلى ما يستند إلى خسة الشيء كالحشوات وإلى ما يستند إلى قلته كحبة حنطة .

وذكروا انه ليس مالا - وان كان يصدق

_________________________

( لان البيع لغة مبادلة مال بمال ) فإذا لم يكن أحد العوضين ذا مالية لم يتحقق البيع ( وقد احترزوا بهذا الشرط عما لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء محللة ) تلك المنفعة ( في الشرع ، لان الأول ) وهو ما لا منفعة فيه يقصدها العقلاء ( ليس بمال عرفا ، كالخنافس والديدان ) اما إذا وجدت منفعة لهذه الأشياء كالحال الحاضر خرجت عن كونه مثالا لما لا منفعة فيه - كما لا يخفى - ( فإنه يصح عرفا سلب المصرف لها ) بان يقال : لا مصرف لهذه الأمور ( ونفى الفائدة عنها والثاني ) اى قيد محللة في الشرع في التعريف ( ليس بمال شرعا ، كالخمر والخنزير ) وما لا مالية له شرعا لم يجوز الشارع بيعه .

( ثم قسموا عدم الانتفاع إلى ما يستند إلى خسة الشيء كالحشرات وإلى ما يستند إلى قلته كحبة حنطة ) فان ذات الحبة ليست خسيسة ، وانما قلتها أوجبت عدم الانتفاع بها .

( وذكروا انه ) اى مثل حبة الحنطة ( ليس مالا - وان كان يصدق

ص: 319

عليه الملك - ولذا يحرم غصبه اجماعا .

وعن التذكرة انه لو تلف لم يضمن أصلا .

واعترضه غير واحد ممن تأخر عنه بوجوب رد المثل .

والأولى ان يقال : ان ما تحقق انه ليس بمال عرفا فلا اشكال ولا خلاف في عدم جواز وقوعه أحد العوضين ، إذ : لا بيع الا في ملك ، وما لم يتحقق فيه ذلك ، فإن كان اكل المال في مقابله اكلا بالباطل عرفا

_________________________

عليه الملك - ولذا ) الّذي يصدق عليه الملك ( يحرم غصبه اجماعا ) .

فبين الملك والمال عموم مطلق ، إذ كل مال ملك وليس كل ملك مال ( وعن التذكرة انه لو تلف ) مثل حبة الحنطة بيد متلف ( لم يضمن أصلا ) ولعله لأنه ليس بمال ، ودليل الضمان منصرف إلى الأموال .

( واعترضه غير واحد ممن تأخر عنه بوجوب رد المثل ) إلى المالك فما معنى عدم الضمان .

( والأولى ان يقال ) لميزان صحة البيع ، وعدم صحة البيع بالنسبة إلى شرط المالية ( ان ما تحقق انه ليس بمال عرفا ) كالخنفساء - مثلا - ( فلا اشكال ولا خلاف في عدم جواز وقوعه أحد العوضين ، إذ : لا بيع الا في ملك ) كما في النص بالإضافة إلى أنه اكل للمال بالباطل ، إذا البائع يأكل مال المشترى بدون ان يكون أعطاه عوضا عن ثمنه ( وما لم يتحقق فيه ذلك ) اى لم يتحقق انه ليس بمال ، بان جهلنا كونه مالا ، أم لا ، الضب مثلا الّذي ينتفع به لبعض المنافع الدوائية لكن نجهل هل انه مال عرفا ، أم لا ؟ ( فإن كان اكل المال في مقابله اكلا بالباطل عرفا ) حتى

ص: 320

فالظاهر فساد المقابلة .

وما لم يتحقق فيه ذلك فان ثبت دليل ، من : نص أو اجماع على عدم جواز بيعه ، فهو والا فلا يخفى وجوب الرجوع إلى عمومات صحة البيع والتجارة وخصوص قوله عليه السلام ، في المروى عن تحف العقول وكل شيء يكون لهم فيه الصلاح ، من جهة من الجهات ، فكل ذلك حلال بيعه ، إلى آخر الرواية ، وقد تقدمت في اوّل الكتاب .

_________________________

إذا رأى العرف ان أحدا اشتراه وأعطاه ثمنا بإزائه ، قال : ان اكل البائع للمال اكل بالباطل ( فالظاهر فساد المقابلة ) والمعاملة إذ كما أنه لو عرفنا ان الشيء ليس بمال ، نعرف ان الاكل في مقابله اكل بالباطل ، كذلك إذا عرفنا انه اكل بالباطل نعرف ان الشارع لم يمض مثل هذه المعاملة .

( وما لم يتحقق فيه ذلك ) اى كونه اكلا للمال بالباطل عرفا ( فان ثبت دليل ، من : نص أو اجماع على عدم جواز بيعه ) كبيع العذرة التي ليس اكل المال بإزائها اكلا بالباطل لكن ورد في النص ثمن العذرة سحت ( فهو ) المتبع ولا يصح بيعه ( والا فلا يخفى وجوب الرجوع إلى عمومات صحة البيع والتجارة ) كقوله تعالى : أحل الله البيع ، وقوله سبحانه :

تجارة عن تراض منكم ، وأمثالهما ( وخصوص قوله عليه السلام ، في المروى عن تحف العقول : وكل شيء يكون لهم فيه الصلاح ، من جهة من الجهات فكل ذلك حلال بيعه ، إلى آخر الرواية ، وقد تقدمت ) تمام الرواية ( في اوّل الكتاب ) فراجع ، .

ص: 321

ثم إنهم احترزوا باعتبار الملكية في العوضين من بيع ما يشترك فيه الناس ، كالماء ، والكلاء ، والسموك ، والوحوش ، قبل اصطيادها ، بكون هذه كلها غير مملوكة بالفعل .

واحترزوا به أيضا عن الأرض المفتوحة عنوة .

ووجه الاحتراز عنها انها غير مملوكة لملاكها على نحو سائر الاملاك بحيث يكون لكل منهم جزء معين من عين الأرض ، وان قل ، ولذا لا تورث

_________________________

وإذا تمت الكبرى وانضمت إليه صغرى هي ان الشيء الفلاني لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات ، كان اللازم صحة البيع .

( ثم إنهم احترزوا باعتبار الملكية في العوضين من بيع ما يشترك فيه الناس ، كالماء ، والكلاء ، والسموك ، والوحوش ) قبل حيازة الماء والكلاء ، و ( قبل اصطيادها ) وكذلك طيور الهواء ، وأشجار الغابات ، وما أشبه ذلك ( بكون هذه كلها غير مملوكة بالفعل ) وليس أحد من البائع والمشترى أولى بها من الآخر ، حتى يبيعها للآخر .

( واحترزوا به أيضا ) اى باشتراط الملكية ( عن الأرض المفتوحة عنوة ) التي فتحها المسلمون قهرا وجبرا ، لا ان أهاليها الكفار صالحوا المسلمين عليها ، أو ما أشبه .

( ووجه الاحتراز عنها انها ) اى المفتوحة عنوة ( غير مملوكة لملاكها على نحو سائر الاملاك ) وان كان المسلمون هم مالكون لها ( بحيث يكون لكل منهم جزء معين من عين الأرض ، وان قل ) ذلك الجزء المعين ( ولذا لا تورث ) الأرض المفتوحة عنوة ، بل هي قسم خاص من الملك ، ثمره ان فوائدها

ص: 322

ولا من قبيل الوقف الخاص على معينين ، لعدم تملكهم للمنفعة مشاعا .

ولا كالوقف على غير معينين ، كالعلماء ، والمؤمنين .

ولا من قبيل تملك الفقراء للزكاة ، والسادة للخمس ، بمعنى كونهم مصارف له لعدم تملكهم لمنافعها بالقبض ، لان مصرفه منحصر في مصالح المسلمين ، فلا يجوز تقسيمه

_________________________

للمسلمين بنظر الحاكم الشرعي ( ولا ) تكون ( من قبيل الوقف الخاص على معيّنين ) كالوقف الذرى - مثلا - .

وذلك ( لعدم تملكهم ) اى المسلمين ( للمنفعة ) للأرض المفتوحة ( مشاعا ) ولو كانت من قبيل الوقف الخاص فان ثمرها كان يعود عليهم مشاعا

بل قد عرفت : ان الحاكم الشرعي يصرف نفعها إليهم حسب الصلاح فربما يصيب أحدهم ، ولا يصيب الآخر أو يصيب بعضهم أزيد من بعض ( ولا كالوقف على غير معيّنين ) وان كانوا معلومى العنوان ( كالعلماء والمؤمنين ) وسيأتي وجه هذا ، وما يتلوه في قوله : لعدم تملكهم ، .

( ولا من قبيل تملك الفقراء للزكاة ، والسادة للخمس ، بمعنى كونهم ) اى السادة والفقراء ( مصارف له ) اى لكل من الزكاة والخمس ، وان لم يجب التوزيع عليهم والتسوية بينهم ( لعدم تملكهم ) اى المسلمين ( لمنافعها ) اى منافع الأرض المفتوحة عنوة ( بالقبض ) بخلاف الخمس والزكاة والوقف العام فإنهم يملكون هذه الأمور إذا قبضوها .

وانما قلنا : لعدم تملكهم ( لان مصرفه ) اى المحل الّذي يصرف فيه نفع الأرض المفتوحة عنوة ( منحصر في مصالح المسلمين ، فلا يجوز تقسيمه

ص: 323

عليهم من دون ملاحظة مصالحهم .

فهذه الملكية نحو مستقل من الملكية ، قد دل عليه الدليل .

ومعناها : صرف حاصل الملك في مصالح الملاك .

ثم : ان كون هذه الأرض للمسلمين مما ادعى عليه الاجماع ، ودل عليه النص ، كمرسلة حماد الطويلة ، وغيرها وحيث جرى في الكلام ذكر بعض اقسام الأرضين ، فلا بأس بالإشارة اجمالا إلى جميع

أقسام الأرضين واحكامها .

فنقول - ومن الله الاستعانة - : الأرض اما موات ،

و

_________________________

عليهم من دون ملاحظة مصالحهم ) بخلاف ما إذا كانت المصلحة ، التقسيم عليهم ، فإنه يقسم عليهم .

( فهذه الملكية ) للأرض المفتوحة ، بالنسبة إلى المسلمين على ( نحو مستقل من الملكية ، قد دل عليه الدليل ) اى على هذا النحو .

( ومعناها : صرف حاصل الملك في مصالح الملاك ) ومثله لا يجوز بيعه ، إذ ليس كل ملك يجوز بيعه .

( ثم : ان كون هذه الأرض للمسلمين مما ادعى عليه الاجماع ، ودل عليه النص ) فلا يتوهم انها ليست للمسلمين وانما يصرف نمائها في مصالحهم وان كان ربما لا تظهر الثمرة بين الامرين ( كمرسلة حماد الطويلة وغيرها ) مما يأتي بعضها ( وحيث جرى في الكلام ذكر بعض اقسام الأرضين ، فلا بأس بالإشارة اجمالا إلى جميع اقسام الأرضين واحكامها )

( فنقول - ومن الله الاستعانة - : الأرض اما موات ) لا عمارة فيها (

ص: 324

اما عامرة .

وكل منهما : اما أن تكون كذلك أصلية ، أو عرض لها ذلك ، فالاقسام أربعة لا خامس لها .

الأول : ما يكون مواتا بالأصالة ،

بان لم تكن مسبوقة بعمارة ولا اشكال ولا خلاف منافى كونها للإمام عليه السلام ، والاجماع عليه محكى عن الخلاف ، والغنية ، وجامع المقاصد ، والمسالك ، وظاهر جماعة أخرى والنصوص بذلك مستفيضة ، بل قيل إنها متواترة ، وهي من الأنفال .

نعم : أبيح التصرف فيها بالاحياء .

_________________________

اما عامرة ) والمراد بالعامرة ما كانت مشغولة بزرع ، أو بناء ، أو نهر ، أو ما أشبه .

( وكل منهما : اما أن تكون كذلك ) مواتا أو عامرة ( أصلية ، أو عرض لها ذلك ، فالاقسام أربعة ) فقط ( لا خامس لها ) .

( الأول : ) من اقسام الأرضين ( ما يكون مواتا بالأصالة بان لم تكن مسبوقة بعمارة ولا اشكال ولا خلاف منافى كونها للإمام عليه السلام ، والاجماع عليه محكى عن الخلاف ، والغنية ، وجامع المقاصد ، والمسالك وظاهر جماعة أخرى ، والنصوص بذلك مستفيضة ، بل قيل إنها متواترة ) ولا يبعد ذلك لكثرة النصوص الواردة في هذا الباب جدا ( وهي من الأنفال ) اى التي أعطاها اللّه لرسوله وللأئمة نافلة زيادة على ما اعطى على قرنائهم المذكورين في آية الخمس .

( نعم : أبيح ) من قبل الأئمة عليهم السلام ( التصرف فيها بالاحياء

ص: 325

بلا عوض .

وعليه يحمل ما في النبوي موتان الأرض للّه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم هي لكم منى أيها المسلمون ، ونحوه الآخر عادى الأرض للّه ولرسوله ، ثم هي لكم منّى .

وربما يكون في بعض الأخبار وجوب أداء خراجه إلى الامام \" ص \" كما في صحيحة الكابلي ، قال وجدنا في كتاب على أن الأرض للّه يورثه من يشاء

_________________________

بلا عوض ) للشيعة كما نص بذلك في الأحاديث ، اما غير الشيعة ففيه كلام

( وعليه ) اى على أنه أبيح لا على الملكية ( يحمل ما في النبوي ) حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم ( موتان ) على وزن حيوان ( الأرض لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم هي لكم منى أيها المسلمون ، ونحوه ) النبوي ( الآخر عادى الأرض لله ولرسوله ، ثم هي لكم منى )

ولفظة : عادى ، اما نسبة إلى عاد بمعنى قديم الأرض - التي لا عمارة لها - تشبيه للأرض في القدم بقوم عاد الذين كانوا في قديم الزمان

واما بمعنى ما عدا عليها الزمان بالإمامة مجازا فيكون من قبيل عيشة راضية .

( وربما يكون في بعض الأخبار وجوب أداء خراجه ) اى اجرتها ( إلى الامام \" ص \" ) وهذا لا ينافي النبوي ، لان المبيح إذا أراد رد الشيء المباح ، جاز له ذلك ( كما في صحيحة الكابلي ، قال ) عليه السلام ( وجدنا في كتاب على ) عليه السلام ( ان الأرض للّه يورثها من يشاء ) بان يميت قوما ، ويسكن

ص: 326

والعاقبة للمتقين قال انا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ، ونحن المتقون ، والأرض كلها لنا ، فمن أحيى من الأرض من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى الامام من أهل بيتي وله ما اكل منها ، الخبر ومصححة عمر بن يزيد ، انه سئل رجل أبا عبد الله عليه السلام ، عن رجل اخذ أرضا مواتا تركها أهلها ، فعمرها واجرى أنهارها ، وبنى فيها بيوتا ، وغرس فيها نخلا ، وشجرا ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : من أحيى أرضا من المؤمنين فهي له ، وعليه طسقها يؤتى به إلى الامام \" ع \" في حال الهدنة .

_________________________

الأرض قوما آخر ( والعاقبة للمتقين ) فليس الوارث ، أو الموروث له العاقبة الحسنى ، وانما العاقبة الحسنى لمن كان ذا تقوى ( قال ) اى علي عليه السلام ( انا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ، ونحن المتقون ، والأرض كلها لنا ، فمن أحيى من الأرض ) اى شيئا منها ( من المسلمين ، فليعمرها ) اى من أراد الاحياء فلا بأس بان يعمرها ( وليؤد خراجها إلى الامام من أهل بيتي ، وله ما اكل منها ) اى لا بأس بان يأكل منها إذا أدى خراجها إلى الامام إلى آخر ( الخبر ، ومصححة عمر بن يزيد ، انه سئل رجل أبا عبد الله عليه السلام ، عن رجل اخذ أرضا مواتا تركها أهلها فعمرها واجرى أنهارها ، وبنى فيها بيوتا ، وغرس فيها نخلا ، وشجرا ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : من أحيى أرضا من المؤمنين فهي له ، وعليه طسقها ) اى خراجها ( يؤتى به إلى الامام \" ع \" في حال الهدنة ) اى حال عدم قيام الامام بالحكومة

ص: 327

فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه على أن يؤخذ منه ، الخبر .

ويمكن حملها على بيان الاستحقاق ووجوب ايصال الطسق إذا طلب الامام \" ع \" لكن الأئمة عليهم السلام بعد أمير المؤمنين عليه السلام حللوا شيعتهم وأسقطوا ذلك عنهم ، كما يدل عليه قوله عليه السلام : ما كان لنا فهو لشيعتنا ، وقوله عليه السلام في رواية مسمع بن عبد الملك :

كلما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون ، يحل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا ، فيجبيهم

_________________________

الاسلامية الظاهرية ( فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه على أن يؤخذ منه الخبر ) لان الامام إذا قام بالامر داعى مصالح المسلمين ، وشؤون الحكومة فلا يترك الأرض هملا بيد كل مستولى عليها ، بل يعمل حسب شؤون الحكومة

( ويمكن حملها ) اى الأخبار الدالة على وجوب اعطاء الخراج ( على بيان الاستحقاق ) اى ان الامام مستحق للطسق ( ووجوب ايصال الطسق إذا طلب الامام \" ع \" لكن الأئمة عليهم السلام بعد أمير المؤمنين عليه السلام حللوا شيعتهم وأسقطوا ذلك عنهم ) وعلى هذا فالمراد بحال الهدنة حال عدم ظهور الإمام المهدى الّذي لم يكلف الإمام عليه السلام قبل ذلك بتصفية الأرض كليا ، ليكون دين الاسلام وحده السائد في كل الأرض ( كما يدل عليه ) اى على أن الأئمة عليهم السلام أسقطوا ذلك عن الشيعة ( قوله عليه السلام : ما كان لنا فهو لشيعتنا ، وقوله عليه السلام في رواية مسمع بن عبد الملك : كلما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه ) اى فيما بأيديهم ( محللون ، يحل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا ، فيجبيهم ) من الجباية

ص: 328

طسق ما كان في أيديهم ، ويترك الأرض في أيديهم ، واما ما كان في أيدي سواهم فان كسبهم في الأرض حرام عليهم ، حتى يقوم قائمنا ، ويأخذ الأرض من أيديهم ، ويخرجهم عنها صغرة .

نعم : ذكر في التذكرة انه لو تصرف في الموات أحد بغير اذن الامام كان عليه طسقها .

_________________________

بمعنى جمع الأموال ( طسق ما كان في أيديهم ، ويترك الأرض في أيديهم ، واما ما كان في أيدي سواهم ) اى سوى الشيعة ( فان كسبهم في الأرض حرام عليهم ، حتى يقوم قائمنا ، ويأخذ الأرض من أيديهم ، ويخرجهم عنها صغرة ) اى وهم أذلاء إلى آخر الخبر .

ولا يخفى ان هذا في اوّل نهضة القائم عليه السلام ، والا فالدين الحق يسود البلاد كليا ، بحيث لا يبقى في الأرض من لا يوالى الامام \" ع \" اطلاقا .

كما أن تعاملنا معهم في حال الغيبة بوارد الأرض لا بأس به وان كان لهم حراما .

اما من جهة التحليل لنا واما من جهة : الزموهم بما التزموا به ، فإنه شامل لما عليهم ولما لهم كما لا يخفى .

وان كان الظاهر الابتدائي ان هذه الكلية بالنسبة إلى ما عليهم لا ما لهم .

( نعم : ذكر في التذكرة انه لو تصرف في الموات أحد بغير اذن الامام كان عليه طسقها ) وهذا بظاهره ينافي اخبار التحليل التي تقدم بعضها

ص: 329

ويحتمل حمل هذه الأخبار المذكورة على حال الحضور .

والا فالظاهر عدم الخلاف في عدم وجوب مال الإمام في الأراضي في حال الغيبة ، بل الاخبار متفقة على أنها لمن أحياها .

وسيأتي حكاية اجماع المسلمين على صيرورتها ملكا بالاحياء .

الثاني : ما كانت عامرة بالأصالة اى لا من معمر .

والظاهر أنه أيضا للإمام عليه السلام ، وكونها من الأنفال ، وهو ظاهر اطلاق قولهم : وكل ارض لم يجر عليها ملك مسلم ، فهو للامام \" ع \"

_________________________

( ويحتمل حمل هذه الأخبار المذكورة ) اى ما دل على وجوب اعطاء الطسق ( على حال الحضور ) للإمام عليه السلام ، لا حتى حال الغيبة .

( والا فالظاهر عدم الخلاف في عدم وجوب مال الإمام في الأراضي في حال الغيبة ، بل الاخبار متفقة على أنها لمن أحياها ) مما يلزم حمل اخبار الطسق على حال الحضور ، أو ما أشبه من سائر المحامل ، حتى لا تنافى اخبار انها لمن أحياها .

( وسيأتي حكاية اجماع المسلمين على صيرورتها ) اى أراضي الموات ( ملكا بالاحياء ) لمن أحياها .

( الثاني : ) من اقسام الأرضين ( ما كانت عامرة بالأصالة اى لا من معمر ) كالمزارع الطبيعية وأطراف الأنهار ، وما أشبه .

( والظاهر أنه أيضا ) كالموات ( للإمام عليه السلام ، وكونها من الأنفال ) كما ذكروا ذلك مفصلا في كتاب الخمس ( وهو ظاهر اطلاق قولهم :

وكل ارض لم يجر عليها ملك مسلم ، فهو للامام \" ع \" ) إذ اطلاقه شامل

ص: 330

وعن التذكرة الاجماع عليه ، وفي غيرها نفى الخلاف عنه لموثقة أبان بن عثمان عن إسحاق بن عمار ، المحكى عن تفسير علي بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام : حيث عد من الأنفال كل ارض لا رب لها ونحوها المحكى عن تفسير العياشي عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام .

ولا يخصص عموم ذلك بخصوص بعض الأخبار ، حيث جعل فيها من الأنفال كل ارض ميتة لا رب لها ، بناء على ثبوت المفهوم للوصف المسوق للاحتراز ،

_________________________

للعامرة بالأصل كشموله للموات .

( وعن التذكرة الاجماع عليه ، وفي غيرها ) اى غير التذكرة ( نفى الخلاف عنه لموثقة أبان بن عثمان عن إسحاق بن عمار ، المحكى عن تفسير علي بن إبراهيم ، عن الصادق عليه السلام : حيث عد من الأنفال ) التي هي للإمام عليه السلام ( كل ارض لا رب ) اى لا مالك ( لها ) ومن المعلوم شمول اطلاق الرواية للاراضى العامرة ( ونحوها المحكى عن تفسير العياشي عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام )

( و ) لا يقال : ان اطلاق هذه الأخبار يخصص بما دل على أن الأرض الميتة للامام .

لأنا نقول : ( لا يخصص عموم ذلك بخصوص بعض الأخبار ، حيث جعل فيها ) اى في تلك البعض ( من الأنفال كل ارض ميتة لا رب لها )

وجه التخصيص ( بناء على ثبوت المفهوم للوصف ) اى قوله : ميتة ، ( المسوق ) ذلك الوصف ( للاحتراز ) فالمعنى ان الأرض إذا لم تكن ميتة

ص: 331

لأن الظاهر ورود الوصف مورد الغالب ، لان الغالب في الأرض التي لا مالك لها ، كونها مواتا .

وهل يملك هذه بالحيازة وجهان ، من : كونه مال الإمام \" ع \" .

ومن : عدم منافاته للتملك بالحيازة ، كما يملك الأموات بالاحياء مع كونه مال الإمام فدخل في عموم النبوي : من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم ، فهو أحق به

_________________________

فليست من الأنفال وبهذا المفهوم يخصص عموم خبر : ابان ، والعياشي

وانما قلنا لا يخصص ( لأن الظاهر ) من النص والفتوى ( ورود الوصف ) بكونها ميتة ( مورد الغالب ، لان الغالب في الأرض التي لا مالك لها ، كونها مواتا ) فمثل هذا الوصف لا مفهوم له بالإضافة إلى ما ذكروا في الأصول :

من أنه لا مفهوم اطلاقا .

( وهل يملك هذه ) الأرض العامرة بالأصل ( بالحيازة ) كما يملك الموات بالاحياء ، أم لا ؟ ( وجهان ، من : كونه مال الإمام \" ع \" ) فللانسان التصرف فيها فقط ، لتحليلهم ، لا انه يملكها فإذا ذهب عنها صارت ملكا لانسان آخر يتصرف فيها .

( ومن : عدم منافاته للتملك بالحيازة ، كما يملك الأموات بالاحياء ) فالملك طولى ، كما أن ملك الله ، وملك الرسول طولى أيضا ، فالمتصرف يملكها ( مع كونه مال الإمام ) طولا ( فدخل في عموم النبوي : من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم ، فهو أحق به ) وظاهر الأحقية الملك لان الحق تعبير عرفى شامل لا قوى الحقوق الّذي هو الملك إلى اضعفها كحق الانسان

ص: 332

الثالث : ما عرض له الحياة بعد الموت

وهو ملك للمحيي فيصير ملكا له بالشروط المذكورة في باب الاحياء ، باجماع الأمة ، كما عن المهذب وباجماع المسلمين ، كما عن التنقيح ، وعليه عامة فقهاء الأمصار ، كما عن التذكرة لكن ببالي من المبسوط كلام يشعر بأنه يملك التصرف لا نفس الرقبة ، فلا بد من الملاحظة .

_________________________

في المسجد والمدرسة .

( الثالث ) من اقسام الأرضين ( ما عرض له الحياة بعد الموت ) كما لو عمر انسان مواتا ( وهو ملك للمحيي فيصير ملكا له بالشروط المذكورة في باب الاحياء ) اى كتاب احياء الموات .

وهي أولا : ان لا يكون عليها يد مسلم .

وثانيا : ان لا يكون حريما لعامر .

وثالثا : ان لا يكون مشعرا للعبادة كعرفات ومنى .

ورابعا : ان لا يكون مما اقطعه الامام لاحد .

وخامسا : ان لا يسبق إليه سابق بالتحجير ( باجماع الأمة ، كما عن المهذب ، وباجماع المسلمين ، كما عن التنقيح ، وعليه عامة فقهاء الأمصار ، كما عن التذكرة ، لكن ببالي من المبسوط كلام يشعر بأنه يملك التصرف لا نفس الرقبة ، فلا بد من الملاحظة ) قال في محكى المبسوط :

إذا حجر أرضا لم يصح بيعها ، ومن الناس من قال : يصح ، وهو شاذ عندنا ، فلا يصح بيعه لأنه لا يملك رقبة الأرض بالاحياء .

وانما يملك التصرف بشرط ان يؤدى إلى الامام ما يلزم عليها .

ص: 333

الرابع : ما عرض له الموت بعد العمارة ،

فان كانت العمارة أصلية فهي مال الإمام \" ع \" وان كانت العمارة من معمّر ، ففي بقائها على ملك معمرها ، أو خروجها عنه وصيرورتها ملكا لمن عمرها ثانيا ، خلاف معروف في كتاب احياء الموات ، منشأه اختلاف الاخبار .

_________________________

وعند المخالف لا يجوز لأنه لا يملك بالتحجير ، مثل الاحياء فكيف يبيع ما لا يملك ، انتهى .

( الرابع ) من اقسام الأرضين ( ما عرض له الموت بعد العمارة فان كانت العمارة أصلية ) كما لو جفت أشجار الغابة وتحولت إلى ارض موات ( فهي مال الإمام \" ع \" ) لأنها في حاليها حال الحياة وحال الموت للامام ( وان كانت العمارة من معمّر ، ففي بقائها على ملك معمّرها ، أو خروجها عنه ) بالموت ( وصيرورتها ملكا لمن عمّرها ثانيا ، خلاف معروف في كتاب احياء الموات ، منشأه ) اى منشأ اختلاف الأقوال ( اختلاف الاخبار )

فبعض الاخبار دل على بقائها في ملك المعمّر الأول ، كرواية سليمان بن خالد ، قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام : عن الرجل يأتي الأرض فيستخرجها ويجرى أنهارها ويعمّرها ويزرعها ، ما ذا عليه ؟ قال :

الصدقة ، قلت : فإن كان يعرف صاحبها ، قال عليه السلام : فيؤدّ إليه حقه ، .

وبعض الأخبار : دل على أنها ملك للمعمّر الثاني ، كصحيحة الكابلي ، وفيها : فان تركها وأخربها ، فاخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها ، فهو أحق بها من الّذي تركها ، فليؤدّ خراجها

ص: 334

[ رجوع إلى القسم الثالث ]

ثم القسم الثالث : اما أن تكون العمارة فيه من المسلمين ، أو من الكفار فإن كان من المسلمين فملكهم لا يزول الا بناقل ، أو بطر والخراب على أحد القولين .

وان كان من الكفار ، فكذلك ان كان في دار الاسلام ، وقلنا :

بعدم اعتبار الاسلام وان اعتبرنا الاسلام كان باقيا على ملك الإمام \" ع \" وان كان في دار الكفر ، فملكها يزول بما يزول به

_________________________

إلى الامام من أهل بيتي ، وله ما اكل منها حتى يظهر القائم عليه السلام إلى غيرهما من الاخبار .

( ثم القسم الثالث ) وهو ما عرض له الحياة بعد الموت ( اما أن تكون العمارة فيه من المسلمين ، أو من الكفار فإن كان من المسلمين فملكهم ) للأرض ( لا يزول الا بناقل ) كالبيع والهبة والإرث ونحوها ( أو بطرو الخراب ، على أحد القولين ) السابقين القائل بان طرو الخراب يوجب زوال الملك .

والقول الآخر هو بقائه على ملك السابق .

( وان كان ) العمارة ( من الكفار ، فكذلك ) اى كما لو كانت العمارة للمسلمين ( ان كان ) تلك الأرض ( في دار الاسلام ، وقلنا : بعدم اعتبار الاسلام ) في المحيى - كما هو أحد القولين - وان كل من أحيى أرضا فهي له سواء كان المحيى مسلما أو كافرا ( وان اعتبرنا الاسلام ) في المحيى ( كان ) الأرض ( باقيا على ملك الإمام \" ع \" وان كان ) الأرض المحياة ( في دار الكفر ، فملكها ) اى ملك الكافر لتلك الأرض ( يزول بما يزول به

ص: 335

ملك المسلم ، وبالاغتنام كسائر أموالهم ، ثم ما ملكه الكافر من الأرض ، اما ان يسلم عليه طوعا ، فيبقى على ملكه كسائر املاكه ، واما ان لا يسلم عليه طوعا ، فان بقي يده عليه كافرا ، فهي أيضا كسائر املاكه تحت يده ، وان ارتفعت يده عنها ، فاما ان يكون بانجلاء المالك عنها وتخليتها للمسلمين أو بموت أهلها وعدم الوارث فيصير ملكا للإمام عليه السلام ، ويكون من الأنفال التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ،

_________________________

ملك المسلم ) من خراب - على أحد القولين - أو نقل وانتقال ( وبالاغتنام ) أيضا ( كسائر أموالهم ) إذا غنمها المسلمون بشروط المحاربة والجهاد ( ثم ما ملكه الكافر من الأرض ، اما ان يسلم عليه طوعا ، فيبقى على ملكه كسائر املاكه ، واما ان لا يسلم عليه طوعا ، فان بقي يده عليه ) اى على تلك الأرض - ولا يخفى ان تذكير الضمير العائد إلى الأرض باعتبار من التأويل ، كتقدير المكان ، أو عائد إلى الموصول كلفظة : ما ، الّذي مصداقه الأرض أو ما أشبه - ( كافرا ) حال عن ضمير : يده ، ( فهي أيضا كسائر املاكه تحت يده ) في انها ملك له ، إذ الكافر يملك ما تحت يده ( وان ارتفعت يده ) اى يد الكافر ( عنها ، فاما ان يكون بانجلاء المالك عنها ) بان تركها واعرض عنها وذهب إلى مكان آخر ( وتخليتها للمسلمين ) وحينئذ تخرج الأرض عن ملكه ، لان الاعراض من أسباب سقوط الملك ( أو بموت أهلها وعدم الوارث ف ) في كلتا الحالتين ( يصير ) تلك الأرض ( ملكا للإمام عليه السلام ، ويكون من الأنفال التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ) الايجاف الاسراع ، والخيل الفرس ، والركاب الإبل ، كناية

ص: 336

[ الأراضي المفتوحة عنوة ]

وان رفعت يده عنها قهرا وعنوة فهي كسائر ما لا ينقل من الغنيمة ، كالنخل والأشجار والبنيان للمسلمين كافة اجماعا ، على ما حكاه غير واحد ، كالخلاف والتذكرة وغيرهما ، والنصوص به مستفيضة ، ففي رواية أبى بردة المسؤول فيها عن بيع أرض الخراج ، قال عليه السلام : من يبيعها ؟ هي ارض المسلمين ، قلت : يبيعها الّذي في يده ، قال يصنع بخراج المسلمين ما ذا ؟

ثم قال لا بأس ان يشترى حقه منها ، ويحول حق المسلمين عليه .

_________________________

عن عدم القهر والغلبة والحرب في اخذ الأرض ( وان رفعت يده عنها قهرا ) بالمحاربة وما أشبه ( وعنوة ) عبارة أخرى عن قهر ( فهي كسائر ما لا ينقل ) اى غير المنقول ( من الغنيمة ، كالنخل والأشجار والبنيان للمسلمين كافة ) اى جميعا ( اجماعا ، على ما حكاه ) اى الاجماع ( غير واحد كالخلاف والتذكرة وغيرهما ، والنصوص به مستفيضة ، ففي رواية أبى بردة المسؤول فيها عن بيع أرض الخراج ، قال عليه السلام : من يبيعها ؟ ) على نحو الاستفهام الانكارى ( هي ارض المسلمين ، قلت : يبيعها الّذي في يده قال ) عليه السلام ( يصنع بخراج المسلمين ما ذا ؟ ) اى ان الأرض ان كانت له فالخراج ليس له ، فإذا باعها فوّت الخراج على المسلمين ، فما هو مصير الخراج ؟ وهذا وجه لعدم جواز البيع .

( ثم قال ) عليه السلام : ( لا بأس ) بالبيع ( ان يشترى حقه منها ) اى من الأرض ، فان المعمّر له حق في العمارة ( ويحول حق المسلمين ) اى الخراج ( عليه ) اى على المشترى ، فإنه انما يبيع ماله ، إماما للمسلمين

ص: 337

ولعله يكون أقوى عليها واملى بخراجهم منه .

وفي مرسلة حماد الطويلة : ليس لمن قاتل شيء من الأرضين ، وما غلبوا عليه ، الا ما حوى العسكر ، إلى أن قال والأرض التي اخذت بخيل وركاب ، فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها ، ويحييها ويقوم على ما صالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الخراج النصف أو الثلث أو الثلثين على قدر ما يكون لهم صالحا ، ولا يضربهم ، فإذا اخرج

_________________________

فيتحول من يد إلى يد .

( ولعله ) اى المنتقل إليه ( يكون أقوى عليها ) اى على الأرض واعطاء الخراج أقوى من الأول المنتقل عنه ( واملى ) اى أكثر إملاء واخراجا ( بخراجهم ) اى خراج المسلمين ( منه ) اى من الأول المنتقل عنه .

( وفي مرسلة حماد الطويلة : ليس لمن قاتل ) الكفار ( شيء من الأرضين ، وما غلبوا عليه ) من أموال الكفّار ( الا ما حوى العسكر ) من المنقول ، اما غير المنقول كالأرض والبنيان والشجر ، فللمسلمين جميعا ( إلى أن قال ) عليه السلام ( والأرض التي اخذت بخيل وركاب ، فهي موقوفة ) اى محفوظة ( متروكة في يد من يعمرها ، ويحييها ويقوم على ما صالحهم الوالي ) اى بمقابل الخراج الّذي يأخذه الوالي منهم ( على قدر طاقتهم من الخراج النصف ) من الغلة ( أو الثلث أو الثلثين على قدر ما يكون لهم صالحا ، ولا يضر بهم ) مع مراعاة الوالي لمصلحة المسلمين أيضا ، إذ : الأرض لهم ، فاللازم مراعاة الجانبين ( فإذا اخرج

ص: 338

منها ما اخرج ، بدأ ، فأخرج منه العشر من الجميع ، مما سقط السماء ، أو سقى سيحا ، ونصف العشر مما سقى بالدوالي ، والنواضح إلى أن قال فيؤخذ ما بقي بعد العشر ، فيقسم بين الوالي وبين شركائه الذين هم عمال الأرض ، واكرتها ، فيدفع عليهم انصبائهم على قدر ما صالحهم عليه ، ويأخذ الباقي ، فيكون ذلك ارزاق أعوانه على دين الله وفي مصلحة ما ينوبه من : تقوية الاسلام ، وتقوية الدين

_________________________

منها ما اخرج ، بدأ ، فأخرج منه العشر من الجميع ، مما سقط السماء ، أو سقى سيحا ونصف العشر مما سقى بالدوالي ، والنواضح ، إلى أن قال ) عليه السلام : ( فيؤخذ ما بقي بعد العشر ) اى الزكاة ، .

والمراد : ان المالك إذا اخذ حصته اخرج الزكاة مما ليس بحصته وبعد اخراج الزكاة يقسم ما ليس بحصته بين الوالي وبين العمال والوالي حينما يأخذ حصة نفسه يصرفها في الموارد المقررة في الشريعة ، مثلا : كان الحاصل عشرين كرا فعشرة اكرار للمالك ، والعشرة الباقية يدفع عشرها زكاة ، وخمسة للعمال ، وأربعة للوالي ، فتأمل ( فيقسم ) الباقي الزائد من حصة المالك ومن الزكاة ( بين الوالي وبين شركائه الذين هم عمال الأرض ، واكرتها ) عطف بيان لعمّال ( فيدفع ) المالك ( عليهم انصبائهم ) جمع نصيب ( على قدر ما صالحهم عليه ، ويأخذ ) الوالي ( الباقي ) بعد حصة المالك ، والزكاة ، وحصة الاكرة ( فيكون ذلك ارزاق أعوانه على دين الله ) اى الذين يعينونه لإقامة الدين ( وفي مصلحة ما ينوبه ) اى ينوب دين الله ( من : تقوية الاسلام ، وتقوية الدين )

ص: 339

في وجوه الجهاد ، وغير ذلك مما فيه مصلحة العامة ليس لنفسه من ذلك قليل ولا كثير ، الخبر .

وفي صحيحة الحلبي ، قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن السواد ما منزلته قال هو لجميع المسلمين ، لمن هو اليوم ولمن دخل في الاسلام بعد اليوم ، ولمن لم يخلق بعد ، فقلنا : أنشتريه من الدهاقين ؟ قال لا يصلح الا ان تشتريها منهم على أن تصيرها للمسلمين ،

_________________________

عطف بيان ( في وجوه الجهاد ، وغير ذلك ) كبناء القناطر والمدارس والمساجد والربط ، وما أشبه ( مما فيه مصلحة العامة ) اى عامة الناس وغالبهم ( ليس لنفسه من ذلك ) المال المأخوذ خراجا ( قليل ولا كثير ) إلى آخر ( الخبر ) .

فان هذا الخبر كالاخبار السابقة واللاحقة ، ظاهرة في كون الأرض تعود إلى جميع المسلمين ، ولذا يكون ريعها وواردها لهم جميعا .

( وفي صحيحة الحلبي ، قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن السواد ) اى ارض العراق ، وكانت تسمى سواد الكثرة الزرع فيها ، فان الزرع الأخضر يميل إلى السواد - كما لا يخفى - ( ما منزلته ) اى لمن يكون ( قال ) عليه السلام ( هو لجميع المسلمين ، لمن هو اليوم ) مسلم ( ولمن دخل في الاسلام بعد اليوم ، ولمن لم يخلق بعد ) من أولاد المسلمين أو ممن سيسلم ( فقلنا : أنشتريه من الدهاقين ) جمع دهقان معرب دهبان اى حافظ القرية - ( قال ) عليه السلام ( لا يصلح الا ان تشتريها منهم على أن تصيرها للمسلمين ) اى يكون الاشتراء ذريعة لرفع يد الدهقان ،

ص: 340

فان شاء ولى الامر ان يأخذها ، اخذها قلت : فان اخذها منه قال يرد عليه رأس ماله وله ما اكل من علتها بما عمل .

ورواية ابن شريح ، سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شراء الأرض من أرض الخراج ، فكرهه قال : انما أرض الخراج للمسلمين ، فقالوا له فإنه يشتريها الرجل وعليه خراجها فقال لا بأس الا ان يستحيى من عيب ذلك

_________________________

وارجاع الأرض إلى حالتها الشرعية التي هي ملك لكل المسلمين ( فان شاء ولى الامر ) الحاكم الاسلامي ( ان يأخذها ) اى الأرض ممن اشتراها ( اخذها ) ممن اشتراها من الدهقان ( قلت : فان اخذها ) ولى الامر ( منه ) فما ذا يكون مصير ثمنها الّذي أعطاه للدهقان ؟ ( قال ) عليه السلام ( يرد ) الوالي ( عليه ) اى على المشترى ( رأس ماله ) الّذي اشترى الأرض بذلك المال ( وله ) اى للمشترى ( ما اكل من غلتها ب ) مقابل ( ما عمل ) في الأرض من الاصلاح ، أو بمقابل عمله الّذي هو : اشترائه من الدهقان ، وارجاعه إلى ملك المسلمين .

( ورواية ابن شريح ، سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شراء الأرض من أرض الخراج ، فكرهه ) المراد به التحريم لان الكراهة لغة تستعمل في المكروه والمحرم ( قال : انما أرض الخراج للمسلمين ، فقالوا له فإنه يشتريها الرجل ) اى حق الاختصاص ( وعليه خراجها ) للمسلمين ( فقال ) عليه السلام ( لا بأس ) بهذا الاشتراء ( الا ان يستحيى من عيب ذلك ) بان يعاب ويقال له كيف اشتريت ارض المسلمين ؟ فلا يشترى .

ص: 341

ورواية إسماعيل بن فضل الهاشمي ، ففيها وسألته عن رجل اشترى أرضا من أرض الخراج ، فبنى بها أو لم بين ، غير أن أناسا من أهل الذمة نزلوها هل له ان يأخذ منهم اجرة البيوت إذا ادوّا جزية رؤوسهم قال يشارطهم فما اخذ بعد الشرط ، فهو حلال .

وفي خبر أبى الربيع ، لا تشتر من ارض السواد شيئا ، الا من كانت له ذمة ،

_________________________

( ورواية إسماعيل بن فضل الهاشمي ، ففيها وسألته عن رجل اشترى أرضا من أرض الخراج ، فبنى بها ) عمارة ( أو لم يبن ، غير أن أناسا من أهل الذمة نزلوها ) هل ( له ان يأخذ منهم اجرة البيوت إذا ادوّا ) إلى الحاكم الاسلامي ( جزية رؤوسهم ) هذا الشرط لبيان انهم ذميون وانهم يؤدون إلى الحاكم الاسلامي ما عليهم من الجزئية فلهم لهذا الشخص ان يأخذ منهم بالإضافة إلى الجزية اجرة على الأرض ( قال ) عليه السلام :

( يشارطهم ) شرطا على ما يأخذ منهم ، إذ اخذ اجرة غير محددة لا تصح ( فما اخذ بعد الشرط ، فهو حلال ) اخذها .

والظاهر أنه لو أراد ان يأخذ بدون الشرط لم يكن له الا أجرة المثل ( وفي خبر أبى الربيع ، لا تشتر من ارض السواد شيئا ، الا من كانت له ذمة ) قرء : لا تشتر ، بالخطاب وعليه فقوله : الا ، من باب الالتفات وقرء : لا يشترى ، والمراد بالذمة العهد والكفالة ، اما بكونهم مسلمين ، أو أهل ذمة من الكفار ، فإنهم هم الذين يشترون الأرض بمعنى اشتراء حق الاختصاص .

ص: 342

فإنما هي فيء للمسلمين ، إلى غير ذلك .

وظاهرها كما ترى ، عدم جواز بيعها حتى تبعا للآثار المملوكة فيها على أن تكون جزءا من المبيع ، فيدخل في ملك المشتري ، نعم تكون للمشترى على وجه كان للبائع ، اعني مجرد الاولولية ، وعدم جواز مزاحمته إذا كان التصرف واحداث تلك الآثار باذن الامام ، أو بإجازته ولو لعموم الشيعة ،

_________________________

اما الكافر الحربي ، فلا ، .

ويمكن ان يكون المراد باهل الذمة الذين يدفعون الخراج في مقابل الاشتراء بدون اعطاء الخراج ، ثم علل عليه السلام قوله : لا تشتر ، بقوله ( فإنما هي فيء للمسلمين ) وفائدة عائدة إليهم ، فكيف يمكن ان تباع لمن لا ذمة له ؟ اى لا يعطى الخراج ( إلى غير ذلك ) من الأخبار الدالة على أن أرض الخراج لا يمكن بيع رقبتها .

( وظاهرها ) اى الأخبار المتقدمة ( كما ترى ، عدم جواز بيعها ) اى أرض الخراج ( حتى تبعا للآثار المملوكة فيها ) كالبناء والأشجار التي عملها انسان في الأرض ( على أن تكون ) الأرض ( جزءا من المبيع فتدخل ) الأرض في ضمن الآثار ( في ملك المشتري ، نعم تكون ) الأرض ( للمشترى ) للآثار ( على وجه كان للبائع ، اعني مجرد الاولولية ) بهذه الأرض ( وعدم جواز مزاحمته ) بان يأتي انسان آخر ويتصرف في الأرض ( إذا كان التصرف ) في تلك الأرض ( واحداث تلك الآثار باذن الامام ) خصوصا ( أو بإجازته ) عليه السلام ( ولو لعموم الشيعة ) وكذلك إذا كان التصرف في

ص: 343

كما إذا كان التصرف بتقبيل السلطان الجائر .

أو بإذن الحاكم الشرعي ، بناء على عموم ولايته لأمور المسلمين ونيابته عن الامام .

لكن ظاهر عبارة المبسوط ، اطلاق المنع عن التصرف فيها ، ببيع ، ولا شراء ، ولا هبة ، ولا معاوضة ، ولا يصح ان يبنى دورا ، ومنازل ، ومساجد ، وسقايات ، وغير ذلك من : أنواع التصرف الّذي يتبع الملك ، ومتى فعل

_________________________

تلك الأرض جائزا بوجه آخر ( كما إذا كان التصرف بتقبيل السلطان الجائر ) اى تلقاها الشخص من السلطان ، فان الأئمة عليهم السلام أجازوا للشيعة التصرف المبتنى على عمل الجائر ، وان كان عمل الجائر محرما في نفسه .

( أو ) كان التقبيل ( بإذن الحاكم الشرعي ، بناء على عموم ولايته لأمور المسلمين ونيابته عن الامام ) .

وقد عرفت سابقا : ان عموم الولاية هو المختار .

( لكن ظاهر عبارة المبسوط ، اطلاق المنع عن التصرف فيها ) اى سواء اذن السلطان أو الفقيه ، أم لا ( ببيع ولا شراء ، ولا هبة ، ولا معاوضة ، ولا يصح ان يبنى ) أحد فيها ( دورا ، ومنازل ، ومساجد ، وسقايات ) محلات سقى الماء ( وغير ذلك من : أنواع التصرف الّذي يتبع الملك ) اى التصرف الّذي لا يجوز الا للمالك .

وكان نظر الشيخ إلى وجوب ان تبقى الأرض للغلة والزرع فقط أو الأعم من ذلك ومن بناء الحاكم فيها لمصلحة المسلمين عامة ( ومتى فعل )

ص: 344

شيئا من ذلك ، كان التصرف باطلا ، وهو على حكم الأصل .

ويمكن حمل كلامه على صورة عدم الإذن من الامام \" ع \" حال حضوره .

ويحتمل إرادة التصرف بالبناء على وجه الحيازة والتملك .

وقال في الدروس : لا يجوز التصرف في المفتوحة عنوة الا باذن الامام ، سواء كان بالبيع أو الوقف ، أو غيرهما .

نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك .

واطلق في المبسوط : ان التصرف فيها

_________________________

الشخص ( شيئا من ذلك ، كان التصرف ) بالعمارة والمعاملة ( باطلا ، وهو ) يبقى ( على حكم الأصل ) للمسلمين عامة ، لا حرمة لهذه التصرفات فيها

( ويمكن حمل كلامه ) اى كلام المبسوط ( على صورة عدم الإذن من الامام \" ع \" حال حضوره ) ولا عن نائبه الخاص أو العام ، ولا عن السلطان الجائز .

( ويحتمل ) ان يحمل كلام الشيخ على ( إرادة التصرف ) في الأرض ( بالبناء ) ونحوه ( على وجه الحيازة والتملك ) لا على وجه كون الأرض للمسلمين ، والبناء عرضى يجب ان يؤدى الخراج إلى الحاكم الاسلامي

( وقال في الدروس : لا يجوز التصرف في المفتوحة عنوة الا باذن الامام ، سواء كان ) التصرف ( بالبيع أو الوقف ، أو غيرهما ) من سائر انحاء التصرف .

( نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك ) التصرف وكأنه لان الإمام عليه السلام أجاز ذلك ( واطلق في المبسوط : ان التصرف فيها ) اى في الأرض المفتوحة

ص: 345

لا ينفذ .

وقال ابن إدريس : انما نبيع ونوقف تحجيرنا وبنائنا وتصرفنا ، لا نفس الأرض ، انتهى .

وقد ينسب إلى الدروس التفصيل بين زماني الغيبة والحضور ، فيجوز التصرف في الأول ولو بالبيع والوقف ، لا في الثاني الا باذن الإمام عليه السلام .

وكذا إلى جامع المقاصد ، وفي النسبة نظر ، بل الظاهر موافقتهما لفتوى جماعة من جواز التصرف فيه في زمان الغيبة ، باحداث الآثار وجواز

_________________________

عنوة ( لا ينفذ ) واطلاقه شامل لحالى الحضور والغيبة .

( وقال ابن إدريس : انما نبيع ونوقف تحجيرنا وبنائنا وتصرفنا ) اى آثار التصرف كالبناء وما أشبه ( لا نفس الأرض ، انتهى ) كلام الشهيد .

( وقد ينسب إلى الدروس التفصيل بين زماني الغيبة والحضور ، فيجوز التصرف في الأول ) زمان الغيبة ( ولو بالبيع والوقف ، لا في الثاني ) اى زمان الحضور ( الا باذن الإمام عليه السلام ) .

ولعل الوجه الإباحة منهم عليه السلام في زمان الغيبة ، دون زمان الحضور الّذي يكون الامام هو المرجع ، ويكون كل شيء يعمل به حسب قاعدته الأولية .

( وكذا ) نسب هذا التفصيل ( إلى جامع المقاصد ، وفي النسبة ) إليهما ( نظر ، بل الظاهر ) من كلاهما ( موافقتهما لفتوى جماعة ) من الفقهاء ( من جواز التصرف فيه في زمان الغيبة ، باحداث الآثار وجواز

ص: 346

نقل الأرض تبعا للآثار فيفعل ذلك بالأرض تبعا للآثار ، والمعنى انها مملوكة ما دام الآثار موجودة ، قال في المسالك في شرح قول المحقق : ولا يجوز بيعها ولا هبتها ولا وقفها انتهى : ان المراد لا يصح ذلك في رقبة الأرض مستقلة ، اما فعل ذلك بها تبعا لآثار التصرف من بناء وغرس وزرع ونحوها فجائز على الأقوى قال : فإذا باعها بائع مع شيء من هذه الآثار دخلت في المبيع على سبيل التبع ، وكذا الوقف ، وغيره ويستمر كذلك

_________________________

نقل الأرض تبعا للآثار )

وعلى هذا ( ف ) رأيها انه ( يفعل ذلك ) النقل والانتقال ( بالأرض تبعا للآثار ، والمعنى ) التصرف تبعا للآثار ( انها مملوكة ما دام الآثار موجودة ) لا انها تملك كما نسب إلى الشهيد والمحقق الثاني ، ( قال في المسالك في شرح قول المحقق : ولا يجوز بيعها ولا هبتها ولا وقفها ، انتهى : ان المراد لا يصح ذلك في رقبة الأرض مستقلة ) بان تكون الأرض بالذات محل هذه الأمور ( اما فعل ذلك ) للمتصرف ( بها ) اى بالأرض ( تبعا لآثار التصرف ) التي أوجد تلك الآثار في الأرض ( من بناء وغرس ) كالأشجار ( وزرع ) كالحنطة والشعير ( ونحوها ) كشق الأنهار ، وحفر الآبار ( فجائز على الأقوى )

ثم ( قال : فإذا باعها ) اى الأرض ( بائع مع شيء من هذه الآثار دخلت ) الأرض ( في المبيع على سبيل التبع ) للآثار ( وكذا الوقف ) فإنه إذا وقف دخلت الأرض تبعا للأشجار والابنية ( وغيره ) كالصلح والهبة ، وسائر التصرفات الناقلة ( ويستمر ) التصرف ( كذلك ) كما

ص: 347

ما دام شيء من الآثار باقيا ، فإذا ذهبت اجمع ، انقطع حق المشترى ، والموقوف عليه ، وغيرهما عنها ، هكذا ذكره جمع ، وعليه العمل ، انتهى .

نعم : ربما يظهر من عبارة الشيخ في التهذيب جواز البيع والشراء في نفس الرقبة ، حيث قال : ان قال قائل ان ما ذكرتموه انما دل على إباحة التصرف في هذه الأرضين ، ولا يدل على صحة تملكها بالشراء والبيع ، ومع عدم صحتها لا يصح ما يتفرع عليهما .

قلنا : انا قد قسّمنا الأرضين على ثلاثة أقسام ارض اسلم أهلها عليها فهي ملك لهم ، يتصرفون فيها

_________________________

تصرف ( ما دام شيء من الآثار باقيا ، فإذا ذهبت ) الآثار ( اجمع ، انقطع حق المشترى ، و ) حق ( الموقوف عليه ، وغيرهما عنها ) كالموهوب له ، والمرأة إذا جعلت الأرض صد اقالها ، والمصالح معه إلى غير ذلك ( هكذا ذكره جمع ، وعليه العمل ، انتهى ) كلام المسالك .

( نعم : ربما يظهر من عبارة الشيخ في التهذيب جواز البيع والشراء في نفس الرقبة ، حيث قال : ان قال قائل ان ما ذكرتموه ) من الكلام حول الأرض المفتوحة عنوة ( انما دل على إباحة التصرف في هذه الأرضين ، ولا يدل على صحة تملكها بالشراء والبيع ، ومع عدم صحتها ) اى البيع والشراء ( لا يصح ما يتفرع عليهما ) من التصرفات المالكية كالوقف والصلح والهبة وجعلها صداقا وجعالة وما أشبه .

( قلنا : انا قد قسّمنا الأرضين على ثلاثة أقسام )

الأول ( ارض اسلم أهلها عليها فهي ملك لهم ، يتصرفون فيها )

ص: 348

وارض يؤخذ عنوة أو يصالح أهلها عليها ، فقد أبحنا شرائها وبيعها ، لان لنا في ذلك قسما ، لأنها أراضي المسلمين .

وهذا القسم أيضا يصح الشراء والبيع فيه على هذا الوجه .

واما الأنفال ، وما يجرى مجراها فلا يصح تملكها بالشراء ، وانما أبيح لنا التصرف فيها حسب .

ثم استدل على أراضي الخراج ، برواية أبى بردة السابقة الدالة

_________________________

تصرف الملاك في املاكهم .

( و ) الثاني ( ارض يؤخذ ) من الكفار ( عنوة ) وقهرا ( أو يصالح أهلها عليها ، فقد أبحنا شرائها وبيعها ، لان لنا في ذلك قسما لأنها أراضي المسلمين ) ونحن مسلمون ، فلنا فيها قسما ، وحيث إن لنا قسما صح ان نتصرف فيها تصرف الملاك .

والمراد بالصلح الصلح على أن تكون الأرض للمسلمين ، لا أن تكون الأرض لهم .

( وهذا القسم أيضا يصح الشراء والبيع فيه على هذا الوجه ) اى وجه كونها لنا قسما فيها .

( واما ) القسم الثالث من الأرض وهي ( الأنفال ، وما يجرى مجراها ) من الأراضي التي هي للإمام عليه السلام ( فلا يصح تملكها بالشراء ، وانما أبيح لنا التصرف فيها حسب ) اى فقط .

( ثم استدل ) الشيخ ( على أراضي الخراج ) وانه يجوز بيعها ( برواية أبى بردة السابقة الدالة

ص: 349

على جواز بيع آثار التصرف دون رقبة الأرض .

ودليله قرينة على توجيه كلامه .

وكيف كان فما ذكروه من حصول الملك ، تبعا للآثار مما لا دليل عليه ان أرادوا الانتقال .

نعم : المتيقن هو ثبوت حق الاختصاص للمتصرف ، ما دام شيء من الآثار موجودا .

فالذي ينبغي ان يصرف الكلام إليه ، هو بيان الوجه الّذي يجوز

_________________________

على جواز بيع آثار التصرف دون رقبة الأرض ) .

( و ) لكن لا يخفى ان ما ذكرناه بقولنا : نعم ، غير تام ، إذ : ظاهر اوّل كلام الشيخ ، وان كان يستفيد منه جواز بيع أرض الخراج ، ولكن ( دليله ) اى دليل الشيخ ، وهو رواية أبى بردة ( قرينة على توجيه كلامه ) وانه انما أراد البيع تبعا للآثار ، لا بيع الرقبة ، إذ : رواية أبى بردة لا تدل على بيع الرقبة .

( وكيف كان فما ذكروه من حصول الملك ) للأرض المفتوحة عنوة ( تبعا للآثار ، مما لا دليل عليه ، ان أرادوا الانتقال ) اى انتقال الأرض إلى المشترى .

( نعم : المتيقن ) من الأدلة ( هو ثبوت حق الاختصاص ) فالأرض تبعا للآثار تختص ( للمتصرف ، ما دام شيء من الآثار موجودا ) وفرق بين حق الاختصاص ، وبين الملكية الموقتة .

( فالذي ينبغي ان يصرف الكلام إليه ، هو بيان الوجه الّذي يجوز

ص: 350

التصرف معه ، حتى يثبت حق الاختصاص .

فنقول : اما في زمان الحضور والتمكن من الاستيذان ، فلا ينبغي الاشكال في توقف التصرف على اذن الامام ، لأنه ولىّ المسلمين ، فله نقلها عينا ، ومنفعة .

ومن الظاهر : ان كلام الشيخ المطلق في المنع عن التصرف محمول على صورة عدم اذن الإمام عليه السلام مع حضوره .

واما في زمان الغيبة ، ففي عدم جواز التصرف الا في ما أعطاه السلطان

_________________________

التصرف معه ) اى مع ذلك الوجه ( حتى يثبت حق الاختصاص ) إذ : نفس حق الاختصاص أيضا يحتاج إلى دليل .

( فنقول : اما في زمان الحضور والتمكن من الاستيذان ، فلا ينبغي الاشكال في توقف التصرف على اذن الامام ، لأنه ولى المسلمين ، فله نقلها ) اى الأرض المفتوحة ( عينا ) كان يبيعها للمشترى ( ومنفعة ) كان يؤجرها .

( ومن الظاهر : ان كلام الشيخ ) المتقدم ( المطلق في المنع عن التصرف ) في المفتوحة ( محمول على صورة عدم اذن الإمام عليه السلام مع حضوره )

وانما نقول بهذا الظاهر : لان الفقهاء - حتى الشيخ نفسه - لا يقولون بالمنع عن التصرف مطلقا في حال الغيبة .

( واما في زمان الغيبة ، ففي عدم جواز التصرف ) في المفتوحة ( الا في ما أعطاه السلطان

ص: 351

الّذي حلّ قبول الخراج والمقاسمة منه ، أو جوازه مطلقا ، نظرا إلى عموم ما دل على تحليل مطلق الأرض للشيعة ، لا خصوص الموات التي هي مال الإمام عليه السلام .

وربما يؤيده جواز قبول الخراج الّذي هو كأجرة الأرض ، فيجوز التصرف في عينها مجانا .

أو عدم جوازه الا بإذن الحاكم الّذي هو نائب الامام .

_________________________

الّذي حلّ ) باذن الامام للشيعة ( قبول الخراج والمقاسمة منه ) الخراج المقدار الخاص المضروب على الأرض ، كعشرة دنانير كل عام ، والمقاسمة الحصة الخاصة من الحاصل ، كالثلث - مثلا - ( أو جوازه ) اى التصرف ( مطلقا ، نظرا إلى عموم ما دل على تحليل مطلق الأرض للشيعة ) الشامل ذلك الاطلاق للمفتوحة عنوة ( لا خصوص الموات التي هي مال الإمام عليه السلام )

ومن المعلوم : ان للامام الحق لان يبيح الأرض المفتوحة ، لان كل شيء لهم ، والامر امرهم .

( وربما يؤيده ) اى جواز التصرف مطلقا ( جواز قبول الخراج الّذي هو كأجرة الأرض ) اى ان يتقبل الشيعي الخراج لنفسه ما دام الامام غائبا ، فلا يدفعه مع العلم ان الخراج كأصل الأرض للمسلمين ، فإذا جاز إباحة الامام للخراج ، جاز اباحته لأصل الأرض ، فتأمل .

( فيجوز التصرف في عينها ) اى المفتوحة ( مجانا ) وبلا خراج .

( أو عدم جوازه الا بإذن الحاكم الّذي هو نائب الامام ) فحاله حال المنسوب عنه في صلاحيته لان يجيز ، اما بدون اذنه فلا يجوز هذا مقابل

ص: 352

أو التفصيل بين من يستحق اجرة هذه الأرض فيجوز له التصرف فيها ، لما يظهر من قوله عليه السلام للمخاطب في بعض اخبار حلّ الخراج « وان لك نصيبا في بيت المال »

وبين غيره الّذي يجب عليه حق الأرض .

ولذا أفتى غير واحد - على ما حكى - بأنه لا يجوز حبس الخراج وسرقته عن السلطان الجائر والامتناع عنه .

_________________________

اطلاق جواز التصرف بدون اذنه الّذي قاله به المحقق القمي والنراقي الكبير ، وابنه ، وغيرهم .

( أو التفصيل بين من يستحق اجرة هذه الأرض ) المفتوحة كالمسلمين ( فيجوز له التصرف فيها ، لما يظهر من قوله عليه السلام للمخاطب في بعض اخبار حلّ الخراج وان لك نصيبا في بيت المال ) مما يفهم منه ان كل من له نصيب في بيت المال جاز له ان يتصرف فيه ، والمناط موجود في الأرض .

( وبين غيره الّذي يجب عليه حق الأرض ) فلا يجوز له التصرف الا بإذن الحاكم .

( ولذا أفتى غير واحد - على ما حكى - بأنه لا يجوز حبس الخراج وسرقته عن السلطان الجائر والامتناع عنه ) اى عن اعطاء الخراج ، فيدل ذلك على أن من لا حق له في الخراج لا يجوز له ان يتصرف في الأرض اعتباطا وبدون خراج واذن من الحاكم الشرعي .

ص: 353

واستثنى بعضهم ما إذا دفعه إلى نائب الامام \" ع \" أو بين ما عرض له الموت من الأرض المحياة حال الفتح ، وبين الباقية على عمارتها من حين الفتح .

فيجوز احياء الأول لعموم أدلة الاحياء ، وخصوص رواية سليمان بن خالد وجوه أو فقها بالقواعد : الاحتمال الثالث ، ثم الرابع ، ثم الخامس

_________________________

( واستثنى بعضهم ) من عدم جواز منعه عن الجائر صورة ( ما إذا دفعه إلى نائب الامام \" ع \" أو ) التفصيل ( بين ما عرض له الموت من الأرض المحياة حال الفتح ) الاسلامي ( وبين الباقية على عمارتها من حين الفتح ) فالعامرة بعد الخراب ملحقة بما عرض له الموت .

والحاصل : ان المناط استمرار الحياة ، لا الحياة حالا .

( فيجوز احياء الأول ) اى ما عرض له الموت بدون خراج ( لعموم أدلة الاحياء ، وخصوص رواية سليمان بن خالد ) المتقدمة المطلقة لعمارة الأرض الخربة الشاملة للمفتوحة وغيرها ونحوها ، من سائر الروايات الدالة مطلقا على احياء الموات .

بخلاف الثاني اى الباقية على عمارتها ، فإنه للمسلمين ويجب مراجعة الحاكم الشرعي بشأنها ( وجوه ) مبتداء لقوله المتقدم : ففي عدم جواز الخ ، .

( أو فقها بالقواعد : الاحتمال الثالث ) وهو عدم جواز التصرف الا باذن الامام ، لأنه نائب عنه عليه السلام ( ثم الرابع ) لما تقدم من الدليل وان له حقا ( ثم الخامس ) وهو التفصيل بين الموات والمحياة .

ص: 354

ومما ذكرنا يعلم حال ما ينفصل من المفتوح عنوة كأوراق الأشجار وأثمارها ، وأخشاب الابنية ، والسقوف الواقعة ، والطين المأخوذ من سطح الأرض ، والجص ، والحجارة ، ونحو ذلك ، فان مقتضى القاعدة كون ما يحدث بعد الفتح من الأمور المنقولة ملكا للمسلمين .

ولذا صرح جماعة - كالعلامة والشهيد والمحقق الثاني وغيرهم ، على ما حكى عنهم - بتقييد جواز رهن أبنية الأرض المفتوحة عنوة بما إذا لم تكن الآلات من تراب الأرض .

_________________________

ووجه الترجيح بين هذه الأقوال ، قوة دليل كل سابق على لاحقه

( ومما ذكرنا ) من الأقوال ( يعلم حال ما ينفصل من المفتوح عنوة كأوراق الأشجار ) الثابتة في الأراضي المفتوحة ( وأثمارها ، وأخشاب الابنية ) المتخذة من الأشجار ، والتي كانت في البلاد حال الفتح ( والسقوف الواقعة ، والطين المأخوذ من سطح الأرض ، والجص ، والحجارة ، ونحو ذلك ، فان مقتضى القاعدة كون ما يحدث بعد الفتح من الأمور المنقولة ) كالأشجار والأخشاب والجص وما أشبه ( ملكا للمسلمين ) تبعا لأصل الأرض ، .

إذ : ما يحدث من الأرض تابع لأصل الأرض ، الا إذا كان هناك دليل على الفرق .

( ولذا صرح جماعة - كالعلامة والشهيد والمحقق الثاني وغيرهم ، على ما حكى عنهم - بتقييد جواز رهن أبنية الأرض المفتوحة عنوة ، بما إذا لم تكن الآلات ) اى آلات البناء ( من تراب الأرض ) والا كان

ص: 355

نعم : الموجودة فيها حال الفتح للمقاتلين ، لأنه مما ينقل .

وحينئذ فمقتضى القاعدة : عدم صحة اخذها الا من السلطان الجائر أو من حاكم الشرع مع امكان ان يقال : لا مدخل لسلطان الجور لان القدر المأذون في تناوله منه منفعة الأرض ، لا اجزائها الا ان يكون الاخذ على وجه الانتفاع ، لا التملك ،

_________________________

حكم الآلات حكم أصل الأرض في عدم جواز رهنها ، كما لا يجوز رهن أصل الأرض المفتوحة .

( نعم : الموجودة فيها ) اى في الأرض من الأمور المنقولة كالأخشاب الواقعة ، والأوراق الساقطة ، وما أشبه ( حال الفتح للمقاتلين ) بعد اخراج الخمس منها ( لأنه ) اى الموجود ( مما ينقل ) .

( وحينئذ ) اى حين كانت الآلات تابعة لأصل الأرض ( فمقتضى القاعدة : عدم صحة اخذها الا من السلطان الجائر ) لان الإمام عليه السلام اذن للشيعة في معاملة الجائر كمعاملة العادل تسهيلا على الشيعة ( أو من حاكم الشرع ) لأنه نائب الإمام عليه السلام ( مع امكان ان يقال ) باختصاص الجواز بحاكم الشرع فقط .

إذ : ( لا مدخل لسلطان الجور ) في الآلات ( لان القدر المأذون في تناوله ) إلى تناول ذلك القدر ( منه ) اى من سلطان الجور ( منفعة الأرض ) بالزراعة وما أشبه ( لا اجزائها ) ففي الاجزاء يرجع إلى اصالة عدم الجواز ، الا بالطريق الشرعي الأولى وهو الحاكم الشرعي ( الا ان يكون الأخذ ) للآلات من الجائر ( على وجه الانتفاع ، لا التملك ) مثلا :

ص: 356

فيجوز .

ويحتمل كون ذلك بحكم المباحات ، لعموم من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به .

ويؤيده بل يدل عليه ، استمرار السيرة خلفا عن سلف على بيع الأمور المعمولة من تربة ارض العراق ، من الآجر ، والكوز ، والأواني ، وما عمل من التربة الحسينية .

ويقوى هذا الاحتمال

_________________________

ان يأخذ الأخشاب للانتفاع بها مدة في العروش ، وما أشبه ( فيجوز ) الاخذ من السلطان الجائر ، لان الانتفاع باجزاء الأرض كالانتفاع بأصل الأرض داخل في اجازتهم عليهم السلام للشيعة في التعامل يشأنها مع الحاكم الجائر .

( ويحتمل كون ذلك ) اى الآلات لا تحتاج إلى اذن الجائر ، ولا اذن النائب ، ولا يكون الامر خاصا بالانتفاع ، لا التملك بها ، بل أن تكون ( بحكم المباحات ، لعموم : من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به ) بعد انصراف أدلة الأرض المفتوحة إلى عين الأرض ، لا ما ينفصل منها .

( ويؤيده ) اى كون الآلات من المباحات الأصلية ( بل يدل عليه ، استمرار السيرة خلفا عن سلف على بيع الأمور المعمولة من تربة ارض العراق ، من الآجر ، والكوز ، والأواني ، وما عمل من التربة الحسينية ) كالسبحة والتربة ، وكذلك بيع الأخشاب والأوراق وما أشبه

( ويقوى هذا الاحتمال ) اى كون الاجزاء من المباحات من حيث

ص: 357

بعد انفصال هذه الاجزاء من الأرض .

[ مسألة من شروط العوضين كونه طلقا ]

واعلم : انه ذكر الفاضلان وجمع ممن تأخر عنهما في شروط العوضين بعد الملكية ، كونه طلقا ، وفرعوا عليه عدم جواز بيع الوقف الا فيما استثنى ، ولا الرهن الا بإذن المرتهن ، أو اجازته ، ولا أمّ الولد الا في المواضع المستثناة .

والمراد بالطلق تمام السلطنة على الملك

بحيث يكون للمالك ان يفعل

_________________________

الحكم ( بعد انفصال هذه الاجزاء من الأرض ) اى ما دامت الاجزاء تكون جزء الأرض لم تكن بحكم المباحات .

اما إذا انفصلت فاحتمال كونها أصبحت من المباحات قوى جدا ، لان الأرض المفتوحة التي حكمها عدم البيع والشراء منصرفة عن هذه الأجزاء المنفصلة .

( واعلم : انه ذكر الفاضلان وجمع ممن تأخر عنهما في شروط العوضين بعد ) شرط ( الملكية ، كونه طلقا ، وفرعوا عليه ) اى على اشتراط الطلقية ( عدم جواز بيع الوقف ) الذرى الّذي هو ملك للذرية ( الا فيما استثنى ) من الموارد التي ورد الدليل على جواز بيع الوقف ( ولا الرهن الا بإذن المرتهن ) صاحب الدار مثلا ، مقدما ( أو اجازته ) مؤخرا ( ولا أمّ الولد الا في المواضع المستثناة ) التي يجوز بيع أمّ الولد فيها ، .

فان الوقف والمرهون وأمّ الولد ، وان كانت ملكا ، لكنها ليست طلقا .

( والمراد بالطلق تمام السلطنة على الملك ، بحيث يكون ) ويجوز شرعا ( للمالك ان يفعل

ص: 358

بملكه ما شاء ، ويكون مطلق العنان في ذلك .

لكن هذا المعنى في الحقيقة راجع إلى كون الملك مما يستقل المالك بنقله ، ويكون نقله ماضيا فيه لعدم تعلق حق به مانع عن نقله بدون اذى ذي الحق فمرجعه إلى أن من شرط البيع ان يكون متعلقه مما يصح للمالك بيعه مستقلا ، وهذا لا محصل له .

_________________________

بملكه ما شاء ، ويكون مطلق العنان في ذلك ) التصرف الّذي يشاءه ومطلق العنان تشبيه بالفرس الّذي اطلق مالكه عنانه فيذهب حيث شاء بدون مانع .

( لكن هذا المعنى ) للطلق ( في الحقيقة ) راجع إلى عدم المانع في الملك ، فليس شرطا زائدا ، إذ هو ( راجع إلى كون الملك مما يستقل المالك بنقله ، ويكون نقله ) اى نقل المالك ( ماضيا ) ونافذا ( فيه ) اى في الملك ( لعدم تعلق حق به ) اى بالملك ( مانع عن نقله بدون اذن ذي الحق ) : بدون ، متعلق ب : نقله ، كحق أمّ الولد بذاتها ، وحق الراهن بالرهن ( فمرجعه ) اى اشتراط طلقية الملك ( إلى أن من شرط البيع ان يكون متعلقه ) اى الشيء الّذي يقع عليه البيع ( مما يصح للمالك بيعه مستقلا ) بدون احتياج المالك إلى اخذ موافقة شخص آخر ( وهذا ) الشرط مما ( لا محصل له ) لما عرفت من أن هذا الشرط راجع إلى عدم المانع ، ومن الواضح ان كل موضوع مشروط بعدم المانع في ترتب الحكم على ذلك الموضوع .

ص: 359

فالظاهر : ان هذا العنوان ليس في نفسه شرط ليتفرع عليه عدم جواز بيع الوقف ، والمرهون ، وأمّ الولد ، بل الشرط في الحقيقة انتفاء كل من تلك الحقوق الخاصة ، وغيرها مما ثبت منعه عن تصرف المالك ، كالنذر والخيار ، ونحوهما ، وهذا العنوان منتزع من انتفاء تلك الحقوق

فمعنى الطلق ان يكون المالك مطلق العنان في نقله غير محبوس عليه لاحد الحقوق التي ثبت منعها للمالك عن التصرف في ملكه ، فالتعبير

_________________________

( فالظاهر : ان هذا العنوان ) اى عنوان الطلق ( ليس في نفسه شرط ليتفرع عليه عدم جواز بيع الوقف ، والمرهون ، وأمّ الولد ، بل الشرط في الحقيقة انتفاء كل من تلك الحقوق الخاصة ) اى الرهنية والوقفية والأمية ( وغيرها ) ككونه منذورا أو جانيا ، أو ما أشبه ( مما ثبت منعه ) اى منع ما ثبت من الحقوق الخاصة ( عن تصرف المالك ، كالنذر ) حيث يشترط ان لا يكون البيع منذورا ( والخيار ) بان لا يكون لأجنبي خيار في البيع ( ونحوهما ) كما يشترط ان لا يكون عبدا جانيا حيث يتعلق بالجانى حق المجنى عليه ( وهذا العنوان ) اى عنوان الطلق ( منتزع من انتفاء تلك الحقوق ) لا ان الطلق عنوان وجودي بنفسه .

( فمعنى الطلق ) - بناء على كونه عنوانا منتزعا - ( ان يكون المالك مطلق العنان في نقله ) للمبيع ( غير محبوس عليه ) اى على المالك حبسا ( ل ) اجل ( أحد الحقوق التي ثبت منعها للمالك عن التصرف في ملكه ) .

وبناء على كون الطلقية عنوانا منتزعا ( فالتعبير

ص: 360

بهذا المفهوم المنتزع ، تمهيد لذكر الحقوق المانعة عن التصرف ، لا تأسيس لشرط ، ليكون ما بعده فروعا بل الامر في الفرعية والاصالة بالعكس ، .

[ الحقوق المانعة من تصرف المالك في ملكه ]

ثم : ان أكثر من تعرض لهذا الشرط لم يذكر من الحقوق الا الثلاثة المذكورة .

ثم عنونوا حق الجاني ، واختلفوا في حكم بيعه ، وظاهران الحقوق المانعة أكثر من هذه الثلاثة ، أو الأربعة ، وقد أنهاها بعض من عاصرناه

_________________________

بهذا المفهوم المنتزع ) اى كونه طلقا ( تمهيد لذكر الحقوق المانعة عن التصرف ) في المال ( لا ) ان الطلق ( تأسيس لشرط ، ليكون ما بعده فروعا ) فليس كونه غير مرهون فرعا على كونه مطلقا - مثلا - ( بل الامر في الفرعية والاصالة بالعكس ) الأصل هو كونه غير مرهون - مثلا - والفرع كونه طلقا ، إذ : الطلق منتزع عن كونه غير مرهون ، لا كما ذكر العلامة وغيره ، من : ان الأصل كونه طلق ، والفرع كونه غير مرهون .

( ثم : ان أكثر من تعرض لهذا الشرط ) اى شرط كونه طلقا ( لم يذكر من الحقوق ) المانعة عن الطلقية ( الا الثلاثة المذكورة ) الرهن ، وأمّ الولد ، والوقف .

( ثم عنونوا حق الجاني ) اى حق المجنى عليه في العبد الجاني ( واختلفوا في حكم بيعه ) اى الجاني بدون إجازة المجنى عليه ( وظاهر ان الحقوق المانعة ) من البيع ( أكثر من هذه الثلاثة ، أو الأربعة وقد أنهاها بعض من عاصرناه ) وهو صاحب المقابيس

ص: 361

إلى أزيد من عشرين ، فذكر - بعد الأربعة المذكورة في عبارة الأكثر - النذر المتعلق بالعين قبل البيع ، والخيار المتعلق به والارتداد ، والحلف على عدم بيعه ، وتعيين الهدى للذبح ، واشتراط عتق العبد في عقد لازم ، والكتابة المشروطة ،

_________________________

( إلى أزيد من عشرين فذكر - بعد الأربعة المذكورة في عبارة الأكثر - ) في ، متعلق ب : المذكورة ، ( النذر المتعلق بالعين قبل البيع ) كما لو نذر ان جاء ولده اعطى كتابه صدقة ، ثم جاء ولده فان النذر تعلق بالعين قبل ان يبيعها إذ جاء ولده ، اما إذا لم يتعلق النذر بعد بالعين ، كما لو لم يأت ولده بعد ، وأراد بيع الكتاب فهو مسئلة أخرى ( والخيار المتعلق به ) كما لو اشترى زيد فرسا بخيار للبائع ، ثم أراد بيع الفرس قبل سقوط خيار البائع ( والارتداد ) بان ارتد العبد ، فكان حكمه القتل فباعه مالكه ( والحلف على عدم بيعه ) بان حلف ان لا يبيع كتابه - مثلا - ثم باعه ( وتعيين الهدى للذبح ) بان ساق الهدى ، فإنه معين للذبح ، ثم أراد بيعه ( واشتراط عتق العبد في عقد لازم ) كما لو اشترى العبد واشترط عليه البائع عتقه ، ثم باعه المشترى ولم يف بشرط عتقه ( والكتابة المشروطة ) مقابل الكتابة المطلقة ، .

والأولى ان يكاتب العبد على مائة - مثلا - بحيث انه لو وفي الجميع اعتق ، ثم وفي العبد البعض ، وقبل وفائه بالباقي باعه المولى .

اما المكاتبة المطلقة فإذا وفى العبد جزءا من المال لم يكن للمولى

ص: 362

أو المطلقة بالنسبة إلى ما لم يتحرر منه ، حيث إن المولى ممنوع عن التصرف باخراجه عن ملكه قبل الأداء ، والتدبير المعلق على موت غير المولى - بناء على جواز ذلك - فإذا مات المولى ولم يمت من علق عليه العتق ، كان مملوكا للورثة ، ممنوعا من التصرف فيه ، وتعلق حق الموصى له بالموصى به بعد موت الموصى ، وقبل قبوله - بناء على منع الوارث من التصرف قبله - وتعلق حق الشفعة بالمال

_________________________

بيعه ، لأنه يتحرر بمقدار وفائه من المال ( أو ) الكتابة ( المطلقة بالنسبة إلى ما لم يتحرر منه ) اى من العبد ، كما لو وفى العبد نصف المال فأراد المولى بيع نصفه الآخر الّذي يملكه المولى بعد ( حيث إن المولى ممنوع عن التصرف ) في العبد المكاتب ( باخراجه عن ملكه قبل الأداء ) لمال الكتابة ( والتدبير المعلق على موت غير المولى ) كما لو قال لعبده : أنت حر دبر وفاة زيد ( بناء على جواز ذلك ) التدبير ،

إذ : التدبير الجائز قطعا ما كان معلقا على موت المولى ( فإذا مات المولى ولم يمت من علق عليه العتق ، كان ) العبد ( مملوكا للورثة ، ممنوعا من التصرف فيه ) حتى يموت المعلق على موته فينعتق العبد ( وتعلق حق الموصى له ) كزيد ( بالموصى به ) كالكتاب ( بعد موت الموصى ) كمحمد ( وقبل قبوله ) اى الموصى له ( بناء على منع الوارث من التصرف قبله ) اى قبل الموصى به ، فإذا أوصى محمد ان يعطى كتابه - بعد موته - لزيد ثم مات محمد ، وزيد لم يقبل الوصية بعد ، يمنع الورثة عن التصرف في الكتاب حتى يرد زيد الوصية ( وتعلق حق الشفعة بالمال ) فإنه إذا كان

ص: 363

فإنه مانع من لزوم التصرفات الواقعة من المالك ، فللشفيع - بعد الاخذ بالشفعة - ابطالها وتغذية الولد المملوك بنطفة سيّده فيما إذا اشترى أمة حبلى ، فوطئها ، فاتت بالولد بناء على عدم جواز بيعها وكونه مملوكا ولد من حر شريك في أمه حال الوطي فإنه مملوك له لكن ليس له التصرف فيه الا بتقويمه واخذ قيمته

_________________________

هناك شريكان في دار - مثلا - فباع أحدهما حصته لزيد ، كان للشريك الآخر الاخذ بالشفعة ، بان يأخذ الدار من المشترى ويسلمه ما دفع من الثمن إلى البائع ، فان المشترى ممنوع من التصرف في النصف قبل اخذ الشريك بالشفعة ، أو اسقاطه لحقه ( فإنه ) اى حق الشفعة ( مانع من لزوم التصرفات الواقعة من المالك ) اى المشترى ( فللشفيع ) اى الشريك ( بعد الاخذ بالشفعة ابطالها ) اى ابطال تلك التصرفات ( وتغذية الولد المملوك بنطفة سيده فيما إذا اشترى أمة حبلى ) بالشروط المذكورة في محله من كتاب البيع ( فوطئها ) المشترى ( فاتت ) المرأة ( بالولد ) فان الولد تغذى بنطفة السيد ( بناء على عدم جواز بيعها ) اى بيع أمّ الولد ( وكونه مملوكا ) اى كون الولد مملوكا ( ولد من حر شريك في أمه حال الوطي ) بان كان هناك شريكان في أمة ، فوطئ أحدهما الأمة بدون اذن الشريك ، فان الولد ينعقد مملوكا للشريك غير الواطئ ، لكنه لا يتمكن من بيعه الا من الشريك الواطئ ( فإنه ) اى الولد ( مملوك له ) اى للشريك غير الواطئ ( لكن ليس له التصرف فيه ) اى في الولد ( الا بتقويمه ) اى تعيين قيمته ( واخذ قيمته ) من الواطئ .

ص: 364

وتعارض السبب الملك والمزيل للملك ، كما لو قهر حربي أباه والغنيمة قبل القسمة ، بناء على حصول الملك بمجرد الاستيلاء دون القسمة لاستحالة بقاء الملك بلا مالك وغير ذلك ،

_________________________

ولا يخفى ان قوله : وكونه مملوكا ، مثال جديد لا يرتبط ب : وتغذية الولد ، الخ ، ( وتعارض السبب الملك ) اى القهر والغلبة ( و ) السبب ( المزيل للملك ) اى القرابة والنسب ( كما لو قهر حربي أباه ) واخذه عبدا لنفسه ، فان القهر يوجب الملك فيما لو كان الأب حربيا ، أو كان في شريعتهم يجوز ذلك بمقتضى : الزموهم بما التزموا به ،

كما أن القرابة توجب عدم الملك ، لان الانسان لا يملك عموديه .

فان تعارض السببين يوجب عدم تمكن الحربي من بيع أبيه ( والغنيمة قبل القسمة ) فان المسلمين لو اغتنموا من الكفار غنيمة لكنها لم تقسم بعد بينهم ، تكون الغنيمة ملكا لهم ، لكن لا يجوز لأحدهم بيع حصته ( بناء على حصول الملك بمجرد الاستيلاء ) على أموال الكفار ( دون القسمة ) اى ليس السبب المملك القسمة ، بل الاستيلاء ( لاستحالة بقاء الملك بلا مالك ) .

هذا علة لقوله : بمجرد الاستيلاء ، إذ : لو قلنا : بان الملك للمسلمين انما يحصل للقسمة ، يجب أن تكون الغنيمة بدون المالك بين الاستيلاء وبين القسمة ، لأنها بمجرد الاستيلاء تخرج عن ملك الكفار ، فإذا لم تدخل في ملك المسلمين الا بعد القسمة ، بقي الملك بلا مالك في هذه القطعة من الزمان ( وغير ذلك ) من أمثلة الملك المحجور ، كتعلق

ص: 365

مما سيقف عليه المتتبع ،

لكنا نقتصر على ما اقتصر عليه الأصحاب من ذكر الوقف ، ثم أمّ الولد ، ثم الرهن ، ثم الجناية إن شاء الله .

_________________________

حق الغرماء بمال المفلس أو الميّت .

وتعلق حق المضمون له بالمال ، إذ : اشترط أداء الضمان منه .

وعدم تمامية السبب المملك في التبرعات ، كالهبة قبل القبض بناء على اشتراطه به - وعدم تمامية السبب المملّك في المعاوضات كالصرف قبل القبض - بناء على اشتراطه به - ( مما سيقف عليه المتتبع ) في كتب الأصحاب .

( لكنا نقتصر على ما اقتصر عليه الأصحاب من ذكر الوقف ، ثم الولد ثم الرهن ، ثم الجناية إن شاء الله ) تعالى .

وقد ذكر المصنف هذه الأربعة مفصّلا وذكر أربعة عشرة مجملا ، وذكرنا أربعة فهذه اثنان وعشرون .

لكن لا يخفى ان هناك موارد آخر داخلة اما في كليات ذكرت كالصدقة قبل القبض .

واما لم تذكروا لبحث في ذلك طويل جدا وانما المذكور هنا الأربعة فقط .

ص: 366

مسئلة لا يجوز بيع الوقف اجماعا محققا في الجملة ، ومحكيا ،

ولعموم قوله عليه السلام : الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها .

ورواية أبى علي بن راشد ، قال سألت أبا الحسن عليه السلام :

قلت جعلت فداك : انى اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي ، فلما عمرتها خبرت انها وقف ، فقال : لا يجوز شراء الوقف ، ولا تدخل الغلة في ملكك ادفعها إلى ما أوقفت عليه ، قلت : لا اعرف لها ربا ، قال : تصدق بغلتها .

وما ورد من حكاية وقف أمير المؤمنين عليه السلام ، وغيره من الأئمة

_________________________

( مسئلة : لا يجوز بيع الوقف اجماعا محققا ) لا منقولا فقط ( في الجملة ) متعلق بلا يجوز ( ومحكيا ) عن غير واحد ( ولعموم قوله عليه السلام :

الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها ) اى أهل الوقوف الذين يوقفون .

( ورواية أبى علي بن راشد ، قال سألت أبا الحسن عليه السلام :

قلت جعلت فداك : انى اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي ، فلما عمرتها خبرت ) بصيغة الماضي المجهول من باب التفعيل ( انها وقف ، فقال :

لا يجوز شراء الوقف ، ولا تدخل الغلة ) الحاصلة من تلك الأرض الموقوفة ( في ملكك ، ادفعها ) اى الأرض أو الغلة ( إلى ما أوقفت عليه ، قلت :

لا اعرف لها ربا ، قال : تصدق بغلتها ) فإنها صريحة في عدم جواز بيع الوقف ، وان البيع باطل .

( وما ورد من حكاية وقف أمير المؤمنين عليه السلام ، وغيره من الأئمة

ص: 367

صلوات الله عليهم أجمعين مثل ما عن ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله \" ع \" في صورة وقف أمير المؤمنين عليه السلام : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به علي بن أبي طالب \" ع \" وهو حي سوّى تصدق بداره التي في بنى زريق صدقة لاتباع ولا توهب ، حتى يرثها الله الّذي يرث السماوات والأرض ، واسكن فلانا هذه الصدقة ما عاش ، وعاش عقبه ، فإذا انقرضوا فهي لذوي الحاجة من المسلمين ، الخبر ، فان الظاهر من الوصف كونها صفة لنوع الصدقة ، لا لشخصها .

_________________________

صلوات الله عليهم أجمعين ) مما يدل على أن الوقف يبقى إلى الأبد ( مثل ما عن ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله \" ع \" في صورة وقف أمير المؤمنين عليه السلام : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به علي بن أبي طالب \" ع \" وهو حي سوّى ) هذان اللفظان للتأكيد - كما لا يخفى - وسوّى لعله بمعنى مستوى العقل ( تصدق بداره التي في بنى زريق صدقة لاتباع ولا توهب ، حتى يرثها الله الّذي يرث السماوات والأرض ) لعل المراد إلى حين قيام الساعة ( واسكن ) بالماضي اى على ابن أبي طالب عليه السلام ( فلانا هذه الصدقة ما عاش ، وعاش عقبه ) اى عقب فلان ( فإذا انقرضوا فهي لذوي الحاجة من المسلمين ) إلى آخر ( الخبر ، فان الظاهر من الوصف ) اى قوله : لاتباع ولا توهب ، ( كونها ) اى الصفة ( صفة لنوع الصدقة ) اى ان كل وقف هكذا مثل قولنا بيعا صحيحا عن تراض ، فان البيع الصحيح لا يكون الا عن تراض ( لا لشخصها ) فليس مثل : بيعا نقدا حتى يمكن ان يكون قسم آخر من الصدقة يمكن بيعها ،

ص: 368

ويبعد كونها شرطا خارجا عن النوع ، مأخوذا في الشخص مع أن سياق الاشتراط يقتضي تأخره عن ركن العقد اعني الموقوف عليهم خصوصا مع كونه اشتراطا عليهم .

مع أنه لو جاز البيع في بعض الأحيان كان اشتراط عدمه على الاطلاق فاسدا بل مفسدا ، لمخالفته للمشروع من جواز بيعه في بعض الموارد ،

_________________________

كما أن هناك بيعا آخر ليس بنقد .

( ويبعد كونها ) اى الصفة المذكورة وهي : لاتباع ولا توهب ، ( شرطا خارجا عن النوع ، مأخوذا في الشخص ) لا من مقومات الصدقة .

وهذا هو الظاهر العرفي من العبارة ( مع أن سياق الاشتراط ) لو كان شرطا لا مقوما ( يقتضي تأخره عن ركن العقد أعني الموقوف عليهم ) فاللازم ان يقال : صدقه لفلان بحيث لاتباع ، كما يقال : بعت الدار لزيد نقدا ، - مثلا - .

إذ : أركان الكلام تقدم على الزوائد والخصوصيات غالبا ( خصوصا مع كونه ) لو كان شرطا ( اشتراطا عليهم ) بخلاف ما لو كان مقوما للصدقة ، فليس شرطا عليهم ، بل بيانا لذات الصدقة .

( مع أنه لو جاز البيع في بعض الأحيان كان اشتراط عدمه ) اى عدم البيع ( على الاطلاق ) حتى حين جواز البيع ( فاسدا بل مفسدا ) للوقف أيضا ( لمخالفته ) اى هذا الشرط ( للمشروع من جواز بيعه في بعض الموارد ) : من ، متعلق بالمشروع ، فان الشرط المخالف للشرع فاسد

ص: 369

كدفع الفساد بين الموقوف عليهم ، أو رفعه ، أو طروّ الحاجة ، أو صيرورته مما لا ينتفع به أصلا .

الا ان يقال : ان هذا الاطلاق نظير الاطلاق المتقدم ، في رواية ابن راشد في انصرافه إلى البيع ، لا لعذر .

_________________________

مفسد على قول ، خلافا لمن لا يقول الا بفساده في نفسه ، وانه ليس بمفسد

ولا يخفى ما في كلام المتن من الاشكال .

ثم مثل المصنف بموارد جواز البيع بقوله : ( كدفع الفساد بين الموقوف عليهم ) الّذي ينشأ من الوقف ( أو رفعه )

فالأول : فيما كان محلا لوقوع الخلاف .

والثاني : فيما إذا وقع الخلاف بالفعل فاردنا رفعه ببيع الوقف ( أو طرو الحاجة ) اى عرض حاجة الواقف إلى البيع مما يأتي انه من موارد الاستثناء ( أو صيرورته ) اى الوقف ( مما لا ينتفع به أصلا ) كما سيأتي في المستثنيات .

( الا ان يقال : ان ) الوصف لو كان شرطا لم يضر ، إذ : لا يرد عليه الاشكال المتقدم إذ ( هذا الاطلاق ) الموجود في الوصف - اى اطلاق انه لا يباع ولا يوهب - ( نظير الاطلاق المتقدم ، في رواية ابن راشد ) حيث اطلق عليه السلام قوله : لا يجوز شراء الوقف ( في انصرافه إلى البيع لا لعذر )

فاطلاق الوصف في وقف أمير المؤمنين عليه السلام ، لو كان شرطا لا مقوما ليس موجبا للاشكال .

ص: 370

مع أن هذا التقييد مما لا بد منه على تقدير كون الصفة فصلا للنوع ، أو شرطا خارجيا .

مع احتمال علم الإمام بعدم طروّ هذه الأمور المبيحة .

وحينئذ يصح ان يستغنى بذلك عن التقييد على تقدير كون الصفة شرطا ،

_________________________

( مع ) ان الفرار إلى كون الوصف مقوما لا شرطا ، لا ينفع في دفع الاشكال .

ف ( ان هذا التقييد ) اى تقييد عدم البيع بعدم طروّ المستثنيات ( مما لا بد منه على تقدير كون الصفة ) اى : لا يباع ولا يوهب ( فصلا للنوع ) من قبيل الناطق للانسان ( أو شرطا خارجيا ) من قبيل جئنى بزيد العالم .

وانما كان هذا التقيد مما لا بد منه ، إذ : على كلا التقديرين يجوز بيع الوقف في صورة طروّ المستثنيات .

( مع ) انه يمكن ان نقول : بان الوصف ب : لا يباع ولا يوهب ، شرط خارجي ، وليس يستشكل عليه بطروّ المستثنيات ، ل ( احتمال علم الإمام ) أمير المؤمنين عليه السلام ( بعدم طروّ هذه الأمور المبيحة ) للبيع .

( وحينئذ ) اى حين قلنا بعلم الإمام عليه السلام ( يصح ان يستغنى بذلك ) اى بعلم للامام ( عن التقييد على تقدير كون الصفة شرطا ) إذ الشرط الّذي يعلم الشارط حصوله لا وجه لذكره ، كما لو علم الآمر بان العبد يأتيه بزيد العالم لم يكن يحتاج لان يقول : جئنى بزيد العالم ، بل يكفى ان يقول : جئنى بزيد - بدون ذكر العالم - إذ الوصف حينئذ مستغن

ص: 371

بخلاف ما لو جعل وصفا داخلا في النوع ، فان العلم بعدم طروّ مسوغات البيع في الشخص ، لا يغنى عن تقييد اطلاق الوصف في النوع - كما لا يخفى - .

_________________________

عنه ( بخلاف ما لو جعل ) القيد ( وصفا داخلا في النوع ) كالناطق بالنسبة إلى الانسان ( فان العلم بعدم طروّ مسوغات البيع في ) هذا ( الشخص ) الخاص من الوقف ( لا يغنى عن تقييد اطلاق الوصف ) الكائن ذلك الوصف ( في ) واقع ( النوع ) اى يقيد لفظا ، كما هو مقيد واقعا ، فيقول :

جئنى بالحيوان الناطق - مثلا - ( كما لا يخفى ) .

فتحصل : ان المصنف أولا ردّد الامر في : لا يباع ولا يوهب ، بين :

الشرط الخارجي ، فلا دلالة على أن كل وقف كذلك بحيث لا يباع ولا يوهب وبين : المفهوم الداخلي ، فيدل على أن من طبيعة الوقف عدم البيع والهبة ، .

ثم استدل على كون : لا يباع ، مقوما - لا وصفا خارجيا - بثلاث أدلة الأول : دعواه الظهور في كونه وصفا للنوع .

الثاني : قوله : مع أن سياق ، .

الثالث : قوله : مع أنه لو جاز ، .

وقوله : الا ان يقال : جواب عن الدليل الثالث .

كما أن قوله : مع أن هذا التقييد ، جواب آخر عنه .

وقوله : مع احتمال علم الإمام ، فهو ترق عن التساوي المستفاد مما قبله .

ص: 372

فظهر ان التمسك بإطلاق المنع على البيع على كون الوصف داخلا في أصل الوقف كما صدر عن بعض من عاصرناه ، لا يخلو عن نظر وان كان الانصاف ما ذكرنا من ظهور سياق الأوصاف في كونها أوصافا للنوع .

ومما ذكرنا ظهر : ان المانع عن بيع الوقف ، أمور ثلاثة حق الواقف حيث جعلها بمقتضى صيغة الوقف صدقة جارية ينتفع بها .

وحق البطون المتأخرة عن بطن البائع السابق .

_________________________

( فظهر ) من قولنا : الا ان يقال إلى هنا ( ان التمسك بإطلاق المنع على البيع ) في الرواية بناء ( على كون الوصف داخلا في أصل الوقف ) باستدلال ان الوصف حينئذ مقوّم للوقف ولا يكون وجود الوقف بدون هذا المقوّم ، ومهما وجد المقوّم لا يجوز البيع مهما تبدلت الحالات ( كما صدر عن بعض من عاصرناه لا يخلو عن نظر )

وجه الظهور : ان الاطلاق منصرف إلى البيع لا لعذر ، فلا ينافي البيع لعذر ( وان كان الانصاف ما ذكرنا من ظهور سياق الأوصاف في كونها أوصافا للنوع ) لا انها أوصاف لشخص الوقف الّذي وقفه الإمام عليه السلام .

( ومما ذكرنا ظهر : ان المانع عن بيع الوقف ، أمور ثلاثة )

الأول : ( حق الواقف حيث جعلها بمقتضى صيغة الوقف صدقة جارية ينتفع بها ) فقد حوّل الواقف حقه المطلق في هذا الملك إلى حق خاص ، فالتعدى عن الخصوصية خلاف حقه المطلق في الملك .

( و ) الثاني : ( حق البطون المتأخرة عن بطن البائع السابق ) :

عن ، متعلق ب : المتأخرة ، .

وانما جاء هذا الحق لان المالك الّذي كان له حق مطلق فوّض قسما من حقه إلى البطون .

ص: 373

والتعبد الشرعي المكشوف عنه بالروايات فان الوقف متعلق لحق الله ، حيث يعتبر فيه التقرب ، ويكون لله تعالى عمله ، وعليه عوضه وقد يرتفع بعض هذه الموانع فيبقى الباقي وقد يرتفع كلها ، وسيجيء التفصيل

ثم إن جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف إلى أن يباع ، فالوقف يبطل بنفس البيع ، لا بجوازه ، فمعنى جواز بيع العين الموقوفة جواز ابطال وقفها إلى بدل أو لا إليه

_________________________

( و ) الثالث : ( التعبد الشرعي المكشوف عنه بالروايات فان الوقف متعلق لحق الله ) فان الله تعالى قرر بقاء الشيء الموقوف كما وقفه الواقف ولذا لو تنازل الواقف والموقوف عليه لم يتمكنا من تغيير الوقف ( حيث يعتبر فيه ) اى في الوقف ( التقرب ، ويكون لله تعالى عمله ، وعليه ) سبحانه ( عوضه ) بل حتى إذا قلنا : ان الوقف لا يعتبر فيه القربة يكون حق الله موجودا فيه - لما تقدم - ( وقد يرتفع بعض هذه الموانع ) الثلاثة ( فيبقى الباقي ) من الموانع ( وقد يرتفع كلها ، وسيجيء التفصيل ) لصور الارتفاع .

( ثم ) انه لو جاز بيع الوقف فالوقف لا يبطل بمجرد الجواز ، وانما يبطل بالبيع .

ف ( ان جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف ) على وقفيته ، بان لا ينقلب ملكا ( إلى أن يباع فالوقف يبطل بنفس البيع لا بجوازه ) اى لا بجواز البيع ( فمعنى جواز بيع العين الموقوفة جواز ابطال وقفها إلى بدل ) بان يشترى مكانها بدلا لها ( أو لا إليه ) بل يتصرف في ثمنها ، لا ان معنى جواز البيع سقوط

ص: 374

فان مدلول صيغة الوقف - وان اخذ فيه الدوام ، والمنع عن المعاوضة عليه - الا انه قد يعرض ما يجوّز مخالفة هذا الانشاء ، كما أن مقتضى العقد الجائز ، كالهبة تمليك المتّهب المقتضى لتسلطه المنافى لجواز انتزاعه من يده ، ومع ذلك يجوز مخالفته ، وقطع سلطنته عنه فتأمل .

_________________________

الوقف عن الوقفية بمجرد جواز البيع .

وتترتب على هذا الامر ، انه لا يجوز تصرف ينافي الوقف قبل البيع .

ووجه ما نقول من بقاء الوقف إلى حين البيع ، ان أدلة الوقف قبل البيع محكمة ، وانما خرج بالدليل جواز البيع فقط ، ولا تلازم بين جواز البيع والسقوط عن الوقفية ( فان مدلول صيغة الوقف - وان اخذ فيه الدوام ، والمنع عن المعاوضة عليه - ) اى على الوقف ( الا انه قد يعرض ما يجوّز مخالفة هذا الانشاء ) اى إنشاء الوقف ( كما أن مقتضى العقد الجائز ، كالهبة تمليك ) الواهب ( المتّهب ) اى الموهوب له ( المقتضى لتسلطه ) اى المتّهب على المال ( المنافى لجواز انتزاعه ) اى المال و :

المنافى ، صفة : تمليك ، ( من يده ) اى يد المتّهب ( ومع ذلك يجوز مخالفته ، وقطع سلطنته عنه ) فجواز قطع السلطنة لا ينافي عدم جواز سائر التصرفات قبل قطع السلطنة ، وكذلك فيما نحن فيه جواز بيع الوقف لا ينافي عدم جواز سائر التصرفات المنافية للوقف قبل البيع ( فتأمل ) لعله إشارة إلى الفرق بين الهبة والوقف ، فنفى المعاوضات مأخوذ في مفهوم الوقف ، فإذا جازت المعاوضة - بحكم الشارع - دل ذلك على نفى الوقف ، فيدل على جواز سائر الأمور المنافية للوقف بخلاف الهبة ،

ص: 375

الا انه ذكر بعض في هذا المقام ان الّذي يقوى في النظر - بعد امعانه - : ان الوقف ما دام وقفا لا يجوز بيعه ، بل لعل جواز بيعه مع كونه وقفا ، من التضاد .

نعم : إذا بطل الوقف اتّجه حينئذ جواز بيعه .

ثم ذكر بعض مبطلات الوقف المسوّغة لبيعه وقد سبقه إلى ذلك بعض الأساطين في شرحه على القواعد ، حيث استدل على المنع عن بيع الوقف بعد النص

_________________________

فان نفى المعاوضات ليس مأخوذا في مفهوم الهبة - كما لا يخفى -

( الا انه ذكر بعض ) وهو صاحب الجواهر ( في هذا المقام ) اى مقام جواز بيع الوقف ( ان الّذي يقوى في النظر - بعد امعانه - : ) اى امعان النظر ( ان الوقف ما دام وقفا لا يجوز بيعه ) فاللازم ان نقول : بان معنى جواز بيع الوقف سقوطه عن الوقفية ( بل لعل جواز بيعه مع كونه وقفا ، من التضاد ) إذ جواز البيع ، وعدم جواز البيع متقابلان .

( نعم : إذا بطل الوقف اتّجه حينئذ جواز بيعه )

ولذا كان اللازم القول ببطلان الوقف قبل البيع ، فالبيع يقع على ما ليس بوقف .

( ثم ذكر ) الجواهر ( بعض مبطلات الوقف المسوّغة لبيعه وقد سبقه إلى ذلك ) اى إلى أن الوقف والبيع متنافيان ، فلا يجوز البيع الا بعد بطلان الوقف ( بعض الأساطين ) كالشيخ جعفر الكبير ( في شرحه على القواعد ، حيث استدل على المنع عن بيع الوقف بعد النص ) كقوله

ص: 376

والاجماع ، بل الضرورة بان البيع واضرابه ، ينافي حقيقة الوقف لاخذ الدوام فيه ، وان نفى المعاوضات مأخوذ فيه ابتداءً .

وفيه ان أريد من بطلانه انتفاء بعض آثاره ، وهو جواز البيع المسبب عن سقوط حق الموقوف عليهم عن شخص العين .

أو عنها وعن بدلها ،

_________________________

عليه السلام : الوقوف على حسب ما وقفها أهلها ( والاجماع ) المحقق في المسألة ( بل الضرورة ) فان كل مسلم ليس جديد الاسلام وبعيدا عن الاحكام يعلم حرمة بيع الوقف ( بان البيع واضرابه ، ينافي حقيقة الوقف ) وذلك التنافي ( لاخذ الدوام فيه ) اى في الوقف ( و ) ب ( ان نفى المعاوضات مأخوذ فيه ) فكيف يمكن البيع في حال كونه وقفا ؟ ( ابتداءً ) اى لا استمرارا .

إذ جواز البيع في حال طروّ المستثنيات ، ينفى كون الوقف منافيا للمعاوضات .

( وفيه ) اى في ما ذكراه الجواهر وشرح القواعد ، من انتفاء الوقفية حال جواز البيع ( ان أريد من بطلانه ) اى الوقف ( انتفاء بعض آثاره ، و ) الانتفاء ( هو جواز البيع المسبب عن سقوط حق الموقوف عليهم عن شخص العين ) لان حق البطون اللاحقة متعلق بالعين ، فإذا أجاز الشارع اسقط حق سائر البطون عن ذات العين .

وقال إن الحق متعلق بالبدل - فيما إذا وجب شراء بدله -

( أو ) سقوط حق الموقوف عليهم ( عنها وعن بدلها ) الضميران

ص: 377

حيث قلنا : بكون الثمن للبطن الّذي يبيع .

فهذا لا محصل له ، فضلا عن أن يحتاج إلى نظر ، فضلا عن امعانه وان أريد به انتفاء أصل الوقف ، كما هو ظاهر كلامه ، حيث جعل المنع من البيع من مقوّمات مفهوم الوقف .

ففيه - مع كونه خلاف الاجماع ، إذ لم يقل أحد ممن أجاز بيع الوقف في بعض الموارد ببطلان الوقف ، وخروج

_________________________

عائد ان إلى : العين ، يعنى : قال الشارع : ان البطون اللاحقة لا حق لهم اطلاقا ( حيث قلنا : بكون الثمن ) الّذي يكون بدلا عن المبيع ( للبطن الّذي يبيع ) ولا يجب التبديل إلى عين أخرى .

( فهذا ) الكلام - اى ان أريد من بطلانه - ( لا محصل له ، فضلا عن أن يحتاج إلى نظر ) ودقة ( فضلا عن ) احتياجه إلى ( امعانه ) اى امعان النظر وتعميمه .

وانما لا محصل لهذا الكلام ، إذ كل شخص يعلم أن جواز البيع ، معناه : انتفاء عدم جواز البيع الّذي كان من لوازم الوقوف ( وان أريد به انتفاء أصل الوقف ، كما هو ظاهر كلامه ) حتى تكون العين كأنها ملك صرف ( حيث جعل المنع من البيع من مقوّمات مفهوم الوقف ) فإذا جاز البيع ذهب المقوّم الموجب لذهاب أصل الوقف .

( ففيه - مع كونه خلاف الاجماع ) إذ : الاجماع قام على أن الوقف انما يجوز بيعه إذا طرأ المستثنيات لا انّه يسقط عن كونه وقفا ( إذ لم يقل أحد ممن أجاز بيع الوقف في بعض الموارد ببطلان الوقف ) رأسا ( وخروج

ص: 378

الموقوف عن ملك الموقوف عليه إلى ملك الواقف - ان المنع عن البيع ليس مأخوذا في مفهومه بل هو في غير المساجد وشبهها قسم من التمليك

ولذا يطلق عليه الصدقة ويجوز ايجابه بلفظ : تصدقت ، الا ان المالك له بطون متلاحقة فإذا جاز بيعه مع الابدال كان البائع وليا عن جميع الملاك في ابدال مالهم بمال آخر ، وإذا جاز

_________________________

الموقوف عن ملك الموقوف عليه إلى ملك الواقف - ) الّذي هو مقتضى بطلان الوقف .

إذ الوقف انما اسقط حقه عن الموقوفة لتكون وقفا للموقوف عليه ، لا لتكون ملكا له ، فإذا قلنا بزوال الوقف كان اللازم رجوعه إلى الواقف ( ان المنع عن البيع ) هذا متعلق ب : ففيه ، ( ليس مأخوذا في مفهومه ) اى مفهوم الوقف ، حتى يكون مقوما ( بل هو ) اى الوقف ( في غير المساجد وشبهها ) كالحسينيات والقناطر العامة والربط ( قسم من التمليك ) فان الواقف يملك الوقف للذرية ، أو لطلاب العلوم ، أو ما أشبه .

( ولذا ) الّذي هو تمليك ( يطلق عليه الصدقة ) فان الصدقة لا تكون الا لشخص يملك الصدقة - وفيه ما لا يخفى - ( ويجوز ايجابه ) اى ايجاب الوقف ( بلفظ : تصدقت ، الا ) استثناء عن كونه تمليكا ( ان المالك له ) اى لهذا الملك الموقوف ( بطون متلاحقة ) لا البطن الأول الّذي هو الوارث ، كما في الملك الصرف ( فإذا جاز بيعه مع الابدال ) فيما يجوز بيع الوقف لأجل تبديله إلى عين أخرى ( كان البائع ) بالجعل الشرعي ( وليا عن جميع الملاك ) البطون المتلاحقة ( في ابدال مالهم بمال آخر وإذا جاز ) ،

ص: 379

لا معه كما إذا بيع ، لضرورة البطن الموجود - على القول بجوازه - فقد جعل الشارع لهم حق ابطال الوقف ببيعه لأنفسهم فإذا لم يبيعوا لم يبطل .

ولذا لو فرض اندفاع الضرورة بعد الحكم بجواز البيع ، أو لم يتفق البيع ، كان الوقف على حاله .

ولذا صرح في جامع المقاصد بعدم جواز رهن الوقف ، وان بلغ حدا يجوز بيعه ، معللا باحتمال طروّ اليسار

_________________________

بيعه ( لا معه ) اى بدون الابدال ، بان يأكل الثمن البائع ( كما إذا بيع ، لضرورة البطن الموجود - على القول بجوازه - ) كما يأتي الكلام حوله في المستثنيات ( فقد جعل الشارع لهم حق ابطال الوقف ببيعه لأنفسهم ) وهذا ليس معناه ابطال الوقف رأسا .

وعليه ( فإذا لم يبيعوا لم يبطل ) خلافا لشرح القواعد والجواهر ، فظاهرهما البطلان وان لم يبيعوا .

( ولذا لو فرض اندفاع الضرورة بعد الحكم بجواز البيع ) فإنه لا يجوز بيعه ( أو لم يتفق البيع ) بان أرادوا بيعه ، لكن المشترى لم يرغب فيه فلم يشتره ، أو ما أشبه ذلك من صور عدم البيع ( كان الوقف ) باقيا ( على حاله ) وقفا .

( ولذا ) الّذي ذكرنا من أن جواز البيع لا يوجب سقوط الوقف عن الوقفية ( صرح في جامع المقاصد بعدم جواز رهن الوقف ، وان بلغ حدّا يجوز بيعه ، معللا ) عدم الجواز ( باحتمال طروّ اليسار ) والغنى

ص: 380

للموقوف عليهم عند إرادة بيعه في دين المرتهن ، إذا عرفت ان مقتضى العمومات في الوقف عدم جواز البيع ، فاعلم : ان لأصحابنا في الخروج عن عموم المنع في الجملة أقوال .

أحدها : عدم الخروج عنه ، أصلا وهو الظاهر من كلام الحلّى ، حيث قال في السرائر : - بعد نقل كلام المفيد قدس سره - والّذي يقتضيه مذهبنا انه بعد وقفه وقبضه ، لا يجوز الرجوع فيه ، ولا تغييره عن وجوهه وسبله ، ولا بيعه ، سواء كان بيعه أعود عليهم ، أم لا وسواء خرب الوقف ، ولا يوجد

_________________________

( للموقوف عليهم عند إرادة بيعه ) اى بيع الوقف ( في دين المرتهن ) وعند طروّ اليسار لا يجوز البيع ، إذا فرض ان البيع كان للاضطرار .

وكيف كان ، ف ( إذا عرفت ان مقتضى العمومات في الوقف عدم جواز البيع ، فاعلم : ان لأصحابنا في الخروج عن عموم المنع في الجملة ) في بعض الموارد مع الغض عن تعداد تلك الموارد ( أقوال ) .

( أحدها : عدم الخروج عنه ) اى عن عموم المنع ( أصلا ) ولا في مورد واحد ( وهو الظاهر من كلام الحلّى ، حيث قال في السرائر : - بعد نقل كلام المفيد قدس سره - والّذي يقتضيه مذهبنا انه بعد وقفه ) اى وقف الشيء ( وقبضه ) لأنه يشترط في الوقف القبض ( لا يجوز الرجوع فيه ) اى في ذلك الشيء - بان يرجعه ملكا - ( ولا تغييره عن وجوهه وسبله ) مثلا : لو وقفه على الطلبة يجعله للفقراء ( ولا بيعه ، سواء كان بيعه أعود ) اى انفع ( عليهم ) اى الموقوف عليهم ( أم لا وسواء خرب الوقف ، ولا يوجد

ص: 381

من يراعيه بعمارة من سلطان وغيره ، أو يحصل بحيث لا يجدى نفعا ، أم لا .

قال الشهيد ره بعد نقل أقوال المجوزين ، وابن إدريس سدّ الباب وهو نادر مع قوّته وقد ادعى في السرائر : عدم الخلاف في المؤبّد قال : ان الخلاف الّذي حكيناه بين أصحابنا انما هو إذا كان الوقف على قوم مخصوصين ، وليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم .

واما إذا كان الوقف على قوم ومن بعده على غيرهم ، وكان الواقف قد

_________________________

من يراعيه بعمارة من سلطان وغيره ) : من ، متعلق ب : من يراعيه ، ( أو يحصل ) من يراعيه ( بحيث لا يجدى ) ذلك الوقف ( نفعا ، أم لا ) هذا كلام الحلّى ، وأيده الشهيد في ظاهر كلامه ، فإنه .

( قال الشهيد ) الأول ( ره بعد نقل أقوال المجوزين وابن إدريس سدّ الباب ) اى باب جواز البيع ، فإنه لم يجوزه مطلقا ( وهو ) اى سد الباب ( نادر ) إذ لم يقل به أحد ( مع قوّته ) اى ان سد الباب قوى ( وقد ادعى في السرائر : عدم الخلاف في ) الوقف ( المؤبّد ) الدائمى ، فإنه لا يجوز بيعه قطعا ( قال : ان الخلاف الّذي حكيناه بين أصحابنا ) في انه هل يجوز بيع الوقف ، أم لا ؟ ( انما هو إذا كان الوقف على قوم مخصوصين ، وليس فيه ) اى في الوقف ( شرط يقتضي رجوعه ) اى الشيء الموقوف ( إلى غيرهم ) كما إذا وقف على أولاده ، ولم يقل ثم على أولاد الأولاد - مثلا - .

( واما إذا كان الوقف على قوم ومن بعده على غيرهم ، وكان الواقف قد

ص: 382

اشترط رجوعه إلى غيره ، إلى أن يرث اللّه الأرض لم يجز بيعه على وجه بغير خلاف بين أصحابنا ، انتهى .

وفيه نظر ، يظهر مما سيأتي من ظهور أقوال كثير من المجوزين في المؤبّد .

وحكى المنع مطلقا عن الإسكافي ، وفخر الاسلام أيضا ، الا في آلات الموقوف ، واجزائه التي انحصر طريق الانتفاع بها في البيع .

قال الإسكافي على ما حكم عنه في المختلف : ان الموقوف رقيقا أو

_________________________

اشترط رجوعه ) اى الشيء الموقوف ( إلى غيره ) اى غير القوم ، بان قال : هو وقف على أولادي ومن بعدهم ، إلى أولاد الأولاد - مثلا - ( إلى أن يرث اللّه الأرض ) كناية عن موت البشر جميعا ( لم يجز بيعه على ) اى ( وجه ) من الوجوه ، بل يبقى وقفا إلى الأبد ( بغير خلاف بين أصحابنا ، انتهى ) كلام ابن إدريس الّذي حكاه الشهيد .

( وفيه نظر ) اى فيما ذكره من أن المؤبّد لا خلاف في انه لا يجوز بيعه مطلقا ( يظهر ) النظر ( مما سيأتي من ظهور أقوال كثير من المجوزين في المؤبد ) فليس كما ذكره في انه لا خلاف في عدم جواز بيع المؤبد .

( وحكى المنع مطلقا عن الإسكافي ، وفخر الاسلام أيضا ، الا في آلات الموقوف ، واجزائه ) كبوارى المسجد ، وآجره الّذي هدم ، وبدّل بغيره مثلا - ( التي انحصر طريق الانتفاع بها ) اى بتلك الآلات ، والاجزاء ( في البيع ) والّا بقيت عاطلة بلا نفع أصلا .

( قال الإسكافي على ما حكى عنه في المختلف : ان الموقوف رقيقا أو

ص: 383

غيره لو بلغ حاله إلى زوال ما سبّله من منفعته فلا بأس ببيعه وابدال مكانه بثمنه ان أمكن ، أو صرفه فيما كان يصرف إليه منفعته ، أو رد ثمنه على منافع ما بقي من أصل ما حبس معه ، إذا كان في ذلك صلاح ، انتهى .

وقال فخر الدين في الايضاح في شرح قول والده قدس سرهما : ولو خلق حصير المسجد وخرج عن الانتفاع به ، أو انكسر الجذع بحيث لا ينتفع به في غير الاحراق ، فالأقرب جواز بيعه .

_________________________

غيره لو بلغ حاله إلى زوال ما سبّله ) ووقفه الواقف ( من منفعته ) بيان : ما ، ( فلا بأس ببيعه ، وابدال ) شيء آخر ( مكانه ) اى مكان الوقف ( بثمنه ان أمكن ) الابدال ( أو صرفه ) اى الثمن ( فيما كان يصرف إليه منفعته ) .

مثلا : كان الدكان الموقوف ينصرف اجاره في أهل العلم ، فان أمكن بدّل ثمنه بد كان آخر ، وان لم يمكن صرف ثمنه في أهل العلم ( أو رد ثمنه على منافع ما بقي ) كما لو كان هناك دكانان ، بيع أحدهما فصرف ثمنه لمنفعة الدكان الباقي لأجل تعميره وترميمه ( من أصل ما حبس معه ) « من » بيان : ما بقي ، وضمير : معه ، عائد إلى الوقف الّذي بيع وصار ثمنا ( إذا كان في ذلك ) اى صرف ثمن الوقف المبيع في اصلاح الوقف الباقي ، وترميمه ( صلاح ، انتهى ) كلام الإسكافي .

( وقال فخر الدين في الايضاح في شرح قول والده ) العلامة ( قدس سرهما : ولو خلق حصير المسجد ) اى صار باليا ( وخرج عن الانتفاع به ، أو انكسر الجذع بحيث لا ينتفع به في غير الاحراق ) بان سقط عن فائدة كونه سقفا ، وما أشبه ( فالأقرب جواز بيعه ) انتهى كلام العلامة .

ص: 384

قال - بعد احتمال المنع ب عموم النص في المنع - والأصح عندي جواز بيعه وصرف ثمنه في المماثل ان أمكن ، والا ففي غيره ، انتهى .

ونسبة المنع إليهما على الاطلاق لا بد ان يبنى على خروج مثل هذا عن محل الخلاف .

وسيظهر هذا من عبارة الحلبي في الكافي أيضا ، فلاحظ .

_________________________

( قال ) فخر الدين ( - بعد احتمال المنع ) عن بيع ذلك أيضا ( ب ) سبب ( عموم النص في المنع ) عن جواز بيع الوقف ( - والأصح عندي جواز بيعه وصرف ثمنه في المماثل ) بان يشترى بثمن الحصير حصير آخر وبثمن الجذع جذع آخر ( ان أمكن ) صرف ثمنه في المماثل ( والا ففي غيره ) كان يشترى بثمن الجذع حصيرا مثلا ( انتهى ) كلام الفخر .

( ونسبة المنع ) عن بيع الوقف ( إليهما ) اى إلى الإسكافي والفخر ( على الاطلاق ) اى قول الناسب انهما يطلقان بيع الوقف ( لا بد ان يبنى ) الاطلاق في كلامهما ( على خروج مثل هذا ) اى مثل الآلة والجزء ( عن محل الخلاف ) إذ : لو كان الآلة والجزء داخلا في محل الخلاف ، فهما لا يمنعان عن بيعه - كما عرفت - .

فالخلاف القائم انما هو في بيع أصل الوقف - مطلقا - اى بكل صورة .

فجماعة يجيزوه ، وجماعة - ومنهم الإسكافي والفخر - يمنعوه .

اما الآلة والجزء فلا خلاف في جواز بيعهما .

( وسيظهر هذا ) اى المنع عن بيع الوقف مطلقا - والمراد أصل الوقف لا اجزائه والآلة - ( من عبارة الحلبي في الكافي أيضا ، فلاحظ )

ص: 385

الثاني : الخروج عن عموم المنع في المنقطع في الجملة خاصة ، دون المؤبّد ، وهو المحكى عن القاضي حيث قال في محكى المهذب : إذا كان الشيء وقفا على قوم ومن بعدهم إلى غيرهم ، وكان الواقف قد اشترط رجوعه إلى غير ذلك ، إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها ، لم يجز بيعه على وجه من الوجوه .

فإن كان وقفا على قوم مخصوصين ، وليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم - حسب ما قدمناه - وحصل الخوف من هلاكه أو فساده أو كان

_________________________

عبارته ، والمصنف لم ينقلها .

( الثاني ) من الأقوال في مسئلة بيع الوقف ( الخروج عن عموم المنع في المنقطع في الجملة ) لا مطلقا ( خاصة ، دون ) الوقف ( المؤبّد ، وهو المحكى عن القاضي حيث قال في محكى المهذب : إذا كان الشيء وقفا على قوم ومن بعدهم إلى غيرهم ، وكان الواقف قد اشترط رجوعه ) اى الوقف ( إلى غير ذلك ) القوم اى نسلا بعد نسل ، أو قوما بعد قوم ( إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها ) بان لا يبقى وارث للأرض ، ولا وارث حي لاحد ( لم يجز بيعه على وجه من الوجوه ) اى طرأ اىّ طارئ .

( فإن كان وقفا على قوم مخصوصين ) كاولاده فقط ( وليس فيه شرط يقتضي ) ذلك الشرط ( رجوعه إلى غيرهم - حسب ما قدمناه - ) اى لم يكن الوقف مثل الوقف المتقدم في ذكر الواقف الطبقة التالية للطبقة الأولى بل اطلق ذكر طبقة واحدة ( وحصل الخوف من هلاكه ) اى هلاك الوقف بان يضمحلّ بالمرة ( أو فساده ) بان يطرأ عليه فساد وان بقي أصله موجودا ( أو كان

ص: 386

بأربابه حاجة ضرورية يكون بيعه اصلح لهم من بقائه عليهم ، أو يخاف من وقوع خلف بينهم يؤدّى إلى فساده ، فإنه حينئذ يجوز بيعه وصرف ثمنه في مصالحهم على حسب استحقاقهم ، فإن لم يحصل شيء من ذلك لم يجز بيعه على وجه من الوجوه ، ولا يجوز هبة الوقف ولا الصدقة به أيضا

وحكى عن المختلف وجماعة نسبة التفصيل إلى الحلبي ، لكن العبارة المحكية عن كافيه لا تساعده ، بل ربما استظهر منه المنع على الاطلاق فراجع .

_________________________

بأربابه حاجة ضرورية يكون بيعه اصلح لهم من بقائه عليهم ) والمراد بالأرباب الموقوف عليهم ( أو يخاف من وقوع خلف بينهم يؤدّى ) ذلك الخوف ( إلى فساده ) وهلاك الوقف ( فإنه حينئذ يجوز بيعه وصرف ثمنه في مصالحهم على حسب استحقاقهم ) فمن يستحق من الوقف الثلث ، يأخذ ثلث الثمن ، ومن يستحق الربع يأخذ ربعه ، وهكذا ( فإن لم يحصل شيء من ذلك ) المجوز للبيع ( لم يجز بيعه على وجه من الوجوه ) كالتبديل بالأحسن ، والصرف في الأفضل ( ولا يجوز هبة الوقف ، ولا الصدقة به أيضا ) كما لا يجوز بيعه .

( وحكى عن المختلف وجماعة نسبة التفصيل ) بين المؤبد ، فلا يجوز بيعه ، وبين غير المؤبّد ، فيجوز بيعه ( إلى الحلبي ، لكن العبارة المحكية عن كافيه لا تساعده ) اى لا تدل على التفصيل المذكور ( بل ربما استظهر منه ) اى من الحلبي في الكافي ( المنع على الاطلاق ) سواء كان الوقف مؤبدا ، أو غير مؤبد ( فراجع ) الكافي .

ص: 387

وحكى التفصيل المذكور عن الصدوق والمحكى عن الفقيه أنه قال بعد رواية علي بن مهزيار الآتية : ان هذا وقف كان عليهم دون من بعدهم ، ولو كان عليهم وعلى أولادهم ما تناسلوا ومن بعد على فقراء المسلمين ، إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها ، لم يجز بيعه ابدا

ثم إن جواز بيع ما عدا الطبقة الأخيرة في المنقطع لا يظهر من كلام الصدوق ، والقاضي ، كما لا يخفى .

_________________________

( وحكى التفصيل المذكور ) بين المؤبد وغيره ( عن الصدوق والمحكى عن ) كتاب ( الفقيه أنه قال بعد رواية علي بن مهزيار الآتية : ان هذا ) اى جواز البيع ( وقف كان عليهم دون من بعدهم ) ولذا جاز بيعه ( ولو كان عليهم وعلى أولادهم ما تناسلوا ومن بعد ) على تقدير انقراض الأولاد ( على فقراء المسلمين ، إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها ، لم يجز بيعه ابدا ) .

ومن المعلوم ان هذا تفصيل بين الوقف المؤبّد ، وغيره .

( ثم إن جواز بيع ما عدا الطبقة الأخيرة ) وهي الطبقة التي نص الواقف عليهم في الأخير ، فإنه لو قال : على أولادي الصلبيين ، ثم على أولادهم الصلبيين ، كانت الطبقة الأخيرة أولاد الأولاد ، وما عدا الطبقة الأخيرة هم قبل الطبقة الأخيرة كالأولاد الصلبيين في المثال ( في ) الوقف ( المنقطع ) لا المؤبّد ( لا يظهر من كلام الصدوق ، والقاضي ) لأنهما حكما بجواز بيع الطبقة الأخيرة فقط ، اما غير الطبقة الأخيرة فلم يتعرضا له ( كما لا يخفى ) .

ص: 388

ثم إن هؤلاء ان كانوا ممن يقول برجوع الوقف المنقطع إلى ورثة الموقوف عليه فللقول بجواز بيعه وجه .

اما إذا كان فيهم من يقول برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إلى الواقف ، أو ورثته فلا وجه للحكم بجواز بيعه ، وصرف الموقوف عليهم ثمنه في مصالحهم .

وقد حكى القول بهذين عن القاضي

_________________________

( ثم إن هؤلاء ) الذين أجازوا بيع الطبقة الأخيرة ( ان كانوا ممن يقول برجوع الوقف المنقطع إلى ورثة الموقوف عليه ) فلو وقف زيد داره على عمرو ، ثم مات عمرو رجع الوقف إلى ورثة عمرو ( فللقول بجواز بيعه ) بان يبيعه الطبقة الأخيرة ( وجه )

( اما إذا كان فيهم من يقول برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه ) وموتهم ( إلى الواقف ، أو ورثته ) كورثة زيد في المثال ، لان زيدا لم يخرجه عن ملكه ، الا بمقدار بقائه عند الموقوف عليه ، فإذا مات الموقوف عليه ، رجع إلى الواقف أو ورثته ( فلا وجه للحكم بجواز بيعه ) بان ببيعه الطبقة الأخيرة ( وصرف الموقوف عليهم ثمنه في مصالحهم ) لأنه ليس عائدا إليهم .

( وقد حكى القول بهذين ) القولين ، اى القول بجواز بيع الطبقة الأخيرة وصرفه في مصالحهم ، والقول بعدم الجواز ( عن القاضي ) وكأنه قال بهذين القولين في مكانين ، فقد حصل له اختلاف الرأي في المسألة .

ص: 389

الا ان يوجه بأنه لا يقول ببقائه على ملك الواقف حتى يكون حبسا بل هو وقف حقيقي ، وتمليك للموقوف عليهم مدة وجودهم ، وحينئذ فبيعهم له مع تعلق حق الواقف نظير بيع البطن الأول ، مع تعلق حق سائر البطون في الوقف المؤبّد .

لكن هذا الوجه لا يدفع الاشكال عن الحلبي المحكى عنه القول المتقدم ،

_________________________

والظاهر أن الفسخ التي عندي خطاء والصحيح : بهذا ،

والمراد به : جواز بيع الطبقة الأخيرة وصرفه في مصالحهم بقرينة قوله : ( الا ان يوجه ) اى القول بجواز بيع الطبقة الأخيرة لأنفسهم ( بأنه ) اى القاضي ( لا يقول ببقائه ) اى الوقف ( على ملك الواقف ) اى بعد ان وقف ( حتى يكون حبسا ) ويكون مالكه الواقف ( بل هو وقف حقيقي ، وتمليك للموقوف عليهم مدة وجودهم ، وحينئذ ) الّذي كانوا هم الملاك ( فبيعهم له مع تعلق حق الواقف ) الحق الّذي هو عبارة عن انه إذا انقرض الموقوف عليه عاد ملكا للواقف ، انما هو ( نظير بيع البطن الأول مع تعلق حق سائر البطون في الوقف المؤبد ) كما يقول به المشهور في الموارد المستثناة .

فكما انه لا ينافي كونه متعلقا لحقوق البطون بيع البطن الموجود واكل ثمنه وذلك لإجازة الشارع كذلك في ما نحن فيه .

( لكن هذا الوجه ) الّذي وجهنا به عدم المنافاة بين بيع البطن وتعلق حق الواقف ( لا يدفع الاشكال عن الحلبي المحكى عنه القول المتقدم

ص: 390

حيث إنه يقول : ببقاء الوقف مطلقا على ملك الواقف .

الثالث : الخروج عن عموم المنع ، والحكم بالجواز في المؤبد في الجملة .

واما المنقطع فلم ينصّوا عليه وان ظهر من بعضهم التعميم ، ومن بعضهم التخصيص ، بناء على قوله برجوع المنقطع إلى ورثة الواقف ، كالشيخ ، وسلّار قدس سرهما .

_________________________

حيث إنه يقول : ببقاء الوقف مطلقا ) المؤبّد وغيره ( على ملك الواقف ) إذ كيف يمكن على هذا القول إن يبيع الملك البطن ويأكل ثمنه ، مع أنه ملك لغيره - الّذي هو الواقف - .

( الثالث ) من موارد الاستثناء ( الخروج عن عموم المنع ) اى المنع عن بيع الوقف ( والحكم بالجواز ) عطف على الخروج ( في ) الوقف ( المؤبّد في الجملة ) بشرائط خاصة .

( واما ) الوقف ( المنقطع ) كما لو وقف على زيد وذريته ، ثم انقطعوا ( فلم ينصّوا عليه ) وانّه هل يجوز بيعه ، أم لا ؟ ( وان ظهر من بعضهم التعميم ) وان المنقطع كالمؤبد في جواز بيعه ( ومن بعضهم التخصيص ) اى ان جواز البيع خاص بالوقف المؤبّد ، لا المنقطع .

وانما لم يجيزوا بيع المنقطع ( بناء على قوله ) اى قول المخصص ( برجوع المنقطع إلى ورثة الواقف ) فلا يجوز للموقوف عليه بيعه ( كالشيخ وسلار قدس سرهما ) .

ص: 391

ومن حكم برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إلى وجوه البرّ كالسيد أبى المكارم ابن زهرة فلازمه جعله كالمؤبّد .

وكيف كان فالمناسب أوّلا نقل عبائر هؤلاء .

فنقول : قال المفيد في المقنعة : الوقوف في الأصل صدقات لا يجوز الرجوع فيها ، الا ان يحدث الموقوف عليهم ما يمنع الشرع من معونتهم ،

و

_________________________

( ومن حكم برجوعه ) اى الوقف ( بعد انقراض الموقوف عليه إلى وجوه البرّ ) والخيرات ، فإنه لا يجوز بيع الموقوف عليه بالوقف ( كالسيد أبى المكارم ابن زهرة ) .

وقوله : ومن ، مبتداء خبره قوله ( فلازمه ) اى لازم هذا القول ( جعله كالمؤبد ) لا كالمنقطع إذ لا انقطاع بنظر هذا القائل ، بل المؤبد يرجع إلى الله بعد انقراض البشر ، وهذا يرجع إلى الصرف في سبل الله تعالى بعد انقراض طبقة خاصة .

( وكيف كان ) الامر ، سواء قلنا بجواز البيع لكل وقف ، أو خصصنا الجواز بالمؤبّد ( فالمناسب أوّلا نقل عبائر هؤلاء ) حتى يتضح مرادهم .

( فنقول : قال المفيد في المقنعة : الوقوف في الأصل ) الّذي شرعه الاسلام ، - وهذا الأصل باق لا يجوز الخروج عنه الا بدليل خاص - ( صدقات ) سمّى الوقف بها في الأحاديث لأجل ان الوقف تصديق لثواب الله كما أن سائر الصدقات كذلك ( لا يجوز الرجوع فيها ) بارجاع الوقف ملكا ( الا ان يحدث الموقوف عليهم ما يمنع الشرع من معونتهم ) اى اعانتهم ( و ) يمنع الشرع

ص: 392

التقرب إلى الله بصلتهم ، أو يكون تغيير الشرط في الموقوف أعود عليهم وانفع لهم من تركه على حاله .

وإذا اخرج الواقف الوقف عن يده إلى من وقف عليه لم يجز له الرجوع في شيء منه ، ولا تغيير شرائطه ، ولا نقله عن وجوهه وسبله .

ومتى اشترط الواقف في الوقف انه متى احتاج إليه في حياته ، لفقر كان له بيعه وصرف ثمنه في مصالحه

_________________________

( التقرب إلى الله بصلتهم ) كما لو انقلب الموقوف عليه كافرا حربيا ، أو ثائرا ضد الإمام عليه السلام ، أو ما أشبه ذلك ( أو يكون تغيير الشرط في الموقوف ) بان يغير البستان الموقوف على الطبقة إلى دور لسكناهم ( أعود عليهم ، وانفع لهم من تركه على حاله ) .

مثلا : كان جعل البستان دورا لسكناهم يسوى كل سنة ألف دينار بينما بقائه بستانا لا يعطى في السنة الا عشرين دينارا .

( وإذا اخرج الواقف الوقف عن يده إلى من وقف عليه ) كما لو سلّم المدرسة إلى الطلاب ( لم يجز له الرجوع في شيء منه ) بان يرجع بعضه إلى نفسه ( ولا تغيير شرائطه ) اى الخصوصيات التي اخذها في الوقف كان وقفه على الذكور ، ثم أراد تشريك الإناث معهم ، أو بالعكس ( ولا نقله عن وجوهه وسبله ) كان وقفه على الطلاب ، ثم أراد ان يكون وقفا على الزوار .

( ومتى اشترط الواقف في الوقف انه متى احتاج إليه في حياته ، لفقر ، كان له بيعه ) « كان » جواب : متى ، ( وصرف ثمنه في مصالحه

ص: 393

جاز له فعل ذلك ، وليس لأرباب الوقف بعد وفات الواقف ان يتصرفوا فيه ببيع ، أو هبة ، أو يغيروا شيئا من شروطه ، الا ان يخرب الوقف ولا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان ، أو غيره ، أو يحصل بحيث لا يجدى نفعا فلهم حينئذ بيعه ، والانتفاع بثمنه ، وكذلك ان حصلت لهم ضرورة إلى ثمنه كان لهم حله ، ولا يجوز ذلك مع عدم ما ذكرنا من الأسباب والضرورات ، انتهى كلامه ره .

وقد استفاد من هذا الكلام في غاية المراد تجويز بيع الوقف في خمسة

_________________________

جاز له فعل ذلك ) عند وجود الشرط ، و : أجاز ، جواب : ان ، ( وليس لأرباب الوقف بعد وفات الواقف ان يتصرفوا فيه ببيع ، أو هبة ، أو يغيروا شيئا من شروطه ) التي جعلها الواقف .

وقوله : بعد وفات الواقف قيد غالبي ، مثل : اللاتي في حجوركم ، والا فليس لهم ذلك أيضا في حال حياة الواقف ( الا ان يخرب الوقف ولا يوجد من يراعيه بعمارة ) واصلاح ( من سلطان ، أو غيره ) بيان : من ، ( أو يحصل ) الخراب ( بحيث لا يجدى نفعا ) وان رمم ، وعمر ( فلهم ) اى لأرباب الوقف ( حينئذ بيعه ، والانتفاع بثمنه ، وكذلك ان حصلت لهم ضرورة إلى ثمنه ) كما لو اضطروا إلى الثمن لعلاج مريض خطير ، أو ما أشبه ذلك ( كان لهم حله ) اى حل الوقف بالبيع ، والانتفاع بالثمن ( ولا يجوز ذلك ) البيع ( مع عدم ما ذكرنا من الأسباب والضرورات ، انتهى كلامه ) اى المفيد ( ره ) .

( وقد استفاد من هذا الكلام في غاية المراد تجويز بيع الوقف في خمسة

ص: 394

مواضع ،

وضم صورة جواز الرجوع ، وجواز تغيير الشرط إلى المواضع الثلاثة المذكورة بعد وصول الموقوف إلى الموقوف عليهم ، ووفات الواقف ، فلاحظ وتأمل .

_________________________

مواضع ) .

وهي : 1 - « الا ان يحدث » .

2 - و « أو يكون تغيير الشرط » .

3 - و « وان اشترط الواقف » .

4 - و « الا ان يخرب الوقف » .

5 - و « وان حصلت لهم ضرورة » .

( وضم ) الشهيد ( صورة جواز الرجوع ، وجواز تغيير الشرط ) فيما كانا قبل تمام الوقف ، بالقبض والاقباض ( إلى المواضع الثلاثة المذكورة بعد وصول الموقوف إلى الموقوف عليهم ، ووفات الواقف ) .

والمراد بالمواضع الثلاثة ( الا ان يخرب ) و « أو يحصل » و « كذلك ان حصلت » .

ولا يخفى ان هذا الكلام من المصنف لا ينافي ما ذكره الشهيد من أن المواضع خمسة ، إذ هي خمسة باعتبار ، وستة باعتبار ، فتأمل ( فلاحظ ) كلام الشهيد ( وتأمل ) فيه .

فان قبل تمام الوقف لا يصح جعله مستثنى ، إذ الاستثناء انما يصح بعد تمام الوقف .

ص: 395

ثم إن العلامة ذكر في التحرير ان قول المفيد ره ، بأنه لا يجوز الرجوع في الوقف الا ان يحدث - إلى قوله - انفع لهم من تركه على حاله ، متأول .

ولعله من شدة مخالفته للقواعد لم يرتض بظاهره للمفيد .

وقال في الانتصار على ما حكى عنه ، ومما انفردت الإمامية به القول بان الوقف متى حصل له الخراب ، بحيث لا يجدى نفعا جاز - لمن هو وقف عليه - بيعه ، والانتفاع بثمنه ، وان أرباب الوقف متى دعتهم ضرورة شديدة إلى ثمنه

_________________________

( ثم إن العلامة ذكر في التحرير ان قول المفيد ره ، بأنه لا يجوز الرجوع في الوقف الا ان يحدث - إلى قوله - انفع لهم من تركه على حاله ، متأول ) اى إلى صورة عدم الانتفاع بالوقف لخراب ، أو شبهه .

والا لو صح هذا الكلام على اطلاقه لزم صحة تغيير كل وقف .

( ولعله ) اى لعل كلام العلامة في ان كلام المفيد متأول ( من ) جهة ( شدة مخالفته للقواعد ) الدالة على عدم صحة بيع الوقف ( لم يرتض بظاهره ) اى بظاهر هذا الكلام ( للمفيد ) .

( وقال ) السيد المرتضى ( في الانتصار على ما حكى عنه ، ومما انفردت الإمامية به القول بان الوقف متى حصل له الخراب ، بحيث لا يجدى نفعا جاز - لمن هو ) اى الوقف ( وقف عليه - ) اى الموقوف عليه ( بيعه ) فاعل : جاز ( والانتفاع بثمنه ، وان أرباب الوقف متى دعتهم ضرورة شديدة إلى ثمنه ) لا ما يسمى في العرف بالضرورة .

ص: 396

جاز لهم بيعه ، ولا يجوز لهم ذلك مع فقد الضرورة .

ثم احتج باتفاق الامامية ، ثم ذكر خلاف ابن الجنيد ، ورده بكونه مسبوقا وملحوقا بالاجماع ، وانه انما عول في ذلك على ظنون له ، وحسبان واخبار شاذة لا يلتفت إلى مثلها ، انتهى .

ثم قال : واما إذا صار الوقف بحيث لا يجدى نفعا ، أودعت أربابه الضرورة إلى ثمنه ، لشدة فقرهم ، فالأحوط ما ذكرناه من جواز بيعه .

_________________________

إذ الضرورة الشرعية أخص من الضرورة العرفية ، كما لا يخفى .

فحينئذ ( جاز لهم بيعه ، و ) لكن ( لا يجوز لهم ذلك ) البيع ( مع فقد الضرورة )

( ثم احتج ) السيد ( باتفاق الامامية ) على جواز البيع في هذه الصور ( ثم ذكر خلاف ابن الجنيد ) وانه لا يجوز بيع الوقف اطلاقا ( ورده بكونه مسبوقا وملحوقا بالاجماع ، وانه ) اى ابن الجنيد ( انما عول في ذلك ) المنع عن البيع ( على ظنون له ، وحسبان ) عطف بيان للظن ( واخبار شاذة ) اطلاقها يدل على المنع عن البيع ( لا يلتفت إلى مثلها ، انتهى ) كلام السيد .

( ثم قال ) السيد ( واما إذا صار الوقف بحيث لا يجدى نفعا ، أودعت أربابه الضرورة إلى ثمنه ، لشدة فقرهم ، فالأحوط ما ذكرناه من جواز بيعه )

والمراد بالاحتياط الحيطة على الوقف ، حتى لا يتلف - في الأول - والحيطة على الأرباب حتى لا يقعوا في عسر وحرج - في الثاني - .

ص: 397

لأنه انما جعل لمنافعهم ، فإذا بطلت منافعهم منه فقد انتقض الغرض عنه ، ولم يبق منفعة فيه الا من الوجه الّذي ذكرناه ، انتهى ره .

وقال في المبسوط : وانما يملك الموقوف عليه بيعه على وجه عندنا وهو انه إذا خيف على الوقف الخراب ، أو كان بأربابه حاجة شديدة ، ولا يقدرون على القيام به فحينئذ يجوز لهم بيعه ، ومع عدم ذلك لا يجوز بيعه ، انتهى .

ثم احتج على ذلك بالاخبار ، وقال سلار فيما حكى عنه : ولا يخلو الحال في الوقف والموقوف عليهم من أن يبقى ويبقوا على الحال التي وقف

_________________________

( لأنه ) اى الوقف ( انما جعل لمنافعهم ، فإذا بطلت منافعهم منه ) اى من الوقف ( فقد انتقض الغرض عنه ، ولم يبق منفعة فيه الا من الوجه الّذي ذكرناه ) اى البيع ( انتهى ) كلام السيد ( ره ) .

( وقال ) الشيخ ( في المبسوط : وانما يملك الموقوف عليه بيعه ) اى يجوز لهم بيع الوقف ( على وجه ) اى بعض الصور فقط ( عندنا ) معاشر الامامية ( وهو انه إذا خيف على الوقف الخراب ، أو كان بأربابه حاجة شديدة ، ولا يقدرون على القيام به ) اى بالوقف أو بما احتاجوه واضطروا إليه ، وارجاع ضمير المذكر إلى الحاجة على التأويل ( فحينئذ يجوز لهم بيعه ، ومع عدم ذلك ) المجوز للبيع ( لا يجوز بيعه ، انتهى ) كلام المبسوط .

( ثم احتج على ذلك ) الجواز في الصور المذكورة ( بالاخبار ، وقال سلار فيما حكى عنه : ولا يخلو الحال في الوقف والموقوف عليهم من أن يبقى ) الوقف ( ويبقوا على الحال التي وقف )

ص: 398

فيها ، أو يتغير الحال ، فإن لم يتغير الحال ، فلا يجوز بيع الموقوف عليهم الوقف ولا هبته ، ولا تغيير شيء من أحواله ، وان تغير الحال في الوقف حتى لا ينتفع به على اى وجه كان ، أو لحق الموقوف عليهم حاجة شديدة ، جاز بيعه وصرف ثمنه فيما هو انفع لهم ، انتهى .

وقال في الغنية على ما حكى عنه : ويجوز عندنا بيع الوقف للموقوف عليه إذا صار بحيث لا يجدى نفعا ، وخيف خرابه ، أو كانت بأربابه حاجة شديدة دعتهم الضرورة إلى بيعه ، بدليل اجماع الطائفة ، ولان غرض الواقف انتفاع الموقوف عليه ، فإذا

_________________________

( فيها ) اى في تلك الحال ( أو يتغير الحال ) اى حال الوقف أو حالهم ( فإن لم يتغير الحال ، فلا يجوز بيع الموقوف عليهم الوقف ) الوقف مفعول : بيع ، ( ولا هبته ، ولا تغيير شيء من أحواله ، وان تغير الحال في الوقف حتى لا ينتفع به على اى وجه كان ) كما لو كان بستانا ، فلم ينتفع به مع وصف بقائه بستانا ، ولا أمكن تبديله إلى دار ، أو دكان ، أو حمام أو ما أشبه ، ينتفع به الموقوف عليهم ( أو لحق الموقوف عليهم حاجة شديدة ، جاز بيعه وصرف ثمنه فيما هو انفع لهم ) كان يشتروا مكانه بستانا آخر - مثلا - ( انتهى ) .

( وقال في الغنية على ما حكى عنه : ويجوز عندنا بيع الوقف للموقوف عليه إذا صار بحيث لا يجدى نفعا ، وخيف خرابه ، أو كانت بأربابه حاجة شديدة دعتهم الضرورة إلى بيعه ، بدليل اجماع الطائفة ) على جواز البيع في هذه الصور ( ولان غرض الواقف انتفاع الموقوف عليه فإذا

ص: 399

لم يبق له منفعة الا على الوجه الّذي ذكرنا ، جاز ، انتهى .

وقال في الوسيلة : ولا يجوز بيعه - يعنى الوقف - الا بأحد شرطين ، الخوف من خرابه ، أو حاجة بالموقوف عليه شديدة لا يمكنه معها القيام به ، انتهى .

وقال الراوندي في فقه القرآن على ما حكى عنه : وانما يملك بيعه على وجه عندنا ، وهو إذا خيف على الوقف الخراب ، أو كان بأربابه حاجة شديدة .

وقال في الجامع على ما حكى عنه : فان خيف خرابه ، أو كان بهم

_________________________

لم يبق له منفعة الا على الوجه الّذي ذكرنا ، جاز ) البيع ( انتهى ) .

( وقال في الوسيلة : ولا يجوز بيعه - يعنى الوقف - الا بأحد شرطين ، الخوف من خرابه ، أو حاجة بالموقوف عليه شديدة ) صفة حاجة ( لا يمكنه معها ) اى مع تلك الحاجة ( القيام به ) اى بشأن الوقف ، فان الانسان المضطر الحال لا يتمكن من القيام بإدارة الأمور ، أو الضمير في به يعود إلى ما يحتاجه الموقوف عليه ، فالمعنى لا يمكنه مع الحاجة قيام الوقف بتلك الحاجة ( انتهى ) .

( وقال الراوندي في فقه القرآن على ما حكى عنه : وانما يملك ) الموقوف عليه ( بيعه ) اى الوقف ( على وجه ) واحد من وجهين ( عندنا ، وهو إذا خيف على الوقف الخراب ، أو كان بأربابه حاجة شديدة ) .

( وقال في الجامع على ما حكى عنه : فان خيف خرابه ، أو كان بهم

ص: 400

حاجة شديدة ، أو خيف وقوع فتنة لهم تستباح بها الأنفس جاز بيعه ، انتهى .

وعن النزهة : لا يجوز بيع الوقف الا ان يخاف هلاكه ، أو يؤدّى المنازعة فيه بين أربابه إلى ضرر عظيم ، أو يكون فيهم حاجة عظيمة شديدة ويكون بيع الوقف اصلح لهم ، انتهى .

وقال في الشرائع ولا يصح بيع الوقف ما لم يؤد بقائه إلى خرابه لخلف بين أربابه ويكون البيع أعود .

وقال في كتاب الوقف : ولو وقع بين الموقوف عليه خلف بحيث يخشى

_________________________

حاجة شديدة ، أو خيف وقوع فتنة لهم ) اى بينهم ( تستباح بها الأنفس ) بالقتل والهتك وما أشبه ( جاز بيعه ، انتهى ) .

( وعن النزهة : لا يجوز بيع الوقف الا ان يخاف هلاكه ، أو يؤدّى المنازعة فيه ) اى في الوقف ( بين أربابه إلى ضرر عظيم ، أو يكون فيهم حاجة عظيمة شديدة ويكون بيع الوقف اصلح لهم انتهى ) .

والظاهر : ان كل هذه الأمور مشروط عنده في الجواز لا انها على سبيل منع الخلو ، وذلك لظهور الواو في الجمع .

( وقال في الشرائع ) في كتاب البيع ( ولا يصح بيع الوقف ما لم يؤد بقائه إلى خرابه لخلف بين أربابه ) إذ لولا الخلف ، لقاموا جميعا بعمارته ( ويكون البيع أعود ) اى انفع لهم من بقائه وقفا .

( وقال ) الشرائع أيضا ( في كتاب الوقف : ولو وقع بين الموقوف عليه خلف بحيث يخشى ) بسبب خلفهم

ص: 401

خرابه ، جاز بيعه ، ولو لم يقع خلف ولا خشي خرابه ، بل كان البيع انفع لهم ، قيل يجوز بيعه ، والوجه المنع ، انتهى .

ومثل عبارة الشرائع في كتابي البيع والوقف عبارة القواعد في الكتابين .

وقال في التحرير : لا يجوز بيع الوقف بحال ولو انهدمت الدار لم تخرج العرصة عن الوقف ، ولم يجز بيعها ، ولو وقع خلف بين أرباب الوقف بحيث يخشى خرابه ، جاز بيعه على ما رواه أصحابنا .

ثم ذكر كلام ابن إدريس وفتواه على المنع مطلقا وتنزيله قول بعض

_________________________

( خرابه ، جاز بيعه ، ولو لم يقع خلف ولا خشي خرابه ، بل كان البيع انفع لهم ) لان منفعته قائما ، أقل من منفعته مبيعا ( قيل يجوز بيعه ، والوجه ) عند المحقق ( المنع ، انتهى ) .

( ومثل عبارة الشرائع في كتابي البيع والوقف عبارة القواعد في الكتابين ) البيع والوقف .

( وقال ) العلامة ( في التحرير : لا يجوز بيع الوقف بحال ) من الأحوال ( ولو انهدمت الدار ) الموقوفة ( لم تخرج العرصة عن الوقف ولم يجز بيعها ) بل تبقى وقفا ينتفع بها في هذا الحال ( ولو وقع خلف بين أرباب الوقف بحيث يخشى خرابه ) إذا بقي على حاله ( جاز بيعه على ما رواه أصحابنا ) .

( ثم ذكر كلام ابن إدريس وفتواه على المنع مطلقا ) في جميع الصور ( وتنزيله ) اى ابن إدريس ( قول بعض

ص: 402

الأصحاب بالجواز على المنقطع ، ونفيه الخلاف على المنع في المؤبد .

ثم قال : ولو قيل بجواز البيع إذا ذهب منافعه بالكلية ، كدار انهدمت وعادت مواتا ، ولم يتمكن من عمارتها ويشترى بثمنه ما يكون وقفا ، كان وجيها ، انتهى .

وقال في بيع التحرير : ولا يجوز بيع الوقف ما دام عامرا ، ولو أدى بقائه إلى خرابه جاز وكذا يباع لو خشي وقوع فتنة بين أربابه مع بقائه على الوقف انتهى .

_________________________

الأصحاب بالجواز على ) الوقف ( المنقطع ) كما لو وقف على أولاده الصلبيين فقط ( ونفيه ) اى ابن إدريس عطف على : تنزيله ، ( الخلاف على المنع ) عن البيع ( في ) الوقف ( المؤبد ) .

( ثم قال : ) التحرير ( ولو قيل : بجواز البيع إذا ذهب منافعه ) اى منافع الوقف ( بالكلية ، كدار انهدمت وعادت مواتا ، ولم يتمكن من عمارتها ) « من » زيادة للتأكيد ( ويشترى بثمنه ما يكون وقفا ، كان ) هذا القول ( وجيها ) صحيحا ( انتهى ) .

( وقال في بيع التحرير : ولا يجوز بيع الوقف ما دام عامرا ، ولو أدى بقائه إلى خرابه ) لعدم من يقوم بعمارته ( جاز ) البيع ( وكذا يباع لو خشي وقوع فتنة بين أربابه مع بقائه على الوقف ) .

والمراد بالخشية التي هي طريق عقلائي إلى الواقع لا مجرد خشية لا سند لها من العرف - كما لا يخفى - ( انتهى ) .

ص: 403

وعن بيع الارشاد : لا يصح بيع الوقف الا ان يخرب ، أو يؤدى إلى الخلف بين أربابه على رأى .

وعنه في باب الوقف : لا يصح بيع الوقف ، الا ان يقع بين الموقوف عليه خلف ويخشى به الخراب .

وقال في التذكرة في كتاب الوقف على ما حكى عنه : والوجه ان يقال : يجوز بيع الوقف مع خرابه وعدم التمكن من عمارته ، أو خوف فتنة بين أربابه يحصل باعتبارها فساد ، انتهى .

وقال في كتاب البيع : لا يصح بيع الوقف لنقص الملك فيه إذ القصد منه

_________________________

( وعن بيع الارشاد : لا يصح بيع الوقف الا ان يخرب ) ولا عامر له ( أو يؤدى إلى الخلف بين أربابه على رأى ) بعض الفقهاء .

( وعنه ) اى الارشاد ( في باب الوقف : لا يصح بيع الوقف ، الا ان يقع بين الموقوف عليه خلف ويخشى به ) اى بسبب الخلف ( الخراب ) إذ الخلاف يوجب عدم اعتنائهم لتعميره .

( وقال في التذكرة في كتاب الوقف على ما حكى عنه : والوجه ان يقال : يجوز بيع الوقف مع خرابه وعدم التمكن من عمارته ، أو خوف فتنة بين أربابه يحصل باعتبارها ) اى بسبب تلك الفتنة ( فساد ) من سفك دم أو مشاحنات ، أو هدر أموال ، أو ما أشبه ( انتهى ) .

( وقال في كتاب البيع : لا يصح بيع الوقف لنقص الملك فيه ) اى ليست للوقف ملكية تامة بحيث يمكن بيعه ( إذ القصد منه ) اى من الوقف

ص: 404

التأبيد .

نعم لو كان بيعه أعود عليهم لوقوع خلف بين أربابه ، وخشي تلفه ، أو ظهور فتنة بسببه ، جوز أكثر علمائنا بيعه ، انتهى .

وقال في غاية المراد : يجوز بيعه في موضعين خوف الفساد ، بالاختلاف .

وإذا كان البيع أعود ، مع الحاجة .

وقال في الدروس : لا يجوز بيع الوقف الا إذا خيف من خرابه ، أو خلف أربابه المؤدى إلى فساده .

وقال في اللمعة لو أدى بقائه إلى خرابه لخلف أربابه ، فالمشهور الجواز انتهى .

_________________________

( التأبيد ) اى ان يكونا أبديا .

( نعم لو كان بيعه أعود عليهم لوقوع خلف بين أربابه ، وخشي تلفه أو ظهور فتنة بسببه ) اى بسبب الوقف ( جوز أكثر علمائنا بيعه انتهى )

( وقال : في غاية المراد يجوز بيعه ) اى الوقف ( في موضعين ) .

الأول : ( خوف الفساد ، ب ) سبب ( الاختلاف ) .

( و ) الموضع الثاني ( إذا كان البيع أعود ) اى انفع للموقوف عليه ( مع الحاجة ) لهم إلى ثمنه .

( وقال في الدروس : لا يجوز بيع الوقف الا إذا خيف من خرابه ، أو خلف أربابه المؤدى إلى فساده ) اى فساد الوقف بالتلف ونحوه .

( وقال في اللمعة لو أدى بقائه إلى خرابه لخلف أربابه ، فالمشهور الجواز ، انتهى ) .

ص: 405

وقال في تلخيص الخلاف على ما حكى عنه : ان لأصحابنا في بيع الوقف أقوال متعددة ، اشهرها جوازه إذا وقع بين أربابه خلف ، وفتنة ، وخشي خرابه ولا يمكن سد الفتنة بدون بيعه ، وهو قول الشيخين واختاره نجم الدين والعلامة ، انتهى .

وقال في التنقيح على ما حكى عنه : إذا آل إلى الخراب ، لأجل الاختلاف ، بحيث لا ينتفع به أصلا جاز بيعه .

وعن تعليق الارشاد : يجوز بيعه إذا كان فساد يستباح فيه الأنفس .

وعن إيضاح النافع : انه جوز بيعه إذا اختلف أربابه اختلافا يخاف معه

_________________________

( وقال في تلخيص الخلاف على ما حكى عنه : ان لأصحابنا في بيع الوقف أقوال متعددة ، اشهرها جوازه إذا وقع بين أربابه خلف ، وفتنة وخشي خرابه ) من جراء تلك الفتنة ( ولا يمكن سد الفتنة بدون بيعه ، وهو قول الشيخين ) المفيد والطوسي ( واختاره نجم الدين ) المحقق ( والعلامة ، انتهى ) .

( وقال في التنقيح على ما حكى عنه : إذا آل ) وانتهى الوقف ( إلى الخراب ، لأجل الاختلاف ، بحيث لا ينتفع به أصلا ) ولو نفعا قليلا ( جاز بيعه ) .

( وعن تعليق الارشاد : يجوز بيعه ) اى الوقف ( إذا كان ) في بقائه ( فساد يستباح فيه الأنفس ) هتكا ودما وما أشبه .

( وعن إيضاح النافع : انه جوز بيعه إذا اختلف أربابه اختلافا يخاف معه

ص: 406

القتال ، ونهب الأموال ، ولم يندفع الا بالبيع ، قال : فلو أمكن زواله ، ولو بحاكم الجور لم يجز ، ولا اعتبار بخشية الخراب وعدمه انتهى .

ومثله الكلام المحكى عن تعليقه على الشرائع ، وقال في جامع المقاصد بعد نسبة ما في عبارة القواعد إلى موافقة الأكثر - ان المعتمد جواز بيعه في ثلاثة مواضع .

أحدها : إذا خرب واضمحل بحيث لا ينتفع به ، كحصر المسجد إذا اندرست وجذوعه إذا انكسرت .

ثانيها : إذا حصل خلف بين أربابه يخاف منه تلف الأموال ، ومستنده صحيحة علي بن مهزيار ، ويشترى بثمنه في

_________________________

القتال ، ونهب الأموال ، ولم يندفع ) هذا الفساد ( الا بالبيع ، قال :

فلو أمكن زواله ، ولو بحاكم الجور لم يجز ) البيع ( ولا اعتبار بخشية الخراب وعدمه ) فإنه لا يجوز البيع ولو خشي الخراب ( انتهى ) .

( ومثله الكلام المحكى عن تعليقه على الشرائع وقال في جامع المقاصد بعد نسبة ما في عبارة القواعد ) المتقدمة ( إلى موافقة الأكثر - ان المعتمد جواز بيعه في ثلاثة مواضع ) .

( أحدها : إذا خرب واضمحل بحيث لا ينتفع به ، كحصر المسجد إذا اندرست ) وبلى بحيث لا ينتفع به ( وجذوعه إذا انكسرت ) ولم ينتفع بكل قطعة منه .

( ثانيها : إذا حصل خلف بين أربابه يخاف منه تلف الأموال ، ومستنده ) اى البيع فيهما ( صحيحة علي بن مهزيار ، ويشترى بثمنه في

ص: 407

الموضعين ما يكون وقفا على وجه يندفع به الخلف تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الامكان ويتولى ذلك الناظر الخاص ان كان والا فالحاكم .

ثالثها : إذا لحق بالموقوف عليه حاجة شديدة ولم يكن ما يكفيهم من غلّة وغيرها ، لرواية جعفر بن حنان عن الصادق عليه السلام ، انتهى كلامه رفع مقامه .

وقال في الروضة : والأقوى في المسألة ما دل عليه صحيحة على ابن مهزيار عن أبي جعفر الجواد عليه السلام ، من جواز بيعه إذا وقع بين أربابه خلف شديد ، علّله عليه السلام بأنه ربما جاء فيه تلف الأموال

و

_________________________

الموضعين ما يكون وقفا على وجه يندفع به الخلف ) اى لا يشترى به شيء لا ينتفع به لأنه خلاف وجه البيع بل اللازم اشتراء شيء نافع ( تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الا مكان ) فان مطلوب الواقف النفع ، فإذا لم يحصل بالعين حصل بالبدل ( ويتولى ذلك ) التبديل ( الناظر الخاص ) للوقف ( ان كان ) له ناظر خاص ( والا فالحاكم ) .

( ثالثها : إذا لحق بالموقوف عليه حاجة شديدة ولم يكن ما يكفيهم من غلّة وغيرها ، لرواية جعفر بن حنان عن الصادق عليه السلام ) كما سيأتي ( انتهى كلامه رفع مقامه ) .

( وقال في الروضة : والأقوى في المسألة ما دل عليه صحيحة على ابن مهزيار عن أبي جعفر الجواد عليه السلام ، من جواز بيعه إذا وقع بين أربابه خلف شديد ، علّله عليه السلام ) اى جواز البيع حينئذ ( بأنه ربما جاء فيه تلف الأموال

ص: 408

النفوس ، وظاهر ان خوف أدائه إليهما وإلى أحدهما ليس بشرط بل هو مظنة لذلك .

قال : ولا يجوز بيعه في غير ما ذكرناه وان احتاج إليه أرباب الوقف ، ولم يكفهم غلته ، أو كان أعود ، أو غير ذلك ، مما قيل ، لعدم دليل صالح عليه ، انتهى ونحوه ما عن الكفاية .

هذه جملة من كلماتهم المرئية أو المحكية ، والظاهر : ان المراد بتأدية بقاء الوقف إلى خرابه حصول الظن بذلك الموجب لصدق الخوف

_________________________

النفوس ، وظاهر ) لدى الفهم العرفي من العبارة المذكورة ( ان خوف أدائه ) اى أداء بقاء الوقف ( إليهما ) إلى تلف الأموال والنفوس ( والى أحدهما ليس بشرط ) فلا يلزم الخوف الفعلي ( بل هو ) اى الخلف ( مظنة لذلك ) فان الخلف الشديد غالبا ينتهى إلى المذكور ، سواء خاف أحد ذلك ، أم لا

( قال : ولا يجوز بيعه في غير ما ذكرناه ) من الخلف الشديد ( وان احتاج إليه أرباب الوقف ، ولم يكفهم غلته ، أو كان ) البيع ( أعود ) اى انفع ( أو غير ذلك ، مما قيل ) بجواز البيع لدى حصول تلك الأمور ( لعدم دليل صالح عليه ) اى على جواز البيع حينذاك ( انتهى ) كلام الروضة ( ونحوه ما عن الكفاية ) للسبزواري .

( هذه جملة من كلماتهم المرئية ) التي رأيناها في كتبهم ( أو المحكية والظاهر ) لدى الفهم العرفي ( ان المراد بتأدية بقاء الوقف إلى خرابه حصول الظن بذلك ) ظنّا نوعيا ( الموجب ) ذلك الظن ( لصدف الخوف ،

ص: 409

لا التأدية على وجه القطع .

فيكون عنوان التأدية في بعض تلك العبارات متحدا مع عنوان خوفها وخشيتها في بعضها الآخر .

ولذلك عبّر فقيه واحد تارة بهذا وأخرى بذلك ، كما اتفق للفاضلين والشهيد ، ونسب بعضهم عنوان الخوف إلى الأكثر ، كالعلامة في التذكرة ، وإلى الأشهر ، كما عن إيضاح النافع ، وآخر ، عنوان التأدية إلى الأكثر ، كجامع المقاصد ، أو إلى المشهور كاللمعة .

_________________________

لا التأدية على وجه القطع ) فلا يلزم ان نقطع انه إذا بقي ادّى البقاء إلى الخراب ، بل يكفى الظن النوعي لذلك .

( فيكون عنوان التأدية في بعض تلك العبارات متحدا مع عنوان خوفها ) اى خوف التأدية ( وخشيتها في بعضها الآخر )

( ولذلك ) الّذي يكون معنى العبارتين واحدا ( عبّر فقيه واحد تارة بهذا ) اى أدائه إلى خرابه ( وأخرى بذلك ) اى خوف أدائه إلى خرابه ( كما اتفق ) تعدد العبارة ( للفاضلين والشهيد ، ونسب بعضهم عنوان الخوف إلى الأكثر ، كالعلامة في التذكرة ، وإلى الأشهر ، كما عن إيضاح النافع ، و ) نسب ( آخر ، عنوان التأدية إلى الأكثر ، كجامع المقاصد ، أو إلى المشهور كاللمعة )

ومن الواضح : انه لولا فهم وحدة العبارتين « التأدية وخوف التأدية » لم يكن المشهور هذا تارة وذلك أخرى ، ولزم كذب احدى النسبتين .

ص: 410

فظهر من ذلك ، ان جواز البيع بظن تأدية بقائه إلى خرابه مما تحققت فيه الشهرة بين المجوزين لكن المتيقن عن فتوى المشهور ، ما كان من اجل اختلاف أربابه .

اللهم الا ان يستظهر من كلماتهم ، كالنصّ كون الاختلاف من باب المقدّمة وان الغاية المجوزة هي مظنّة الخراب .

إذا عرفت ما ذكرنا ، فيقع الكلام تارة في الوقف المؤبّد ، وأخرى في المنقطع .

اما الاوّل فالذي ينبغي ان يقال فيه : ان الوقف على قسمين ، أحدهما : ما

_________________________

( فظهر من ذلك ) الّذي ذكرنا من : ان المراد بالتأدية خوف الأداء ( ان جواز البيع بظن تأدية بقائه إلى خرابه مما تحققت فيه الشهرة بين المجوزين ) بيع الوقف ( لكن المتيقن عن فتوى المشهور ، ما كان ) الخوف ( من اجل اختلاف أربابه ) لا مطلق التأدية إلى الخراب .

( اللهم الا ان يستظهر من كلماتهم ، كالنصّ ) اى كما يستظهر من النصّ ( كون الاختلاف من باب المقدّمة ) لا انه سبب ( وان الغاية المجوزة ) للبيع ( هي مظنّة الخراب ) سواء كان ناشئا عن الاختلاف ، أم لا

( إذا عرفت ما ذكرنا ) من أن المعيار ظن الخراب لا غير ( فيقع الكلام ) في بيع الوقف ، ( تارة في الوقف المؤبّد ، وأخرى في ) الوقف ( المنقطع ) .

( اما الاوّل ) اى المؤبّد ( فالذي ينبغي ان يقال فيه : ان الوقف على قسمين ، أحدهما : ما

ص: 411

يكون ملكا للموقوف عليهم ، فيملكون منفعته فلهم استيجاره واخذ اجرته ممن انتفع به بغير حق ، .

والثاني : ما لا يكون ملكا لاحد بل يكون فكّ ملك ، نظير التحرير ، كما في المساجد والمدارس والربط ، بناء على القول بعدم دخولها في ملك المسلمين كما هو مذهب جماعة ، فان الموقوف عليهم انما يملكون الانتفاع دون المنفعة ، فلو سكنه أحد بغير حق ، فالظاهر أنه ليس عليه أجرة المثل .

_________________________

يكون ملكا للموقوف عليهم ، فيملكون منفعته ) فان من ملك شيئا ملك نفعه ( فلهم استيجاره واخذ اجرته ممن انتفع به بغير حق ) لأنه غاصب وصاحب الملك يحق له اخذ الأجرة من الغاصب .

( والثاني : ما لا يكون ملكا لاحد بل يكون فكّ ملك ، نظير التحرير ) في العبد الّذي هو فك ملك ( كما في المساجد والمدارس والربط ) جمع رباط محلّ نزول المسافرين ، سمى رباطا بعلامة الحال والمحل ، إذ المسافر يربط خيله هناك ( بناء على القول بعدم دخولها في ملك المسلمين ) والا هذا أيضا كان من القسم الأول ( كما هو مذهب جماعة ) من أن الأوقاف العامة أيضا هي ملك المسلمين ( فان الموقوف عليهم ) في المساجد والمدارس والربط وما أشبه ( انما يملكون الانتفاع ) كان يصلى في المسجد ( دون المنفعة ) اى ليس نفع هذه الأوقاف لاحد .

وفائدة ذلك يظهر مما ذكره بقوله : ( فلو سكنه أحد بغير حق ، فالظاهر أنه ليس عليه أجرة المثل ) اطلاقا ، بل لو قلنا : بان الحاكم

ص: 412

والظاهر : ان محل الكلام في بيع الوقف انما هو القسم الأول واما الثاني : فالظاهر عدم الخلاف في عدم جواز بيعه ، لعدم الملك .

وبالجملة : فكلامهم هنا فيما كان ملكا غير طلق ، لا فيما لم يكن ملكا ، وحينئذ فلو خرب المسجد وخربت القربة ، وانقطعت المارّة عن الطريق الّذي فيه المسجد ، لم يجز بيعه وصرف ثمنه في

_________________________

له ان يأخذ اجرة منه ، لم تكن الأجرة للطلاب والمصلين والمسافرين لأنهم لا يملكون المنفعة .

( والظاهر ) من العناوين المتعرضة لاختلاف أرباب الوقف ومن غير العناوين من القرائن المكتنفة بكلام الفقهاء ( ان محل الكلام في بيع الوقف انما هو القسم الأول واما ) القسم ( الثاني : فالظاهر عدم الخلاف في عدم جواز بيعه ، لعدم الملك ) وما ليس بملك ، كيف يمكن اجراء البيع عليه .

لكن لا يخفى ان بعض الروايات والكلمات مطلقة ، وتعليلهم بالقرب من غرض الواقف ، وما أشبه ذلك دليل العموم ، فلو صارت المدرسة خربة لا يمكن تعميرها ، أو لا ينتفع بها لهجرة الطلاب من ذلك البلد ، وأمكن بيعها وتبديلها إلى محل صالح ، كان مقتضى القاعدة :

الجواز .

( وبالجملة : فكلامهم هنا ) في باب بيع الوقف ( فيما كان ملكا غير طلق لا فيما لم يكن ملكا ، وحينئذ فلو خرب المسجد وخربت القرية ، وانقطعت المارّة عن الطريق الّذي فيه المسجد ، لم يجز بيعه وصرف ثمنه في

ص: 413

احداث مسجد آخر ، أو تعميره .

والظاهر : عدم الخلاف في ذلك ، كما اعترف به غير واحد .

نعم ذكر بعض الأساطين بعد ما ذكر - انه لا يصح بيع الوقف العام لا لعدم تمامية الملك بل لعدم أصل الملك لرجوعها

_________________________

احداث مسجد آخر ، أو تعميره )

لكن ربما يقال : ان بقاء الحق إلى هذا الحد ، لا دليل عليه ، بمعنى : انه لا دليل على أن الانسان يملك طولا شيئا إذا محى اثره ، وإذ لا يملك طولا - لانصراف الأدلة الدالة على الملك عن مثل هذا الملك الطويل - لم يكن له حق التقييد الأبدي حتى بعد زوال الأثر .

والحاصل : ان الملك امر عرفى أمضاه الشارع والحق العرفي له امد بنظر العرف إلى وقت الخراب للمدينة والقرية - مثلا - بحيث لا يبقى للملكية مفهوم عرفى في تلك القرية والبلدة .

فإذا كان الامر كذلك ، كان اللازم ان نقول : بان الأوقاف الخاصة أو العامة أيضا تابعة لهذا الامر ، فلا مفهوم للوقف بعد الخراب .

( و ) كيف كان : ف ( الظاهر : عدم الخلاف في ذلك ) اى في ان الوقف الّذي ليس بملك لا يجوز بيعه وتبديله ( كما اعترف به غير واحد ) وان كان عدم الخلاف محل اشكال ، صغرى وكبرى .

( نعم ذكر بعض الأساطين بعد ما ذكر - انه لا يصح بيع الوقف العام لا لعدم تمامية الملك بل لعدم أصل الملك ) فإنها اما ملك غير تام الملكية ، لوجود شائبة التحرير فيها ، أو ليست بملك أصلا ( لرجوعها )

ص: 414

إلى اللّه ، ودخولها في مشاعره - انه مع اليأس عن الانتفاع به في الجهة المقصودة يؤجر للزراعة ونحوها مع المحافظة على الآداب اللازمة لها ان كان مسجدا مثلا ، واحكام السجلات لئلا يغلب اليد فيقضى بالملك وتصرف فائدتها فيما يماثلها من الأوقاف مقدّما للأقرب والأحوج والأفضل

_________________________

اى الأوقاف العامة ( إلى اللّه ، ودخولها في مشاعره - ) « لرجوعها » علة لقوله « لعدم أصل الملك » ( انه مع اليأس عن الانتفاع به ) اى بالوقف العام ( في الجهة المقصودة ) كالمسجد للعبادة والمدرسة لسكنى الطلبة ( يؤجر للزراعة ونحوها ) من سائر الانتفاعات الممكنة ( مع المحافظة على الآداب اللازمة لها ) اى لتلك الأرض الموقوفة ( ان كان مسجدا مثلا ) كان لا يطرح فيها السماد النجس ، ولا يمكث الجنب فيها وهكذا ( واحكام السجلات ) « احكام » من باب الافعال والسجل هو الورقة التي يكتب فيها حال البناء والأرض من أنه ملك أو وقف أو ما أشبه ( لئلا يغلب اليد ) لان الأولاد الذين لا يعرفون واقع هذه الأرض لما رأوا أباهم يتصرف فيها يحكمون بأنها ملك لأبيهم ، لقاعدة اليد ، وهكذا ( فيقضى ) ويحكم بسبب اليد ( بالملك ) وانه ليس بوقف ( و ) إذا أوجر الوقف ( تصرف فائدتها فيما يماثلها من الأوقاف ) كفائدة المسجد في المسجد وفائد المدرسة في المدرسة ، وهكذا ( مقدّما للأقرب ) فمسجد بينه وبين المسجد الموجر فرسخ ، مقدم على مسجد بينهما فرسخان ( والأحوج ) فمسجد يحتاج إلى البناء ، مقدم على مسجد يحتاج إلى التبييض ( والأفضل ) فالمسجد الجامع ، أفضل من مسجد السوق

ص: 415

احتياطا .

ومع التعارض فالمدار على الراجح .

وان تعذر صرف إلى غير المماثل كذلك .

فان تعذر صرف في مصالح المسلمين .

واما غير الأرض من الآلات والفرش والحيوانات وثياب الضرائح ونحوها .

فان بقيت على حالها ، وأمكن الانتفاع بها في خصوص المحل

_________________________

( احتياطا ) والّا فلا دليل على مقدمية بعض من المماثل على البعض الآخر .

( ومع التعارض ) في الصفات المذكورة كما لو كان مسجد أقرب ومسجد أفضل ( فالمدار على الراجح ) شرعا حسب الفهم العرفي من الأدلة

( وان تعذر ) المماثل ، لا الفاضل ، ولا المفضول ( صرف ) نفع الوقف الخرب ( إلى غير المماثل ) مثلا يصرف نفع المدرسة في المسجد ( كذلك ) الأقرب والأحوج والأفضل .

( فان تعذر صرف في مصالح المسلمين ) كالشوارع والقناطر وما أشبه ذلك ( واما غير الأرض من الآلات والفرش والحيوانات ) الموقوفة لجهة خاصة ، كما لو وقف حيوان لمسجد خاص ، ثم باد أهل القرية واندرست بحيث لا ينتفع بذلك المسجد ( وثياب الضرائح ) للأئمة مثلا ، ( ونحوها ) كسائر أوقافها .

( فان بقيت على حالها ، وأمكن الانتفاع بها في خصوص المحل

ص: 416

الّذي أعدت له كانت على حالها .

والا جعلت في المماثل ، والا ففي غيره ، والا ففي المصالح ، على نحو ما مرّ .

وان تعذر الانتفاع بها باقية على حالها بالوجه المقصود منها ، أو ما قام مقامه اشبهت الملك بعد اعراض المالك ، فيقوم فيها احتمال

_________________________

الّذي أعدت ) تلك الآلات ( له ) لذلك المحل ( كانت ) وقفا ( على حالها ) السابق .

( والا ) يمكن الانتفاع بها في المحلّ الموقوف له ( جعلت في المماثل ) كآلة مسجد في مسجد آخر ( والا ففي غيره ) اى غير المماثل كآلة مسجد في مدرسة ( والا ففي المصالح ) للمسلمين ( على نحو ما مرّ ) في الأرض .

( وان تعذر الانتفاع بها ) اى بتلك الآلات في حالكونها ( باقية على حالها ) انتفاعا ( بالوجه المقصود منها ) مثلا كان المصباح الزيتى ، فجاء الكهرباء ، ولا ينتفع بعد بالمصباح الزيتى ، فان أمكن تبديلها بالمصباح الكهربائي ، فهو ، وان لم يكن الانتفاع به ( أو ما قام مقامه ) كما لو كان الطقس حارا ، وكان للمسجد مراوح حصيرية ، ثم تبدل الطقس باردا ، فلم ينتفع لا بالمراوح الحصيرية ، ولا بالمراوح الكهربائية القائمة مقامها ( اشبهت الملك بعد اعراض المالك ) فان المالك إذا اعرض عن ملكه سقط عن الملكية وصارت كالأموال التي لا مالك لها ، .

إذ : دليل الملك لا يشمل بعد الاعراض ، كما قرر في محله ( فيقوم فيها ) اى في الآلات التي لا ينتفع بها ، أو بما قام مقامها ( احتمال

ص: 417

الرجوع إلى حكم الإباحة والعود ملكا للمسلمين ، ليصرف في مصالحهم والعود إلى المالك ، .

ومع اليأس عن معرفته يدخل في مجهول المالك .

ويحتمل بقائه على الوقف ، ويباع احترازا عن التلف والضرر ولزوم الحرج وتصرف مرتبا على النحو السابق ، وهذا هو الأقوى كما صرح به بعضهم ، انتهى .

وفيه ان إجارة الأرض وبيع الآلات حسن ، لو ثبت دليل على كونه ملكا للمسلمين ، ولو على نحو الأرض المفتوحة

_________________________

الرجوع إلى حكم الإباحة ) الأصلية ، كالملك الّذي اعرض المالك عنه ( والعود ) لتلك الآلات ( ملكا للمسلمين ) عامة ( ليصرف في مصالحهم والعود إلى المالك ) وورثته .

( ومع اليأس عن معرفته ) اى المالك وورثته ( يدخل في مجهول المالك ) لأنه ملك لا يعرف مالكه .

( ويحتمل بقائه ) بعد عدم الانتفاع به ( على الوقف ، ويباع احترازا عن التلف ) إذا بقي حتى تلف ( والضرر ) إذا بقي وانتقص ( ولزوم الحرج ) على القائم بشأنه إذا أراد عدم تلفه وعدم تنقصه ( وتصرف ) في ثمن الوقف ( مرتبا على النحو السابق ) بان جعل في المماثل ، ثم في غير المماثل ثم في مصالح المسلمين ( وهذا هو الأقوى كما صرح به بعضهم انتهى )

( وفيه ان إجارة الأرض ) الموقوفة مسجدا ( وبيع الآلات حسن ، لو ثبت دليل على كونه ملكا للمسلمين ، ولو ) ملكية ( على نحو الأرض المفتوحة

ص: 418

عنوة ، لكنه غير ثابت ، والمتيقن خروجه عن ملك مالكه ، اما دخوله في ملك المسلمين ، فمنفى بالأصل .

نعم يمكن الحكم بإباحة الانتفاع للمسلمين لأصالة الإباحة ، ولا يتعلق عليهم اجرة .

ثم إنه ربما ينافي ما ذكرنا من عدم جواز بيع القسم الثاني من الوقف ما ورد في بيع ثوب الكعبة ، وهبته ، مثل رواية مروان بن عبد الملك ، قال سألت أبا الحسن عليه السلام ،

_________________________

عنوة ) اى ملكا لعامة المسلمين ، لا ملكا على نحو الا ملاك الفردية ( لكنه غير ثابت ، و ) انما ( المتيقن خروجه عن ملك مالكه ) بعد ان وقفه مسجدا ( اما دخوله في ملك المسلمين ، فمنفى بالأصل )

لكن يمكن ان يقال : انه يدور الامر بين ابقاء ارض المسجد بائرة وبين اجارتها لانتفاع المسلمين ، والثاني أقرب إلى الأدلة ، فان ظاهر قوله تعالى « وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً » ان الأصل في المال كونه قياما للناس ، فإذا تعذر كيفية خاصة من القيام ، وأمكن كيفية أخرى ، لزم ان يصرف المال في الكيفية الثانية .

( نعم يمكن الحكم بإباحة الانتفاع للمسلمين لأصالة الإباحة ، ولا يتعلق عليهم اجرة ) لان معنى كونه مباحا لهم ان لا اجرة عليهم .

( ثم إنه ربما ينافي ما ذكرنا من عدم جواز بيع القسم الثاني من الوقف ) وهو الآلات ، والفرش ، وما أشبههما ( ما ورد في بيع ثوب الكعبة ، وهبته ، مثل رواية مروان بن عبد الملك ، قال سألت أبا الحسن عليه السلام

ص: 419

عن رجل اشترى من كسوة الكعبة ما قضى ببعضه حاجته ، وبقي بعضه في يده ، هل يصلح له ان يبيع ما أراد قال عليه السلام : يبيع ما أراد ويهب ما لم يرد ، وينتفع به ، ويطلب بركته ، قلت : أيكفن به الميت ، قال : لا ، قيل وفي رواية أخرى : يجوز استعماله ، وبيع نفسه .

وكذلك ما ذكروه في بيع حصر المسجد إذا خلقت ، وجذوعه إذا خرجت عن الانتفاع

_________________________

عن رجل اشترى من كسوة الكعبة ما قضى ببعضه حاجته ) كالتبرك ، والافتناء ، وما أشبه ( وبقي بعضه في يده ، هل يصلح له ان يبيع ما أراد ) مما بقي في يده ( قال عليه السلام : يبيع ما أراد ويهب ما لم يرد و ) ما أراد الانتفاع به ( ينتفع به ، ويطلب بركته ) المراد بالبركة ما يسبب البقاء والهناء ( قلت : أيكفن به الميت ، قال : لا ) ولعله لأنه مخيط أو ما أشبه ، ويحمل على الكراهة ، ويحتمل التحريم ( قيل وفي رواية أخرى ) في باب ثوب الكعبة ( يجوز استعماله ، وبيع نفسه ) اى نفس الثوب ، وذكر كلمة النفس للتأكيد .

( وكذلك ) ينافي ما ذكر من عدم بيع القسم الثالث ( ما ذكروه في بيع حصر المسجد إذا خلقت ، وجذوعه إذا خرجت عن الانتفاع ) وحينئذ فيقال : اى فرق بين المسجد ، وبين حصير المسجد ، وبين ثوب الكعبة حتى تقولون بالجواز فيهما ، دون نفس المسجد .

وربما يستدل للمنع عن البيع الخيري مطلقا مسجدا أو غيره بأمور خمسة .

ص: 420

. . . . . . . . . .

_________________________

الأول : قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم الوقوف على حسب ما وقفها أهلها .

الثاني : قوله عليه السلام إلى أن يرث اللّه الأرض ، مما ظاهره الوقف إلى الأبد .

الثالث : ان المالك جعله مؤبّدا ، فمقتضى سلطة الناس على أموالهم ، البقاء الأبدي .

الرابع : ان الوقف تحرير ، ولا معنى لدخول ما خرج عن الملك إلى الملكية كارتداد المحرّر عبدا .

الخامس : اصالة عدم صحة التصرفات وضعا ، وحرمتها تكليفا استصحابا للحالة السابقة .

ثم إن مقتضى بعض هذه الأدلة الاطلاق بالنسبة إلى جميع أقسام الوقف ، لكن خرج من ذلك الوقف الذّرى ، وآلات المسجد ، وثوب الكعبة ، وما أشبه ، فيبقى الباقي تحت العموم .

ولكن لا يخفى ما في هذه الأدلة .

إذ الأول : ناظر إلى مقدار صلاحية المالك ، وقد تقدم ان الملك ليس أبديا حتى يكون التصرف أبديا ولذا صرح الفقيه الهمداني في مسئلة الكفر بعدم بقاء الملك بالنسبة ، البلاد التي خربت كاراضى سامراء والكوفة ونحوهما .

فالمعنى الوقوف حسب ما وقفها أهلها بمقدار مالكية ، لرقبة الأرض قبل ان يوقفها .

فليس للمالك ان يوقف أكثر من ملكه امتدادا زمانيا ، كما أنه ليس له

ص: 421

. . . . . . . . . .

_________________________

ان يوقف أكثر من ملكه امتداد امكانيا ، في الهواء ، أو إلى تخوم الأرض .

ويرد على الثاني : ان الأرض إذا بادت وباد أهلها ورثها اللّه سبحانه ، فقول علي عليه السلام : إلى أن يرث اللّه الأرض ، يراد به الخراب لا يوم القيامة

مضافا إلى أن الظاهر من هذا الكلام لدى العرف البقاء وقفا إلى ذلك الوقت إذا لم يخرب ولم يبد أهله .

ومنه يظهر الجواب عن الدليل الثالث والرابع ، لان التحرير انما هو في قدر له الملك ، لا في القدر الّذي لم ينفذ ملكه فيه ، فان امتداد الملك ليس إلى ما بعد الخراب حتى يحق للمالك تحريره ،

والأصل لا مجال له بعد الدليل .

هذا مضافا إلى أن كون بيع آلات المسجد وثوب الكعبة من قبيل التخصيص خلاف الظاهر ، بل الظاهر أنه من باب التخصّص ، وعدم شمول الوقف إلى ما بعد هذه الحالة

مضافا إلى أن استدلالهم في بيع الوقف الذّرى بأنه تبع لغرض الواقف آت فيما نحن فيه أيضا

وعلى هذا فبقاء ارض المسجد والحسينية والمدرسة وما أشبه على حالة الوقف حتى بعد الخراب وفناء الأهل ، محل اشكال .

وقد تعرضنا للمسألة في كتاب الفقه شرح العروة مسهبا .

وانما نقلنا هنا هذا التعليق الّذي كنا علقناه على المكاسب سابقا تتميما للفائدة ، وان كان خارجا عن غرض الشرح ، والله العالم .

ص: 422

اللهم الا ان يقال : ان ثوب الكعبة ، وحصير المسجد ليسا من قبيل المسجد ، بل هما مبذولان للبيت والمسجد ، فيكون كسائر أموالهما .

ومعلوم ان وقفية أموال المساجد ، والكعبة من قبيل القسم الأول ، وليس من قبيل نفس المسجد ، فهي ملك للمسلمين ، فللناظر العام التصرف فيه بالبيع .

نعم فرق بين ما يكون ملكا طلقا كالحصير المشترى من مال المسجد فهذا يجوز للناظر بيعه مع المصلحة ، ولو لم يخرج عن حيّز الانتفاع ، بل كان

_________________________

وكيف كان ( اللهم الا ان يقال : ان ثوب الكعبة ، وحصير المسجد ليسا من قبيل المسجد ، بل هما مبذولان ) بذلا ، لا موقوفان أعينهما وقفا ( للبيت والمسجد ، فيكون ) كل واحد من الثوب والحصير ( كسائر أموالهما )

( ومعلوم ان وقفية أموال المساجد ، والكعبة من قبيل القسم الأول ) وهو ملك الموقوف عليه كالوقف الذّرى ( وليس من قبيل نفس المسجد ) الّذي هو تحرير وفك ملك ( فهي ) اى ثوب الكعبة والحصير للمسجد ( ملك للمسلمين ، فللناظر العام ) الّذي له ولاية على المسلمين ( التصرف فيه بالبيع )

ويبقى الكلام في جذع المسجد ، وآجره الّذي وقف مسجدا من الأول ، فكيف يجوزون بيعه ، وما الفرق بينه وبين ارض المسجد .

( نعم فرق بين ما يكون ملكا طلقا ) للمسجد ( كالحصير المشترى من مال المسجد ، فهذا يجوز للناظر ) في شؤون المسجد ( بيعه مع المصلحة ، ولو لم يخرج عن حيّز الانتفاع ، بل ) ولو ( كان

ص: 423

جديدا غير مستعمل ، وبين ما يكون من الأموال وقفا على المسجد كالحصير الّذي يشتريه الرجل ، ويضعه في المسجد ، والثوب الّذي يلبس البيت .

فمثل هذا يكون ملكا للمسلمين ، لا يجوز لهم تغييره عن وضعه الا في مواضع يسوغ فيها بيع الوقف .

ثم الفرق بين ثوب الكعبة ، وحصير المسجد ، ان الحصير يتصور فيه كونه وقفا على المسلمين ، ولكن يضعه في المسجد ، لأنه أحد وجوه انتفاعهم

_________________________

جديدا غير مستعمل ، وبين ما يكون من الأموال وقفا على المسجد كالحصير الّذي يشتريه الرجل ، ويضعه في المسجد ، والثوب الّذي يلبس ) به ( البيت ) الحرام .

( فمثل هذا ) القسم الثاني ( يكون ملكا للمسلمين ، لا يجوز لهم تغييره عن وضعه ، الا في مواضع ) خاصة ( يسوغ فيها بيع الوقف )

هذا ، وأنت خبير بان امكان ابداء الفرق ، لا يصحّح الامر ، لاحتياج الحكم إلى الدليل الشرعي ، والقول باستواء الأرض لغيرها ، أهون من ابداء هذه الفروق وان كان عدم ذهاب المشهور مما لم يوجب التهيب عن الفتوى بذلك .

( ثم الفرق بين ثوب الكعبة ، وحصير المسجد ، ان الحصير يتصور فيه كونه وقفا على المسلمين ، ولكن يضعه في المسجد ، لأنه ) اى الوضع في المسجد ( أحد وجوه انتفاعهم ) كما يصحّ ان يوضع في الصحن ، أو الحرم ، أو

ص: 424

كالماء المسبّل الموضوع في المسجد .

فإذا خرب المسجد ، أو استغنى عنه جاز الانتفاع به ، ولو في مسجد آخر بل يمكن الانتفاع به ، ولو في غيره ، ولو مع حاجته .

لكن يبقى الكلام في مورد الشك مثل ما إذا فرش حصيرا في المسجد أو وضع حبّ ماء فيه .

وان كان الظاهر في الأول الاختصاص ،

_________________________

الحسينية ، أو ما أشبه ( كالماء المسبّل الموضوع في المسجد ) الّذي ليس الماء للمسجد ، وانما يوضع في المسجد من باب انه أحد محلّات شرب الماء

( فإذا خرب المسجد ، أو استغنى عنه ) اى عن الحصير المذكور في ذلك المسجد الموضوع فيه ( جاز الانتفاع به ، ولو في مسجد آخر ) بل ولو في حسينية ، أو ما أشبههما ( بل يمكن الانتفاع به ، ولو في غيره ، ولو مع حاجته ) فان حاجة المسجد لا تجعل من الوقف العام خاصا .

( لكن يبقى الكلام في مورد الشك ) وان الوقف هل هو عام حتى يصح نقله إلى مسجد آخر ، أو خاص حتى لا يصح ( مثل ما إذا فرش حصيرا في المسجد ، أو وضع حبّ ماء فيه ) وشككنا في انهما خاصّان أو عامّان

( وان كان الظاهر في الأول ) اى الحصير ( الاختصاص ) بالمسجد الموضوع فيه .

وربما يقال : بان الأصل عدم الخصوصية ، إذ علمنا بالوقف ، ولم نعلم بالخصوصية ، فالأصل عدمها ، ولا ظهور في البين ، إذ : لو أريد ظهور حال الواضع ، فأيّ ظهور هذا ، وان أريد الظهور الناشئ عن

ص: 425

وأوضح من ذلك الترب الموضوعة فيه .

وفي الثاني العموم ، فيجوز التوضى منه وان لم يرد الصلاة في المسجد .

والحاصل : ان الحصير وشبهها الموضوعة في المساجد ، وشبهها يتصور فيه اقسام كثيرة ، يكون الملك فيها للمسلمين وليست من قبيل

_________________________

الغلبة ، فهو ليس بحيث يقاوم الأصل .

واصالة عدم الخصوصية محكمة على اصالة عدم خروج الملك عن ملك مالكه ، الا بنحو خاص .

ولا يقال : ان النحو الخاص متيقن ، وما عداه يحتاج إلى الدليل .

لأنا نقول : الخصوصية امر زائد يشك فيه ، فالأصل عدمه .

( وأوضح من ذلك ) الحصير في كونه ظاهرا في الاختصاص ( الترب ) الحسينية عليه السلام ( الموضوعة فيه ) فلا يجوز الذهاب بها إلى مسجد اخر .

( وفي الثاني ) اى الحب ( العموم ، فيجوز التوضى منه وان لم يرد الصلاة في المسجد ) إذ : الغالب ان الناس لا يخصصون جواز التوضى بمن يريد الصلاة في ذلك المسجد .

( والحاصل : ان الحصير وشبهها ) كالترب ، والحب ، والمراوح ( الموضوعة في المساجد ، وشبهها ) كالحسينيات والمدارس ( يتصور فيه اقسام كثيرة يكون الملك فيها للمسلمين ) كان تكون موقوفة للمسلمين ، أو موقوفة للمساجد ، أو موقوفة للبلدة ، أو موقوفة لتوضع في الموقوفات ، إلى غيرها لا موقوفة لخصوص هذا المسجد ( وليست من قبيل

ص: 426

نفس المسجد واضرابه .

فتعرض الأصحاب لبيعها لا ينافي ما ذكرنا .

نعم : ما ذكرنا لا يجرى في الجذع المنكسر من جذوع المسجد التي هي من اجزاء البنيان .

مع أن المحكى عن العلامة وولده والشهيدين والمحقق الثاني :

جواز بيعه وان اختلفوا في تقييد الحكم واطلاقه كما سيجيء ، الا ان نلتزم بالفرق

_________________________

نفس المسجد واضرابه ) مما لا ملكية لها لاحد .

( فتعرض الأصحاب لبيعها ) اى بيع الحصير وشبهها ( لا ينافي ما ذكرنا ) من أن المسجد لا يجوز إجارة ارضه ، وبيعها ، لأنها محررة .

إذ قد عرفت الفرق بان الملك في الآلات للمسلمين ، فيجوز بيعها ، بخلاف ارض المسجد .

( نعم : ما ذكرنا لا يجرى ) بالنسبة إلى الآلات - من أنها ملك للمسلمين فيجوز بيعها - ( في الجذع المنكسر من جذوع المسجد التي هي من اجزاء البنيان ) فيقال انه : كيف تقول الفقهاء بجواز بيع الجذع ولا يقولون بجواز بيع ارض المسجد مع أنها من باب واحد .

( مع أن المحكى عن العلامة وولده والشهيدين والمحقق الثاني :

جواز بيعه ) « مع » من تتمة الاشكال ( وان اختلفوا في تقييد الحكم ) ببيع الجذع ( واطلاقه ) فقال بعضهم بجواز بيعه مطلقا وقال آخر : بجواز بيعه في صورة خاصة ( كما سيجيء الا ان نلتزم بالفرق ) بين الجذع الّذي قلنا

ص: 427

بين ارض المسجد ، فان وقفها وجعلها مسجد افك ملك بخلاف ما عداها من اجزاء البنيان كالأخشاب والأحجار ، فإنها تصير ملكا للمسلمين فتأمل .

وكيف كان فالحكم في ارض المسجد ، مع خروجها عن الانتفاع بها رأسا ، هو ابقائها مع التصرف في منافعها ، كما تقدم عن بعض الأساطين أو بدونه .

واما اجزائه كجذوع سقفه ، وآجره من حائطه المنهدم

_________________________

بجواز بيعه ، و ( بين ارض المسجد ، فان وقفها وجعلها مسجدا فك ملك ) فليست الأرض مملوكة ، حتى يجوز بيعها ( بخلاف ما عداها من اجزاء البنيان كالأخشاب والأحجار ، فإنها تصير ملكا للمسلمين ) بجعل الواقف ، فيجوز بيعها ( فتأمل )

إذ : الفرق غير تام لما نشاهده من أن الباني يوقف الجميع : الأرض والبنيان بلفظ واحد ، ونية واحدة .

فاللازم اما ان نقول : بجواز البيع في الجميع ، واما ان نقول : بعدم جواز البيع في الجميع .

( وكيف كان ) الامر في الفارق بين الأرض وبين الآلات ( فالحكم ) الّذي يختاره المصنف ( في ارض المسجد ، مع خروجها عن الانتفاع بها رأسا ، هو ابقائها مع التصرف في منافعها ) كان تستأجر للزرع ، ونحوه ( كما تقدم ) الفتوى بذلك ( عن بعض الأساطين ، أو بدونه ) اى بدون التصرف في منافعها

( واما اجزائه كجذوع سقفه ، وآجره ) الواقع ( من حائطه المنهدم

ص: 428

فمع المصلحة في صرف عينه يجب صرف عينه فيه ، لان مقتضى : وجوب ابقاء الوقوف واجزائها على حسب ما يوقفها أهلها ، وجوب ابقائها جزءا للمسجد ، لكن لا يجب صرف المال من المكلف لمئونته بل يصرف من مال المسجد ، أو بيت المال وان لم يكن مصلحة في رده جزءا للمسجد فبناء على ما تقدم من أن الوقف في المسجد واضرابه فك ملك - لم يجز بيعه لفرض عدم الملك .

_________________________

فمع المصلحة في صرف عينه ) عند ترميم المسجد ( يجب صرف عينه فيه ) اى في نفس المسجد ( لان مقتضى : وجوب ابقاء الوقوف واجزائها على حسب ما يوقفها أهلها ، وجوب ابقائها ) اى تلك الأجزاء ( جزءا للمسجد لكن لا يجب صرف المال من المكلف لمئونته ) اى مئونة التعمير ، لأصالة عدم الوجوب ، فإذا وقعت شرفة المسجد ، لا يجب على مكلف ، اعطاء مال نفسه : لا عادة الشرفة ، وهكذا ( بل يصرف من مال المسجد ) إذا كان له مال ، وكان التعمير صلاحا ( أو بيت المال ) المكون من الزكاة وسهم الامام وشبههما ، لان من مصارف الزكاة سبيل الله تعالى ، ومن مصارف سهم الامام كل امر ديني ، لقوله عليه السلام : ان الخمس عوننا على ديننا ( وان لم يكن مصلحة في رده ) اى ردّ ذلك الجذع ، أو الآجر المنهدم ( جزءا للمسجد - فبناء على ما تقدم من أن الوقف في المسجد واضرابه فك ملك - لم يجز بيعه ) « لم يجز » جواب « ان » ( لفرض عدم الملك ) علة لقوله « لم يجز »

ص: 429

وحينئذ فان قلنا : بوجوب مراعاة الأقرب إلى مقصود الواقف فالأقرب تعين صرفه في مصالح ذلك ، كاحراقه لآجر المسجد ، ونحو ذلك كما عن الروضة ، والا صرف في مسجد آخر ، كما في الدروس ، والا صرف في سائر مصالح المسلمين ، قيل : بل لكل أحد حيازته وتملكه .

وفيه نظر ، وقد الحق بالمساجد ، المشاهد والمقابر والخانات والمدارس والقناطر الموقوفة على الطريقة المعروفة

_________________________

( وحينئذ ) اى حين عدم جواز بيع تلك الآلات ( فان قلنا : بوجوب مراعاة الأقرب إلى مقصود الواقف فالأقرب ) اى الأقرب فالأقرب كمسجد آخر ، وان تعذر فمدرسة دينية وهكذا ( تعين صرفه في مصالح ذلك ) المسجد ( كاحراقه ) اى الجذع ( لآجر المسجد ، ونحو ذلك ) من المنافع المربوطة بنفس ذلك المسجد ( كما عن الروضة ، والّا صرف في مسجد آخر ، كما في الدروس ) لان المسجد الآخر أقرب إلى مقصد الواقف ( والّا صرف في سائر مصالح المسلمين ) لأنه أقرب إلى نظر الواقف ( قيل :

بل لكل أحد حيازته وتملكه ) لأنه خرج من ملك المالك بالوقف ، وخرج عن الوقف أيضا فيكون كسائر المباحات .

( وفيه نظر ) لان المالك لم يخرجه عن ملكه مطلقا ، بل اخرجه للصرف في الخير ، فإذا لم يمكن ذلك الخير دار الامر بين رجوعه إلى المالك ، أو إلى خير مطلق ( وقد الحق بالمساجد ، المشاهد ) للأئمة الطاهرين ، وسائر المشاهد ( والمقابر ) للمسلمين ( والخانات ) الموقوفة في الطرق ( والمدارس ، والقناطر الموقوفة على الطريقة المعروفة )

ص: 430

والكتب الموقوفة على المشتغلين ، والعبد المحبوس في خدمة الكعبة ونحوها ، والأشجار الموقوفة لانتفاع المارة ، والبوارى الموضوعة لصلاة المصلين ، وغير ذلك مما قصد بوقفه الانتفاع العام لجميع الناس أو للمسلمين ، ونحوهم من غير المحصورين لا لتحصيل المنافع بالإجارة ، ونحوها ، وصرفها في مصارفها كما في الحمامات والدكاكين ، ونحوها ، لان جميع ذلك صار بالوقف كالمباحات بالأصل اللازم ابقائها على الإباحة

_________________________

« على » متعلق ب « الموقوفة » ( والكتب الموقوفة على المشتغلين ) أو للمكتبات ( والعبد المحبوس في خدمه الكعبة ، ونحوها ) كالمدارس والمساجد ( والأشجار الموقوفة لانتفاع المارة ، والبوارى الموضوعة لصلاة المصلين ، وغير ذلك ) كالحيوانات الموقوفة لجهة خاصة ( مما قصد بوقفه الانتفاع العام لجميع الناس أو للمسلمين ونحوهم من غير المحصورين ) كالطلاب والفقراء ( لا لتحصيل المنافع بالإجارة ، ونحوها ) كالمصالحة على أن ينتفع شخص به في مقابل اعطاء بدل ( وصرفها ) اى الأجرة ( في مصارفها ) الخاصة المجهولة في الوقف ( كما في الحمامات والدكاكين ونحوها ) كالدور التي توقف لأجل ان توجر ، وينتفع بإجارتها الطلاب أو من أشبههم .

وقوله « لا لتحصيل » عطف على قوله « مما قصد بوقفه »

وانما قلنا : بان ما قصد بوقفه الانتفاع العام حاله حال المسجد ( لان جميع ذلك صار بالوقف كالمباحات بالأصل اللازم ابقائها على الإباحة ) للمنتفعين لا على الإباحة للحيازة - كما لا يخفى -

ص: 431

كالطرق العامة ، والأسواق .

وهذا كله حسن ، على تقدير كون الوقف فيها فك ملك ، لا تمليكا ولو اتلف شيئا من هذه الموقوفات أو اجزائها متلف ، ففي الضمان وجهان من عموم على اليد ، فيجب صرف قيمته في بدله ومن أن : ما يطلب بقيمته يطلب بمنافعه

_________________________

( كالطرق العامة ، والأسواق )

فكما لا يجوز بيع المسجد ، كذلك لا يجوز بيع هذه الأمور ، لعدم حصول الملكية فيها ، والملك قوام البيع ، كما لا يخفى .

اما ما جعل لتحصيل المنافع ، كالحمامات ، فإذا سقطت عن الانتفاع جاز بيعها ، لأنها لم تجعل كالمباحات ، بل كالملك المحبوس .

( وهذا ) الكلام في كون تلك الأشياء كالمسجد ، في عدم صحة بيعها ( كله حسن ، على تقدير كون الوقف فيها فك ملك ، لا تمليكا ) والّا كان حالها حال الحمامات الموقوفة ، لا حال المساجد ، وغيرها ( ولو اتلف شيئا من هذه الموقوفات ) التي كان الوقف فيها فك ملك ( أو اجزائها متلف ، ففي الضمان وجهان ) .

وجه الضمان ما ذكره بقوله : ( من عموم : على اليد ) الشامل للوقوف والملك ( فيجب ) على المتلف ( صرف قيمته في بدله ) فإذا اتلف سقف الغرفة الموقوفة وجب عليه ان يصرف مالا لتجديد السقف مثلا وهكذا .

ووجه عدم الضمان ما ذكره بقوله ( ومن أن : ما يطلب بقيمته يطلب بمنافعه ) إذ : القيمة والمنفعة متلازمان ، إذ لو كان الشيء واجب القيمة

ص: 432

والمفروض عدم المطالبة بأجرة منافع هذه لو استوفاها ظالم ، كما لو جعل المدرسة بيت المسكن أو محرزا .

وان الظاهر من التأدية في حديث : اليد ، الايصال إلى المالك فيختص باملاك الناس .

والأول أحوط ، وقوّاه بعض

_________________________

على المتلف ، كان واجب المنفعة عليه ( والمفروض عدم المطالبة بأجرة منافع هذه ) الأوقاف ( لو استوفاها ظالم ، كما لو جعل المدرسة بيت المسكن أو محرزا ) اى مخزنا لشيء .

( و ) ان قلت : فما ذا تصنعون بعموم على اليد ،

قلت : ( ان الظاهر من التأدية ) اى : على اليد ما اخذت حتى تؤدى ( في حديث : اليد ، الايصال إلى المالك ) لا ناظر الوقف أو أربابه ( فيختص باملاك الناس ) فلا يشمل الحديث الأوقاف .

( والأول ) اى الضمان ( أحوط ، وقوّاه بعض ) بل هو مقتضى القاعدة ، لعدم تسليم الظهور المذكور في الحديث ، وقد تقدم : ان مقتضى القاعدة الاستيفاء من المتصرف في الوقف .

ص: 433

سيصدر قريبا جدا الجزء الثامن من اجزاء الكتاب والقسم الخامس من البيع إن شاء الله تعالى .

ص: 434

محتويات الكتاب

الموضوع الصفحة

في توابع الإجازة والرد 4

في حكم المشترى مع الفضولي 6

فيما لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه 89

فيمن لو باع من له نصف الدار وصوره 109

فيما لو بيع ما يقبل التملك وما لا يقبله 139

في أولياء العقد 148

في تعيين مناصب الفقيه 165

في ولاية عدول المؤمنين 214

في جواز مزاحمة الفقيه لمثله وعدمه 241

في ملاحظة الغبطة لليتيم وعدمها 249

في اشتراط اسلام من ينتقل إليه العبد 267

في عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر 316

في شرائط العوضين 318

في بيان اقسام الأرضين واحكامها 324

ص: 435

الموضوع الصفحة

في ثبوت حق الاختصاص للمتصرف 351

في جواز التصرف وعدمه في الأراضي الخراجية 353

في ان من شروط العوضين كونهما طلقا 359

في عدم جواز بيع الوقف 367

في مسوغات بيع الوقف 376

محتويات الكتاب 435

ص: 436

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.